• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

6 أكتوبر 2022

صاحب الجاه العظيم

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

صاحب الجاه العظيم

الحقيقة أن الإنسان يتوه في مقامات عظمة النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم، فهو صلى الله عليه وسلَّم صاحب الجاه العظيم عند الله، ولا يدانيه أحدٌ من الأولين والآخرين في جاهه ومكانته وقربه من مولاه.

وجيهاً في الدنيا والآخرة

الجاه يعني المنزلة الرفيعة، والله تبارك وتعالى أثنى على سيدنا عيسى وقال في شأنه: ” وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ” (45آل عمران) وجيه يعني عظيم المكانة والرفعة.

وإلى عصر قريب كنا نقول: الوجيه فلان الفلاني، إلى أن استبدلوها ببك وباشا وهي ألفاظ تركية، فتركوا الألفاظ القرآنية وأتوا بالألفاظ التركية.

والوجيه في الدنيا الذي له منزلة رفيعة وعالية في الدنيا، والمنزلة الرفيعة والعالية عند الله في الدنيا ليست بكثرة المال ولا بعُلو المنصب ولا بارتفاع الجاه ولا بعز العشيرة والقبيلة، ولا بكثرة الأولاد، وإنما بقول الله:

” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ ” (13الحجرات).

فلم يقل: إن أكرمكم عند الله التقي، فتكون درجة ثابتة، ولكن (أتقاكم) بصيغة المبالغة، يعني كلما زاد في التقوى كلما زاد في المنزلة والرفعة عند الله عز وجل، والوجاهة في الآخرة ليست في العمل، لأن العمل يحتاج للقبول، والقبول لا يعلمه إلا الله، ولذلك قيل: (العالم يهتم بالقبول، والجاهل يهتم بالإقبال) يعني إقبال الناس عليه وهذه التي يبحث عنها، لكن العالِم يبحث عن القبول.

والوجيه في الآخرة هو صاحب المنزلة القريبة من حضرة الحق، والذين يقول فيهم الله عز وجل: ” عَلَى الارَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ” (23-24المطففين).

أو يكون: ” مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ” (69النساء) أو يكون على منبر من نور قدام عرش الرحمن، ويدخل في قول الله: ” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ” (23) (القيامة) أو يكون من الذين يُحشرون ويقول فيهم الله: ” يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ” (85مريم) ليس إلى الجنة، فلا يريدون الجنة ولكن يريدون الرحمن، ووفداً يعني جماعة مع بعض، ونغني كما كنا نغني في الدنيا من الفرح بالمنزلة العظيمة التي يقيمنا فيها الله تبارك وتعالى.

أو يكون في المنزلة الأعلى: ” مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ ” (29الفتح) والموقف العظيم سينخلع ويسعى لهم: ” يَوْمَ لا يُخْزِي الله النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ (8التحريم) يمشون وتاج العظمة على رؤوسهم أجمعين.

فالوجاهة في الدنيا والآخرة، وفاز بهذه المنزلة سيدنا عيسى: ” وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ” (45آل عمران) صاحب منزلة في الدنيا والآخرة، وهذه المنزلة في مقام من المقامات الإلهية التي يسمونها الكُمَّل مقام الوحدانية، ووحدانية يعني ذاتٌ مجملةٌ بالصفات.

عند الله وجيهاً

والمقام الأكمل من ذلك ليس في الدنيا ولا في الآخرة، ولكن في مقام العندية: ” وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهًا ” (69الأحزاب) وهو سيدنا موسى كليم الله، فكان عند الله في مقام العندية.

من الذي أعلى من ذلك؟ الذي كان في مقام: ” قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ” (9النجم) وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا توجد منزلة أعلى منها، وقاب قوسين يعني مجمع الأسماء والصفات الإلهية، كأنها بين قوسين، لأن الصفات الإلهية مثنى مثنى، المعز المذل، الظاهر الباطن، فيلتقي الطرفين.

في هذا المقام سيدنا جبريل لم يستطع أن يخطو قدر أنمُلة من سدرة المنتهى خلف النبي، فقال كما ورد: يا أخي يا جبريل أهاهنا يترك الخليل خليله، قال: أنا لو تقدمت قدر أنمُلة لاحترقت، وأنت لو تقدمت لاخترقت.

لماذا؟ سيدنا جبريل من الملائكة ونورهم من الملكوت، ونهاية الملكوت سدرة المنتهى، وبعد سدرة المنتهى عوالم الجبروت وعوالم اللاهوت وعوالم لا تُحصى ولا تُعد، عوالم خاصة بالحي الذي لا يموت، لا يدخلها إلا من كان نوره من ذات الله تبارك وتعالى: ” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ” (29الحجر).

وحينما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سِدرة المنتهى، وأوحى إليه ربُّه:

((يا محمد ارفع رأسك، وسل تُعطَ، قال: يا ربِّ، إنك عذبت قومًا بالخسف، وقومًا بالمسخ، فماذا أنت فاعل بأمتي؟ قال الله تعالى: أُنزل عليهم رحمتي، وأبدِّل سيئاتهم حسنات، ومَن دعاني أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن توكَّل علي كفيته، وأستر على العصاة منهم في الدنيا، وأُشفِّعك فيهم في الآخرة، ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم، يا محمد، إذا كنتُ أنا الرحيم، وأنت الشفيع؛ فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع؟! فقال الله تعالى: أنا لهم إذا عاشوا، وأنا لهم إذا ماتوا، وأنا لهم في القبور، وأنا لهم في النشور، وفي الدنيا أستر على العصاة، وفي الآخرة أشفعك فيهم، من توكل منهم عليَّ كفيته، ومن أقرضني منهم جزيته، ومن دعاني منهم لبيته، أنا الله رب العالمين لا أخلف الميعاد))[1]

الجاه العظيم

فماذا تريد أكرم من ذلك؟ وأعطاه: ” وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ” (5الضحى) ولذلك هو صاحب الجاه العظيم، لأنه هو وحده صاحب الشفاعة، وهو وحده صاحب المقام المحمود، الذي يحمده كل أهل الموقف، لأنه هو الذي ينقذهم من أهوال يوم القيامة، وهو صاحب الوسيلة، وصاحب الدرجة الرفيعة، وشفاعاته في القيامة غير الشفاعة العُظمى لنا، شفاعات لا تعد، شفاعة يقول فيها:

{ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي }[2]

وشفاعة في الحساب لتخفيف الحساب لمن يحاسب من أمته، وشفاعة عند الصراط.

ولذلك ورد في بعض الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الأمين جبريل عند سدرة المنتهى: ألك حاجة؟ قال له: أن يؤمنني الله سبحانه وتعالى، فمنذ خلقني وأنا أخشى من عظمته وجلالته، فنزل قول الله: ” نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ” (193-194الشعراء) فأعطاه الله الأمان، قال: يا رسول الله وأنا سأضع جناحي على الصراط لأحمل عليه أمتك، ولذلك: ” إِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ” (86النساء).

وله شفاعة في دخول الجنة، وشفاعة في جمع الأحباب في منزلة واحدة وإن تفاوتت الدرجات في الجنة، وشفاعة في النظر إلى وجه الله الكريم، لأنها منزلة لا تُنال بعمل، ولا تُحقق بأمل، وإنما هي فضل من المتفضل سبحانه وتعالى ببركة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم، وهذا مقامٌ عظيم.

ولذلك ما وقعنا في شدة ولا أصابنا كرب، إلا وقلنا كما علَّمنا الصالحون وردَّدنا: أنا في جاه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، أنا في جاه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ويكررها الإنسان فيكشف الله عنه ببركته صلى الله عليه وسلَّم، لأن جاهه عند الله عظيم، وبه دخول جنة النعيم، نسال الله عز وجل أن ينفعنا به في الدنيا والآخرة.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] المواهب اللدنية، وقد ورد فى بعض أخبار الإسراء مما ذكره العلامة ابن مرزوق فى شرحه لبردة المديح.

[2] جامع الترمذي وأبي داود عن أنس رضي الله عنه

درس السهرة – المقطم – دار مناسبات مجمع الفائزين10 من ربيع الأول 1444هـ 6/10/2022م1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid