الحمد لله رب العالمين، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسولنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلَّم لنا وللخلق أجمعين، شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بعثه الله عز وجل على فترة من الرسل فهدى به بعد ضلالة، وعلَّم به بعد جهالة، وجمع به بعد فُرقة، وأعز به بعد ذلة، وأغنى به بعد فاقة، وجعلنا به خير أمة أُخرجت للناس أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث، وشفيعهم يوم الحشر، وإمامهم في الدنيا والآخرة، وآله وصحبه وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم أجمعين .. آمين آمين يا رب العالمين.
ونحن في ذكرى ميلاد خير الخلق، وسيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلَّم، تعالوا بنا نتذكر بعض فضل الله علينا ببركته صلوات ربي وتسليماته عليه، والذي أمرنا الله عز وجل أن نتذكَّره، ونفرح به وقال لنا في القرآن الكريم: ” قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ ” (58يونس).
رحمة الله لنا به في الدنيا
من فضل الله علينا ورحمته بنا أن جعلنا من أمة هذا النبي، لأن الله أكرمنا كرماً لا يُوصف ولا يُحد بسبب حُبه لهذا النبي، فقد كانت أمم الأنبياء والمرسلين قبله إذا كذَّبوا رسلهم يُرسل الله عليهم العذاب، بعضهم بالمسخ إلى قردة وخنازير، وبعضهم بالقذف بالحجارة، وبعضهم بالصاعقة، وبعضهم بالإغراق، فلما اختار الله عز وجل حبيبه وأرسله للناس كافة رفع بسببه وببركته كل أنواع العذاب عن أهل الأرض أجمعين، وقال له ولنا في حضرته: ” وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” (33الأنفال).
وهو صلى الله عليه وسلَّم الحريص على أمته، ألَّح على الله لنا وللأمة بدعوات مستجابات، فدعا الله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأجابه تبارك وتعالى، ودعا الله عز وجل أن لا يُهلكهم بقحط فأجابه الله تبارك وتعالى، ودعا الله أن لا يُهلكهم بجفاف ماء فأجابه الله تبارك وتعالى، ودعا الله أن لا يجعل بينهم بأسهم شديد فتوقف المولى تبارك وتعالى وهذه هي التي نرجوا الله أن يرفعها عنا.
ومن فضل الله ورحمته علينا جماعة المؤمنين أن الرجل من بني اسرائيل كان إذا ارتكب ذنباً أصبح فوجده مكتوباً على باب بيته، والناس جميعاً يقرأونه: فلانٌ زنا، فلانٌ سرق، فلانٌ قتل، فلما بُعث نبينا صلى الله عليه وسلَّم سأل الله الستر لأمته، فسترنا الله عز وجل بستره وعفوه ورأفته ورحمته، بل إنه تبارك وتعالى تفضل علينا وقال لنا مفرحاً لنا أجمعين في حديثه القدسي تبارك وتعالى:
لا أستطيع أن ألم ببعض فضل الله علينا بهذا الحبيب في الحياة الدنيا، ناهيك عن الآخرة، يكفي أننا جميعاً نُصلي الصلاة لله، ويُكتب لنا بكل صلاة عشر صلوات تامات مقبولات عند الله، لأن الله قال لحبيبه ومصطفاه عند فرض الصلاة:
يعني هم خمس في العمل وخمسون في الأجر والثواب، والأجر والثواب يُضاعف: ” وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ” (40النساء) غير التضعيف والمضاعفات.
رحمة الله لنا به في الآخرة
أما في الآخرة فأذكر فضيلة واحدة، قال صلى الله عليه وسلَّم:
وورد في بعض الأثر عن أنس رضي الله عنه: ((أن رسول الله سأل ربه في ذنوب أمته فقال: يا رب اجعل حسابهم إليَّ لئلا يطلع على مساوئهم غيري، فأوحى الله إليه: هم أمتك وهم عبادي، وأنا أرحم بهم منك، لا أجعل حسابهم إلى غيري لئلا تنظر إلى مساوئهم أنت ولا غيرك))
فنحن قرأنا في كتاب ربنا وسمعنا عما فعله أتباع الأنبياء السابقين من معاصي ومن خروقات لأوامر الله تبارك وتعالى، لكن من الذي يطلع على مساوئنا وعيوبنا؟ هو الله.
أهل الفضل
والله جل جلاله اختار لأمة حبيبه ومصطفاه أمرين في الآخرة، أن يبدأ بهم الحساب فيكونوا أول من يدخل الجنة، وأن يكون الحساب بالفضل الإلهي وحساب الأمم السابقة جميعاً بالعدل الرباني، وهناك فرق بين الفضل والعدل، فمن يُحاسب بالعدل يطلع على حسابه الخلائق أجمعين، ويشهد أعماله أهل الموقف من آدم إلى يوم الدين، أما نحن فيُحاسب الله كل فرد منا بمفرده، قال صلى الله عليه وسلَّم:
يستره الله حتى لا يرى أحد ما يناقش به في الحساب، ويكون بينه وبين ربه، ثم يكشف له فيلماً لأعماله وأفعاله: ” يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ” (40النبأ). لم يقُل يقرأ، ولكن (ينظر) ما فعلته جوارحه وأعضاؤه في الدنيا.
هذا الفضل الإلهي لأمة النبي لن يتخلف عنه إلا الشقي، وهو الذي يجاهر بالمعصية، ويفتخر بين الناس بأنه فعل المنكر والفحشاء، لأنه لم يخش الله وفضح نفسه بين خلق الله، ولم يستر نفسه بعد أن ستره مولاه، فكيف يستره الله إلا إذا تاب وأناب إلى حضرة الله؟! فإن تاب وأناب ورجع إلى الله قبل خروج نَفَسه الأخير في هذه الحياة يدخل في عموم الأمة ويحاسب بالفضل الإلهي.
خطبة الجمعة المقطم – مسجد مجمع الفائزين 11 من ربيع الأول 1444هـ 7/10/2022م1
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم