• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

8 يوليو 1999

طاعة رسول الله من طاعة الله والإقتداء برسول الله

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

********************

بسم الله الرحمن الرحيم

           الحمد الله الذى جعلنا من هذه الأمة المجتباة، واصطفى لنا سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زعيم الأنبياء، وإمام السعداء، وملهم الحكماء، والكاشف للكرب العظيم فى كل عضال من الداء. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تملأ قلوبنا بمحبَّته، وتجعل حركات أجسامنا وجوارحنا فى العمل بسنَّته، وتجمعنا على نور طاعته فى الدنيا والآخرة ويوم لقاء الله. ( أما بعد)

فيا إخوانى ويا أحبابى: بارك الله عزَّ وجلَّ فيكم أجمعين

فى الحقيقة عندما أتذكر سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه اللحظة، يجب على المرء أن ينسى حسبه ونسبه ودرجته فى الدنيا، وما له فيها من نعيم ومال وخيرات، ويتذكر اليوم الذى يقول فيه الله عزَّ وجلَّ: ) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ ( (1). فيتذكر أن هذا يوم تضيع فيه الأنساب، فلان ابن فلان ودرجات الدنيا ومَنْ حبَّها، فلا يبقى فى هذا اليوم إلا نسب التقوى. وهذا النسب يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كلنا يجب علينا أن نسعى فى إظهار مزاياه، وفى الاقتداء به فى أحواله لأنها هى التى يحبها الله.

من هنا نعلم أنه لا توجد سيرة ذاتية فى هذا اليوم إلا بالحبيب صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم – فى الجلسة التى نحن فيها – فى جوانبه متشعب، وكثير النواحى، ولا نستطيع مهما جلسنا من وقت، ومهما أوتينا من علم، ومهما أطلق الله ألسنتنا بالفصاحة أن نفى ببعض جوانبه التى مدحه وأثنى عليه الله عزَّ وجلَّ. ولذلك يروى أن الإمام عمر بن الفارض رضى الله عنه رآه رجل من إخوانه الصالحين بعد وفاته، وكان بن الفارض له قصائد كما تعلمون فى حُبِّ الله، فأظهر له شيئاً من العتاب وقال: أراك أكثرت فى الحديث عن جانب حبِّك لله، فلم أجد فيما قلته من القصائد شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!! وهذا فى المنام. فأجابه بن الفارض فى المنام قائلاً:

أَرَى كُلَّ مَدْحٍ فِى النَّبِىِّ مُقَصِّرا

وَإِنْ بَالَغَ المثُـنِْى عَلَيْهِ وَأَكْـثَرَ

إِذَا كَانَ اللهُ أَثْـنَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ

عَلَيْهِ فَمَا مِقْدَارُ مَا يَمْدَحُ الوَرَى

وإذا كان ربنا مدحه فماذا نحن بجانب مدح الله له صلى الله عليه وسلم؟!!

فالحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم لا ينتهى، لكن هناك حديث ذو شجون يحتاج إليه كل مسلم ومؤمن يرجو رضاء الله والدار الآخرة – حديث الغزوات والسيرة العطرة حفظناها – والحديث الذى نحتاج إليه ولا ينتهى ولا يمل سماعه، ونحتاج إلى العمل به،  الذى أشار إليه قوله عزَّ وجلَّ: ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ( (2)

          وهذا الرسول أسوة وقدوة فى أخلاقه، وصفاته وشمائله وعبادته، وطاعتة ومعاملاته – للناس ومع رب الناس، لأن أى عمل سيعمله المرء، مقياس الجودة فى هذا العمل، أنا أريد أن أصلى، وتكون صلاة يحبُّها الله أقيسها بمقياس صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يكون الميزان محرر هيئات الصلاة، لكن لا أستطيع أن أجعل القلب فيه قبسٌ من خشوع  وحضور رسول الله مع الله، فالميزان لم يستوف حتى الآن.

الصلاة التى مدحها بنا عزَّ وجلَّ: ) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( (3). فأنا محتاج لأتابع رسول الله فى الظاهر، وفى عمل القلوب، وهو الذى عليه القرب من رب العباد عزَّ وجلَّ، ويجب أن أتابع حضرة رسول الله e قدر استطاعتى، نحن كلنا كما قال الله عزَّ وجلَّ: ) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ( (4).

فالتقوى عمل قلبى، القدر والمقام والتعظيم عند الله بحسب حضور وخشوع القلب مع الله عزَّ وجلَّ أثناء الصلاة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: )إن المرء ليصلى بصلاة أخيه، وركوعها واحد، وسجودها واحد، وما بينهما كما بين السماء والأرض(، فى الخشوع والحضور، والابتهال والإنكسار، والإقبال على الله عزَّ وجلَّ. فنحن محتاجون كلنا أن نضع أحوال وأفعال وصفات سيدنا رسول صلى الله عليه وسلم أمام أعيننا، ونتابعه صلى الله عليه وسلم فيها، وإلى هذه الإشـارة بقـول الله عزَّ وجلَّ: ) وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ( (5). والإشارة هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

كيف أؤدى الصلاة التى ترضى الله إذا أغفلت جانب رسول الله؟!!! وأين التى فى كتاب الله صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء؟!!! أين هيئاتها وعددها؟ كل هذا من حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحن محتاجون فى هذه الآونة أن نحاول قدر الاستطاعة استحضار أحوال حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والحقيقة أن كل المشاكل التى بيننا، وفى منازلنا، وفى مجتمعتنا، حلها أتى الله بها، وحلها أن ربنا سبحانه وتعالى يحبنا: ) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ( (6) ، ويرفع عنا كل عناء وبلاء، وجفاء وقطيعة. ونحن محتاجون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الطعام والماء وكل أمورنا فى الدنيا، لأن أمور الدنيا سهلة و مضمونة، ولكن نحتاج إلى الآخرة لأنها معلقة بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمتابعته ومحبته، والصدق فى العمل بسنته، بالإخلاص فى طاعته، لأن الله سبحانه وتعالى جعل المدد فى كتاب الله على حبيب الله ومصطفاه، تأخذ المفاتيح القرآنية: ) وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ( (7) ، تهتدوا إلى المنزل الكريم.

 نحن محتاجون له فى كل حركاتنا وسكناتنا مثل السلف الصالح،  فرفع الله شأنهم عندما تابعوه فى كل شئ، فى معاملاته وعفوه، وصفحه ومودته. كانوا لا يعملون عملاً صغيراً ولا كبيراً إلا إذا عرضوه على حالته صلى الله عليه وسلم، ويأخذون عبقاً من هديه وسيرته يمشون على ضوئه، فمكَّن لهم الله، ونصرهم الله فى كل هذه الحياة.

هيبــة رسول الله من هيبة الله عزَّ وجلَّ

           الإمام علىٌّ رضى الله عنه وأرضاه يصف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه الحسن وابنه الحسين – وكان لديهما شوق شديد لمعرفة خلال وأخلاق رسول الله وأحواله ليتبعوها ويمشون على هداه – فمرة يسألان أبوهما، ومرة يسألان خالهما سيدنا هند ابن أبى هالة (ابن السيدة خديجة من زوج آخر)، ومرة يسألان سيدنا أنس. وكانا يسألان الناس الذين عاشروا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالطوه، لأنه ليس كل من عاصر حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع أن يصفه صلى الله عليه وسلم.

عمرو بن العاص رضى الله عنه مع شدة ذكائه وشدة دهائه وكياسة عقله، لما حضرته الوفاة يقول لابنه عبد الله بن عمرو: يا بنى ما أحببت أحداً مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لا أستطيع أن أصفه لأنى ما ملأت عينى قطّ منه، حياءاً منه صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم كانت له هيبة إلهية، يقول فيها الإمام علىٌّ رضى الله عنه وأرضاه: من رآه بديهة هابه – حتى ولو كان ملك من الملوك. تأتيه المرأة الأعرابية فتصيبها رعدة ورعشة عندما تراه صلى الله عليه وسلم، فيقول لها صلى الله عليه وسلم: ) هوِّنى عليك، فأنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد (. الهيبة من الله عزَّ وجلَّ لأنه صلى الله عليه وسلم هاب الله فجعل الله كل شئ يهابه صلى الله عليه وسلم.

        فكان سيدنا الحسن وسيدنا الحسين يتنافسان، يقول سيدنا الحسن: ذهبت إلى خالى هند بن أبى هالة، فقلت له: اذكر لى شيئاً من حلية رسول الله  صلى الله عليه وسلم أتعلق به، فذكر لى، فذهبت إلى الحسن وأردت أن أخبره، فإذا هو قد سبقنى وزاد عنى وسأله عن مخرجه وعن دخوله إلى منزله، وعن وقته وكيف كان يقسمه؟ فكان هناك تنافس فى معرفة أحوال حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً بقول الحق تبارك وتعالى: ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ( (8).

فنحن محتاجون لهذه الأمور، يجب أن نعرف كيف كان جلوسه ونومه، حتى أن الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه وأرضاه – وهو الذى جمع فى كتابه المسند أربعين ألف حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى التى صنَّفها وأخذها من ستمائة ألف حديث جمعها عن رسول الله – هذا الرجل رضى الله عنه امتنع عن أكل البطيخ لحين من الزمن، فسألوه: لماذا لم تأكل البطيخ مع أنه ورد عن حضرة رسول الله أنه كان يحب البطيخ؟!! قال: وصل إلى بالسند الصحيح الذى أعول عليه أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب الفاكهة، العنب والبطيخ فى الصيف، لكن لم يرد إلىَّ كيفية أعول عليها طريقة أكله للبطيخ، فأخاف أن آكله بطريقة تخالف أمره فأتعرض لغضب وسخط الله عزَّ وجلَّ.

           مما أخاف؟ أخاف من أمر يقول فيه الله سبحانه وتعالى: ) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( (9). أنا لا أعلم كيف كان صلى الله عليه وسلم يأكله؟ حتى وصل إليه الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم يشق البطيخة نصفين، ثم كل نصف يقطعه على هيئة هلال، فيأكل إبتداءً من اليمين إلى اليسار. انظروا إلى شدة المتابعة!!! فنالوا الهيبة التى خلعها عليه الله صلى الله عليه وسلم.

ذهبوا إلى الإمام أحمد بن حنبل وقالوا له: عندنا بنت يظهر عليها الشيطان، فخرج. وبعد فترة رجع مرة أخرى، فذهبوا إلى رجل من العلماء، فقال الجنى لن أخرج، فقال: لماذا خرجت عندما قال لك أحمد بن حنبل اخرج فخرجت؟ فقال الجنى: ذاك رجل خاف الله فخافه كل شئ فى الأرض وفى السماءن فنحن نخافه.

من خاف الله، خوَّف الله منه كل شئ، لماذا؟ لأنه يتابع حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدق من الشعرة، وعلى أحد من السيف، حتى كان سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنه عنهما عندما ذهب للحج كان يأتى عند شجرة ويقف، ويأتى إلى مكان وينام بعض الوقت، ويأتى عند مكان وينزل ويقضى حاجته، فقالوا له: لم فعلت هذا؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف تحت هذه  الشجرة فوقفت موضع وقوفه، ورأيته يأتى فى هذا المكان ونام فيه فنمت فى هذا المكان، لأن الله سبحانه وتـعالى قـال لنا: ) وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ( (1).

نحن نقول دائماً: إذا سألت المرء سؤالاً أولياً – لو سألت عنه صبيان المسلمين فى المدينة المنورة فى الأزمان الفاضلة لأجابوك – لو سألته كيف كان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا يعرف الآن!! قد كان صلى الله عليه وسلم يجلس القرفصاء!!! الإمام علىٌّ رضى الله عنه يحكى عن مجلس حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: كان مجلسه مجلس علم وحلم ونور، لا تنتهك فيه الأعراض، ولا تغشى فيه الحرمات، يخزن لسانه إلا عن خير، ولا يمنع بشاشته عن الحاضرين، حتى يخيل إلى كل رجل منهم أنه صاحب الحظوة عنده صلى الله عليه وسلم ). هذه هى المهمة، لا يهم طريقة الجلوس، لو اتبع المسلمون فى زماننا فى البيوت، وفى المساجد، وفى الأعمال، وفى الشوارع، وفى المصانع، هدى رسول الله فى مجالسنا، كيف تأتى المشاكل؟!!! فجميع مشاكلنا التى نحن فيها، وفى المحاكم، هى من عدم اتباع هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ( (2).

بعض الناس يظن أن رقيب هو الملك على اليمين وعتيد ملك على الشمال، من الذى قال هذا الكلام؟!! الآية: (رقيب عتيد)، وهو اسم من أسماء الله عز وجل. فالرقيب هو الله عزَّ وجلَّ، والعتيد – وهو شديد – لا تفوته أى واردة، ) يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ( (19غافر). أى شئ يعلمه الله سبحانه وتعالى، ويؤاخذك بجريرتك على ما يعلم من أمرك فى كل حركاتك وسكناتك، أما الملكان الذين معنا، هم اسمهم (كراماً كاتبين)، وهم كثرة، هناك اثنان يغيروا العصر والفجر، وهناك حفظة، وأصناف لا يعلمهم إلا الله عزَّ وجلَّ، ويجمعها قول الله عزَّ وجلَّ: ) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ ( (3).

أمراض يجب أن تتوب منها قبل الممات

           فقد وصلنا فى زمن لدرجة أن المرض استفحل!! بأن المؤمن لا يعد نفسه مريضاً إذا تكلم بالغيبة أو النميمه، أو سب أو لعن أو كذب، لا يعتبر نفسه فعل ذنباً، ولا يفكر أن يتوب من هذا الذنب!!! لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، السيدة عائشة رضى الله عنها كانت تقول: كان معنا يكلمنا ونكلمه، لكن إذا استمع إلى الآذان فكأنما لا يعرفنا ولا نعرفه)، يلبى الآذان فوراً. أعرِّف زوجتى التلبية.

                        ومرة أخرى أتت ذات مرة زوجته السيدة صفية رضى الله عنها – وكانت قصيرة – فتكلم عنها صلى الله عليه وسلم، فقالت السيدة عائشة: ماذا يعجبك منها وهى قصيرة؟!! فقال صلى الله عليه وسلم: ) لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته – أى عكرته(، مع أن البحر لا يتعكر!!! وقال فيه صلى الله عليه وسلم: ) هو الطهور ماءه ( لماذا؟ أدب الحديث الذى علمه لنا حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدب المجالس: (يخزن لسانه إلاَّ بخير)، قال صلى الله عليه وسلم: )السامع والمغتاب شريكان فى الإثم(. وربنا نعى على اليهود بكلامهم، قال فيهم: ) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ( (4) ماذا أفعل؟ ) فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( (5)، لتخرج من الدنيا على خير.

لو أن ليلك ونهارك طاعة لله سبحانه وتعالى، وتكسب فى اليوم مليون حسنة، وتكلمت فى واحد كلمة غيبة واحدة، هذه الغيبة يأتى صاحبها يوم القيامة فمه عليه لحم نتن – ويراه الجميع على هذه الهيئة – إلا إذا استحلَّ مَنْ اغتابه،  )أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ( (6).

النبى صلى الله عليه وسلم الذى رأى هذه الهيئة التى سنراها يوم القيامة، فى غزوة تبوك كانت بجوار الشام ومسافة بعيدة، وكانت فى حالة قحط، فأمر كل رجلين من المسلمين الأثرياء أن يحملا معهما رجلاً من الفقراء، يأكل معهما ويحملاه، فسيدنا سلمان الفارسى رضى الله عنه كان مع رجلين من الأنصار، لما وصلوا تبوك انتهى الزاد الذى كان معهم فقالوا لسلمان: أئتنا بزادٍ من عند رسول، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا إلى بلال – لأنه كان خازن بيت المال – فلم يجدوا، وذهبوا إلى عمر، وإلى أبو بكر فلم يجدوا، وذهبوا إلى عثمان، وبعد أن تركهم فقالا لبعضهما: لو أرسلته إلى بئر حاح (بئر المدينة مشهور بكثرة الماء) لنضب ماؤه. أى أنك لو أرسلته إلى أى جهة فوجهه يبشر بالشؤم. وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر أمامها ويقول لهما: ما لى أرى خضرة اللحم على أفواهكما؟!!! فقالا: يا رسول الله، ما ذقنا فى يومنا هذا طعاماً قطّ!! قال صلى الله عليه وسلم: ألم تأكلا لحم سلمان؟!!! ألم تقولا فى حقِّه كذا وكذا؟!!

فعرفهم أن الذى يغتاب أخاه – إن لم يستحل أخاه من هذه الغيبة – سيأتى يوم القيامة على هذه الهيئة. وهذا ذنب لا بد أن صاحبه يسامح، لو أن لدى كل مليارات الدنيا حسنات، لا أستطيع دخول الجنة حتى يسامحنى هذا الرجل فى هذه الكلمة الصغيرة!!!! بعدما أصفِّى الذى عليَّ ويؤمر بى إلى الجنة، فيقول الحق تبارك وتعالى: ( من كان عنده مظلمة عند فلان فليخرج، فتخرج الناس، فيقول: (وعزتى وجلالى لا تدخل الجنة حتى ترضى خصماءك). وهناك الكل يبحث عن مثقال ذرة من حسنة ليثقل ميزان حسناته!!! فالخير كل الخير فى أن يخزن المؤمن لسانه إلا عن كلمة الخير كما كان ﷺ .

سبب عتق الله للعبـــاد

          ولذلك يعتق الله المؤمنين وبيَّن أوصاف المعنيين: ) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ( (7). من الذى يثبته الله على الصراط المستقيم؟ الذى هداه إلى الكلم الطيب!! الإمام البخارى رضى الله عنه عندما حضرته الوفاة، والجامع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصفاها إلى ستة آلاف حديث بعد أن جمع ستمائة ألف حديثاً، وكان لا يكتب حديثاً إلا بعد أن يصلى ركعتين استخارة لله عند وفاته، قال: (لِمَ تبكون، وها أنا ذا تطوى صحيفتى ولَمْ تُكتب عليَّ كلمة غيبة واحدة طوال عمرى؟!!!!) لماذا تخافون؟ فحقوق العباد يجب أن يتراضوا ويسامحوك حتى تدخل الجنة بإذن الله.

بعدما يجتمع أهل الموقف، ينادى من قبل الله: (يا عبادى: لقد استمعت إليكم طويلاً فاستمعوا إلىَّ اليوم، أما ما بينى وبينكم فقد غفرته لكم، وأما ما كان بينكم فتراضوا فيما بينكم ثم ادخلوا الجنة برحمتى).

فكان مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الشاكلة، بدون غيبة وبدون نميمة، ولا كان سب ولا شتائم ولا كذب، يتكلمون فى علم وفى مسائل تهم الجميع، وفى ذكر واستغفار، وفى حمد لله وفى تسبيح لله، والكل مشغول فى عمل ينفعه يوم لقاء الله عملاً بقول الله: ) لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ( (8)، ومع ذلك كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم فى نهايـة المجلس يقولـوا: )سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا الله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك( وكان هذا الاستغفار كفارة المجلس، ويعلمهم أن يذكروا آية من آيات الله، أو حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المجلس، لماذا؟ لأنه قال لهم: )ما اجتمع قوم ثم قاموا على غير ذكر الله إلا وقاموا على أنتن من جيفة حمار(.

          نحن حالاً إذا الواحد سمع كلمة فى مجلس، النبى يقول: (المجالس بالأمانات)، إذا استمعت حواراً فى مجلس لا تحكيه لأحد، وهى أمانات لابد من حفظها، وصدور الأحرار قبور الأسرار، لو تفحَّصنا مشاكل العباد فى هذا الزمان أغلبها من هذه الفتن، والواحد يسمع كلمة فيزيد عليها عشرة كلمات، من أجل شُهرة أو عَرَضٍ من عرض الدنيا!!! لو اتبعنا هدى رسول الله فى كل أمورنا، إذا اتبعنا هديه صلى الله عليه وسلم فى الطعام لن نصاب بالأوجاع فى أجسامنا ولا الأسقام، لأنه صلى الله عليه وسلم ردَّ الطبيب وقال: ) نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، فمن أين يأتينا المرض (.

فالذى لا يتبع هدى رسول الله فى تربية الأولاد، والنبى صلى الله عليه وسلم قال: )من علامات الساعة أن يكون الولد غليظاً على أبيه(،  لأنه لم يتربَّ على هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل الأمور، فهو النور فى الدنيا، والسلامة للصدور، وهو أعلى لشأننا يوم لقاء حضرة الغفور عزَّ وجلَّ.  نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يمنَّ علينا باتباع شريعته، وأن يجعلنا فى الدنيا جميعاً من خيار أحبته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

********************

(1) سورة المؤمنون الآية 101 

(2) الاحزاب الآية 21

(3) سورة المؤمنون الآيات 1 ، 2 

(4) سورة التغابن الآية 16 

(5) سورة الأنعام الآية 153 

(6) آل عمران الآية 31 

(7) سورة النور الآية 54 

(8) سورة الاحزاب الآية 21 

(9) سورة النور الآية 63 

(1) سورة الحشر الآية 7 

(2) سورة ق الآية 18 

(3) سورة الرعد الآية 11

(4) سورة المائدة الآية 42 

(5) سورة الأنعام الآية 68 

(6) سورة الحجرات الآية 12

(7) سورة الحج الآية 24 

(8) سورة النساء الآية 114 

*************************

طاعة رسول الله من طاعة الله                                                       الأستاذ فوزي محمد أبوزيد

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid