• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

3-12-2021

خطبة الجمعة_المبادئ المحمدية في إحترام الانسانيه

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

الحمد لله رب العالمين، أشرق في قلوبنا بنور الهُدى واليقين، وجعلنا في الدنيا من عباده المسلمين، ونسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا فيها من خيار المتبعين لسيد الأولين والآخرين، وأن يجعلنا من الفائزين أجمعين يوم الدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع العوالم كلها برحمته حتى قال عنها في محكم التنزيل:

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (156الأعراف).

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، ربَّاه الله تبارك وتعالى على عينه، وخلَّقه بأخلاقه، وأدَّبه بآدابه، حتى قال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه:

يا رسول الله لقد ذهبت إلى كسرى في ملكه، وذهبت إلى قيصر في ملكه، وطفت أحياء العرب، فلم أر مثل أدبك، فمن أدبك؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(أدبني ربي فأحسن تأديبي).

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النعمة العُظمى لجميع الأنام، والرحمة التامة للخلق في الدنيا ويوم الزحام، صلى الله عليه وسلَّم وعلى وآله وصحبه، وكل من مشى على هديه وخلقه إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين.

أما بعد:

فيا أيها الأحبة جماعة المؤمنين:

أعطى الرسول صلى الله عليه وسلَّم بنفسه وعلم أصحابه مبادئ خالدة، لو سرنا على أي مبدأٍ منها لسعدنا جميعاً في كل من حولنا في الدنيا، وكنا من الفائزين يوم الدين.

من هذه المبادئ التي نتحدث عنها اليوم باختصارٍ شديد، مبدأ الإنسانية.

فقد كان صلى الله عليه وسلَّم يحترم أي إنسانٍ أياً ما كان، سواءً كان يتبعه في الدين، أو مفارقاً له في الوطن أو الدين، فقد كان صلى الله عليه وسلَّم جالساً بين أصحابه، فمرت جنازة لرجلٍ يهودي، فوقف صلى الله عليه وسلَّم إجلالاً للموت، فقالوا: يا رسول الله إنه يهودي، فقال صلى الله عليه وسلَّم: أليس إنساناً، يعني أن نحترم أي إنسان أياً ماكان مادام مسالماً لنا، ولم يُعلن الحرب علينا جماعة المؤمنين.

بل كان صلى الله عليه وسلَّم يتخذ غلاماً من اليهود خادماً له، وهذا أمر عجيبٌ وغريب، ومرض الغلام وذهب النبي صلى الله عليه وسلَّم لعيادته، فوجده يعالج سكرات الموت، فقال: يا غلام إنطق بالشهادتين، فنظر الولد إلى أبيه اليهودي، فقال له: أطع أبا القاسم، فنطق الولد بالشهادتين ثم خرجت روحه للقاء الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).

[الراويأنس بن مالك | المحدثابن حبان | المصدرصحيح ابن حبان]. 

ومشى أصحابه المباركين على هذا الدرب المبارك أجمعين، الإنسانية لكل إنسان بل الإنسانية في التعامل مع جميع الكائنات من النباتات والطيور والحيوانات وغيرها من مخلوقات الله تبارك وتعالى.

مشى أبو هريرة رضي الله عنه وإسمه عبد الرحمن بن صخر، وكان يوماً شديد البرودة، فوجد قطةً تسطقُّ أسنانها من شدة البرد، فأشفق عليها ووضعها في كمه ليدفئها، وعندنا وصل إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم كانت قد أُدفئت، فقفزت أمام حضرة النبي، فقال له: ما هذا يا أبا هريرة؟

رفقٌ ورحمةٌ حتى بالحيوان، كما علمهم القرآن وكما علمهم النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يتجول يوماً في المدينة المنورة يتفقد أحوال المسلمين، فوجد رجلاً يهودياً كبيراً في السن يسأل الناس، فاستدعاه وقال له: لم تسأل؟ قال: كبُرت سني ولا أستطيع دفع الجزية، والجزية لا يدفعها إلا الشباب حتى لا يذهبوا ويتجندوا في ميادين القتال، فلا يدفعها الشيوخ ولا تدفعها النساء، ولكنها في الإسلام يدفعها الشباب مقابل عدم تجنيدهم ودخولهم في جيش المحاربين.

فاستدعى وزير ماليته، وسن أول قانون للضمان الاجتماعي في الوجود، وقال: أنظر هذا وضرباءه ـ يعني أمثاله ـ واجعل لهم دخلاً شهرياً يكفيهم مئونتهم كل عام، فقرر مبدأ الضمان الإجتماعي، وكان أول من يفعل ذلك في التاريخ كله.

بل أعظم من ذلك أن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما دخل مصر فاتحاً، وأقام وجنوده في موقع الفسطاط الآن، وسُمي الموقع باسمهم، فالفسطاط هو الخيمة، وقد كانوا يقيمون في خيامٍ في هذا الموضع، جاءت يمامة وبنت عُشاً على فسطاط أو خيمة عمرو، وباضت فيه بيضتين، وأراد عمرو أن يمشي بجنده إلى الأسكندرية لعلمه أن الروم قد توجهوا إليه ليحاربوه ماذا يصنع بهذه اليمامة وبيضها؟

قال: دعوها كما هي وأتركوا الفسطاط كله ـ يعني الخيمة كلها ولا تروعوها، وتركها وذهب إلى الأسكندرية بغير خيمته.

هذه هي الإنسانية الإسلامية في أبهى صورها، ولا نستطيع في هذا الوقت القصير الإلمام والإحاطة بها، فإن الإحاطة بها فوق الوصف.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجملنا بأخلاق خير النبيين، وأن يجملنا بأخلاق القرآن الكريم، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنهز

قال صلى الله عليه وسلَّم:

(أقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون).

[الطبراني والبزار عن أبي هريرة].

أو كما قال:

أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب عباده التوابين والمتطهرين.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، واعطنا الخير وادفع عنا الشر، ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يا رب العالمين.

أيها الأحبة جماعة المؤمنين:

أما التعامل بين المؤمنين وبعضهم، فذاك نسميه التراحم، يتراحمون فيما بينهم، ومن علامات هذا التراحم أن يُوقر الصغير الكبير، وأن يعطف الكبير على الصغير، قال صلى الله عليه وسلَّم:

(ما وقَّر شابٌ شيخاً لسنه، إلا وقيَّض الله له من يكرمه عند كبر سنه).

[الترمذي عن أنس بن مالك].

أي كما قال في الحديث:

(إعمل ماشئت كما تدين تدان).

وكان صلى الله عليه وسلَّم رحمته شديدة البلاغة، حتى كان صلى الله عليه وسلَّم ساجداً ذات مرة، وكان أولاد إبنته التقية النقية السيدة فاطمة الحسن والحسين، يقولون له: أبتي أبتي، ولا يقولون جدي كما نقول الآن، فوجد الحسن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ساجداً، فامتطاه وركبه وكان يعودهم على ذلك، فكان عندما يلاعبهم وهم صغار يجعل الحسن والحسين فوق ظهره ويمشي بهما، حتى قال أبو بكرٍ رضي الله عنه له ذات مرة:

[نعم المركوب مركوبكما] ـ فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(ونعم الراكبان هنا).

تلطفٌ مع الصغار، فلما أمتطاه وهو ساجد أطال السجود حتى أخذ حظه ثم نزل، لم يمسكه بيده بشدةٍ ويرفعه أو يدفعه، لأنه كله رأفةٌ ورحمةٌ وحنان، وبعد الصلاة قالوا: يا رسول الله إنك سجدت حتى أطلت السجود حتى ظننا أنك قُبضت، قال: إبني أرتحلني فكرهتُ أن أُعجله.

بل كان صلى الله عليه وسلَّم ذات مرة على منبره الشريف يخطب الجمعة، وجاء الحسن في الباب في المسجد يبكي ويقول: أبي أبي، فنزل من على المنبر وحمله واحتضنه، ثم صعد به إلى المنبر وأكمل خطبته صلوات ربي تبارك وتعالى وتسليماته عليه.

أيها الأحبة جماعة المؤمنين:

إن ما يفتقده أطفالنا في هذا الزمان، ليس الطعام فهو كثير، وليس الشراب فهو أكثر من الكثير، وليس اللباس فهو فائضٌ وكثير، يفتقدون إلى الحنان وإلى العطف وإلى الحب، وهذه الصفات لا ينالوها إلا من الآباء والأمهات ومن على شاكلتهم.

ولذلك كنا نرى في بيوت القُرى الأطفال يخرجون حتى يصلوا إلى سن الرجولة وهم أسوياء، لأن الطفل في بيته له أمه، وله أم أبيه أمٌ له، وله زوجات أعمامه وكل واحدة منهن أمٌ له، وله أبيه وأبو أبيه أبٌ له، وأعمامه وهم أباءٌ له، الكل يحتضنه، والكل يعطف عليه، والكل يعطيه المحبة والمودة والشفقة والرحمة والحنين، فيخرج رجلاً سوياً إلى هذا المجتمع صالحاً لأي عملٍ يُطلب منه في كل وقتٍ وآن.

أما في هذه الأيام فإن الرجل لكثرة ما عليه من الأموال التي يريد تحصيلها، لا يكتفي بعملٍ واحد، بل يتقلب من عملٍ إلى عمل، وبعضهم يخرج من الييت والأولاد نائمون، ولا يعود إلا وهم نائمون، ولا يراهم إلا إذا كان يوم إجازة لو أفترض ذلك، فمن أين يأخذون العطب والحنان؟ من الأب وهو يظن أن كل ما يحتاجونه الطعام والشراب واللباس وما شابه ذلك، وأخطأ القضية لأن القضية في الحقيقة هي العطف والحنان والرعاية الأبوية.

وكذلك الأم تخرج في الصباح إلى العمل، وترجع منهكة ولها عمل آخر في المنزل، وإذا جاءها الإبن مندفعاً تطيح به وتقول أنا لست فاضية لك الآن، فكيف يحصلون على العطف والحنان.

أبناؤنا في أمس الحاجة بل وكبارنا في أمس الحاجة إلى العطف والحنان، من يأخذون آباءهم وأمهاتهم إلى دور المسنين ليعيشوا في نظرهم مستريحين، ويدفع الأموال التي يظن أنه أدَّى ما عليه، لم تؤدي ما عليك، لأنهم شملاك وأنت في الصغر بالعطف والحنان والحب والمودة، وهما يحتاجان ذلك منك الآن في الكبر، أن ترد لهما هذا الجميل.

لحظة تجالسهم فيها تباسطهم الحديث وتتنعم بالجلوس بين يديهم، أحب إليهم من دار المسنين سبعة نجومٍ أو يزيد.

لأن مع يتكلمون؟ ومع من يعيشون؟ يريدون أن يداعبوا أحفادهم، يريدون أن يتحدثوا مع أبنائهم، يريدون أن يكونوا تحت رعاية مبشارة لذويهم، وذوي العطف عليهم، ما أحوج مجتمع المسلمين إلى العطف والمودة والشفقة والحب والحنان، وذلك لا يكون إلا من الوالدين ومن على شاكلتهما.

إن الأم عندما تُرضع ولدها من ثديها، تُرضعه في نفس الوقت من عينيها حباً ووداً وعطفاً وحناناً من قلبها، فإذا تناول لبناً من الصيدلية ليس معه هذا الحب ولا هذا الحنان ولا هذا العطف، ولذلك يخرج عصبياً سريع النرفذة لأنه لم يأخذ الجُرعة الوافية من الحب والحنان من أمه، ومن مداعبة أبيه وذويه الذين على شاكلتهم.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يرشد المسلمين إلى أحسن أحوالهم، وأن يوفقهم إلى أفضل أعمالهم، وأن يجعلنا جميعاً له متوجهون، وبكتابه القرآن الكريم مستمسكون، وبنبيه صلى الله عليه وسلَّم مقتدون.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم إغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح أحوالنا وأحوال أولادنا وبناتنا وزوجاتنا، وأحوال إخواننا المسلمين أجمعين، حكاماً ومحكومين، رؤساء ومرئوسين، وأنزل في قلوب حكامنا ومرئوسينا الشفقة والحنان والعطف على عبادك المسلمين.

عباد الله اتقوا الله:

﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (90النحل).

أذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم، وأشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.

خطبة الجمعة: /3/12/  30 ربيع الآخر 2021 الموافق 1443 هـ مسجد الفائزين بالمقطم

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid