• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

30 أكتوبر 2021

غاية السالكين هى الوصول لرب العالمين

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

 [كيفية الوصول إلى فضل الله]

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

غاية بُغية الصالحين وكل أمل المتقين، وما يحلم بالوصول إليه السالكين الصادقين، هو الوصول إلى فضل الله تبارك وتعالى في كل وقتٍ وحين.

ولكي يصل الإنسان نفسه بالله، ويصل إلى فضل الله الذي خصَّ به الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار كرامته، وفي جنة الرؤيا الظاهرة في الدنيا، والتي يقول فيها بعض العارفين:

[إن لله جنةٌ عاجلة، من دخلها لا يحتاج إلى الجنة الآجلة]

فالذي يريد أن يصل إلى هذا المقام، لابد أن يبدأ في الوصول إلى مولاه، فيبدأ أولاً بجهاد نفسه ثم تزكيتها، ثم رعاية ذلك حتى يخرج من الحياة الدنيا، لقول إمامنا أبو العزائم رضي الله عنه:

[لا ينتهي جهاد المنفس حتى خروج النفس الأخير].

يعني الإنسان في جهاد متواصل، إما بالتأديب إذا كانت نفسه جامحة وغير مسلمة، وإما بالتزكية إذا سلَّمت للمرشد الدال على الله بالله، وإما رعايتها على الدوام وعدم الغفلة عن حركاتها وسكناتها وتقلباتها، وذلك حتى ولو كان من كمل أهل الوصول بالله، حتى ينتهي أجله ويخرج من هذه الحياة.

ولكي نتبين هذه الحقيقة فإن النفوس قسمين:

نفوسٌ تسمى نفوسٌ لقِسة، أو نفوسٌ غير طاهرة، أو نفوسٌ شريرة، وهذه خُلقت من الجلال، وهذه النفوس الشريرة لا تستمع لمن يُزكي لها نفسها، ولا تؤثر فيها الذكرى، ولذلك قال الله تبارك وتعالى لنا:

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9الأعلى).

لأن هؤلاء لا تنفع معهم الذكرى ولا التذكرة، ولا العلم ولا العلماء لأنهم خُلقت أبدانهم من طينة سجين، وخُلقت نفوسهم من الجلال، وهؤلاء كإبن نوح على وعليه نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ومن كان على شاكلته.

فقد حاول أباه أن يدعوه إلى الله، ولكنه أصرَّ على كفره، حتى قال لله تعالى ضارعاً متبتلاً:

﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ (46) (هود).

لأن أهله الصالحين والمؤمنين والمسلمين الذين يعيشون في زمنه، وآمنوا به وآمنوا بالله وبدين الله تبارك وتعالى.

وهذه النفس الإبليسية أو النفس اللقسة أو الخبيثة، حتى لو تربَّت مع الملائكة لا تخرج عن حالها وعن طبعها ولا تؤثر فيها هذه التربية.

فإن فرعون موسى لما أُنبئ بأن نهاية ملكه تكون على يد رجلٍ من بني إسرائيل، أمر مُفتشيه وحراسه وجنده أن يقتلوا كل طفلٍ يُولد في بني إسرائل.

فما كان من أم موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام إلا أن صنعت له تابوتاً وألقته فيه وألقته في اليم، وربطته بحبلٍ وثبتته في وتد في بيتها، وكان بيتها على نهر النيل، فتجذبه إذا إطمأنت وتُرضعه، ثم تُطلق هذا التابوت ذا أحسَّت أو شعُرت بمجيئ الجند والمخبرين.

أما أم موسى السامري فقد أخذته ورمته في الغابة، فأنزل الله تبارك وتعالى الأمين جبريل بذاته لرعايته، فجاء له بغزالة وكان يمسكها له لترضعه، وهو الذي رباه، فهذه النفس اللقسة رباها جبريل، ولكنه كما قال الله في شأنه:

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ (175الأعراف).

يعني كان الشيطان تابعاً له في كفره وحيله ودهائه وبُعده عن الله تبارك وتعالى.

أما الجوهرة التقية النقية التي منها موسى الكليم، وهي النفوس الطاهرة ولو تربٍّت بين الأبالسة، فإنهم لا يؤثِّرون فيها ولا يردُّونها عن أصلها، فإنه تربَّى في بيت فرعون، وما أدراك ما فرعون؟ كان يدَّعي أنه إله، ولكن ذلك كله لم يؤثر فيه، ولذلك قال القائل:

فموسى الذي رباه جبريل كافرٌ     وموسى الذي رباه فرعون مُرسلٌ

أما النفوس الطيبة، فإنها خُلقت من عالم الجمال، ومن نور سيد أهل الكمال صلى الله عليه وسلَّم، ولذلك تصفوا وتطهر فوراً ولا تحتاج إلى عناء، ولا شدةٍ في المجاهدات، وإنما تحتاج إلى عناية الله ورعاية الله سبحانه وتعالى.

ولو تربَّت مع إبليس كموسى فإنه لا يؤثر فيها، ولو تربَّت مع أهل الكفر كأصحاب نبينا، كآباؤهم وأمهاتهم فإنهم لا يؤثرون فيهم، لأن رغبتهم في الوصول إلى فضل الله وكرم الله في جوار أحباب الله ورسل الله، والصديقين والصالحين من عباد الله.

ومنهم من يأخذه الله بالجذبة، ولا يحتاج إلى آية ـ يعني معجزة أو كرامة ـ ولا يحتاج إلى دليل كأهل الكهف الذين هداهم الله به إليه، وكانوا في عصر ملكٍ جبار وليس معهم من يعلمهم أو يخبرهم، ولكن الله جذبهم به إليه بجذبة إلهية حتى أنهم حكى الله حالهم في قصة أهل الكهف في سورة الكهف في الآيات القرآنية.

فمنهم من يحتاج إلى دليل، فالسحرة الذين أتى بهم فرعون ليتغلبوا على موسى، فإنهم لما رأوا آية الله في الحية أو العصا التي ألقاها فصارت حية تبتلع عِصيِّهم وحبالهم، آمنوا أن هذه قدرة قادر، وأن هذه معجزة تدل على أن هناك إله بيده تصريف الأمور كلها، فسجدوا وسلَّموا لله، وآمنوا بموسى رغم تحذير فرعون لهم، وتشديده عليهم.

إلا أنهم لما أشرق على قلوبهم نور الإيمان، لم يحتاجوا بعد ذلك إلى برهان، لأن العيان أقوى من البيان في القرب من حضرة الرحمن سبحانه وتعالى.

ومن النفوس من يجذبها الوجد الصادق إلى الله، وهم الثُلة المباركة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ومن بعدهم من خيار التبعين ومن بعدهم من الأولياء والصالحين إلى يوم الدين.

فهؤلاء جذبهم إلى الله وجدٌ أوجده الله في قلوبهم سر قوله سبحانه وتعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ (54المائدة).

والنفوس الطيبة التي هي كالجوهر المكنون، والتي خُلقت من نور الجمال، وأُهِّلت للوصال والإتصال، رغم ذلك هي في حاجة إلى التربية الروحانية، والتهذيب على يد مرشدٍ حيٍّ رباني، حتى يصلوا إلى الكمال، والكمال هو الوصول إلى فضل الله تبارك وتعالى.

ولا وصول إلى فضل الله ولا إلى حضرة الله، إلا بما جاءنا به رسول الله من عند الله، من العبادات الخالصة، والعقيدة الحقَّة، والمعاملات الحسنة والأخلاق الكريمة.

ولكي ينطبع الإنسان منا على هذه الكمالات، لابد له من مجاهدات على يد مرشدٍ رباني يأخذ بيده حتى يصل إلى هذه الكمالات.

كيف تعرف يا أخي النفوس اللقسة من النفوس الطيبة؟

النفوس اللقسة لا تحب الطاعات ولا العبادات، ولا تميل إلى العلم بالله، ولا مجالسة أهل الله الصالحين، ولا الإقبال على ما كلفنا به الله من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحج، إلا إذا أضطر إلى ذلك لهدفٍ في نفسه، وليس عن وجدٍ صادق ولا عن حُبٍ حقيقي لأداء هذه الطاعات لإرضاء الله تبارك وتعالى.

فالنفوس الطيبة علاماتها أنها تميل إلى هذا الصنيع على الدوام، تميل إلى العبادات التي جاءنا بها الله على يد رسول الله، تتلذذ بآدائها وتحاول أن تتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالإكثار منها:

(ما تقرب عبدي إليَّ بأحب مما أفترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه).

[رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].

فقال الله عز وجل في ذلك:

﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45البقرة).

فهي كبيرة على النفوس اللقسة والنفوس الخبيثة، ولكنها محببة ومُزينة:

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الايمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ (7الحجرات).

للمؤمنين الصادقين والأتقياء والمجالسين والمداومين على حلقات الصالحين.

وتجده يميل إلى سماع العلم، وخاصة العلم المكنون، وتجده دائماً يحن إلى الناس الصالحين، ويميل إلى خدمتهم ويفرح إذا رضُوا عنه، ويميل دوماً إلى مجالستهم، ويحن دوماً إلى رؤياهم، لأن الله عز وجل جعله منهم، وكل شيئٍ يحنُّ إلى أصله.

هؤلاء النفوس مع أنهم صفت جواهرهم، إلا أنه لابد لهم من تزكية النفس، ونضرب مثالاً لذلك:

فالمعادن الثمينة كلها ومنها الذهب في أصلها كانت في تراب، ولكننا لا نستطيع أن نتزيَّن بها، ولا أن نُحلي النساء بها، ولا أن نصنع شيئاً جميلاً منها، إلا إستخلصناها من التراب، ولا نستخلصها من التراب إلا إذا دخلت في فرن حراري، فيُخلصها من الشوائب التي بها ويُصفيها، وبعد صفائها تكون سبيكة الذهب جاهزة للشكيل للتحلي بها، أو تداولها أو أي عملٍ جميل نريده بها.

وكذلك النفس الصفية التقية النقية خالطت الإنسان، والإنسان فيه نفسٌ جمادية، ونفسٌ نباتية، ونفسٌ حيوانية، ونفسٌ إبليسية، وكل هذه النفوس شوائب، ينبغي للعبد أن يتخلَّص منها، وأن يتخلص من شرورها وحيلها وآثامها، حتى من النفس الملكوتية، فإن النفس الملكوتية قد ترغب بالإنسان إلى حب الظهور، والتمشيُخ بين الناس، وإظهار الكرامات، والتحدث بالعلم لجمع الخلق عليه، وهذا أيضاً من الآفات التي لابد من خلعها، وانتزاعها حتى تصفو النفس القدسية من كل هذه الشوائب الدنية التي هي في المملكة الإنسانية.

فإذا صفت رقت، وإذا رقت وفت، وإذا وفت نزل عليها نور الله وبهاء الله وجمال الله وكمال الله، وتحظى بالتجليات الإلهية، والإشراقات النبوية، وغيرها من أنوار المواصلات.

وهذا الوصول الذي نسأل الله تبارك وتعالى أن يوصلنا إليه، وأن يجعلنا من أهله أجمعين.

 وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الخميس: 30/10/2021 موافق 23 صفر 1443 هـ – دار الصفا الجميزه طنطا

لقاء الأحبة على برنامج التواصل الإجتماعي زووم ـ على الإنترنت

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid