الحمد لله ربِّ العالمين، أشرق بنور الإيمان فى صدورنا وقلوبنا جماعة المؤمنين، فجعلنا من فضله لذاته عزَّ وجلَّ مسلمين، وبكتابه سبحانه وتعالى عاملين، وبخير رسله صلى الله عليه وسلَّم مقتدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق جميعاً بقدرته، وأوجدهم بجميع الأماكن والأزمنة بحكمته، وتصرَّف فيهم فى الدنيا ويكون تصرُّفه فيهم فى الآخرة برحمته. سبحانه … سبحانه، جعل الإنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصادقين والمُصدقين رسل رحمة للخلق أجمعين، ينشرون رحمة الله عزَّ وجلَّ وسماحة أديانه لكل من حولهم من العالمين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، خصَّه الله عزَّ وجلَّ بأكبر نصيبٍ من رحمته، لأنه جعله صلى الله عليه وسلَّم خير رسله وسيد أنبيائه، وجعل رحمته صلى الله عليه وسلَّم لجميع العالمين، وقال فى شأنها فى كتابه المبين: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ (107الأنبياء).
اللهم صلِّ وسلِّمْ وباركْ على رحمة الله العُظمى لجميع العالمين، سرُّ كل رحمات الله عزَّ وجلَّ فى الدنيا للخلق أجمعين، وسبب النجاة والرحمة من الأهوال الحشرية حتى للرسل والنبيين، سيدنا محمد وآله الذين ساروا على هُداه، وأصحابه الذين اقتدوا به فيما أرسله إليه الله، وكل من تبعهم على هذا الهدى إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
اختلط الحامل بالنابل فى هذا الزمان!! وأصبحنا نرى ما لم يسمع عنه السابقون!!، ينتسب إنسانٌ وجماعة وجماعات إلى الإسلام، وباسم الإسلام يتحدثون، ويزعمون أنهم يحكمون بشريعة الله، وكل طائفة منهم تُكفِّر أختها، وتحاول سحلها وقتلها، وتفعل فيها ما لا يُرضى الله عزَّ وجلَّ.
كيف نتبين نحن جماعة المؤمنين المُحقَّ من المُبطل؟.
النبىُّ صلى الله عليه وسلَّم نظر إلى هذا الزمان ببصيرته النورانية، التى أضاءها له ربُّ البرية: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾ (108يوسف)، وتكلم عما يحدث بيننا!! فقال صلوات ربى وتسليماته عليه:
(ألا إنها ستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم – نسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينجينا أجمعين والحاضرين والسامعين من فتن هذا الزمان – قالوا: يا رسول الله، وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله تعالى، فيه نبا ما قبلكم، وفيه خبر ما بعدكم، وفيه حُكم ما بينكم، وهو الجدُّ ليس بالهزل، وهو الذى لا تنقضى عجائبه، ولا يخلق – أي: لا يبلى – على كثرة الردّ – أى كثرة التلاوة – وهو الذى لم تنتهى الجن إذ سمعته إذ قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ﴾ (1، 2سورة الجن). من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه دعا إلى صراطٍ مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله تبارك وتعالى)[1].
الله عزَّ وجلَّ اختار لنفسه إسم الرحمن الرحيم، وجعل رحمته فى كتاب الله تسع كل شئٍ فى أرض الله وملكوت الله، ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ (156الأعراف) وأخبرنا أنه يُحب الرحماء حتى ولو كانوا على غير دين الله عزَّ وجلَّ، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عن ربه:
(إن رجلاً ممن كان قبلكم وقف فى ساحة الحساب، فقال الله تعالى لملائكته: انظروا هل له من خير؟ فقالوا: لم نجد له خيراً قط، فقال: يا عبد الله هل عملت فى عُمرك من خيرٍ قطّ؟ قال: لا، ثم قال: إلَّا أنِّى كنت أتاجر، فكنت أنظر الموسر!!، وأعفو عن المُعسر. فقال الله عزَّ وجلَّ: تعفو عن عبادى؟ نحن أحق بالعفو منك، عفوت عنك أدخلوا عبدى الجنة)[2]. فمَنْ تخلَّق باسم الله العفوُّ، غفر له العفوُّ عزَّ وجلَّ، كما أنبأ سيد الرسل وإمام الأنبياء.
أرسل الله عزَّ وجلَّ رسولكم الكريم سفينة رحمة إلهية مشحونة بالرحمة لكل الكائنات العُلوية والسُفلية، حتى الحيوانات لها نصيبٌ من رحمته، حتى الحشرات المؤذية كان لها نصيبٌ من رحمته.
كان صلى الله عليه وسلَّم فى منى فى حجِّة الوداع جالساً بين أصحابه، وإذا بحيّة تظهر عليهم فأسرعوا خلفها ليقتلوها، فاختبأت فى جُحرٍ منهم ـ واسمع معى لما يقول رحمة الله العُظمى لجميع العالمين، قال لهم صلى الله عليه وسلَّم: (وُقيت شركم وُوقيتكم شرها([3]، )وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)[4].
حتى ولو كان القتل فى حدٍّ من حدود الله، أو القتل لعدوٍ من أعداء الله، أو القتل لحيوانٍ مؤذٍ يؤذى خلق الله، أمرنا حضرة النبى أن لا نؤذيه ولا نعذبه أثناء القتل، بل نُسرع فى قتله تنفيذاً للحد ولا نعرِّضه للإيذاء، لأننا أهل رحمة الله عزَّ وجلَّ.
مشى النبى صلى الله عليه وسلَّم بجيشه فوجد قريةً من النمل أحرقها بعض الجند فتوقف عندها صلى الله عليه وسلَّم وقال: (من الذى أحرق هذه القرية؟ لا يحرِّق بالنار إلا الله عزَّ وجلَّ)[5]. حتى النمل!! نهى عن حرقه بالنار صلوات ربى وتسليماته عليه لأنه رحمة عُظمى للخلق أجمعين.
كان يأمرهم بالإحسان إلى دوابِّهم، ووجدهم ذات مرة واقفين راكبين على ظهور دوابهم يحتادثون فيما بينهم، فأشفق على الدواب وقال لهم: (لا تتخذوا ظهور دوابكم كراسى، فإذا أردتم أن تتحدثوا فانزلوا من فوقها وتحدثوا ما شئتم ثم اركبوا ظهرها، فرُبَّ من مركوب خيرٌ من راكبها،وأكثرُ ذكراً لله عزَّ وجلَّ أكثر منه)[6].
نهى حتى عن الوقوف أو القعود على ظهر الدابة أثناء الحديث مع الغير، حتى كان أصحابه الأجلاء يخافون من إيذاء هذه الدواب، فهذا أبو ذرٍّ رضي الله عنه وهو فى سكرات الموت يقف أمام جمله ويقول له: (أيها الجمل، لا تشكونى إلى ربك غداً يوم القيامة، فإنى لم أكن أجيعك ولم أحمِّلك فوق طاقتك). ورث هؤلاء الرحمة التامة بالخلق أجمعين وهى الفيصل!!
من الفريق الإنسان الذى يمشى على هدى الله، وعلى منهج حبيب الله ومصطفاه؟ الذى رزقه الله عزَّ وجلَّ الرحمة والشفقة والعطف الحنان لجميع خلق الله عزَّ وجلَّ، أما من عنده فظاظة أو غلظة أو قسوة أو زجر فهذا لأن إيمانه لم يكتمل، وهو فى حاجة إلى تجديد الإيمان، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلَّم فينا جماعة المسلمين وفى العُتاة والمجرمين الذين يظهرون بيننا، لنرى هذا الميزان النبوى الإلهى، إذا ظهر فينا منا قاتلٌ أو زانٍ أو سارق، لماذا يفعلون ذلك؟ بيَّن النبى صلى الله عليه وسلَّم حكمة ذلك فقال: (لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمنٌ) – أى الإيمان يكون فى إجازة فى هذا الوقت – (ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن)[7].
فمن سولت نفسه قتل إخوانه المؤمنين الموحدين لله عزَّ وجلَّ فإنما ذلك لضعف الإيمان فى فؤاده، ولرقَّة خشية الله وخوف الله عزَّ وجلَّ فى قلبه، وهو فى هذا الحال يحتاج إلى فيتامينات قرآنية، ومقويات نبوية، ودروس علمية ليقوى الإيمان فى قلبه فلا يصنع إلا ما يرضى الله عزَّ وجلَّ.
ولذا كان فى زمانه صلى الله عليه وسلَّم من يصنع أمثال هذه المخازى، كان يلوم نفسه ويؤنب نفسه تأنيباً شديداً، ويذهب فوراً إلى حضرة النبى ويعترف بجريمته، ويطلب منه أن يقيم الحد عليه ليتوب الله عزَّ وجلَّ عليه، فلا يعاقبه فى الدار الآخرة,
أما الجيوش الإسلامية فحدِّث كما شئت عن الرحمة التى قذفها الله عزَّ وجلَّ فى قلوبهم، وإن النبى صلى الله عليه وسلَّم قال لهم:
(لا تجهزوا على أسير) – نهى نهياً باتَّاً قاطعاً عن قتل الأسير حتى ولو كان كافراً، حتى ولو كان عدوّاً محارباً، لأنه مادام قد وقع فى الأسر فأصبح له أحكام الأسرى فى كتاب الله، وعلينا أن نُطبِّق عليه ما ورد فى كتاب الله من أحكام الأسرى التى بينها الله جلَّ وعلا – (ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأةً، وستجدون أقواماً قد فرَّغُوا أنفسهم لعبادة الله فى الصوامع فاتركوهم على ماهم عليه، ولا تحرقوا نخلاً ولا تخربوا بيوتاً)[8]. من يحاربون؟ لا يحاربون إلا المحاربين الذين يبدأونهم بالحرب وبالقتال، أما ما حولهم ففى رحمة هؤلاء المؤمنين الصالحين.
دخل عمرو بن العاص رضي الله عنه ومعه نفرٌ من أصحاب النبى إلى بلدنا هذا القاهرة، ونزل بمن معه فى الفسطاط الآن، والفسطاط يعنى الخيمة، وسُميت بالفسطاط لخيمة عمرو بن العاص التى وُضعت ومعها خيام المؤمنين، وجاءت يمامة وصنعت لها عُشاً على ظهر خيمته، وأراد عمرو أن يستكمل فتوحاته ويتوجّه إلى الأسكندرية، فأخبروه أن فوق الفسطاط يمامة قد صنعت لها عُشّاً ـ واسمع ماذا قال؟ قال: لا تروعوها، ونترك الفسطاط فى مكانه حتى نرجع، حتى لا نروِّع هذا الطائر المسكين. هؤلاء خلفاء النبوة وصحابة النبىِّ المباركين.
وذهب عُقبة بن نافع إلى بلاد المغرب، وعندما دخل تونس أراد أن يبنى معسكراً لجيش رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكانوا كما عوَّدهم نبيُّهم وخلفاؤه – الهادين المهديين – لا يرضون للجيش أن يسكن داخل المدينة حتى لا يؤذى الأهلين، وإنما يُعسكر خارج المدينة وبينهما مسافة، فيكون هناك فاصلٌ بين المدنيين والمحاربين.
فأراد أن يبنوا له مدينة هو وصحبه، فطلب من المهندسين المرافقين اختيار موقعاً يصلح لإنشاء هذه المدينة بحيث يكون على الهدى النبوى فلا يؤذى الساكنين ويُباعد بينهم وبين المحاربين، فاختاروا غابة قريبة بين الصحراء وبين المدينة، وهى ما تُسمّى القيروان الآن – والغابة مليئة بالأشجار، مليئة بالحيوانات المفترسة – فاجتمع مجلس الحرب ليقرروا كيف يزيلون هذه الغابة ليبنوا مكانها المدينة، فقال بعضهم: نحرقها بالنار، فقال القائد: إذا حرقناها بالنار أحرقنا الحيانات التى بها فنؤذيها، وهذا ما نهى عنه نبينا صلى الله عليه وسلَّم، قالوا: نقطعها، فقال: والحيوانات ربما يفتك بها الجند. وكان رجلاً من الصالحين له دعوةٌ مستجابة عند الله عزَّ وجلَّ، كان إذا مشى بجنده ونفد الماء يصلى ركعتين ويتوجه بالدعاء إلى خالق الأرض والسماء، فيأتيه الله عزَّ وجلَّ بالماء فوراً، إما من تحت فرسه، وإما بغيثٍ من السحاب ينزل عليه ومن معه، فقال: انتظروا، ووقف على فرسه قُبالة الغابة ـ وقال كلاماً عجباً: (يا سكان هذه الغابة – مخاطباً لهم: إنى جُندى من جند رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وقد أردنا فى هذا الموضع لنبنى مدينة لجند الإسلام فاخرجوا، وسأمهلكم مُدة ثلاثة أيام).
ورأى الناس عجباً!! رأوا الحيوانات وهى تخرج وقد حملت صغارها فوق ظهورها وكأنهم سمعوا النداء، وكأن هناك من ترجم لهم بلغتهم هذا الكلام، فنفذوه فوراً!!!، وكل هذا حرصاً على أن لا يؤذوا حتى الحيوانات التى تؤذى الإنسان، لأن الله عزَّ وجلَّ جعلهم رحمة للبشرية جمعاء.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
خذ هذا الميزان واجعله دأبك على الدوام، إذا رأيت رجلاً رحيماً بأهله، رحيماً بزوجه، رحيماً بمن حوله، لطيفاً فى المعاملات، فاعلم أنه لما فى باطنه وفى قلبه من نور الإيمان جعله الله عزَّ وجلَّ على هذا الحال.
وإذا وجدت من هو قاسى القلب، فظّ الطبع، غليظٌ فى حركاته على كل من حوله، فاعلم أن هذا يحتاج إلى إلانة القلب، وإلى ترطيب اللسان بذكر الله، لأنه دخل فى قول الله: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله ﴾ (22الزمر). قسى قلبه من الغفلة عن الله، ولم ينشرح صدره لأنه غفل عن تلاوة كتاب الله.
فهذا يا أخى المؤمن يحتاج إلى تجديد الإيمان، قال صلى الله عليه وسلَّم: (جددوا إيمانكم. قالوا: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله). أو كما قال: (أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، نحمده عزَّ وجلَّ على ما هدانا للإيمان، وملأ به قلوبنا، ونسأله عزَّ وجلَّ أن يتوفانا مسلمين ويُلحقنا بالصالحين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحق الحق ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، الهادى بالله إلى الله على صراطٍ مستقيم ومنهج قويم.
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد واجعلنا مقتدين بهديه، مقتفين لأثره، ناهجين على شرعه أجمعين، واجعلنا فى الآخرة تحت لواء شفاعته، وفى الجنة فى جوار حضرته، آمين .. يا ربَّ العالمين.
أيها المؤمنون:
يتعجّب بعض المسلمين مما يحدث ممن ينتسب إلى الإسلام مما تقشعر منه الأبدان، ولكن النبى صلى الله عليه وسلَّم أنبأنا أن هناك نفراً سيخرج عن ملَّته، وإن تظاهروا بأنهم أهل شريعته، فقال فيهم صلى الله عليه وسلَّم: (إذا كان آخر الزمان ظهر شبابٌ من أمتى حُداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرأون القرآن بألسنتهم، لا يجاوز حناجرهم، يمرق أحدهم من الدين كما يمرق السهم من الرمية) – ما هى علاماتهم؟ ( يقتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان)[9].
هؤلاء يا أحبة خرجوا عن النهج الصحيح الذى أمرنا به الله، وزادوا فى تحريف نهجهم فجاءوا بفتاوى ضالة ليوهموا أن ما يصنعون إنما يطابق صحيح الدين.
ربما كثيرٌ منكم رأى مثلما رأيت، ودمعت عيون قلبه قبل رأسه مثلما فعلت، عندما أرى شاباً من المسلمين حجَّ بيت الله الحرام، ويتلو كتاب الله، ويُحافظ على الصلاة، وعند إقتيادهم له يقول: يا إخوتى أنا أصلى لله، وحججت بيت الله، وأقرأ كتاب الله، ولكنهم يحرقونه بالنار مع أن لسانه كان لا يكُف عن قراءة القرآن أثناء ذلك.
أى دينٍ هذا الذى فى صدور هؤلاء؟!! ومن العجب أنهم حوله يتلذذون بما يفعلون!!، يتلذذون بحرق إمرئٍ مسلمٍ يتلو كتاب الله، إن هذا يدلنا على مبلغ قساوة هذه القلوب، وأنها كما قال فى شأنها حضرة علام الغيوب: ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ (74البقرة).
وينسبون الفعل فى فتوى ضالة مضللة إلى أن بعض المسلمين فعل ذلك، مع أن هذا لم يحدث!!، فعل بعض الأعداء بالمسلمين فعلاً قبيحاً، وقال النبى صلى الله عليه وسلَّم للجيش الذى أرسله إليهم: (إذا امسكتموهم فحرقوهم بالنار)، فلما مشوا بضع خطوات ناداهم وقال: (لا تحرقوهم بالنار، ولا يحرق بالنار إلا ربُّ النار، ولكن إذا وجدتموهم فاقتلوهم).[10]
يأتون برواياتٍ مكذوبة لأبى بكرٍ الصديق – الرحيم الرفيق – على أنه حرَّق قوماً بالنار، وذاك ليس موجودٌ فى تاريخنا الإسلامى الصحيح، لا فى أى كتاب من الكُتب المعتمدة، ولا فى أى مرجعٍ المراجع الصحيحة، وينسبون ذلك إلى خالد بن الوليد أيضاً، وهذا أيضاً محض إفتراء!!!، فدين الله عزَّ وجلَّ إنما هو عملٌ بالقرآن، أو بِسُنَّة النَّبِىِّ العدنان صلى الله عليه وسلَّم، وليس هناك عقوبة فى القرآن – من أوله إلى آخره – كعقوبة الحرق بالنار، وليس فى السنة عقوبة هى الحرق بالنار، وليس فى فعل النبى صلى الله عليه وسلَّم عقوبة هى الحرق بالنار.
من الذى فعل ذلك؟ الذى كان يفعل ذلك اليهود عندما كانوا فى اليمن، وحرقوا المؤمنين بالنار، وصنعوا لهم الأخدود وأوقدوا النار فيه وأحرقوهم بالنار، والذين صنع ذلك المغول، وكانوا يتلذذون بسفك الدماء، دخلوا بغداد وقتلوا ما يزيد عن المليون، وما أدراك ما المليون فى هذا الزمان؟!!، كل رجلٍ أو إمراةٍ أو صبىٍّ يقابلهم كانوا يتلذذون بقطع رقابهم، وكان يأخذون الرقاب والرءوس ويبنون منها القصور ويشربون الخمر بجوارها ويتلذذون بذلك.
ولم يفعل ذلك فى عصرنا إلا الألمان عندما صنعوا المحارق لليهود، لكن لا يوجد فى المسلمين – قريباً أو بعيداً، قديماً أو حديثاً – مَنْ حرَّق بالنار!! رجلٌ يؤمن بالله، ويقرأ كتاب الله، ويحافظ على الصلاة!! لعل هذه الفعلة تُبطل تعاطف البعض معهم ممن يظن أنهم على الحق، أو أنهم على خير، فتلك الفعلة أسقطتهم بالجملة أمام المؤمنين أجمعين، لأننا علمنا بها – علم اليقين – أنهم على منهج الخوارج الذين قال فيهم النبى صلى اللهعليه وسلَّم: (الخوارج كلاب أهل النار).[11]
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
نحن فى حاجة إلى صحوة جماعة المسلمين لنُصحّح مفاهيم هذا الدين للآخرين، بعد أن شوَّه هؤلاء وأمثالهم صورة الدين أمام الآخرين، فجعلوا الإسلام دين سفك الدماء، ودين الحرب، ودين القتل، ودين ما نراه من متفجرات وغيرها، نرجوا أن يمُن الله علينا أجمعين فيهدينا إلى صحيح الدين.
وكذلك ممن هم فى بلداننا من يطمئن قلبه إلى وضع قنبلة فى أى مكان ليُروّع المؤمنين الآمنين، لِـمَ يفعل ذلك؟ وهل فى قلبه إيمانٌ صادقٌ فى هذا الوقت؟
أيفرح بأن نفراً من المؤمنين الأبرياء الأنقياء الضعفاء تُدمّر حياتهم بهذه الكيفية؟
والذين يريدون أن يخربوا البلاد – بالقضاء على وسائل الموصلات كالسكك الحديدية، والكهرباء، والقضاء على أنابيب الغاز، والقضاء على كل ما يرونه نافعاً للعباد والبلاد – ماذا دهاهم إلى ذلك؟ وماذا يريدون من ذلك؟
أكُلُّ ذلك فى سبيل إلى الكرسى ويمسكون ناصية العباد والبلاد؟ وهل هذه هى الطريقة الصحيحة المرضية التى وضعها الله للوصول إلى الحكم؟!!!، أو النبى صلى الله عليه وسلَّم للوصول إلى الرئاسة؟!!!
إن هؤلاء يا إخوانى يحتاجون إلى تصحيح إيمانهم، وإلى الرجوع إلى قواعد دينهم، وإلى أن ينشروا المودة فى فجاج قلوبهم، حتى نعمل بقول النَّبِىِّ فينا: (ترى المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عُضوٌ منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[12].
اللهم طهِّر جسد المؤمنين من القتلة والمفسدين والمروعين، وخذ على أيديهم أجمعين، ولا تُبقِّ عليهم لحظة يا أكرم الأكرمين.
اللهم ارزقنا الأمان فى بلادنا، والإستقرار فى حياتنا، والرخاء فى اقتصادنا، والبركة فى أقواتنا، والبركة فى أجسامنا، والبركة فى أولادنا، واجعل بلدنا آمناً سخاءً رخاءً إلى يوم الدين، يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ مجيب الدعوات، يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق قادة العباد لما فيه عدل الرعية والمساواة بينهم، ونشر الخير والمحبة والمودة على الدوام فى أفئدتهم.
اللهم اهلك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين فى الظالمين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين، واجعل بلاد الإسلام بلاد الأمن والأمان، والسلام على الدوام، يا أكرم الأكرمين.
[3]روى البخاري عن عن عبد الله رضي الله عنه قال: (بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزل عليه والمرسلات وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ وثبت علينا حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اقتلوها:، فابتدرناها فذهبت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “وقيت شركم كما وقيتم شرها”).
[4] روى مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
[5] روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار).
[6] روى ابن أبي شيبة عن عطاء بن دينار قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي لأحاديثكم، فرب راكب مركوبة هي خير منه وأطوع لله وأكثر ذكراً). وروى أبو داود مثله عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] روى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي عمران الجونيأن أبا بكر رضي الله عنه بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام فمشى معه يشيعه، قال يزيد:إني أكره أن تكون ماشياً وأنا راكب، قال: فقال: إنك خرجت غازياً في سبيل الله، وإني أحتسب في مشيي هذا معك، ثم أوصاه فقال:(لا تقتلوا صبياً، ولا امرأة، ولا شيخا ًكبيراً، ولا مريضاً، ولا راهباً، ولا تقطعوا مثمراً، ولا تخربوا عامراً، ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل، ولا تغرقوا نحلا ولا تحرقوه)،وقد روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.وفي أحكام القرآن للجصاص: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة ؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: (لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها).