• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

25 مارس 2016 م

خطبة الجمعة_هدى الصحابة فى حل مشاكل العصر

.

شارك الموضوع لمن تحب

*************************

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكرمنا ورفع شأننا وأعلى قدرنا، وكتب بذاته عزَّ وجلَّ الإيمان في قلوبنا، وجعلنا من عباده المؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل عباده المؤمنين خلفاءً عن حضرته في هذه الدنيا ينصرون فيها القيم الإلهية والأخلاق الربانية والمبادئ القرآنية والسُنن المحمدية ليكونوا كما قال في القرآن: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله) (110آل عمران).
وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أدَّى الرسالة، وبلَّغ الأمانة، وربَّى أصحابه البررة الأتقياء على ما يحبُّ الله عزَّ وجلَّ ويرضى، فكانوا الأئمة للمتقين في هذا الدِّين، والذين ينبغي الأخذ عن هديهم في كل وقتٍ وحين لمن أراد الصلاح والفلاح عند ربِّ العالمين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وارزقنا هداه، ووفقنا جميعاً للعمل بما تحبه وترضاه يا الله، واجعلنا له من خيرة المتبعين، وفي الآخرة ممن يكونون تحت لواء شفاعته يوم الدين، وارزقنا أجمعين جواره في الجنة يا أكرم الأكرمين.
أيها الأحبة:
لا شك أن كل مؤمن يجد في نفسه غُصَّة مما يحدث للمسلمين أو بين المسلمين في هذا الزمان؛ خلافات لا تنتهي، تتجاوز الحدود!! لا تجد فيها أدب الحوار، ولا حُسن الجوار، ولا احترام الصغار للكبار، ولا عطف الكبار على الصغار!! والكل يمشي على حسب هواه، ويعتقد بل يقول أنه وحده هو الذي ينفِّذ شرع الله، وما سواه فهو بعيد عما جاء به محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
والذي يستمسك بالدين ويريد أن يجمع حوله جميع المسلمين تجده مستمسكٌ بظواهر الدين؛ بالهيئة في نفسه وفي ملبسه، بالشكلية وبالعبادات وبالفلسفة في الخطب والمقالات والكلمات، وهذا كله بعيدٌ عن جوهر الدين عما جاء به سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.
ما العلاج الناجح الذي يجعلنا مؤمنين نافعين لأنفسنا، ونافعين لإخواننا، وناصرين للواء الإسلام في كل مكان، بين الكفار والمشركين ومن لا يؤمن في دين الله عز وجل؟
علاجٌ واحد – حتى لا نطيل عليكم – أن نلتفت جميعاً بالكلية إلى الفئة المباركة الطيبة التي ربَّاها خير البرية صلى الله عليه وسلَّم – وهم أصحابه المباركين، الذين أثنى عليهم في القرآن ربُّ العالمين، وأثنى عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم في كلامه الذي لا ينطق فيه عن الهوى، بل هو وحيٌّ إلهيٌّ مبين.
يقول فيهم الله عز وجل: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ الله وَرِضْوَانًا) (29الفتح).
هؤلاء الصحب البررة الكرام، ما الأمر الذي حرص الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام أن يرسِّخه في قلوبهم، وأن يُظهروه في أعمالهم، وأن يكون هو الواضح لمن ينظر إليهم من غيرهم؟ هو الروابط الإسلامية التي قال فيها صلى الله عليه وسلَّم – في المجتمع الإسلامي في أي عصر وفي أي زمان وفي أي مكان: (ترى المسلمين ـ إن كانوا في المدينة المنورة، أو في روسيا، أو في أوربا، أو في أميريكا، أو في أي بلدٍ من بلاد الله – في توادهم وتراحمهم وتعاطفيهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عُضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى) .
أيها الأحبة: لا نستطيع – ولا تستطيع الأمة الإسلامية مع كل مكوناتها ومقوماتها ورأسمالها – أن تُصدِّر لغير المسلمين شيئاً من الصناعات العصرية، لأنها ولأننا لا نملك ذلك، ولا الثقافات الحديثة العلمية، لأننا نأخها من عندهم، ولا حتى المنتجات الزراعية، ونحن عالة على مواردهم، نستورد منهم كل ما نحتاج إليه من أنواع الطعام، ومن أصناف العلاج والدواء، وحتى ما نستخدمه في أحوالنا الشخصية، فلا نستطيع أن نصنع تليفوناً محمولاً، حتى البطارية لو منعوا عنا بطاريات المحمول تعطلت كل أجهزة المحمول عندنا، لأنه ليس عندنا بديل.
لكن العالم أجمع في أمَّس الحاجة إلى الأخلاق والقيم الإسلامية التي لا يجدونها في مجتمعاتهم، والتي بها تقطَّعت الأصول والفروع ولم يعد صلات ولا مودَّات بينهم، ولا علاقات أُسرية، ولا برٌّ بوالدين، ولا شيئٌ من هذا القبيل، وأصبح همُّهم كله هو الدنيا والمال، ومن مال إلى المال فقد هوى ومال عن طريق الحق عزَّ وجلَّ وعن صراطه القويم المستقيم. ولكنهم إذا نظروا إلينا في أسواقنا وفي شوراعنا، وفي تعاملنا ومع جيراننا، وفي تعاملنا مع ذوي أرحامنا، يجدون أن ما قرأوه عن الإسلام كلاماً، وما نحن فيه شيئٌ آخر ينافي هذا الكلام.
البضاعة التي نشر بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الإسلام في العالم كله، ليس بالسيوف ولا بالرماح ولا بالقيود، وإنما بالقيم الإسلامية الذي درَّبهم السيِّد السند العظيم عليها في كل أحوالهم من مبتدأ دخولهم في الإسلام.
انظر إلى رجلٍ منهم!! كان متزوجاً من بنت النبي صلى الله عليه وسلَّم في مكة – لأنها إبنة خالته – لكنه ظلَّ على كُفره، وقاد قافلة تجارية لأهل مكة في بلاد الشام، فشرح الله صدره للإسلام فدخل المدينة وأعلن إسلامه أمام الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فقال بعض ضعاف النفوس هامساً في أُذنه: ((ما دُمت قد أسلمت ما عليك إلا أن تأخذ هذه التجارة كلها عوضاً عما أخذوه من إخواننا المسلمين عند هجرتهم)). وإذا بالرجل ينتفض، لأنه علم جيداً ما الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم منذ بداية دخوله في الإسلام، فقال له: ((عجباً لك يا أخي!! أتريد أن أبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة؟!! لا يكون ذلك أبداً)). وذهب إلى مكة وطلب من ذوي الحاجات إستلام بضاعاتهم مع أرباحهم، وبعد أن سلَّم لكل ذي حقٍّ حقَّه، قال: ((يا أهل مكة، هل بقي لأحدٍ منكم شيئٌ عندي؟)) قالوا: لا وجزاك الله خيراً، قال: ((أُشهدكم أني آمنت بالله ربًّا، وبمحمد صلى الله عليه وسلَّم نبيًّا، وبالقرآن كتاباً، وها أنا مهاجرٌ إلى المدينة المنورة)) .
ربَّاهم النبي صلى الله عليه وسلَّم على أن أهم أعمالهم التي يتقربون بها إلى الله هي القيم التي يُؤدونها ليحتفظوا بالعلاقات الطيبة مع خلق الله.
انظر إليه صلى الله عليه وسلَّم وقد إلتفت أصحابه بعد صلاة الصبح في إحدى الأيام – ولم يقل لهم: من الذي صلَّى الليلة كم ركعة؟ وكم قرأ كل واحدٍ منكم في هذه الليلة من أجزاء القرآن؟ – لكنه صلى الله عليه وسلَّم قال لهم: {أيكم اليوم عاد مريضاً؟ – وهم في الصباح!! – فقال سيدنا أبو بكرٍ: أنا، سمعتُ أن أخي عبد الرحمن شاكٍ – أي: مريض – فعرجّتُ عليه وأنا في طريقي إلى المسجد لصلاة الصبح. فقال صلى الله عليه وسلَّم: أيكم تصدَّق بصدقة اليوم؟ فسكتوا، فقال أبوبكر: أنا، وأنا في طريقي إلى المسجد خرج خلفي إبني عبد الرحمن ومعه رغيفٌ من الخبز، وعند باب المسجد وجدتُ سائلاً يسأل، فأمسكت بالرغيف وقطعته نصفين فأعطيت نصفه للسائل ونصفه لعبد الرحمن. فقال صلى الله عليه وسلَّم: أيكم اليوم شيَّع جنازة؟، فسكتوا، فقال أبو بكرٍ: أنا، وأنا في طريقي إلى المسجد وجدتُ الأنصار يدفنون رجلاً منهم فشاركتهم في دفنه، فقال صلى الله عليه وسلَّم – واسمعوا وعوا: (ما اجتمعن في رجلٍ إلا وخُيِّر في أبواب الجنة الثمانية يدخل من أي بابٍ شاء)} .
إذن العبادات التي ركَّز عليها الحبيب – في أمة الحبيب – هي زيارة المريض، وإكرام الجار حتى ظننا أنه سيُورثه، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ومشاركة المصاب الذي عنده جنازة – إن في تشييعها أو في تعزيته: (من عزَّى مصاباً فله مثل أجره) . الإهتمام بالفقراء والمساكين، حتى قال صلى الله عليه وسلَّم: (لا يؤمن أحدكم وقد بات شبعان وجاره جائع ولا يشعر به) . أين نحن الآن من هذا الحديث؟!!، كانت هذه القيم القرآنية، مع الصدق والأمانة، والوفاء بالعهد، وكل هذه الصفات النبيلة هي الغاية التي حرص عليها نبيُّ الإسلام في تربيته للصحابة الكرام.
فإن الإنسان إذا عمل طاعةً من الطاعات العبادية، وصلَّى ليلة من بعد العشاء إلى مطلع الفجر، ما لنا في هذه الصلاة؟!!، أو صام أيام السنة كلها ما عدا الأيام المُحرِّم فيها الصيام، ما لنا جماعة المؤمنين في هذا الصيام؟!!، يحج كل عام ويعتمر في السنة عشرات العُمرات، ما لنا في هذا الحج وهذه العمرات؟!!، يقرأ القرآن في اليوم والليلة مرات، ما لنا في ذلك؟!!، كل ذلك الذي ذكرناه يقول الله فيه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) (46فصلت). فهذا له وليس لنا فيه شيئ.
فماذا نريد من المؤمن؟
نريد أن نرى منه الوجه الذي جمَّله بقيم الإسلام وأخلاق القرآن وما أمر به النبي العدنان، وأن نرى منه الصدق في التعامل معنا، وأن نرى منه الأمانة إذا إئتمناه، وأن نرى منه الوفاء بعهدٍ إذا عاهدنا عليه، وأن نرى منه البرَّ بوالديه، وأن نرى منه صلة الأرحام، وأن نرى منه العبادة التي كان عليها الأصحاب العظام.
ماذا كان تهجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؟!!، وكم كانا يصليان من الركعات كل ليلة؟!!. كان تهجد أبو بكر وعمر أن يمر كل منهما بمفرده في طرقات المدينة ليبحث عن المساكين الذين لا عائل لهم ولا أنيس لهم ولا زائر لهم، والذين يُسمُّون المنقطعين من أمة محمد، فيقومون برعايتهم والعناية بهم، وهذا كان تهجدهم الذي يقومون به في الليل لله عزَّ وجلَّ كما علمهم الحبيب صلى الله عليه وسلَّم.
هذه القيم الإسلامية هي التي العالم كله في أمَّس الحاجة إليها الآن، يحتاج إلى هذه القيم ليدخل في حظيرة الدين ويعلم الشفقة والرحمة والعطف والمودة التي يفتقدون إليها والتي يجدونها بسعةٍ واسعة بين المسلمين، قال صلى الله عليه وسلَّم: (الراحمون يرحمهم الرحمن إرحموا من الأرض يرحمكم من السماء) . وقال صلى الله عليه وسلَّم: (المؤمن إلٌفٌ مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) . وقال صلى الله عليه وسلَّم: (التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) . أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكرمنا ورَضِيَ لنا الإسلام ديناً والقرآن كتاباً وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم نبيًّا ورسولا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحمن الرحيم، الجواد الرؤف الكريم، الذي أعلن عن شفقته وحنانته بالمؤمنين – حتى العُصاة والمذنبين – فقال في شأنهم: (إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (222البقرة). وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، الرحمة العُظمى لجميع العالمين، الذي من فرط رحمته كان يود الهداية للخلق أجمعين، حتى قال له ربه: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) (8فاطر).
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على هذا الحبيب، الذي كان كلامه أطيب من أطيب طيب، ونظراته تُشفي أي إنسانٍ من أيِّ داءٍ بغير طبيب، وكانت حركاته وسكناته لمن تبعه كلها سلالم ترفعه إلى حضرة القرب من حضرة القريب عزَّ وجلَّ.
أيها الأحبة جماعة المؤمنين: لو أن نفراً من المسلمين – ولو قليل – مشوا على هدي الصحابة المباركين، في التخلق بالأخلاق الإلهية والقيم الدينية التي جاء بها القرآن، وأصَّلها النبيُّ العدنان، لدخل الناس في دين الله عزَّ وجلَّ أفواجاً.
اعلموا علم اليقين أن أوروبا وأميركا وغيرهم يعانون من جفاف روحاني، ومن ضوائق نفسية لا عدَّ لها ولا حدَّ لها، ولا يجدون سبيلاً للعلاج إلا لمن يُكرمه الله عزَّ وجلَّ بأنوار القرآن وبسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم.
هل يدخل أهل أوروبا في الإسلام كما يفعل بعض الشياطين الذين يشوهون صورة الإسلام بالحروب والأسلحة والمتفجرات؟!!، هل هذا هو الذي يُدخلهم في الإسلام؟!!، أم يدخلون بالمعاملة الطيبة التي يرونها من المؤمنين في كل وقتٍ وحين؟
ألمانيا – على سبيل – لما رأت تفسُّق المجتمع، وانتشار الأنانية، وزيادة الأحقاد والكراهية، إجتمع الحكماء فيهم ووصلوا لعمل برامج تليفزيونية وإذاعية تُركِّز على العلاقات الإجتماعية الموجودة بين المسلمين، فهي السبيل الوحيد لحل هذه المشاكل بين أهل ألمانيا الآخرين.
وإذا بالشهر الماضي أعلنت إمرأة في انجلترا الإسلام، فسألوها عن سرِّ إسلامها؟ فقالت: ولدتُ وكانت لي جارةٌ مسلمة، فقالت لي: ما لكِ من مترك حتى يتم شفاؤك ويكبر الصغير، فكانت تُعينني وكانت تخدمني ولا تطلب مني شيئاً، وعندما عرضتُ عليها شيئاً رفضت، فقلت لها: لم تفعلي معي ذلك؟ قالت: هكذا أمرنا دِينُ الإسلام. أحسَّت بالعظمة التي بين المسلمين – والتي نتحلل منها نحن الآن، وكان عليها آباؤنا، وكان عليها أجدادنا، ولكن شبابنا الآن يتحللون من هذه العلاقات التي هي أساس روح الإسلام وحياة الإيمان.
وإمرأة في فرنسا ذهبت في إحتفال العيد في المسجد الإسلامي الكبير في باريس، وأخذت إبنها وطلبت منهم أن يُدخلوه الإسلام، فسألوها: هل أنتِ مسلمة؟ قالت: لا، قالوا: ولِمَ تريدين أن تدخليه في الإسلام؟ قالت: حتى إذا كبرت يبرُّني كما يبرُّ أبناء المسلمين آباءهم وأمهاتهم، ولا يفعلون كما يفعل أبناء الفرنسيين بآبائهم وأمهاتهم – لأنهم لا علاقات ولا مودات ولا شفقة ولا حنان – ولا يجدون ذلك إلا في الإسلام، فنحن في أمس الحاجة إلى الرجوع إلى هذه العلاقات الإنسانية بين إخواننا المسلمين.
ولذلك جعل الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلَّم من أمهات المسائل المُطالَبُ بها المسلم، والتي سيحاسبه عليها الله جلَّ في علاه، أن يُلقي السلام على كل من لقيه، عرفه أو لم يعرفه من المسلمين، قال صلى الله عليه وسلَّم: (ألقي السلام على من عرفت ومن لم تعرف ينشرح صدرك للإسلام) .
وأن يعوده إذا مرض، وأن يعينه إذا احتاج، وأن يسأل عنه إذا غاب، وأن يخلفه في ولده إذا سافر، وأن يشيِّعه إذا مات، وأن يقف معه ليعينه في الأفراح، وأن يكون بجواره في الشدائد والملمات، حتى يكون المسلمون كرجلٍ واحدٍ يشتركون جميعاً.
حتى أن الله يعاتب من لا يفعل ذلك!! فيقول عزَّ وجلَّ في حديثه القدسي الذي رواه لنا حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم: (إذا كان يوم القيامة يقول: عبدي، جعت ولم تطعمني، فيقول العبد: سبحانك، كيف تجوع وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: جاع عبدي فلان – الذي كان جاره – ولو أطعمته لوجدت ذلك عندي عبدي، مرضتُ فلم تعُدني – والعيادة هي زيارة المريض – فيقول العبد: سبحانك تنزَّهت، كيف أعودك وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: مرض عبدي فلان ولو زُرته لوجدتني عنده) .
من الذي ينبغي أن نزوره غير الأهل وذوي الأرحام؟ قال صلى الله عليه وسلَّم: (امشِ ميلاً وزُر مريضاً) . والميل اثنان كيلومتراً إلا ربعاً ـ يعني المسافة من أمام بيتك إلى من خلفك وعن يمينك وعن شمالك، فأي مريضٍ بين هؤلاء ينبغي عليك أن تزوره لله عزَّ وجلَّ لتكون قد أديت ما عليك نحو إخوانك المسلمين.
وما جعل الله عزَّ وجلَّ هذه الصلاة – وهي صلاة الجمعة والجماعات – إلا ليتعارف المسلمون ويأتلفون، فإذا غاب أحدنا عن صلاة الجماعة ينبغي أن نسأل عنه: أين فلان؟ ونسأل عند زيارته: ماذا بك؟ وماذا عندك؟ لأن المسلمون يتشاركون في كل أمر، ويتعاونون في كل برٍّ.
هذه القيم الإسلامية الإلهية هي – يا إخواني – الذي العالم كله في أمس الحاجة إليها الآن.
نسأل الله عز وجل أن يمُنَّ علينا أجمعين بالعمل بكتاب الله، وبتنفيذ سنة حبيبه ومصطفاه، وبالتخلق بالأخلاق الكريمة التي كان عليها الصحابة المباركين، وأن يُلهمنا بالصواب والصدق في القول، والصلاح في الأعمال، والإخلاص في الطوايا والنوايا، وأن يجعلنا من عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل زاهقاً وهالكاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم حبِّب إلينا فعل الخيرات، والمداومة على الأذكار والطاعات، والعمل بما كان عليه سيد السادات.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، يا ربَّ العالمين.
اللهم رُدَّ شباب المسلمين المنحرفين إلى صوابهم، وفقِّههم حقيقة هذا الدين، واجعل رجال المسلمين ونساءهم أجمعين في حفظك وصيانتك يا أحكم الحاكمين.
اللهم فُضَّ الحروب المشتعلة في بلدان المسلمين، واجعل المسلمين في كل مكان مؤتلفين ومتوادين ومتآخين، طُلاب الجنة العالية لا طلاب السياسة والدنيا الدنية.
اللهم أهلك الكافرين بالكافرين، وأوقع الظالمين في الظالمين، وكل من أراد بأهلينا ومصرنا وبلدنا وبالإسلام سوءً فادحره يا خير الناصرين.
اللهم اجعل سيف انتقامك على كل من أراد شرَّاً بالمسلمين، واجعل المسلمين ينتبهون ويتجهون إليك وحدك يا أكرم الأكرمين.
اللهم بارك لنا في أولادنا وبناتنا، وبارك لنا في جوارحنا وأجسادنا، وبارك لنا في أموالنا وأرزاقنا، وبارك لنا في خيراتنا، وأغننا بفضلك عن جميع من سواك، وبارك لنا في رئيسنا وحكامنا، واجعلهم بشرعك عاملين، وبسنة حبيبك آخذين، وارزقهم البطانة الصالحة يا أكرم الأكرمين.
عباد الله اتقوا الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90النحل).
أذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم وأقم الصلاة.
*************************

         خطبة الجمعة بالزقازيق 25/3/2016 الموافق 16 من جمادى الآخر 1437ه

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid