• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

1 ابريل 2016

خطبة الجمعة_صلاح الأسرة المسلمة والعطف على اليتيم

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

الحمد لله ربِّ العالمين، إختارنا وجعلنا خير أُمةٍ أُخرجت للناس أجمعين، نهتدي بهداه، ونعمل بما أنزله في كتاب الله، ونقتدي بحبيبنا الأعظم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. سبحانه .. سبحانه، من أطاعه واتبَّع هداه كفاه كل همٍّ في الدنيا وفرَّج عنه كل ملمَّةٍ في أُخراه، ومن خالف هديه واتبع هواه كانت حياته في الدنيا كلها شِدَّات وملمَّات، فكان في الدنيا كأنه في جحيمٍ مقيم، وفي الآخرة له عند الله عزَّ وجلَّ – إن لم يتب ويرجع – عذابٌ من الله عزَّ وجلَّ أليم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعلم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأُمهاتنا، ومن شدة رحمته تبارك وتعالى بنا لم يترك شيئاً يهمنا في حياتنا إلا وذكر لنا في قرآنه ما ينبغي فعله، لكي نكون في الدنيا من الأتقياء الأنقياء السُعداء، وفي الآخرة من أهل الجنة العالية الفيحاء.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقه وخليلُه، جعله الله عزَّ وجلَّ البيان العملي لقرآنه الكريم الإلهي، فإذا أمرنا الله بأمرٍ في قرآنه وتحيَّرنا في تنفيذه، نرجع إلى نبيِّنا ونرى أحواله وأفعاله لنقتدي به في تنفيذ أوامر الله، فنفوز أجمعين بقول الله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (21الأحزاب).

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على سيدنا محمد، الذي أَعْلَيْتَ في الدنيا ذِكْرَه، ورفعت فيها شأنه، وأكملت على يديه تمام دينك، وجعلته في الآخرة في مقامٍ محمود، صاحب الشفاعة العُظمى يوم لا ينفع والدٍ ولا مولود، ولا جدٌ ولا جدود، إلا الحبيب صاحب المقام المحمود، سيدنا محمد صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها ألأحبة جماعة المؤمنين:

نقرأ أو نستمع في كل يوم عن كوراث لا عدَّ لها ولا حدَّ لها تصيب المسلمين، وننظر إلى سِيَرِ الأولين فلا نجد هذه الكوارث البتَّة، ولا نجد هذه المصائب أبداً. لماذا؟ لأنهم عملوا بما أنزل الله، وأطاعوا رسول الله، والله عزَّ وجلَّ. يقول لنا أجمعين في شأن رسوله الكريم: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) (54النور).في إطاعة الرسول الهداية للحياة الدنيوية الكريمة، والحياة الأُخروية العظيمة عند الله عزَّ وجلَّ. وحذَّر الله عزَّ وجلَّ الأمة جميعها من مخالفة رسول الله في أي أمرٍ، أو عدم اتباعه في أي هديٍ، فقال عزَّ شأنه في إنذارِ شديد إلى الأمة جمعاء: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63النور). وهذا ما نجده في كل حادثة من الحوادث، نأخذ مثالاً واحداً حتى لا نطيل عليكم:

خرجت علينا إدارة الإحصاءات ومركز دعم القرار منذ عدة أيام، بأن حالات الطلاق زادت في مصر عن الحدِّ، حتى أصبح في كل عام لا يقلُّ عن مائتين وستة وأربعين ألف مُطلقة، بمعدل مطلقة كل ست دقائق. وأصبح عدد المطلقات في مصر لا يقلُّ عن 2,5 مليون، وزادت الإحصائية فبحثت عن حالات الطلاق، فوجدوا أن 42% منها يتم الطلاق في السنة الأولى من الزواج!! لماذا؟ لأن هؤلاء الشباب لم يتعلموا قبل الزواج المنهاج الإلهي في تكوين الأسرة المسلمة وكيفية التعامل بين الزوجين. كل واحدٍ منهما له رأي ويُصرُّ على رأيه، لكن الذي كان يجمع السابقين واللاحقين أن الكل كان يُصِّر على رأي الله، وعلى منهج حبيب الله ومصطفاه.

منهج الله عزَّ وجلَّ رسمه لنا الله في كلمة واحدةٍ جامعة، ختم بها القارئ قارئنا الشيخ صلاح قراءته هذا اليوم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (19النساء). هلاَّ تعلم شبابنا أن الحياة بين الزوجين ينبغي أن تُؤسَّس على المعاشرة بالمعروف،

والكلمة الطيبة، والبسمة الصادقة، والمداعبة بين الزوجين – التي أسَّسها الدين، وبينها سيِّد الأولين والآخرين، الحفاظ على أسرار البيوت – فلا ينبغي عليه أن يذيع سرًّا أفشتْ به زوجه، ولا ينبغي للزوجة أن تُفشي لكلامٍ أو شيئٍ حدث بينها وبين زوجها، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم: (إن شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يُفضي إلى زوجه وتُفضي إليه ثم يُصبح فينشر سرها وتنشر سره)[1].

تجد الزوج في خارج البيت يتعامل مع الناس كأنه ملكٌ من الملائكة، فإذا دخل المنزل كأنه وحشٌ مفترس، يتعامل مع الناس بالبسمة الدائمة، فإذا دخل المنزل تحولت البسمة إلى تكشيرة. أما سمعت قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله)[2].

يظن الرجل أن كل الذي عليه أن يوفِّر للمنزل وأهله ما يحتاجون إليه من طعام أو شرابٍ أو كساءٍ وفقط، ونسي أنهم يحتاجون أكثر إلى الود وإلى الحنان وإلى المحبة وإلى الرحمة وإلى الشفقة وإلى العطف وإلى اللين وإلى الأخلاق الكريمة، فإن الكلمة الطيبة تفعل ما لاتفعله الأموال في تغيير النفوس وحبِّها لبعضها.

وكذلك الزوجة تذهب إلى العمل فتجد كل صُويحباتها يُثنين عليها، لدماثة أخلاقها، ورقة طبعها، وجميل ألفاظها، وحُسن حديثها، فإذا كانت في المنزل تجدها غير التي نراها في عملها. قد تجد السَّبَّ للأولاد، وقد تجد اللعن لهم، وقد تجد الصياح والصخيب مع الزوج لأتفه الأسباب، هذه الأمور كلها وضع حدًّا لها ديننا الكريم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (19النساء).

قيل: يا رسول الله دينارٌ أنفقته في سبيل الله، ودينارٌ أعتقتُ به رقبة، ودينارٌ تصدقَّت به على الفقراء والمساكين، ودينار أنفقته على أهلي، ما خيرهم وما أعظمهم أجراً عند الله؟ قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلَّم: (أعظمهم أجراً عند الله الدينار الذي أنفقته على أهلك)[3]، لأن هذا تكليفٌ كلفَّك به ربُّك عزَّ وجلَّ.

وفصّل الله عزَّ وجلَّ هذه الآية وتلك القاعدة القرآنية في منهاجٍ جامع يجب أن يتدبره الشباب ويعووه، يقول فيه عزَّ وجلَّ: (وَمِنْ آَيَاتِهِ) – من آيات الله وعلامة قدرة الله وبديع إبداع صُنع الله: (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) – لماذا؟ (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) – كيف تكون الحياة بين الطرفين؟ (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (21الروم). تنبني الحياة بين الزوجين على المودة والرحمة. كيف نطبق هذا المنهاج؟ ننظر إلى الحبيب الأعظم، والمعلم الأكرم، الذي كان أول من خُوطب بكلام الله، وأول من طبَّق في حياته كلام مولاه، لكي نحتذي حذوه ونهتدي بهُداه.

تزوَّج السيدة خديجة بنت خُويلد رضي الله عنها وكان سنُّه خمسة وعشرين عاماً، وكان سنَّها أربعين عاماً، ولكنها كانت نعم السكن. نزل عليه الوحي وذهب إلى بيته يرتجف ويقول: (دثروني، زملوني – يعني: غطوني – فقالت: ما بك؟ فشكا لها، فقالت: إذا أتى هذا الوحي إليك فأخبرني، فجاء الأمين جبريل فأخبرها، فقالت: اجلس على رجلي اليُمنى، فجلس، فقالت: هل تراه؟ فقال: نعم، فقالت: اجلس على رجلي اليُسرى، فجلس، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، فكشفت شعرها وقالت: هل تراه؟ قال: لا، قالت: إنه وحيٌ من السماء وليس شيطاناً من الشياطين، طالما لم تره عندما كشفتُ شعري)[4]. إذن هذا أدب الملائكة الكرام ولو كان شيطاناً ما فعل ذلك.

كان يُلاقي ما يُلاقي من الشدة في دعوة الله إلى قومه، منهم من يسخر به، ومنهم من يستهزئ به، ومنهم من يحاول أن يُعرِّض به بأنواعٍ لا نستطيع حصرها ولا ذكرها الآن، وهو صابرٌ لأنه مُكلفٌ بأن ينفذ دعوة الله جلَّ في عُلاه، لا يرجو من وراء ذلك لا مالاً ولا جاهاً ولا منصباً ولا دُنيا ـ لا يرجو إلا رضاء مولاه جلَّ في عُلاه. فيعود إلى البيت وعليه نبرة الحُزن، ويظهر عليه الألم من شدة ما وُوجه به، وهنا تظهر الزوجة التقية ـ لتسكنوا إليها، تُسكِّن نفسه، فتقول له: (يا بن عم لا تحزن إنك لتصل الرحم وتُقري الضيف وتكلأ الفقير والمسكين، ووالله لن يخزيك الله عزَّ وجلَّ أبداً) [5].

أنظر ماذا تفعل هذه الكلمات في رجلٍ دخل عليها بهذه الملمات؟!! هذه مهمة الزوجة الصالحة، تُقابل زوجها عند رجوعه إلى المنزل تُخفف عنه عناء العمل، وتُنزل من على ظهره كاهل المشاكل التي واجهته، وتُعيد رسمة البسمة على وجهه، وتجعله يتذكر أن الله عزَّ وجلَّ معه، فيرجع إلى الحال الْمُرضي، هكذا كان نساء النبي صلى الله عليه وسلَّم.

ذهب النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى مكة في صُلح الحديبية، فمنعه أهل مكة من الدخول، وقالوا: لن تدخلها هذا العام، وكان قد ذهب مُحْرِماً هو ومن معه من المسلمين، وكيف يرجعون بدون أداء العُمرة والطواف والسعي بين الصفا والمروة؟ فلما أتمَّ العقد والصُلح بينه وبين أهل مكة قال للناس: اذبحوا واحلقوا وقُصُّوا شعوركم، وتحللوا من إحرامكم.

انظر إلى النبي يأمر أتباعه فلا يستجيب منهم أحد، فدخل خيمته في الحُديبية تظهر عليه الكآبة، وكانت فيها زوجته التقية أم سلمة رضي الله عنها، قال: (هلك الناس، قالت: ولم يا رسول الله؟ قال: أمرتهم فلم يطيعوني، قالت: يا رسول الله – وانظر إلى الزوجة التقية الناصحة الأمينة – إنهم لا يقتدون إلا بفعلك، فاخرج ولا تَقُلْ لهم شيئاً، وانحر هديك واحلق شعرك فلن يتخلَّف عنك أحد)[6]، وصدقت فيما قالت.

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فدعا بهديه ونحره، فأسرع الناس حتى كادوا يدهسون يعضهم لينحروا هديهم، ودعا الحلاق ليحلق شعره فتسارع الناس جميعاً إلى الحلاقة وتسارع كثيرٌ منهم للظفر بخُصلة من شعره الكريم، حتى قيل: (لم تسقط شعرةٌ من شعره على الأرض)، بمشورة هذه المرأة العاقلة التقية النقية.

وكان النبي صلى الله عليه وسلَّم يبادلهنَّ نفس المشاعر، ويعايشهن بعطفٍ وحنان، كان يجعل الوقت بين العصر والمغرب لنسائه، فيطوف عليهنَّ جميعاً، يذهب إلى كل واحدةٍ في بيتها ويجلس معها ويتسامر معها، ويتحادث معها ويتعرف على أحوالها وعلى أخبارها، وهذا أهم شئٍ تريده المرأة من الرجل – تريد أن يبادلها المشاعر، وأن يُشاركها في وجد القلب – وكان صلى الله عليه وسلَّم يمزح معهن كثيراً، حتى كان صلى الله عليه وسلَّم في بعض الغزوات يأمر الصحابة أن يسبقوه، ويقول لصاحبة النوبة: هيا نتسابق. فقال لعائشة ذات مرة: هيا نتسابق، فسبقته، وجاء بعد حينٍ من الدهر وكانت قد إمتلأ جسمها باللحم، فقال لها: هيا نتسابق في الجري فسبقها، فقال لها: (يا عائشة، هذه بتلك)[7].

حياةٌ طيبةٌ كريمة، وحياةٌ قيِّمةٌ عظيمة، حتى قالوا: ((لم يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إمرأةً واحدةً من زوجاته قطّ)). ولم يتفوَّه لواحدةٍ منهن بكلمة تسيئ لها قطّ، بل كان لا يخرج منه لهن إلا الكلم الطيب، ولا يعاملهن إلا بالمعاملة الطيبة التقية النقية، والمودة والرحمة قال فيها صلى الله عليه وسلَّم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[8]. أو كما قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة). 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الذي أكرمنا بهُداه، ووفقنا لاتباع هذا الدين المتين، وجعلنا من عباده المسلمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجوا الله عزَّ وجلَّ أن يُطلق بها ألستنا عند خروجنا من هذه الحياة، وأن يثبِّتنا عليها يوم نلقاه، وأن يجعلنا من أهلها أجمعين. وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولهُ، طَيِّبُ الذكر، صَفِيُّ القلب، المُجمَّل بما ذكره مولاه وقال عنه في كتاب الله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4القلم).

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطيبين، وصحابته المباركين، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا رب العالمين.

أيها الأحبة جماعة المؤمنين: جعل العالم هذا اليوم – الأول من شهر إبريل؛ يوم اليتيم للعناية باليتيم، والعناية باليتيم عندهم قاصرةٌ على كفالته بالمال، وتيسير الأحوال التي يحتاج إليها في دنياه. لكن تعالوا بنا إلى أول يتيمٍ إهتم باليتامى وقام بشأنهم، وهو نبيُّنا صلى الله عليه وسلَّم، علم أن اليتيم ليس بحاجة إلى المال فقط، لكن يحتاج إلى حنان الآباء، وشفقة وعطف الآباء، ورعاية وحُنُوِّ الآباء، فيحتاجون إلى أبٍ لهم – إلى أبٍ له يعوضه عن أباه الذي فقده.

مات أبو سلمة الصحابي الجليل عن زوجةٍ كبيرةٍ في السن وستة أبناء، وليس لها كافل لهم ولا مورد لهم، ماذا يصنع النبي صلى الله عليه وسلَّم؟ أرسل إليها طالباً الزواج منها، قالت لمن أرسله: ((يا رسول الله، إني كَبُرَ سِنِّي، ولستُ أحتاج ما يحتاجه النساء، ومعيلة))، يعني: عندي عيالٌ كثيرة. فقال صلى الله عليه وسلَّم: (لا أريد الزواج منكِ إلا لأعول أولاد أخي اليتامى الذين لا عائل لهم)[9]. فتزوجها ليكفُل هؤلاء اليتامى، ويكونون تحت رعايته وتحت عنايته، لأن الصغير يحتاج إلى من يقول له: يا أبي، أو يا أبتي، فيجد من يُعوضُّه عن ذلك فيقول له: يا بابا، أو يا أبي، ويَحْنُو عليه، ويُشفق عليه، ويسأل عنه. وهذا الحنان وهذا العطف وهذه الشفقة أهم من المال الذي نوفره له، لأن هذه طلبات القلب والفؤاد التي يستريح إليها العباد.

ثم بعد ذلك يتوفَّى في معركة مؤتة شهيداً إبن عمه جعفر بن أبي طالب، فيذهب إلى بيته فيجد صبيةً صغاراً وامرأةٌ في تمام الصِبا ـ يعني تحتاج إلى الزواج ـ ولا دخل لها، ولا يستطيع أن يتزوجها لأنه كان في أُخريات حياته صلوات ربي وتسليماته عليه، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (ضُمي أولاد أخي إليَّ لأرعاهم). طلب منها أن تأذن له أن يأخذ أبناء ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليكفلهم في بيته، ويكونوا تحت رعايته وعنايته، ثم قال لهم ولنا وللمؤمنين أجمعين: (من كفل يتيماً وآواه ورعاه كان معي في الجنة يوم القيامة)[10].

هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلَّم، كان يبحث عن اليتامى في أيام العيد ليُدخل عليهم البهجة في هذا اليوم. {مشى في يوم العيد فوجد طفلاً منفرداً عن الصبيان، لا يلعب معهم ولا يشاركهم اللعب، فذهب إليه وقال له: (لِـمَ لا تلعب مع الصبيان؟ قال: أنا يتيم ومات أبي، قال: أما ترضى أن أكون لك أباً، وعائشة أماً، وفاطمة أختاً؟). ثم احتضنه وأخذه صلى الله عليه وسلَّم وأدخل عليه البهجة والسرور}[11]، لذلك لم يكن أهل المدينة المنورة ولا غيرها من بلدان المسلمين في عصر النبي ولا عصر الخلفاء الراشدين، يحُسُّ اليتيم فيه بألم فقد الأب وفقد الأُم، لأن الكل له آباء، والكل له له أُمهات، والكل به رحماء، والكل عليه مشفقين، والكل عليه متعاطفين. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يردَّ لنا هذا الحال أجمعين.

اللهم أصلح أحوالنا، وأذهب فساد قلوبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، وأرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه، وحبب إلينا فعل الخيرات، وعمل القربات، والمسارعة في الباقيات الصالحات، ووفقنا عل ذلك أجمعين حتى الممات، واجعلنا يوم القيامة أجمعيم من الآمنين في جوار نبيك الكريم، وصحبه المباركين الطيبين.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، يا ربَّ العالمين.

كما نسألك يا ربَّ العباد وأنت خير مسئول، أن تقضي على كل من يناوئ جيشنا وداخليتنا قضاءً مبرماً، لا تبُقي عليهم ولا تذر، حتى تعيش مصر وأهلها في أمانك الذي ذكرته في القرآن وقلت فيه: (ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ) (99يوسف).

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأهلك الكافرين والمتآمرين على هذا الدين وعلى بلدان المسلمين أجمعين، وأخرج المسلمين من بينهم سالمين آمنين مطمئنين، يا ربَّ العالمين.   

عباد الله، اتقوا الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).

أذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، وأقم الصلاة.

******************************

[1] روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها).

[2] رواه الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها.

[3] رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: (دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ , وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ , وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك , أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك).

[4] سيرة ابن هشام؛ والطبراني؛ وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد.

[5] روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: {قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَال: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا، وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)}.

[6] البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يصدق كل منهما حديث صاحبه (تفسير بن كثير).

[7] مسند الحميدي عن أعلى النموذج

عَائِشَةَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ ، فَلَمَّا حَمَلْتُ مِنَ اللَّحْمِ سَابَقَنِي ، فَسَبَقَنِي ، فَقَالَ : (يَا عَائِشَةُ، هَذِهِ بِتِلْكَ) . أسفل النموذج

[8] الترمذي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها.

[9] و في الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها انها قالت : {إن ابا سلمة رضي الله عنه حدثها أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يصاب بمصيبة فيفزع إلى ما أمره الله به، من قول: (انا لله وانا اليه راجعون) اللهم اجرني في مصيبتي وعوضني خيراً منها، إلا أجره الله في مصيبته، وكان قمينا أن يعوضه خيراً منها). فلما هلك أبو سلمة ذكرت الذي حدثني به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اجرني في مصيبتي وعوضني خيراً منها، ثم قلت: أني أعاض خيراً من أبي سلمة؟ (أي كيف يعوضني الله بخير من أبي سلمة؟ وذلك لحبها الشديد له رضي الله عنه)، وأنا أرجو أن يكون الله قد أجرني في مصيبتي}. وأسند ابن سعد عنها رضي الله عنها أنها قالت: {من هذا الذي هو خير من أبي سلمة}. وقال ابن عبد البر: إن أبا سلمة قال عند وفاته: {اللهم اخلفني في أهلي بخير، فأخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة فصارت أما للمؤمنين، وعلى بنيه؛ سلمة وعمر وزينب ودرة}. و تقدم لأم سلمة أبو بكر الصديق خاطباً فرفضت في رفق، ثم عمر بن الخطاب فرفضت أيضاً، وبالفعل بعد أن انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخطبها، فقالت: إنها غيرى مسنة ذات عيال، فقال صلى الله عليه وسلم: (أما أنك مسنة فأنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله)، فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[10] تاريخ ابن خيثمة عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: (مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ ، وَجِبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ أَلْبَتَّةَ)، وروى البخاري وأحمد والترمذذي وأبو داود عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ)، وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ. وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِى الْجَنَّةِ)، وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى .

[11] أخرجه ابن منده وأبو نعيم عن عقبة بن عبد الله بن بشير رضي الله عنه، ولابن عساكر عن بشير بن عقربة قال: (لما قتل أبي يوم أحد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: يا حبيب، ما يبكيك؟ أما ترضى أن أكون أنا أبوك وعائشة أمك، فمسح على رأسي فكان أثر يده من رأسي أسود وسائره أبيض، وكانت بي رتة، فتفل فيها وقال لي: ما اسمك؟ قلت: بحير، قال: بل أنت بشير).

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid