خطبة الجمعة_ليلة النصف من شعبان وتحويل القبلة وموقف الرسول والصحابة
شارك الموضوع لمن تحب
الحمد لله رب العالمين مُجيب الدعاء محقق الرجاء، يستحي من عبده المؤمن إذا رفع إليه يديه بالدعاء أن يردَّه صفراً من العطاء، سبحانه وسبحانه من دعاه لبَّاه، ومن سأله أعطاه، ومن توكَّل عليه كفاه، ومن اتقَّاه وقاه وكفاه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يتنزَّل لغروب شمس ليلة النصف من شهر شعبان إلى السماء الدنيا فينادي:
(هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائلٍ فأُعطيه؟ هل من مُبتلى فأُعافيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من مُسترزقٍ فأرزقه؟ هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتى مطلع الفجر).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ما دعا مولاه إلا لبَّاه، ولا سأله إلا أعطاه، بل إنه كان يستجيب بما يجول في نفسه من غير أن يسأل مولاه ذلك بلسانه وشفتاه.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين، وصحابته المباركين، وعلى كل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعينن آمين آمين يارب العالمين.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
نحن مقبلون على ليلة مباركة هي ليلة الإثنين مساء الثلاثاء، وهي ليلة النصف من شعبان، وقد قال صلى الله عليه وسلَّم فيها وأمثالها:
(إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، إلا فتعرضوا لها فعسى أن يُصيبكم نفحةٌ لن تشقوا بعدها أبدا).[رواه الطبراني في الكبير عن محمد بن مسلمة الانصاري رضي الله عنه]
وهذه الليلة تُسمَّى ليلة المغفرة، لأن نبِّينا صلى الله عليه وسلَّم قال لزوجته التقية النقية السيدة عائشة:
(يا عائشة أما تعلمين هذه الليلة؟ هذه ليلة النصف من شعبان، وإن الله يتجلَّى فيها لعباده فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحن).
[رواه البيهقي عن العلاء بن الحارث رضي الله عنه]
والمشاحن الذي بينه وبين أخيه في الإيمان شحناء أي بغضاء أو حقدٌ أو حسدٌ، فهذا لا يتقبل الله تبارك وتعالى منه دعاء.
هذه ليلة المغفرة وهي ليلة الإجابة، وليلة الاستجابة، والله عز وجل إستجاب للحبيب صلى الله عليه وسلَّم، فعندما دعاه في مثل هذه الليلة لشق القمر فشقه له بأمر الله، وكان في مكة يتوجَّه في صلاته إلى بيت المقدس، ويجعل بيت الله الحرام أمامه في إتجاهٍ واحدٍ مع بيت المقدس.
فلما هاجر إلى المدينة تعذَّر عليه الاتجاه إلى بيت المقدس والكعبة معاً، فكان يتجه تنفيذاً لأمر الله إلى بيت الله المقدَّس، ولكنه كان يتوق في نفسه ويتمنَّى بقلبه، ويستحي أن يسأل بلسانه ربه أن يوجهه إلى بيت الله الحرام.
وفي يوم الخامس عشر من شهر شعبان، وكان في وليمة عند بني غَنْمٍ[1] وهم قومٌ من الأنصار، وصلَّى عندهم الظُهر، وصلى الركعة الأولى والثانية تجاه بيت المقدس، وعند إنتهائه من الركعة الثانية نزل عليه قول مولاه:
فالتفت في بداية الركعة الثالثة، تجاه بيت الله المحرم بيت الله الحرام الكعبة، ومن خلفه إسطفوا خلفه وصلى الركعتين الآخيرتين من صلاة الظُهر تجاه الكعبة المباركة قبلته وقبلتنا وقبلة نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.
ولنا وقفةٌ عند تحويل القبلة مع النبي صلى الله عليه وسلَّم، ووقفةٌ عند تحويل القبلة مع أصحابه المباركين الطيبين الطاهرين.
أعلمنا الله عز وجل فيما أوحى إليه نبيه الكريم، أن من يتقِّي الله عز وجل يلجأ إليه في كل وقتٍ وحين، فإن الله لا يُؤخر له طلباً، ولا يُخيِّب له رجاءً، ولا يؤجل إجابة دعاء، بل إنه إن لم يسأل بلسانه فإن الله يجيبه بغير سؤال.
فإن النبي صلى الله عليه وسلَّم لم يُحرك لسانه، طالباً من الله أن يوجهه إلى قبلة أبينا إبراهيم، لكنه كان يتمنَّى ذلك بقلبه، ويستحي أن يسأل الله بلسانه لأنه مُفوضٌ أمره إلى الله.
وقد أعلمنا الله عز وجل مكانته بين أنبياء الله ورسله، فكان أنبياء الله السابقين يطلبون من الله فيُعطيهم، ونبينا يُعطيه الله كل شيئٍ بغير سؤال، يقول موسى:
ويقول الله لحبيبه بدون طلب:﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ (5الضحى).
يقول الخليل إبراهيم: ﴿ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (89) (الشعراء).
فلم يُدخل معه في هذا الدعاء حتى إبنه إسماعيل، أو من آمن به من قومه، ويقول لنبيه ولنا ببركة نبينا:﴿ يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ﴾ (9التحريم).
والباب في هذا النمط واسعٌ لا حدود له، ولذا قال الله له:
ولم يقُل الله: فلنولينك قبلةً نرضاها، فكأن الله أرضاه ووجَّهه إلى القبلة التي يطمع فيها، ولذلك كانت تقول السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلَّم:
[والله إني أرى الله يسارع في هواك].[صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها].
الله سبحانه وتعالى يسارع في إرضائه، ويسارع في إجابة دعائه، ويسارع في تحقيق رجائه، لأنه أرضى الله بعمله وفعله على الدوام.
وهكذا جماعة المؤمنين:
أي مؤمن صادق الإيمان يعبد الله بإخلاص في كل وقتٍ وآن، يُعطيه الله ما يتمناه، ويُحقق له ما يرجوه في الدنيا وما يبتغيه يوم لقاء الله، ولذا قال لنا الله عز وجل وهو الغني:
﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (60غافر).أدعوا الله وأنتم موقنون با لإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الذي ملأ قلوبنا بالهُدى والنور واليقين وجعلنا من عباده المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نسأل الله تبارك وتعالى أن يُثبتنا عليها في الدنيا، وأن يرفعنا بها يوم الدين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه، ووفقنا أجمعين دواماً لما تُحبه وترضاه يا ألله.
أما بعد في أيها الأحبة جماعة المؤمنين:
وقفةٌ مع صحابة النبي الأمين في ذكرى تحويل القبلة:
قلنا كان النبي يُصلي في مسجد بني غنمٍ في المدينة المنورة في صلاة الظُهرن وذهب رجلٌ ممن كان قد حضر الصلاة معه إلى مسجد قُباءٍ في صلاة الفجر، فوجد أن أهل قباء يصلون ويتجهون في صلاتهم إلى بيت الله المقدَّس، فعرف أنهم لم يبلغهم الخبر، فقال: يا قوم أشهد أني صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم تجاه البيت الحرام، فاتجهوا وهم في الصلاة ولم ينتظروا حتى يتحروا الخبر، أو يتثبتوا أو يسألوا، بل سارعوا إلى التنفيذ متجهين إلى بيت الله الحرام وهم في الصلاة لأنهم عملوا بقول الله:
هذا الأمر الهام الذي يجب أن يتنبَّه له شبابنا وشيوخنا، فقد أصبح شباب المسلمين وشيوخ المؤمنين يُوقفون العلماء العاملين، ولا يستمعون مُنصتين ولا خاشعين لأي أمرٍ يُؤمرون به في الدين، مع أنهم ليسوا علماء وقد تكون معرفتهم معرفةً سطحية بدين الله تبارك وتعالى، والله يقول لنا أجمعين:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ (43النحل).
كثُر المفتون ولا يعلمون الحرام من الحلال، ويفتون من سواهم من المؤمنين حتى أني أسمع عجباً في بلدتنا هذه، أسمع أُناساً من العوام يفتون غيرهم في الطلاق ويقول له: لا تذهب إلى عالم وأنا أُفتيتك وكفى، لم يا أخي تتحمَّل هذا الوزر، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
(من أفتى بغير علم فيلتبوأ مقعده من جهنَّم).
[عن أبي هريرة في الصحيحين].
وقال صلى الله عليه وسلَّم ـ حتى في شأن العلماء الذين لا يتثبتة، ويسارعون إلى الفتوى من غير أن يتأكدوا، قال في شأنهم صلى الله عليه وسلَّم:
(أجرأكم على الفِتيا أجرأكم على النار).
[عن عبيد الله بن أبى جعفر رضي الله عنه ـ الديلمي].
فينبغي للمؤمن أن يعرف حدود نفسه، ولا يُفتي إلا إذا صُرح بذلك من الجهات المختصة، وكان على يقين وعلمٍ أكيد بسنة سيد الأولين والآخرين.
فينبغي أن لا نتعرض في مناقشاتنا فيما بيننا في جلساتنا في القضايا الدينية، ولا نتحدث فيها بغير علمٍ ولا بغير يقين، لأن هذا يُؤثر على شبابنا الفتيان ويجعلهم يستهينون بهذا الدين.
فيقولون: فلان يقول كذا، وفلان يقول كذا، وفلانٌ يقول كذا، والكل يُفتي ويحتار الشباب وهذا أمرٌ لم نعهده من قبل لأن المسلمين أجمعين عاملين بقول رب العالمين:
وحتى لو وجدنا أمراً لا يروق له بالنا، فلا نشنِّع على الملأ ولا نُثير قضية أمام الكل، بل نذهب إلى من قال هذه القضية فيما يننا وبينه، ونطلب منه الدليل إن كان معه دليل، وإن لم يكن معه دليل نطلب منه أن يتثبَّت في قوله، وأن يطلب ممن هو أعلم منه ففوق كل ذي علم عليم، حتى نكون جميعاً في دين الله أُمةً واحدة عاملين بقول الله:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (103آل عمران).
وإن مما يُحزن الملائكة الكرام، ومما يُحزن نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، أن يحدث الخلاف في مساجد المسلمين.
يحدث الخلاف في السوق فلا مانع، ويحدث الخلاف في الشارع يجوز ذلك، لكن في بيت الله ينبغي أن نكون فيه بالسكينة والهدوء والتسليم لأئمتنا وعلمائنا فإن لم نجد ما يُشفي صدورنا نذهب إلى الأعلى من لجان الفتيا والعلماء العاملين حتى نظل دائماً وأبداً لرحمة الله مستحقين ولمغفرة الله متعرضين.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يُفقهنا في ديننا وأن يُلهمنا الخير والصواب، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل زاهقاً وهالكاً ويرزقنا اجتنابه.
اللهم حبِّب إلينا فعل الخيرات، والمداومة على الطاعات وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات يا أرحم الراحمين.
اللهم نجِّي إخوتنا في سوريا من الفتن المحيطة بهم، وأنزل سخطك وغضبك على أعدائهم والمتربصين بهم.
اللهم اجمع شمل إخواننا في فلسطين، وطهِّر بيت المقدس وأرض فلسطين من اليهود الغاصبين.
اللهم أمِّن إخواننا في ليبيا وأفاغنستان واليمن والصومال، من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجمع شملهم ووحد كلمتهم ورُدَّ عنا كيد أمريكا ومن عاونها أجمعين.
اللهم ولي أمورنا خيارنا، وأصلح ولاة أمورنا وحكامنا واجعلهم بشرعك عاملين، وبسنة نبيك صلى الله عليه وسلَّم آخذين، واجمع عليهم البطانة الصالحة واحفظهم من أهل الغي والخداع أجمعين يا رب العالمين.