• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

23 سبتمبر 2022

خطبة الجمعة_الاستجابة لله وللرسول سر إجابة الدعاء

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

الاستجابة لله وللرسول سر إجابة الدعاء

الحمد لله رب العالمين، الذي يُلبي كل من دعاه، ويستجيب لكل من ناداه، ويجعل حياة الإنسان دائماً وأبداً مُيسرة إذا أقبل على مولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له حدد لنا شروط الاستجابة لمن طلب من الله وأراد سرعة الإجابة فقال في قرآنه الكريم: ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” (186البقرة) وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أيَّده الله سبحانه وتعالى برسالته، وجعله نبياً خاتماً لجميع أنبيائه ورسله، أتمَّ به الدين، وأكمل به اليقين، وجعله إمامنا في الدنيا وشفيعنا يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين وصحابته الغرُّ الميامين، وكل من مشى على هديهم إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم أجمعين .. آمين يا رب العالمين.

كل واحد منا لا بد أن ينتابه في يوم من الأيام هم أو غم، ويتعرض لكرب أو شدة، ونعلم جميعاً علم اليقين أن المخرج من ذلك كله – إذا صدقنا مع رب العالمين – دعوة مستجابة يدعوها الإنسان فيستجيب له الوهاب تبارك وتعالى.

شروط إجابة الدعاء

ما شروط هذه الاستجابة؟ أفاض فيها العلماء، وأكثر من شرحها المعلمون والواعظون والمرشدون، ولكني أذكر شرطاً واحداً أكتفي به ذكره لنا رب العالمين، من الذي تستجيب له يا ربنا؟ الذي استجاب لله، واستجاب بما أمره به مولاه وسارع إلى تنفيذ أوامر الله، وسارع إلى الإنتهاء عما عنه نهاه: ” فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” (186البقرة).

وإذا تتبعنا دعوات الأنبياء المجابة في القرآن، نجدها كلها مقرونة بهذا الشرط الذي وضعه حضرة الرحمن تبارك وتعالى، فهذا نبي الله يونس عليه السلام، يقول الله عز وجل في شأنه لما استغاث بمولاه عند بلواه: ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ “ـ هل هو وحده؟ لا، ولكن: ” وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ” (88الأنبياء) الذين يستجيبون لله ورسوله ثم يدعون الله تبارك وتعالى فيستجيب لهم المجيب سبحانه وتعالى.

وكذلك سيدنا زكريا: ” وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ” (89-90الأنبياء).

وكذلك كل أنبياء الله لو راجعتهم في كتاب الله كانوا أهلاً لإجابة الله، لأنهم أولاً استجابوا لله، وسارعوا في تنفيذ أوامر الله، وانتهو عما نهى عنه الله تبارك وتعالى.

الاستجابة لله

لذلك خاطبنا الله تعالى خطاباً صريحاً جماعة المؤمنين أجمعين في القرآن فقال لنا في محكم التبيان: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ” (24الأنفال) فكأن الإنسان لا يكون حياً في نظر الله إلا إذا استجاب لمولاه، يمشي في الأرض ويفعل ما يشاء ويجلس هنا وهناك ولا يكون حياً إلا إذا استجاب لمولاه، ونفَّذ ما أمره به الله، وانتهى عما عنه نهاه.

فيحييه الله الحياة الإيمانية، والله عز وجل حيٌّ قيوم لا يستجيب إلا إلى قلب حيٍّ قد صفا من غفلات الدنيا وشهواتها، وارتفع إلى آفاق الحي القيوم تبارك وتعالى.

مشى على هذه الآية صحابة النبي الكرام فكانوا كلهم أصحاب دعوة مجابة، والأمثلة في هذا المجال لا نستطيع أن نذكر بعضها، ولكن نشير إلى قدر منها.

ما دعا واحد منهم الله في شدة إلا فرَّج عنه مولاه، ولا دعا الله في رخاء إلا وزاده الله، وما دعا الله في أي أمر إلا حقق الله له مناه، لأنه استجاب لأمر الله، فكان الرجل منهم عندما يستمع من حضرة النبي إلى الآية من القرآن يسارع فوراً إلى تنفيذ ما أمر به الرحمن سبحانه وتعالى.

قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلَّم يوماً: ” لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ” (92آل عمران) سمعها الصحابي الجليل أبو طلحة، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم، وقال:

{ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ: بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ }[1]

والصحابي الجليل أبا الدحداح عندما سمع الآية: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ يَا رَسُولَ اللَّهِ، اللَّهُ عز وجل يَسْأَلُ النَّاسَ الْقَرْضَ وَهُوَ عَنِ الْقَرْضِ غَنِيٌّ؟! فَقَالَ:يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ يُرِيدُ أَنْ يُدْخِلَكُمْ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ أَقْرَضْتُ اللَّهُ قَرْضًا تَضْمَنُ لِيَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ، قَالَ: وَزَوْجَتِي؟ قَالَ: وَزَوْجَتُكَ، قَالَ: وَصِبْيَانِي؟ قَالَ: اللَّهُ وَاسِعٌ كَرِيمٌ وَالصِّبْيَانُ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ حَائِطِي لِلَّهُ سُبْحَانَهُ قَرْضًا، قَالَ: يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ، إِنَّا لَمْ نَسْأَلْكَ كِلاهُمَا، فَاجْعَلْ أَحَدَهُمَا، وَيَكُونُ الآخَرُ مَعِيشَةً لَكَ وَلِعِيَالِكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَهُمَا، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ إِذًا يَجْزِيكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ، فَانْطَلَقَ أَبُو الدَّحْدَاحِ الأَنْصَارِيُّ حَتَّى أَتَى أُمَّ الدَّحْدَاحِ وَهِيَ مَعَ صِبْيَانِهَا تَدُورُ تَحْتَ النَّخْلِ، فأخبرها فقَالَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ: أَمَا إِذْ بِعْتَ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَبَيْعٌ مُرْبِحٌ }[2]

لم يتوانى ولم يتأنَّى، وذهب إلى البستان وكان فيه زوجته وأولاده الصغار، وكانوا صغاراً في السن والأجسام، لكنهم كبارٌ في الإيمان والعقول والقلوب، فقال لها: يا فلانة أخرجي وأولادك من هذا المكان، قالت: ولم؟ فقال: قد بعته لله تبارك وتعالى، فقالت: ربح البيع ربح البيع وسارعت إلى الخروج من المكان فوراً.

بل شبابهم كانوا أعظم في هذا الباب، هذا شاب يدخل على زوجته في ليلة عرسه، وبعد أن نام معها سمع داعي النبي يدعو إلى الجهاد، فقام فوراً من على فراشه ليسارع إلى إجابة دعوة النبي ولا يكون من المثبطين أو المبطئين، فقالت له زوجه: ألا تنتظر حتى تغتسل؟ قال: أكون قد تأخرت عن إجابة دعوة النبي.

ويخرج إلى الميدان وكان ذلك في غزوة أُحد، ويقاتل بشجاعة حتى يموت شهيداً، والشهيد في الإسلام لا يُغسَّل ولا يُكفَّن بل يكفَّن في ملابس القتال التي كان يقاتل فيها لتشهد له عند الله، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ صَاحِبَكُمْ تُغَسِّلُهُ الْمَلائِكَةُ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ خَرَجَ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلائِكَةُ }[3]

فكانوا رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين يسارعون فوراً إلى إجابة النبي، ويسارعون إلى الانتهاء عما نهاهم عنه الله.

طلب سيدنا عمر ومَن معه من النبي أن يقول لهم شيئاً في الخمر، وكانوا يشربون الخمر، فقال الله عز وجل: ” لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ” (43النساء) وحرمها عليهم بالتدريج لأن هذه حكمة الحميد المجيد تبارك وتعالى، فذهب إليه عمر وقال يا رسول الله قُل لنا في الخمر قولاً ليس لنا قولاً بعده، فأنزل الله تبارك وتعالى: ” إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالانْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (90المائدة) فقالوا جميعاً: انتهينا يا رب.

وكان كثير منهم جالسين مع أصحابهم وكؤوس الخمر تدور بينهم، فكسَّروا زجاجات الخمر وأراقوها جميعاً في طرقات المدينة، حتى قيل إن شوارع المدينة غرقت من كثرة الخمور التي أُسيلت بها، لأنهم كانوا يسارعون لتلبية دعوة الله، وتنفيذ ما نهاهم عنه المولى تبارك وتعالى.

ولذلك ما سأل واحدٌ منهم الله سؤالاً ولا طلب منه مطلباً إلا وأجابه الله تعالى في الوقت والحال.

سُئل الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: كيف حالك مع الله؟ قال: والله ما احتجتُ إلى شيء إلا وقلت: يا رب عبدك جعفر يحتاج إلى كذا، فما أستتم هذا الكلام حتى أجد هذا الشيء بجواري، ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنا: ” ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ” (60غافر).

من أجلنا سمَّ الله نفسه المجيب، ولكنه مجيب لمن له يستجيب، فإذا استجبت لله أبشر فإن الله يستجيب لك كل دعاء، ويحقق لك كل رجاء، ولا يحوجك لأحد من الخلق أجمعين، لأن الله تولاك برعايته، وراقبك بخيره وبره وبركته، والله عز وجل يقول لنا: ” وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ” (3الطلاق) حسبه يعني كافيه، فالذي يُحسن التوكل على الله يكفيه الله كل هم وغم وغيره، ولا يُمكِّن منه عدو ولا حبيب، لأنه في عناية حضرة الرقيب تبارك وتعالى.

فعلينا بالاستجابة لله وللرسول، ولا نصغِّر أمراً أمرنا به الله، ولا نحقِّر نهياً نهانا عنه الله، كما حدث في هذه الأيام، رأينا استهتار الناس بأوامر الله ونواهيه، ويلتمس أحدهم لنفسه الأعذار، وهي كلها أوزار يحاسبه عليها يوم القيامة الواحد القهار، ويقول لمن يحاول أن ينصحه كلمات يظن أنها تنجيه، لكنه لن ينجيه إلا عمله الذي يرفعه إلى خالقه وباريه سبحانه وتعالى.

كمن يشربون المواد المخدرة، ويتعاطون الحبوب المسكرة، ويقولون: إنها ليست خمر لأنها لم تُذكر في القرآن، ولم يرد فيها نص صريح بالتحريم من حضرة الرحمن، مع قول النبي صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ }[4]

ما دام يُحدث للإنسان غيبة في عقله إن كان من مخدرات أو مسكرات أو حبوب أو غيرها فهو حرام، ولو كان لا يغيب العقل إلا من الكثير لتمرسه عليه، فالنبي أخبر أنه حرام، وإذا سمعنا قول النبي علينا جميعاً أن نقول: ” سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ” (285البقرة).

طاعة الله والرسول

وما أكثر هذه الأمثلة التي خالف فيها الناس كلام رب الناس، وخالفوا فيها أوامر النبي الصفيِّ الذي لا ينطق عن الهوى لأنه وحيٌ يُوحى، مع أن الله عز وجل أمرنا في القرآن، وقال لنا إذا أردنا العيشة المرضيَّة والحياة السويَّة عليكم بطاعة خير البرية: ” وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ” (54النور) في ماذا نطيعه؟ ” وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ” (7الحشر).

فعلينا أن نطيع الله ونطيع رسول الله في كل أمر، ولا نُحكِّم الهوى ولا العقل في أمور ديننا، بل نحكم فيها قرآن ربنا وسُنَّة نبينا، ونرجع فيها إلى العلماء العاملين الذين أمرنا الله أن نسألهم: ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” (43النحل) لا يجوز لأي مسلم أن يُفتي برأيه وهواه في دين الله، ولا أن يفعل شيئاً إلا إذا تأكد أنه موافق لشرع الله.

إذا مشينا على هذا النهج كانت الإجابة لنا من الله محققة على الدوام.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

[1] البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه

[2] تاريخ بغداد للخطيب البغداي وصفوة التصوف للمقدسي عن أبي إمامة رضي الله عنه

[3] صحيح ابن حبان والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

[4] سنن الترمذي وأبي داود عن جابر رضي الله عنه

خطبة الجمعة  مبسجد الإمام أبو العزائم مغاغة – المنيا 27 من صفر 1444هـ 23/9/2022م 1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid