الحمد لله رب العالمين .. نحمدك اللهم سبحانك ونشكرك .. لأنك اخترت لنا الإسلام ديناً، والقرآن كتاباً، ومحمداً صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل على حبيبه ومصطفاه الشريعة السمحاء، والديانة الإسلامية الغراء، فهدى الله عزَّ وجلَّإلى هذا الدين الحفاة العراة الجفاة، فصاروا كما قال فيهم الله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (110آل عمران).
وأشهد أن سيدنا محمدًا عَبْدُ الله ورسولُه، اختاره الله عزَّ وجلَّلرسالته، وجمَّله بالأخلاق الكريمة التي تحبب الخلق في شريعته، فكان صورة للقرآن في أدبه الرفيع، وتواضعه البديع، ورحمته بالخلق، وشفقته على الناس، حتى قال له ربُّ الناس عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4القلم).
اللهم صلَّى وسلم وبارك على سيدنا محمد صاحب الديانة السديدة الراشدة، والأخلاق العظيمة الكاملة. صلَّى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين أعانوه وساعدوه، وآزروه ونصروه، وكل من تبعهم على هذا الهدى والخير إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين: بُعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمبدين الإسلام، وآمن به مَنْ آمن مِنْ أهل الجاهلية، فكانوا خياراً في كل أمورهم، نموذجيين في أخلاقهم، كاملين في كل تصرفاتهم وأحوالهم، حتى قال رجلٌ من الأعراب من كبرائهم، يصف ما جاء به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لو لم يكن ما جاء به محمدٌ ديناً، لكان في خلق الناس حسناً)، لأنه جاء بالأخلاق الكريمة
ونحن أتباع النبيِّ، وورَّاثُ دعوة النبيّ، مع تقدم العلم، وازدهار المعلومات، وتقدم الوسائل التكنولوجية في توصيل المعلومات، نرى العالم يجتمع على الإسلام .. يشوه صورته!! ويصفه بما ليس فيه!! لأنهم ينظرون إلى أهله وذويه، فيجدونهم يخالفون الحقَّ الذي نزل الحبيب به!! لماذا يشوهون صورة الإسلام كما نرى جماعة المؤمنين؟!!
هل تغيرت أخلاق الإسلام التي نزل بها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام؟ أبداً والله!!! هل غيرنا المعاملات الشرعية التي نزلت في محكم الآيات القرآنية؟ لم تتغير في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولا في شريعة الله، ولكننا جعلناها خلف ظهورنا، ومشينا على أهوائنا في التعامل مع بعضنا في هذه الحياة!! ورأونا مسلمين، فنسبوا إلى الإسلام ما يرونه من تصرفاتنا وأفعالنا وأحوالنا، وكأننا ننفِّذ ونلتزم بتعاليم الإسلام التي جاء بها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
كان الرجلُ فيما مضى لو سأل عن الإسلام، يقولون له: أنظر إلى أي مسلم، في قوله .. لا يقول إلاَّ الصدق، وفي فعله .. لا يفعل إلا ما يحبه الله، ولا يخلف وعداً، ولا ينقض عهداً، ولا يخون أمانة، ولا يتعرض لأي عمل يشينه .. لأنه يعلم أن الشين له شين لدينه، وإساءة لله ولكتابه ولحبيبه صلوات ربِّي وتسليماته عليه، فكانوا نموذجاً قويماً لهذا الدين!!!!
من أراد أن ينظر إلى تعامل المسلمين مع بعضهم … يأخذونه إلى السوق، فيجدون التجار لا يطففون الكيل ولا الميزان، ويعلنون عن العيب الموجود في السلعة، عملاً بما أوصى به النَّبِيُّ العدنان، يبين التاجر العيب الذي في سلعته لأنه فطن إلى قول الحبيب: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) (مسلم وابن حبان وسنن الترمذي وأبي داود). ويريد أن يكون مع الذين قال فيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) (سنن الترمذي وابن ماجة).
عجب الصليبيون والكافرون والمشركون من أخلاق المقاتلين الأشداء المسلمين في القتال، لا يقتلون امرأة ولا صبيًّا صغيراً، ولا شيخاً عجوزاً، ولا رجلَ دينٍ تفرَّغ لعبادة الله في صومعة، وإن كانوا لا يقرون ولا يعترفون بهذا الدين. الصليبيون عندما استولوا على بيت المقدس قتلوا في ساعة واحدة سبعين ألفاً من المسلمين، حتى صارت الدماء إلى الركب في شوارع بيت المقدس من كثرة القتلى، لكن صلاح الدين الأيوبي دخل بعدهم فاتحاً – وهو يمثل دين الله ويفعل ما يأمره به حبيب الله ومصطفاه – أبقى على الأسرى، فجاءه وفد من نساء الصليبيين، وقلن له: إنا نريد منك مكرمة، أن تفكَّ أسر رجالنا ونأخذهم ونذهب إلى ديارنا، لأنا لا نستطيع أن نعيش من غيرهم. ففك أسر الصليبيين ابتغاء وجه الله، وإظهاراً لكمال أخلاق المسلمين، وإظهاراً لجمال دين الله عزَّ وجلَّ.
كان قاضي المسلمين يأمر أمير المؤمنين أن يقف بجوار خصمه إذا اشتكى له خصمٌ من المؤمنين، ولا يجلسه ولا يجامله، وإنما يحكم بالعدل، ليرى الناس جمال دين الله عزَّ وجلَّ.
سقط من عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهدِرْعَهُ، وكان أميراً للمؤمنين، فوقع الدرع في يد يهودي، فوجده الإمام عليٌّ وقال: هذا درعي، قال: ليس درعك، فاشتكاه إلى قاض المسلمين، فوقف أمير المؤمنين بجوار اليهودي، قال القاضي لأمير المؤمنين: هل معك بيِّنة على أن هذه الدرع درعك؟ هل معك شاهد؟ قال: يشهد لي ابني الحسن، قال: الابن لا يشهد لأبيه، قال: يشهد خادمي، قال: الخادم لا يشهد لمخدومه، هل معك شاهد آخر؟ قال: لا، قال: الدرع درعك يا يهودي، فقال اليهودي: ما رأيت كاليوم!!! قاضي أمير المؤمنين ينصف اليهودي على أمير المؤمنين، إن هذه هي العدالة التي أتت بها شرائع السماء!!! أشهدكم أن هذه الدرع درع أمير المؤمنين، وقد سقطت منه عندما كان ذاهبا ليصلي الفجر، فوجدتُها وأخذتُها، الدرع درعك يا أمير المؤمنين، ونطق بالشهادتين لما رأى من أخلاق المسلمين، فقال أمير المؤمنين: ما دمت قد أسلمت فالدرع هدية لك.
كانت أخلاق المؤمنين مضرب المثل في كل زمان ومكان، لم يكن بينهم أحزاب ولا تحزُّبات، ولا سباب ولا شتائم ولا عصبيات، كانوا يختلفون والخلاف وارد، ولكنهم كانوا يقولون: (الخلاف لا يفسد للود قضية). اختلف عبد الرحمن بن عوف مع خالد بن الوليد في رأي، والخلاف في الرأي وارد، والدين لا يجبر أحد على رأي غير ما يرضاه ما دام هذا الرأي ليس في شرع الله، ولا في دين الله، فله حرية اختيار الرأي الذي يراه، بغير إكراه من أحد من خلق الله، فذهب رجل إلى خالد بن الوليد وقال: أما سمعت ما قال في شأنك عبد الرحمن؟ قال: وما قال؟ قال: قال في شأنك كذا وكذا، قال: لا، إن ما ذكرت لا يوجد بيننا، فقد ربَّانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تتطاول الألسنة فيما بيننا على بعضنا. يختلفون لكن لا يتسابون ولا يتشاتمون، ولا يشنعون على إخوانهم بما ليس فيهم، ولا يحاولون أن يظهرونهم بالوجه القبيح، لأنه مؤمن وأنت مؤمن، وهل مؤمن يقبح وجه أخيه المؤمن؟!! وهل مؤمن يباح له أن يتعالى بالسباب أو الشتائم أو المخازي نحو أخيه المؤمن؟! إذا كان المؤمن يقول فيه النبي الكريم:(لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيءِ)(سنن الترمذي ومسند الإمام أحمد).
مَنْ يرى مِنْ أهل الغرب فضائياتنا، ومَنْ هم منسوبون إلى العلم بيننا – وقد تعالت أصواتُهم بالسباب والشتائم، والتكفير لإخوانِهم المسلمين – أتراهم بعد ذلك يشكرون في هذا الدين ويثنون على أهله؟! مَنْ ينزل منهم إلى سوق من أسواق المسلمين، وينظر إلى ما فيه من الأيمان الكاذبة، والكذب في الأقوال، والغش في البضاعة، والغش في الكيل والوزن، ماذا يقول؟!أهذه سوق للمسلمين أم سوق للمنافقين؟! إن أسواق المسلمين أسست على التقوى والورع، وأصحابُها كلهم ورعون، عنوانهم: (خَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ) (المستدرك وسنن البيهقي).وكان تجَّارُهم على هذه الشاكلة.
قد يدافع المؤمنون عن قضيتهم ويقولون كان في العدالة عمر بن الخطاب، وكان في القيادة خالد بن الوليد، وكان في التجارة عبد الرحمن بن عوف، وكان في كذا فلان وفلان، أين هؤلاء الآن؟! أين أمثالهم يا أمة القرآن؟! أين الذين يسيرون على هديهم؟أين الذين يمشون على أخلاقهم؟ أهؤلاء طالبهم الله عزَّ وجلَّ بالالتزام بهذا الدين وتركنا نمشي على هوانا كما نحب ونبغي ونحن ننتسب إلى دين الله ونسمى عند الله مسلمين؟!!هذه هي المهمة التي قصَّرنا فيها أجمعين!!
أخذنا الإسلام من باب واحد: العبادات؛ الصلاة والصيام والزكاة والحج، وليتنا نقوم في هذا الباب كما ينبغي، فلو قمنا بالصلاة فقط كما يحبُّ الله ويرضى، فإن الصلاة يقول فيها الله:(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر) (45العنكبوت). نحن ندعو الله في كل ركعة ونقول: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) (6،7الفاتحة). ندعو الله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم، فإذا خرجنا من الصلاة، فلا بأس من الكذب، وهل الكذب من الصراط المستقيم؟!! ولا بأس من الغيبة، ولا بأس من النميمة، ولا بأس من السب والشتم واللعن، وغيرها من أخلاق الجاهلية، التي نوَّه عنها وحذَّر منها خير البرية صلوات ربي وتسليماته عليه.
إن هذه الثنائية التي وقعت في مجتمعنا هي التي أساءت إلى ديننا، فالمسلم ملتزم بدين الله في كل أحواله، في كل شئونه، في كل حركاته، في كل سكناته، ملتزم بدين الله في بيعه وشرائه، كما هو ملتزم به في صلاته وصيامه، ملتزم بالصدق والأمانة، لأنه: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، فإذا فقدت الأمانة فقد الإيمان، وإن كان يصلي مع المسلمين ويتظاهر بالعمل بشرائع الإسلام، لكن الدين التزام بكل ما جاء به الحبيب المصطفى من عند الملك العلام
فإذا كان المسلم على هذه الشاكلة، وكان يبغي الله عزَّ وجلَّ والدار الآخرة، فإنه يكون صورةً مُثلى تقدم الإسلام إلى الأنام. ولو سارت قرية واحدة أو شارع واحد من بلدان المسلمين على هذه الحالة الفريدة لدخل الناس في دين الله عزَّ وجلَّ أفواجاً، فإن المسلمين الأولين لم يفتحوا البلدان بالسيوف ولا بالخطب، ولا بالكتب ولا بالمحادثات، وإنما بالأمانة في البيع والشراء،والصدق في الأقوال،والعمل بتشريع الله عزَّ وجلَّ في كل الأحوال، فرأى منهم الناس نماذج فريدة لأخلاق إلهية كريمة، فرأوهم فاهتدوا بهديهم، ومشوا على دربهم، ودخلوا في دين الله عزَّ وجلَّ أفواجاً. قال صلى الله عليه وسلم: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ) (سنن الترمذي وأبي داود ومسند الإمام أحمد). وقال صلى الله عليه وسلم:(التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (رواه ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه). ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بالهُدى واليقين ، ونمَّى الإيمان في قلوبنا وجعلنا من عباده المتقين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، يحقُّ الحقَّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين: بين رسولكم صلى الله عليه وسلم – بقوله وبأخلاقه وبأفعاله وبأحواله – الحال الذي ينبغي أن يكون عليه كل مسلم بين الناس، إن كان في تعامله مع الحق، أو في تعامله مع الخلق، فكان صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، شفقة على جميع خلق الله، ومودَّة لجميع عباد الله، تنَّزه عن الفظاظة، وعن الغلظة، وعن القول الفاحش، وعن العمل القبيح، لم يكن يُرى منه إلا الأخلاق الكريمة، والصفات العظيمة، ولذا قال له ربُّه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (159آل عمران).
وهكذا ينبغي أن يكون كل مسلم، أهم ما يتميز به المسلم في هذه الحياة ( رحماء بينهم) (الفتح). أن يكون رحيماً بإخوانه المؤمنين، شفوقاً وعطوفاً على الفقراء والمساكين، ماداً يد المساعدة للمحتاجين، لسانه لا ينطق إلا كما يقول رب العالمين: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (24الحج).
يتعامل مع الخلق بالجمال القرآني، ويتعامل مع الحق بالصفاء النوراني في قلبه، فمن رآه من الخلق أحبه، لأخلاقه ولأدبه ولحسن هديه في تعامله مع من حوله، هذا هو المسلم الذي يقدم الإسلام إلى جميع الأنام.
وإذا كان مع ربه، تراه خاشعا، تراه وكأنه حاضراً بقلبه مع مولاه، يظهر عليه سيما الخشية، ويظهر عليه تقوى الله، لأنه يرعى الله في كل حركة وسكنة، ويوجِّه النيات لله، فلا ينوي عملاً إلاَّ إذا ابتغى به وجه الله.
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أهل هذا الزمان، من أمر هو السبب لكل ما نحن فيه يا أخوة الإيمان – فقال صلى الله عليه وسلم:(يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) (رواه أبو داود والإمام أحمد).
حب الدنيا وطلب المناصب، وطلب المكاسب، والسعي إلى تحقيق المآرب الدنيوية الفانية فيها هو الذي فرق جمعنا، وهو الذي شتت شملنا، وهو الذي جعل بعضنا يتعالى على بعض بالسباب والشتائم، وجعل القلوب تمتلئ بالأحقاد على العباد، وبالحسد لمن عنده خير في هذه البلاد، بينما العالم كله يشهد بسماحة هذا الدين.
ألا تعلمون أن أول دستور كُتب في الدنيا هو الذي كتبه الرسول صلى الله عليه وسلم، كتب هذه الوثيقة وتسمى: (وثيقة المدينة) بين المسلمين واليهود!!! يحفظ لهم حقوقهم، ويحفظ للمسلمين حقوقهم، وتوافقوا على ذلك، وتراضوا على ذلك، وعاشوا على ذلك!! يعلمنا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنه لابد من التوافق في الأمور وخاصة بين جماعة المسلمين، إذا كان شرط إيمان المسلم يقول فيه النَّبِيُّ الصفيّ صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) (البخاري ومسلم والترمذي).
ونحن جميعاً نحبُّ الخير لجميع إخواننا المؤمنين … لِمَ التنافس على المناصب، والتنافس على الكراسي، والتنافس على الفاني الذي فرَّق جمعنا وشتَّت شملنا؟وإذا كان لابد من التنافس، فلا بأس .. لكن بأدب الإسلام، وبأخلاق القرآن، وبما كان عليه الحبيب المصطفى وصحبه الكرام. لا يتعالى مؤمن على أخيه، ولا يقبِّح أحدٌ رأي أخيه، ولكن نكون كما قال الله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (24الحجرات).
وإني أهيب بكم جماعة المسلمين الحاضرين أن نكون واسطة خير في هذا المجتمع أجمعين:لا نسمح لأحد بكلمة قبيحة في حق أخيه، ولا نسمح بتجريح مسلم، ولا نسمح بسباب مؤمن. ندعو إلى الخير وندعو إلى الوحدة، وندعو إلى جمع الصف، فقد سئمنا من الحياة في ظل هذه الظروف، التي أهدرت ثروات البلاد، وأوشك صبر العباد على النفاد، بعد أن اجتاحت هذه الأمور كل حياتنا الدنيا ندعو إخواننا إلى قول الله: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) (103آل عمران).
نسأل الله عزَّ وجل أن يقيِّض لهذا البلد رجالاً مخلصين يسعون لمنافع العباد طلباً لمرضاة ربَّ العالمين، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يأخذ على أيدي المنافقين والمتسلقين إلى المناصب والمكاسب على حساب المؤمنين الصادقين. اللهم وحِّد جمعنا, اللهم أكرمنا في بلدنا بجمع الصف والوحدة يا رب العالمين. اللهم لا تشمت بنا أعداءك أعداء الدين، ولا تفرح فينا الكافرين والمشركين واليهود ومن عاونهم أجمعين، واجعل مصر بلد السلام إلى يوم الدين، وأنزل علينا خيرك وبرَّك، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً هناءً، واغننا فيه عن معونات الكافرين والأصدقاء أجمعين، حتى نكون في غنىً – بحضرتك يا أكرم الأكرمين – عن جميع المخلوقين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، يا ربَّ العالمين.