• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

16 ديسمبر 2021

رد الله تعالى بذاته القدسية على أعداء النبي

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

…………………………..

 

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه المبين:

﴿ إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا (38الحج).

والصلا والسلام عل رسول الأنبياء والمرسلين، والمرسل رحمة من الله لخلق أجمعين في الدنيا ويوم الدين، سيدنا محمد وآله الغُر الميامين، وصحابته المباركين، وكل من مشى على هديه وصار على شريعته إلى يوم الدين، واجعلنا منهم ومعهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين.

أيها الأحبة:

بارك الله تبارك وتعالى فيكم أجمعين:

الليلة نتناول واحدة من الإكرامات الخاصة التي خص بها الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلَّم دون غيره من الأنبياء وبينها الله بياناً واضحاً في قرآنه الكريم تبارك وتعالى.

هذه الكرامة العُظمى وهي أجلُّ كرامة لرسول الله ، هي رد الله تعالى بذاته المقدسة على أعداء نبيه صلى الله عليه وسلَّم، فإن الله تبارك وتعالى ترك الأنبياء والمرسلين السابقين يردون على أنفسهم فيما إتهمهم به الكافرون من أممهم.

فهذا سيدنا نوح يرد على قومه بنفسه فيقول:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ (61الأعراف).

ينفي الضلالة عن نفسه التي إتهموه بها.

وكذا سيدنا هود عندما وصفه قومه بالسفاهة فرد عليهم بذاته كما ذكر الله وقال:

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ (67الأعراف).

ولكن رسول الله تولى الله تبارك وتعالى بذاته المقدسة الرد على جميع أعدائه في كل التُهم التي إتهموه بها، وبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها.

فلما قال المشركون:

﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6الحجر).

قال تعالى مقسماً:

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) (القلم).

وقال الله سبحانه وتعالى مرةً أخرى موجهاً الخطاب من حضرته مباشرةً لهم:

﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22التكوير).

ودخل النبي ذات يوم بيت الله الحرام وتقابل مع رجلٍ من زعماء الكفر هو العاص بن وائل السهمي، وكان ذلك عقب وفاة إبنه القاسم وهو إبنه من السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها، فبعد أن جرى حديث بينهما دخل العاص بن وائل على القوم الكافرين فسألوه في مع من كنت تتحدث؟ فقال لعنة الله تبارك وتعالى عليه: ذلك الأبتر، والأبتر يعني الذي ليس له ولدٌ ذكرٌ يرثه، واتهم بذلك سيدنا رسول الله لوفاة ولده.

فقال الله سبحانه وتعالى رداً عليه:

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الابْتَرُ (3) (الكوثر).

وشانئك يعني مبغضك وحاسدك والحاقد عليك هو الأبر الذي ليس له عقبٌ ولا ذريةٌ تذكره بالدعاء أو تتذكره بالوفاء أو أتنفعه يوم العرض واللقاء، فإن ذلك هو المهم في الأبناء كما ذكر الله في كتاب السماء، وكما بين سيد الرسل والأنبياء في قوله:

(أو ولدٌ صالحٌ يدعو له).

ولو ترك الإنسان مليون ولد وكلهم كافرون يزيد بهم لعنةً وعذاباً عند الله، ولو ترك ولداً صالحاً يدعو له عند مولاه، كان هو الرابح في الدنيا، وهو الفائز والناجح يوم لقاء الله تبارك وتعالى.

وعندما إتهموه بأنه ليس برسول، وقال الله تبارك وتعالى مثبتاً هذه الحجة عنهم:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا (43الرعد).

فرد الله سبحانه وتعالى مقسماً باسمائه وصفاته وقال:

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

﴿ يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) (يس).

أكَّد الله عز وجل بإنك لهو من المرسلين من الله سبحانه وتعالى.

ولما تهموه بأن القرآن الذي ينطق به وهو وحيٌ من الله، إنما شعر وليس بقرآن ولا بوحيٍ ولا كتابٍ من عند الله تبارك وتعالى، حكى الله تبارك وتعالى عنهم حجتهم ليرد عليها فقال عنهم:

﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30الطور).

ثم قال سبحانه وتعالى منزها حبيبه عن الشعر:

﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69يس).

ولذلك ثبت فيما ورد في سيرة النبي الأمين صلى الله عليه وسلَّم، أنه لم ينطق ببيت شعرٍ كاملاً طوال حياته على هيئته، لأن الله عز وجل نزهه عن أن يتعلم الشعر أن ينطق بالشعر، فكان إذا نطق ببيتٍ من الشعر غير إحدى كلماته حتى لا يكون صحيحاً كهيئته يوم قاله شاعره، لأن الله قال عنه :

وما ينبغي له ـ أن لا يجب عليه أن يتعلم الشعر، لأنه تعلم كلام الله تبارك وتعالى.

وإذا كان أحد المسلمين الأوائل وهو لبيد بن الأعصم وكان من أصحاب المعلقات، والمعلقات هي القصائد التي كانت تنال استحسان العرب، ويفوز صاحبها بأن يكتبوها له بماء الذهب ويعلقوها على الكعبة، فكان منهم هذا الشاعر المشهور لبيد بن الأعصم.

ولما حضر المدينة المنورة في عصر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، طلب منه سيدنا عمر رضي الله عنه أن ينطق لهم أو يروي لهم بعض أشعاره، فقال: يا أمير المؤمنين ماكان ينبغي لي أن ألوث قلبي بهذا القيح والصديد ـ وأشار إلى الشعر ـ بعد أن ملأته بكتاب الله وكلمات الله تبارك وتعالى.

فكيف كان الحال بالنسبة للسيد السند الأعظم ؟ ما كان له أن يتحدث بالشعر صلوات ربي وتسليماته عليه، ولذلك جاء القرآن فريداً في ألفاظه فريداً في موسيقاه، فريداً في نغماته:

﴿ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالافُقِ الاعْلَى (7) (النجم).

ولما عجزوا عن ذلك، قالوا إنه يأتيه الشيطان الذي يُلهم الشعراء بالشعر، ويُلهمه بهذا الكلام، فقال الله عز وجل عنهم، لما قالوا يلقيه إليه شيطان، قال الله تعالى:

﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) (الشعراء).

﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) (الشعراء).

ولما كان القرآن الكريم بقصص الأنبياء والمرلسين السابقين، وكان رسول الله يتلو عليهم هذه الآيات التي فيها قصصٌ وعبرةٌ للسابقين:

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاولِي الالْبَابِ (111يوسف).

قال النضر بن الحارث وكان من حكمائهم، وكان عالماً بالقصص والروايات التاريخية، تعالوا إليَّ وأنا أحدثكم بهذه القصص وأشباهها التي يتكلم بها محمد، فقال الله سبحانه وتعالى لما قال النضر:

﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الاوَّلِينَ (31الأنفال).

قال الله تعالى له تكذيباً له ولغيره من الكافرين:

﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الانْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88الإسراء).

لو اجتمعوا وتعاونوا على أن يأتوا ببعض هذا القرآن الكريم لا يأتون كما قال الله: مرةً يقول لهم: بعشر آيات، ومرةً يقول لهم: بسورة، ومرة يقول لهم: بآية، وحتى لو أجتمعوا جميعاً لا يستطيعون أن يأتوا بمثل آية من كتاب ربنا تبارك وتعالى.

ولما قال الوليد بن المغيرة عندما ذهب إلى الرسول مُوفداً من قريش، وقال: يا إبن أخي إن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا، وإن كنت مريضاً بحثنا لك عن الرقية والطب حتى تطيب مما أنت فيه، فقال بأدبه الجم له: هل إنتهيت يا عم؟ قال: نعم، قال: إسمع مني:

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

﴿  حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) (فصلت).

وتلا آياتٍ من القرآن الكريم، فخشع لها الوليد، وقال: أبو جهل وكان جالساً في صفوف الكافرين، والله قد عاد الوليد بغير ما كان ذاهباً به، يعني تغير وجهه لما سمع إليه من كلام النبوة وكلام القرآن الكريم، فقالوا: ماذا سمعت منه؟

قال: يا قوم لقد علمتم أني أعرف الشعر كله ركزه وأنواعه وأوزانه وهذا ليس بقول شاعر، وإني سمعتُ الكهان وكلامهم فليس بقول كاهن، قالوا: فما تقول يا أبا الوليد؟ فقال في النهاية: إن هو إلا سحرٌ يؤتى.

فرد عليه الله سبحانه وتعالى عندما قال

﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24المدثر).

قال الله تعالى:

﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52الذاريات).

ولما أبطأ عليه الوحي، ومكث خمسة عشرة يوماً لم ينزل عليه، وقالوا: إن محمداً قلاه ربه، يعني أبغضه سبحانه وتعالى، رد الله بقوله:

﴿ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3الضحى).

ولما لم يجدوا شيئاً يعترضوا عليه، وجدوا شيئاً بشرياً فقالوا: إنه مثلنا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، أبشر مثلنا؟

فرد عليهم الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر أقوالهم وقالوا:

﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الاسْوَاقِ (7الفرقان).

قال الله تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الاسْوَاقِ (20الفرقان).

لأنهم لا يستطيعون كما طلبوا:

﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الارْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا﴾ (95الإسراء).

ولو نزل عليهم الملك فإنهم لا يرونه، ولا يستمعون إليه لاختلاف النوع واختلاف المقومات ولكن لابد أن يكون الرسول بشراً مثلهم من أنفسهم يعرفونه ويعرفون أخلاقه ويعرفون نسبه ويعرفون طباعه، ليكون ذلك حُجة من الله تبارك وتعالى عليهم.

ولما استبعدوا أن يبعث الله رسولاً من البشر لقولهم الذي حكى الله عنهم:

﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولا (94الإسراء).

قال الله تعالى:

﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الارْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا﴾ (95الإسراء).

الملك ينزل على الملائكة، ولكن البشر يحتاجون لإقامة الحجة عليهم إلى رسولٍ من البشر.

ما ذكرناه هذه الليلة هو بعض نماذج مما فعله الله مع حبيبه ومصطفاه حيث غار تبارك وتعالى عليه أن يمسه أحدٌ بسوء، أو أن يتهمه أحدٌ بشبهة، فكان سبحانه وتعالى هو الذي يتولى الرد عليهم ومنعه من الرد عليهم، لأنه صلى الله عليه وسلَّم كما قال له أبو بكرٍ رضي الله عنه:

[يا رسول الله لقد ذهبت إلى كسرى في مكله، وذهبت إلى قيصر في ملكه، وطفت بأحياء العرب، فما وجدت مثل أدبك، فمن أدبك؟].

فقال :

(أدبني ربي فأحسن تأديبي).

أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الأدب مع حبيبه ومصطفاه .

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

…………………………………….. 

 دار الصفا الجميزه الخميس: 16/12/2021 الموافق 14 جمادى الأولى 1443 هـ برنامج الإنترنت زووم

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid