• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

26 يوليو 1996

خطبة الجمعة_التأسِّي بشمائل النبى المصطفى

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

الخطبة السابعة[1]

التأسِّي بشمائل النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين، أرسل لنا نبى الهدى ورسول الرحمة و القدوة الطيبة لنا وللمؤمنين أجمعين.

سبحانه سبحانه، علم الأميه حتى أعجز به الأولين والآخرين، علمه شرع الله وعلمه الأدب الواجب أتباعه مع الخلق فى هذه الحياة، وعلمه كل شئ يحتاج إليه المرء فى دنياه أو آخراه حتى يكون أسوة حسنه وقدوة طيبة لنا فى جميع مناهل الحياة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، آله رؤوف بخلقه رحيم بعباده لطيف بجميع الكائنات ومن لطفه أن هدانا إلى الطاعات وحمانا ووقانا جميعا من المعاصى والسيئات.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أكرمه الله عز وجل برسالته وأمره بتبليغ شريعته ووعد من اتبعه بدخول جنة وتوعد من عصاه وخالف هديه بالخلود فى دار شقوته.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد أكرم الأكرمين وأجود الأجودين والرحمة العظمى لجميع العالمين.

صلى اللهم وسلم وبارك عليه صلاة واصلة منك إليه و أجعلنا جميعا من المكثرين من الصلاة عليه حتى نستحق جميعا يوم القيامة شفاعة آمين آمين يا ربَّ العالمين…

أما بعد… فيا إخواني ويا أحبابي سمعنا معاً توجيهاً من الله عز وجل لنا أجمعين في قرآنه الكريم، قال لنا فيه: ( ô‰s)©9 tb%x. öNä3s9 ’Îû ÉAqߙu‘ «!$# îouqó™é& ×puZ|¡ym `yJÏj9 tb%x. (#qã_ötƒ ©!$# tPöqu‹ø9$#ur tÅzFy$# tx.sŒur ©!$# #ZŽÏVx. ) (21الأحزاب) جعل نموذجنا الذي نحتذيه في أفعالنا وفي سلوكياتنا وفي أخلاقنا وفي جميع أحوالنا هو رسولنا r ولكي نعمل بهذه الآية، حتى نكون من أهل العناية، وجب علينا أن نعلم أحواله وأخلاقه وأفعاله وسلوكياته في كل أحيانه، مع زوجه، ومع أهله، ومع أولاده، ومع جيرانه، ومع أعدائه، ومع اليهود والنصارى المناوئين والمعارضين له.

فنعلم حاله في الصلاة، ونعلم هيئته في الزكاة، ونتعلم كيفية صيامه لمولاه، وكذلك كيف أدّى مناسك الحج ابتغاء وجه الله، ونعلم كذلك كيفية نومه وأكله وشربه وجلوسه ووقوفه وكل شئ عنه صلوات الله وسلامه عليه.

فكل أحواله لازمة لنا جميعاً، وواجب علينا أن نتعلمها ثم نعلمها لأبنائنا وبناتنا وزوجاتنا حتى نكون جميعاً كما قال الله تعالى: ] ô‰s)©9 tb%x. öNä3s9 ’Îû ÉAqߙu‘ «!$# îouqó™é& ×puZ|¡ym   [(21الأحزاب).

والحمد لله، من عجيب صنع الله عز وجل، أنه لا يوجد رجل في الوجود من بدئه إلى نهايته ذكرت لنا كتب التاريخ والسِّير كل أحواله وهيئاته وأفعاله كما كان مع رسولكم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فلم يترك الرواة والمؤرخون شيئاً في حياته إلا وذكروه، وفصَّلوه، وأسْهبوا في ذلك إسهاباً كبيراً فإن كانت المشاغل اجتاحتنا، والأوقات التي كثر فيها اللعب واللهو اغتالتنا، فإن ذلك لا يمنعنا من مطالعة سيرة نبينا r، وقد قال سيدنا سعد بن أبي وقاص t عن حاله وحالة أصحاب رسول الله r (كُنَّا نُعلِّم أبنائنا سيرة رسول الله r ومغازيه [يعني غزواته] كما نُعلِّمهم السورة من القرآن).

حتى كان الولد منهم وهو طفل صغير من شدة تعلقه برسول الله r يستحضره في كل أوقاته وكأنه يراه، كما ذكر عن سيدنا عبد الله بن عباس y أنه وهو طفل صغير ذهب إلى منزل خالته أم المؤمنين جُوَيْرة بنت الحارث، فرأى في المنزل مرآة فنظر فيها فرأى في هذه المرآة وجه رسول الله r، فنادى على خالته وقال: يا خالتي إنِّي أرى في هذه المرآة وجه رسول الله r، فهل ترينه؟ وكانت هي لا تراه، ولكنه من شدة استحضاره لما يسمعه عن أحوال رسول الله r هُيِّئ له أنه أمامه ينظر إليه ويراه في كل حركاته وسكناته.

ونحن في هذا الوقت القصير لا نستطيع إتيان كل هذه الأحوال وكل هذه الأفعال لكننا نذكر نبذة مختصرة عن حاله في تعامله مع الآخرين، لعلَّنا نتأسَّى به في حياتنا، ونمشي على دربه إماماً لنا فنُخفّف من غَلْواء هذه الحياة على أنفسنا، وعلى إخواننا أجمعين فقد كان  r في تعامله مع إخوانه صُورة للأدب العالى قلَّما يجُود بها الله عز وجل على أحد من الناس!!

فقد كان صلى الله عليه وسلم يُحدِّث أصحابه، ومن شدّة حياءه لا يستطيع أن يثبت بصره في عين أحدهم أثناء الحديث، حتى قالوا في شأنه r {كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا}[2] يعنى البنت البكر في خلوتها[3] …. وكان إذا تكلم يتكلم بترسّل وبصوت هادئ تقول فيه السيدة عائشة y: { مَا كانَ رَسُولُ اللَّهِ يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ يُبَيِّنُهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ }[4] … يكاد يعدّه العادّ لهدوءه وترتيب كلماته واتّضاح مخارجه، حتى أنك إذا استمعت إليه لا يكاد يفوتك كلمة من كلماته !

وكان إذا تكلّم ينصت جُلساؤه، وإذا تكلَّم أحد جلسائه أنصت حتى ينتهى حديثه وقد علّم أصحابه ذلك حتى لا يُقاطع بعضهم بعضاً، ولا ينصرف مَنْ في المجلس إلى الأحاديث الجانبية، فتصير غوغاء هذا يتحدث مع هذا، وذاك مع ذاك.

وكان إذا أراد أن يُفضي بسرّ إلى واحد منهم، انتظر حتى ينفض المجلس، ثم استدعاه وحدَّثه فيما بينه وبينه.

 ويقول r لأصحابه مُعلِّماً: { إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا. فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ }[5]  فلو كنا ثلاثة نجلس مع بعضنا ..، وأخذ اثنان منا يتكلمان مع بعضهما فقط ولا يُسمعان الثالث …، فإنه ربما يظن أنهم يتحدثون عنه، أو أنهم لا يجدون فيه ثقة ليُسمعونه حديثهم !!، فيحزن في نفسه.

وكان يقول لهم r في نهاية المجلس:  { الْمَجَالِسُ بِالأَمَانَةِ }[6] يعنى المجلس الذي جلستموه لا تكشفوا سرّه، ولا تخبروا بشأنه إلا إذا استأذنتم من الحاضرين والسامعين، حرصاً على العلاقات بين المؤمنين أجمعين.

وكان إذا جلس معهم يفوح عطره، فلا يشم منه الحاضرين إلا أطيب ريح، حتى كانت يدهصلى الله عليه وسلم  إذا وضعها في يد أحد يُشم العطر في يده لمدة طويلة، وإذا وضعها على رأس غلام، وسار هذا الغلام في مكان، يقول من يشمّون رائحته إن النبي r مشى في هذا المكان من شدة نفاذ رائحته r ويقول للمؤمنين: { مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ }[7] وليس للمسجد فقط، بل أي مجلس من مجالس المؤمنين إذا جلس فيه الرجل المؤمن، فلابد أن يغسل أسنانه بالسِّواك أو بمعجون الأسنان، ولا يأكل النباتات الخبيثة ذوات الروائح الكريهة، حتى لا يؤذي الحاضرين برائحة فمه تأسِّياً بسيّد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه.

وكان مجلسه r كما قيل فيه: {مجلس علم ورحمة، لاتُؤبَّن فيه الحرمات، ولا تُنْتهك فيه الأعراض} يعنى لاتذكر فيه الغيبة والنميمة، ولا الوقيعة، ولا السبّ والشّتم، ولا المؤامرات ولا المخادعات أو ماشاكل ذلك.

وكان r إذا وضع يده في يد إنسان لا يسحب يده حتى يكون الرجل هو الذي يسحب يده، وإذا نادى أصحابه يناديهم بأحب أسمائهم، ويكنِّيهم بأكبر أبنائهم، والذي حُرم من نعمة الولد كان يكنيه بأبي يحي تبشيراً له بأن الله قد يرزقه كما رزق سيدنا زكريا u بعد أن بلغ ثمانين عاماً بغلامه يحي.

آداب كثيرة لا نستطيع أن نُحيط بها، ولكننا في أشدَّ الحاجة إليها في زماننا هذا.

ما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة التي جعلها نبينا صدقة، وما أحوجنا إلى البسمة الطيبة التي قال فيها نبينا r:{ تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ }[8].

ما أحوجنا إلى أن ننْبذ الجَفوة والغِلْظة في معاملة إخواننا وقد سمعنا الله عز وجل يقول لنبينا ]  $yJÎ6sù 7pyJômu‘ z`ÏiB «!$# |MZÏ9 öNßgs9 ( öqs9ur |MYä. $ˆàsù xá‹Î=xî É=ù=s)ø9$# (#q‘ÒxÿR]w ô`ÏB y7Ï9öqym (  [ (159آل عمران)، حتى بلغ من معاملته الطيبة r هذه الشهادة التي شهدها خادمه أنس بن مالك الذي خدمه عشر سنين وقال في نهاية المدة: {خَدَمْتُ رَسُولَ الله عَشْرَ سِنِينَ فَما قَالَ لِي أُفّ قَط، وَمَا قَالَ لِشَيءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَه؟ وَلاَ لِشَيءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ؟}[9].

ولما أشتد عليه زوجاته في المطالبة بحقوقهن، جمعهن وأمسك بالسواك وقال: { لَوْلاَ الْقِصَاصُ لَأَوْجَعْتُكِ بِهٰذَا السِّوَاكِ }[10]وهل يوجع السواك في ضربه؟ ومع ذلك فلم يثبت أنه ضرب واحدة منهن مرة واحدة في حياته كلها.

وعندما رأى جارية واقفة تبكى، أخذته الشفقة عليها فذهب نحوها وقال: ما يبكيك؟ فقالت: أرسلني أهلى بإناء فوقع من يدي فانكسر .. فأخاف منهم أن يضربوني !! فأخذها r وذهب معها إلي أهلها، وقال لهم: { لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى كَسْرِ إِنَائِكُمْ فَإِنَّ لَهَا آجَالاً كَآجَالِكُمْ }[11]

آداب عالية، وأخلاق راقية، ليتنا في هذه الأيام نطالع سيرة المصطفىr  فإنى أعجب لمن يدرسّون علم الاتيكيت، كيف غاب عنهم هذه الأحوال في سلوك رسول الله؟

وهل يجدون مثله أو ما يشابهه أو ما يقاربه عند غيره؟ كلا!

إنه كما قال حسان بن ثابت رضى الله عنه وأرضاه في شأنه:

وأجمل منك لم تر قط عيني

وأكمل منك لم تلد النساء

خُلقت مُبرّءاً من كل عيب

كأنك قد خُلقت كما تشاء

قال r: { أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ ـ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ ـ إلاّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ وَلاَ فَخْرَ }[12].، وقالr : { مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي فَلَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ }[13].

ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين الذي هدانا للإسلام وجعلنا مسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا ربَّ العالمين.

أما بعد… فيا إخواني ويا أحبابي في الله ورسوله أجمعين .. أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله في السر والعلانية، وأنهاكم وأنهى نفسي عن مخالفته وعصيان أمره لقوله جلَّ شأنه:

] ô`¨B Ÿ@ÏHxå $[sÎ=»|¹ ¾ÏmÅ¡øÿuZÎ=sù ( ô`tBur uä!$y™r& $ygøŠn=yèsù  [ (46فصلت).

علينا يا إخواني في هذه الأيام أن نطالع الأخلاق المحمدية، والأوصاف النبوية.

كلنا والحمد لله قد حفظ سيرته وقد علم مسيرته لكننا جميعاً نحتاج إلى هيئته وإلى حلمه وإلى حنانه وإلى عطفه وإلى شفقته وحنانته، وإلى معاملاتهr  للآخرين حتى نحتذى حذوه، ونكون  خلفه r فيكرمنا الله عز وجل بما أكرمه به من العزة والتمكين،  << ثم الدعاء >>.

[1]  كانت هذه الخطبة بمسجد الأنوار القدسية بالمهندسين – جيزة في ذكرى الاحتفال بمولد الرسول r وذلك يوم الجمعة الموافق 11 من ربيع الأول 1417 هجرية، 26/7/1996م وتدور حول قول الله تعالى ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا[ [(21) سورة الأحزاب].

[2] [رواه مسلم وابن حبان وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري].

[3] رواه مسلم وابن حبان وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري

[4] [أخرجه أبو داود وأحمد والنسائي]

[5]  رواه الشيخان ومالك عن ابن عمر، والشيخان ومالك أيضاً والترمذى وابن ماجة عن ابن مسعود.

[6] رواه الديلمى والقضاعى والعسكرى عن علي ورواه أبو داود والعسكري أيضاً عن جابر بن عبد الله.

[7]  رواه الشيخان عن ابن عمر.

[8] رواه الترمذي عن أبي ذر وأحمد والترمذي وابن حبان عن أبي الدرداء.

[9]  رواه أحمد والشيخان والخرائطى عن أنس.

[10]  خرّجه ابن سعد عن أم سلمة.

[11]  أحمد عن كعب عن عجرة.

[12]  رواه أحمد والترمذى وابن ماجة عن أبي سعيد الخدرى.

[13] رواه البيهقي من رواية الحسن بن قتيبة، ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid