الحمد لله ربِّ العالمين، خلق الإنسان وهو أعلم به من نفسه، يعلم سرَّه وعلانيته، ويعلم ما تُخْفي الصدور، ويعلم ما يُصلح حاله وشأنه، ويحدّد أسباب فساد نفسه ومجتمعه وبيته، ويضع لكل داء دواء، وهو سبحانه وتعالى وحده الذي بيده رفع الداء وتحقيق الشّفاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَنْ توكَّل عليه كفاه، ومَنْ رجع إليه في أمر مِنْ الأمور كفاه أمور دنياه وآخراه. سبحانه .. سبحانه، هو وحده الذي يشرح الصدور، وييسِّرُ الأمور. فسبحان اللطيف الخبير الذي أنزل لخلقه كلَّ ما فيه نفعهم وشفاؤهم. وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه. أعطاه الله عيناً من عنده نظر بها إلى خلقه، فعلم الداء وتضرع إلى الله طالباً الدواء، فأخذه عنده عزَّ وجلّ وعلَّمه الأدوية النافعة لجميع البشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، طبّ القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفاءها، ونور الأبصار وضيائها، وسراج الأرواح وهديها، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد..
فيا إخواني ويا أحبابي:
عندما نقرأ سورة المعراج نجد الله عزَّ وجلّ يقسم لنا!! وما كنا في حاجة إلى القسم لأنه أصدق القائلين، وخير المتكلمين: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) (87النساء)، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) (122النساء). ولكنه لإذهاب الوساوس التي تدور في الصدور، والخواطر السيئة التي تَرِدُ على العقول في شأن هذه المعجزة الإلهية أقسم فقال: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (1: 5النجم).
يعني كل كلمة تكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رحلته المباركة فإنما هي وَحْيٌ من الله عزَّ وجلّ ، وإنما هي إلهامٌ من الله سبحانه وتعالى، وكل تعليمات جاء بها في تلك الرحلة، وكل أوامر تلقاها في تلك الرحلة، إنما هي غاية الصواب وحكمة العليِّ الوهاب. (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ) فيما جاء به من عند ربِّه، وما تحرك بغواية نفس، ولا بهواية طبع، ولا بشئ يجول في خاطره، وإنما كما قال الله: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) (105الإسراء). ثم كان الأمر كذلك.
وهذه الرحلة جاءت للبشرية كلها منه صلوات الله وسلامه عليه، ومنذ زمانه إلى قيام الساعة، لحلِّ معضلاتها، فقد كان مَنْ حوله من المسلمين الأولين يعانون من العداء، ومن ألم العتاب، ومن قرع الخطاب من الكفار والمشركين، وكانوا يذهبون إليه ويسألونه متى ينتهي عنهم هذا الأمر، فجاءهم بعد هذه الرحلة بالبشرى، وقال لهم: ابشروا فقد أُرِيتُ دار هجرتكم، وهي أرض ذات نخل. ففرحوا واستبشروا، وعَلِمُوا أنَّ الله معهم ومحيط بهم، لأنه أراه المدينة، وأراه نخلها، وأراه دورها، وأراه كل شئ فيها، لكي يبشرهم صلى الله عليه وسلم في المشكلة التي أرقت بالهم وشغلت نفوسهم، وهي متى يرتاحون ويعبدون الله وهم آمنون، ويطمئنون ولا يخافون.
ونحن في عصرنا – لكي نقصر عليكم المسافة: ما علاج مشكلات مجتمعنا؟ وما علاج مشكلات نفوسنا؟
لو دعونا كل فلاسفة الأرض واجتمعوا ما شاء الله لهم أن يجتمعوا، وبحثوا في نفوس طبقات المجتمع، لم يستطيعوا أن يهتدوا إلى الحلِّ الصحيح، لأنهم لا يعرفون ما توسوس به الصدور، ولا يقرأون ما يجول في العقول!!
لكن الله وحده الذي يعلم سرائرنا، ويعلم خفيات ضمائرنا، هو الذي يملك الحلَّ الوحيد لكل ما نحن فيه من متاعب وآلام، والله عزَّ وجلّ لأنه خلقنا يعلم ما يدور في زماننا، كما يعلم ما يدور في الزمان الذي بعدنا، وكما يعلم ما كان في الزمان الذي قبلنا، لأن علَّمه بما سيكون وبما هو كائن كعلمه بما هو كان جلَّ وعلا، لأنه ينظر بعينه، وهو وحده السميع البصير عزَّ وجلّ. ماذا علَّم لنبيِّنا من أجواءِ ومشكلاتِ مجتمعنا؟
إن كل ما نحن فيه من متاعب – في الطرقات، أو في الأعمال، أو في البيوت، أو في القرى أو في المدن – أرجعها الله لنبيِّه إلى أربعة أشياء:
الأولى: الكلمة، (فقد رأى ثوراً عظيماً يخرج من جُحْرٍ ضيق في صخرة، ثم يحاول أن يرجع مرة أخرى فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا أخي يا جبريل؟ قال: هذه الكلمة العظيمة يتفوه بها الرجل من أمتك، ثم يندم عليها ويحاول أن يرجع فيها فلا يستطيع).
الكلمة! وأكثر مشكلات مجتمعنا من الكلمة، فَبِهَا الوشاية من المرءوسين إلى الرؤساء، وبها النميمة والوقيعة بين الإخوة والأصدقاء، وبها تتغير النفوس، وتتغير القلوب، وتمتلئ بالحقد والضغينة على الأحباب. يكون الإنسان يضمر لأخيه غاية المحبة، فيأتي واشٍ أو نمَّام ويبلغه عن أخيه كلمة – سمعها أو لم يسمعها – فيتغير في الحال، وينقلب الحب إلى بغضاء، وينقلب بعد ذلك إذا زاد إلى حقد وشحناء، حتى أنه ربما ينقلب إلى كراهية وعداء، فيفكر في كيفية تحطيمه والقضاء عليه، بعدما كان يفكر في تيسير السبيل له وتهيئته كل الأمور له للمحبة التي بينهما!!
لو نتَّبع – يا إخواني – هَدْىَ الإسلام وقوانين الإسلام في الكلام!!!
ويسأل سائل: وهل للإسلام قوانين في الكلام؟ نعم، لكننا لا نسأل عنها ولا نبحث عنها!! اسمع معي إلى قوانين الإسلام في الكلام:
أما القانون الأول مع الناس جميعاً، مشركهم وكافرهم وجاحدهم، كلِّ الناس يقول لنا فيهم ربُّ الناس: (قُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (83البقرة).
كلِّمُوهم بالحسن، وليس بالكلام القبيح، وليس بالكلام الكريه لأنه حتى ولو كان عدوك فقد قيل في الأثر: (اتقوا غيظ القلوب ولو في البهائم). لا تجعل أحداً يغتاظ منك، والغيظ في العادة يكون بسبب كلمة أو سلوك غير مرغوب فيه، فأمرنا الله أن نحسن الكلمة حتى مع غير المؤمنين. أما مع المؤمنين: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (24الحج)
هذا هو الأمر الأول، تخفف عنهم عند الضيق، ونرفع روحهم المعنوية من اليأس، ونزيل الهموم والغموم من صدورهم، ونرفع الحزن والأسى من قلوبهم، ونعينهم على مشاكلهم، كل هذا من ماذا؟ من الكلمة.
وهذه الكلمة الطيبة جعلها الله عزَّ وجلّ من رياض الجنة، وأعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً لأهميتها فقد قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ العبدَ لَـيَتَكَلَّـمُ بالكلمةِ من رضوانِ الله – الكلمة الطيبة الصالحة – يرفعه الله بها في الجنة سبعين خريفاً – يعني سبعين سنة – وإِنَّ العبدَ لَـيَتَكَلَّـمُ بالكلـمةِ من سَخَطِ الله لا يُلْقِـي لَهَا بالاً – من فتنة أو وقيعة أو خديعة – يَهْوَى بِهَا فـي جَهَنَّـم سبعين خريفاً -أي سبعين سنة} (صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه).
ولذا يا إخواني فكلكم تعرفون أنه عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وانتقل إلى جوار ربِّه، ومشى أصحابه على هديه، لم يكن عندهم محكمة واحدة، ولا قاضٍ يفصل بينهم، ولا محامٍ يدافع عن حقوقهم، لأنهم مَلَكُوا الكلمة، فملكوا ناصية الأمور، فلم يحتاجوا إلى مرافعات ولا دفاعات ولا مخاصمات، لأن كل تلك الأشياء تبدأ من الكلمة!! حتى أن مصائر الشعوب تتعلق بكلمة!! ربما يكون شعبٌ مغلوبٌ على أمره وضعيف، ويتفوه رئيسه بكلمة تودي بحياة شعبه.
فالكلمة يا إخواني هي المصدر الأول والسبب الأول في فساد المجتمع وإصلاحه، والمؤمن وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في شأنه: {رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً قَالَ خَيْرَاً فَغَنِمَ، أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ} (في الفتح الكبير وجامع الأحاديث في الزهد عن خالد بن أبي عمران مرسلاً)، لا يتكلم إلا بحساب لأن الله يقول: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (18ق)
فهو يعلم أن كل كلمة ستسجَّل عليه، إما في ميزان حسناته وإما في صحف سيئاته، فلا يتفوه بكلمة قبل أن يزنها بالميزان الذي أنزله له الحنان المنان وهو العقل، فيعرض الكلمة على عقله، وعقله مستضيئ بشريعة ربِّه، فإذا وافقت شرع الله ووافقت عادة الناس المرعية التي يعرفها العقل أخرجها وتفوه بها، وإذا كانت مخالفة لشرع الله ولا تلائم العادات المتبعة في أعراض الناس لم يتفوه بها، وأمسك لسانه حتى لا يكون على هذه الصورة القبيحة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني – وسأذكره باختصار حتى لا أطيل عليكم – وهو تحمل المسئوليات، فقد رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً يحمل حِمْلاً عظيماً مِنْ الحَطَب ولا يستطيع أن يحمله، ولا يستطيع أن يسير به، وهو مع ذلك يزيد عليه!! وهذا ما يحدث في زماننا!! يريد كلُّ رجل أن يجمع عدة وظائف في قبضته، لماذا؟!! هل عددنا قليل؟!! أو هل كوادرنا غير موجودة؟!!!
الأعداد كثيرة والكوادر كثيرة والشباب كثير في كل تخصص، وديننا يؤمن بالتخصص الدقيق، والرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه كان يوحى إليه من ربِّه إلا أنه لم يجمع الأمور في قبضته، بل وزع التركة على الأصحاب وقال: {أرْحَمُ أُمَّتِي أبو بكرٍ، وأشَدُّها في دِينِ الله عُمَرُ، وَأَصْدَقُها حَياءً عُثمانُ، وَأَعْلَمُها بالحلالِ وَالحَرَامِ معاذُ بْنُ جَبَلٍ، وأقرَؤها لكتاب الله أُبيٌّ، وأعْلَمُها بالفَرَائِضِ زَيْدُ بنُ ثابتٍ، ولِكُلِّ أمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هذِهِ الأمَّةِ أبو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ} (أحمد والترمذي عن أنس رضى الله عنه).
مع أن كل هؤلاء تعلَّموا منه لأنه المُعَلِّمُ الأول صلى الله عليه وسلم، بل إنه كان يستشيرهم ويقول لهم: {أما إنَّ الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله تعالى رحمة لأمتي، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غيًّا} (أخرجه ابن عدي والبيهقي في «الشعب» عن ابن عباس، وأوله (قال: لما نزلت )وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأمْرِ(، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحديث})
فعلَّمهم صلى الله عليه وسلم التخصُّص وحدَّد المسئوليات. فالرجل له مسئولية، والمرأة لها مسئولية، والخادم عليه مسئولية، وقال في مقدمة المسئوليات: {كُلُّكُمْ رَاعٍ. وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} (صحيح مسلم والبخاري عن ابن عمر، والطبراني في الأوسط والصغير عن أنس بن مالك وعن عائشة رضي الله عنها).
ثم وضح مسئولية الرجل ومسئولية المرأة، ومسئولية الخادم حتى لا يوجد رجل في الإسلام يستبد بالأمور ويلغي شخصية الزوجة. هذا ليس في الإسلام، وأمر الرجل أن يدرِّب أبناءه من الطفولة، فإذا بلغ الولد سن الرابعة عشر قال له: صاحبه، يعني: اجعله لك أخاً، وعلِّمه السلوك الحميد في المجتمع، كيف يكسب؟ وكيف يحصل على الأرزاق؟ وكيف يشارك في الأفراح؟ وكيف يواسي في الأحزان؟ وكيف يودُّ الأقرباء؟ وكيف يحمل هموم الأخوة؟ حتى يخرج رجلاً بمعنى الكلمة. فالإسلام يؤمن بالتخصصات، ولذا أمر المسلمين أن يَحْمِلَ الواحدُ منهم ما يستطيع حَمْلَه، والذي لا يستطيع أن يقوم به إذا حمله يعتبر خان الأمة وخان نفسه، وخان دين الله عزَّ وجلّ ، لأنه حمَّل نفسه ما لا يستطيع.
المبدأ الثالث – يا إخواني – هو: التعامل، فقد رأى صلى الله عليه وسلم أناساً: {قد وكِّلَ بهم رجال يفكون لحيهم، وآخرون يجيئون بالصخر من النار يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم. قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} (مسند الحارث عن أبى سعيد الخدري).
وهذه آفة المعاملة في مجتمعنا، إن الذي يغشُّ في بيعه وشراءه يأكل أموال الناس بالباطل، والذى يخادع يأكل أموال الناس بالباطل، والذي يرائي يأكل أموال الناس بالباطل، والذي ينصب أو يحتال أو يغش هذا بالطبع تعلمون أنه يأكل أموال الناس بالباطل.
واللهِ أيها المسلمون لو طبَّق المسلمون هذا المبدأ لكان ثروة كبيرة، لو حرص كل مسلم على اللقمة الحلال لنفسه ولذويه وأهله لانصلح حال مجتمعنا، فالعمل يكون بشرف بين التُّجار، ولا يكون جشع بين أصحاب رءوس الأموال، ولا نجد كذباً في مجتمعنا، ولا انعدام أمانة في محلاتنا، ولصار أولادنا أذكياء بالفطرة، مطيعين بالسليقة، بررة بآبائهم وأمهاتهم، قائمون بما يرضي خالقهم وإلههم، يؤدّون الأعمال ويتقنونها لله، لأنهم يتعاملون مع ذات الله عزَّ وجلّ.
السبب الرابع والأخير – ويثور بسببه كثير من المشاكل – قال صلى الله عليه وسلم: { فإذا أنا بأخاوين عليها لحوم منتنة، وأخاوين عليها لحوم طيبة، وإذا رجال ينتهبون اللحوم المنتنة ويدعون اللحوم الطيبة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة، يدعون الحلال ويتبعون الحرام} (مسند الحارث عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه).
والمعنى طبعاً لا يقصد به الرجال فحسب، بل الرجال والنساء!! وهذه الظاهرة كما تعلمون جميعاً هي سرّ ما نعانيه الآن من خطف للإناث، وانتهاك للأعراض، ومشاجرات تنتهي بالقتل أحياناً، وتنتهي بالسجن أحياناً، وأشياء وأشياء لا ترضي الله عزَّ وجلّ!! كل هذا يمكننا أن نقضي عليه بآية واحدة من كلام الله، قال فيها الله عزَّ وجلّ: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (32الإسراء).
لم يقل (لا تفعلوا الزنا)، بل قال: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى)!! لأن الإسلام وضع من الحدود والضوابط ما به تتم هذه العملية في مجتمع الإسلام!! كيف؟ لا يجتمع رجل مع امرأة لا تَحِلُّ له، ولا تسافر إمرأة إلا مع ذي محرم، ولا تنام البنت مع أخيها بعد سن عشر سنين، بل لابد أن يكون هناك مكان للبنت ومكان للولد مع أنهما إخوان. ويجعل الله عزَّ وجلّ ضوابط كثيرة وكثيرة منها: لا تدخلوا البيوت حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها، ولا تدخلوا على المغيبات، قالَ صلى الله عليه وسلم: {إيَّاكُمْ والدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فقَالَ رَجُلٌ: يَا رسول الله أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قالَ: الْحَمْوُ المَوْتُ} (سنن الترمذي وصحيح مسلم وغيرها عنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِر، وفِي الْبَابِ عنْ عُمَرَ وجَابِر وعَمْرو بنِ الْعَاصِ)
يعني الرجل القريب الذي يدخل على حماته – أخت امرأته أو أم امرأته – فهو الموت!! يعني حتى ولو كانت أخت زوجته لا يدخل عليها البيت إذا كانت بمفردها، يدخل ومعه زوجته، أو يدخل ومعه أولاده، أو يدخل عندما يكون معها أولادها الكبار العاقلون أو معها زوجها، وهكذا.
فلو تتبعنا هذه الآثار وعرفناها ونفذناها لم تحدث الفاحشة في مجتمعنا أبدا،ً إنما الذي يُزيّن هذه الفاحشة ما نجده في مجتمعنا من أفلام للعراة يعرضها الفيديو على فتياتنا وعلى شبابنا، وصوراً عارية [1]تباع في مجلاتنا، ومجلات عارية تروج في مجتمعاتنا، وغيرها من وسائل الاختلاط التي نراها من ضرورة العصر ومن أسباب مدنية العصر التي انتشرت. ويحارب الغرب بكل طاقاته لفرضها على مجتمعات المسلمين تحت مسميات مختلفة، فيصور الذي لا يوافق على هذا الاختلاط المرذول إنسان رجعي وإنسان متأخر، بل ومن تشجيع الفتيات والفتيان على ممارسة الجنس قبل الزواج وتعليمهم كيفية التَّوقِّي من الحمل.
ولكن الحقيقة أن من يجاريهم فى هذا ويوافق على الاختلاط المنهى عنه هو الذي يجني مغبتّهـ ويقع فيما حذره منه الله عزَّ وجلّ ، فإن هؤلاء القوم الكافرون لا أخلاق لهم، والله عزَّ وجلَّ يعاملهم معاملة خاصة بهم، ويعاملنا معاملة خاصة، فعندما قال لهم: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى)!! وأباحوه رزقهم بالسيلان، ورزقهم بالزهري، فصنعوا العازل الواقى والوسائل العازلة للحمل وظنوا أنهم استطاعوا أن يتغلبوا على إرادة الله، فابتلاهم الله بالإيدز (مرض نقصان المناعة المكتسبة)[2]، حتى لا يستطيع الرجل أن يقرب حتى من زوجته إلا إذا عرضها على الطبيب وحصل على شهادة من الطبيب بأنها خالية من هذا الميكروب الخبيث. هذه الأمور أغنانا الله عنها ووقانا منها بإتباع شريعة الإسلام.
وهكذا يا إخواني لو انتشرت بيننا الكلمة الصادقة الطيبة، وانتشرت بيننا المعاملة الإسلامية الحلال، وانتشر بيننا الرضا بما قدَّر ذو الجلال، ولا يحمل الإنسان ما فوق طاقته، وتتبعنا أوامر الله بالحفاظ على الأعراض، لم يحدث في مجتمعنا مشكلة واحدة، بل سيكون المجتمع الذي يقول فيه الله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (97النحل).
قال صلى الله عليه وسلم: {التائب حبيب الرحمن، والتَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ} (أخرجه ابن ماجة عن ابن مسعود والديلمي عن أنس وابن عباس رضي الله عنهم).
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، العليم الخبير، العلي القدير، الذي خلق كل شئ فقدره وأحسن تقديره، وصور كل صورة فأحسن تصويرها، ووضع لكل حقيقة ما به نفعها وسعادتها يوم لقاء ربها عزَّ وجلّ .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عَبْدُهُ ورسولُه. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وأعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين. أما بعد..
فيا إخواني ويا أحبابي تحدثنا عن المشاكل الاجتماعية فما وسائل العلاج للمشاكل الشخصية التي تجتاح البشرية والتي صورها علماء النفس بأنها عقد تجتاح بعض الناس ولا يجدون لها علاجاً؟
كل الأمراض النفسية وكل الأمراض العصبية منشأها من عدم التوازن في حياة هذا الإنسان، فإذا كان الإنسان متوازناً في حياته، متوازناً في سلوكه فإن الله عزَّ وجلّ يحفظه من الأمراض النفسية والعصبية. كيف يحقق هذا التوازن؟ بأن يقيم علاقة بينه وبين الله ويكون ذلك في الصلاة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن والحمد لله كلنا نؤدي الصلاة، لكننا نؤديها والمطلوب منا أن نقيم علاقة بيننا وبين الله يعني عندما يقف الإنسان بين يدي الله يناجيه يتكلم فيسمعه ربه، ويتكلم الله عزَّ وجلّ فيسمعه، { قَالَ الله تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ. وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قَالَ الله تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، قَالَ الله تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي – وفى رواية: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي – فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، قَالَ: هذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)، قَالَ: هذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ} (صحيح مسلم وكثير غيره عن أبى هريرة رضى الله عنه). يعني مناجاة تدور بين الإنسان وبين الله عزَّ وجلّ .
إن الإنسان الذي تعتريه مشكلات كثيرة في دنيا الناس يتعب ويكد ويكدح ليقابل المسئول وبمجرد أن يحظى بمقابلة المسئول عن هذه المشكلة ويعرضها عليه حتى ولو لم يحلها وإنما يعطيه وعداً بحلها تذوب همومه وكربه وضيقه ويخرج منشرح الصدر، والله عزَّ وجلّ يطلب منك أن لا تلجأ إلى سواه وأن تعرض عليه كل الأمور التي تلم بك في هذه الحياة وهو يحلها بطريقته الخاصة، لكن لا تشك ولا ترتاب لأنه يرزق من يشاء بغير حساب، لو أقام الإنسان منا علاقة بينه وبين مولاه.
حافظ على إقامة الصلاة، فحافظ على الخشوع والخضوع بين يدي الله في الصلاة إن مثل هذا لن تنتابه أمراضاً عصبية ولن يعكر صفوه مشكلة نفسية ولن تجد شيئاً يعكر باله بل يعيش هانئ النفس، مرتاح البال وماذا يبقى لعبد لا يحتاج إلى شئ إلا ويقول يا ربَّ فيجد الله عزَّ وجلّ قد فرج كربه وقد قضى حاجته في الحال، مثل هذا كيف يعتريه الملل؟ مثل هذا كيف يصيبه هم أو نصب؟ !!
كان صلى الله عليه وسلم كما تروي عنه السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنه صلى الله عليه وسلم: {كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ} (سنن أبى داوود والإمام أحمد والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه)، فيرفع الله عنه الهمَّ ويكشف الله عنه الكرب. وقال الله عزَّ وجلّ لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا: (اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) (153البقرة). استعينوا على أمور الدنيا وعلى المشاكل وعلى الأرزاق وعلى كل شئ بالله عزَّ وجلّ.
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين؛ فاجعلنا يا ربنا من الذين يتوكلون عليك، ويلجأون إليك، ويرفعون حوائجهم إليك، ويعرضون صدورهم عليك، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيرك طرفة عين يا رب العالمين.
اللهم اقض جميع حاجاتنا، واشف جميع أمراضنا، وبدل همَّنا بفَرَحٍ، وضيقنا بفرج، واجعلنا من عبادك الصالحين، يا ربَّ العالمين.
اللهم سُرَّنا في أزواجنا، وفرحنا بأولادنا، واجعلنا من السعداء يوم لقاءك، يا ربَّ العالمين.
اللهم أصلح الراعي والرعية واجمعنا جامعة إسلامية.
اللهم اغفر لعبادك المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.