Sermon Details

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.
أول أساس ينبني عليه عمل المسلم والمسلمة هو العلم، أول شيء ينبغي على المسلمة أن تعلمه؛ أن تعلم الحُكم الشرعي لأى عملٍ تُقدم عليه، سواء كان هذا العمل عبادة، أو هذا العمل نحو زوج، أو نحو أولاد، أو نحو جيران. الدين الإسلامي لم يترك شيئاً في الحياة إلا وعرض وبيَّن كيفية عمله؛ من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومن عمل الصحابة الأجلاء.
وقال صلى الله عليه وسلَّم: (أول سؤالٍ يُسأله العبد يوم القيامة: ماذا علمت؟ – والسؤال الثاني: ماذا عملت فيما تعلمت) . ليس هناك عُذرٌ لمسلمة أن تقول هناك: لم أكن أعرف، لأن الله يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (43النحل).
سنعمل، والعمل الذي نعمله لا نعرف الحكم الشرعي فيه، وأخطانا في هذا العمل، فيكون هذا العمل لا أجر لنا فيه ولا عذر لنا، لأن الله يأمرنا أن نسأل قبل العمل في كل شأنٍ من الشئون. كان سيدنا عمر رضي الله عنه يذهب إلى السوق ويمتحن التجار في البيع والشراء وأحكامه من حيث الحلال والحرام، ويقول لهم: (من لم يتفقه في دينه أكل الربا وهو لا يدري) ، أنت ستعمل تاجراً فيجب أن تعرف الحكم الشرعي، وتفصيله الذي يقول فيه ربنا: (وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (375البقرة). فتعرف الحلال والمعاملات الحلال، والمعاملات التي فيها ربا لتبتعد عنها، ونفس الكيفية في كل أمرٍ من أمور الدين.
مثلاً بنت ستتزوج، فلابد لها أن تعرف من البداية حقوقها وواجباتها، ما الحقوق التي لها عند زوجها، وما الواجبات التي تقوم بها لزوجها، وتعرف أيضاً حق أم الزوج وأبي الزوج وأخواته، وتعرف الحقوق كلها حتى تمشي كما يرضي الله عز وجل، لأن من يمشي ويقيم الشريعة يغضبوا!!، وهي ليس لها حُجة، ما هو الحلال؟، وما الصواب؟، وما الخطأ؟.
لكن عليها أن تعرف من البداية الحلال والحرام، والصواب والخطأ، وهذا ما يقول النبي لنا فيه، ومن الذي يحبه ربنا؟!!، فكيف تعرف أن ربنا يحب فلانة هذه؟ قال: (إذا أحب الله عبداً فقهه في الدين) . لأنها تريد أن تعرف دينها وتعرف التفصيلات حتى لا تعمل أىَّ شيءٍ إلا إذا كان موافقاً لشرع الله عزَّ وجلَّ، والشيء الذي تتوقف عنده فلا تستحي من السؤال، قال صلى الله عليه وسلَّم: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهنَّ في الدين) . والدين عندنا فيه جزءٌ للرجال، وجزءٌ مشتركٌ بين الرجال والنساء، وجزءٌ خاص بالنساء؛ ونسميه فقه المرأة المسلمة.
فتحتاج في البداية أن تعرف فقه النساء، وما يجب أن تعلمه، يعني الصلاة التي نصليها كلنا؛ يوجد جزءٌ في الصلاة خاص بالرجال، وجزء في الصلاة خاص بالنساء، الجزء الخاص بالنساء يأمر النساء بالتستر، لكن الرجل ليس عليه ملام، فيقف عادي ويركع عادي ويسجد عادي، لكن المرأة تختلف فيأمرها أن تتستر عند الركوع وأن تتستر عند السجود، فلا يظهر من الجسم شيءٌ حتى القدم إذا كان يراك أحدُ غريب، إلا إذا كنتِ تصلي في حجرتك، أو تصلي في المسجد في مكان خاص بالنساء، ففي هذه الحالة نتغاضى عن هذا الشرط. وأيضاً لها هيئة معينة في الصلاة، فالرجل عند الصلاة نقول له عند السجود يكون الكفان على الأرض، والمرأة نقول لها: لا، الذراع كله على الأرض للستر، الذراع والكفان على الأرض زيادة في الستر.
هذه الأحكام يجب أن تعرفها كلها، وكذلك كما تعرفون في الصيام المرأة لها أحكام والرجل له أحكام، لأنه يعتريها أثناء الصيام الدورة الشهرية أو النفاس أو غيره وهذا لا يتعرض له الرجال.
ففرض عليها أن تتعلم أمور الدين الخاصة بالنساء، ليس ترفاً، ولا لها اختيار في أن تتعلم أو لا -ـ فليست حرة في هذا الأمر فإنه فرض، قال صلى الله عليه وسلَّم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) . وكلمة مسلم هنا معناها مسلم ومسلمة لأن الحديث ليس فيه كلمة مسلمة، لماذا؟ لأن ما يخاطب به المسلم تخاطب به المسلمة.
ما العلم الذي فُرض علينا تعلمه؟، هل هو علم الطب؟، لا، فمجموعة من الأطباء يكفون البلد، هل الهندسة؟، أيضاً لا، لأن البلد لا تحتاج إلا لمهندس واحد، فما العلم الذي فُرض علينا كلنا؟، علم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) .
أولاً العقيدة: فتتعلم العقيدة، فقه الشهادتين والعقيدة الصحيحة في دين الله عزَّ وجلَّ، لأنها لو عرفت العقيدة الصحيحة فتكون كل تصرفاتها مبنية على محاولة ترضية الله عزَّ وجلَّ، فلا يأتي عليها يومٌ تسخط فيه على قضاء قضاه الله، ولا تتبرم لبلاء نزل من الله، لأنها على العقيدة الصحيحة، ولا تضيق في يومٍ من الأيام إذا قابلتها أزمة أو مشكلة أو معضلة لأنها تعرف أن: (وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (2، 3الطلاق)، وهذه الأمور تحتاج إلى عقيدة، والعقيدة هي أن كل شيء في الكون عاليه ودانيه بيد الله، والذي يحركه هو الله، والذي يعطي الكل هو الله، والله عزَّ وجلَّ على كل شيء قدير.
وهذا علمٌ واسع لابد أن نعرفه ولا نستطيع أن نوجزه في هذا المقام.
ثانياً الصلاة: عرفت العقيدة في أوصاف الله جلَّ في علاه التي ذكرها لنا في كتاب الله، لأننا لكي نصلي صلاةً مقبولة فلابد لنا من معرفة ثلاثة أشياء:
أولها: لمن نصلي؟ أى من الذي نصلي له؟ الله عزَّ وجلَّ، ما صفاته؟، وما جماله؟، وما جلاله؟، لابد من معرفة أوصافه.
ثانيها: نصلي مثل من؟، نصلي مثل رسول الله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) . فلابد لنا من معرفة الهيئة التي كان يؤدي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الصلاة، وإلا كان كل واحد على هواه وعلى رغبته، فلن تصلح هذه الصلاة.
ثالثها: لابد أن أعرف أنني أستحضره في قلبي وأنا أؤدي أركان وحركات الصلاة حتى يقبلني الله عزَّ وجلَّ، فالخشوع كيف أكتسبه؟، والخضوع والإخلاص وهي من الأشياء التي لابد منها لينال الإنسان القبول في الصلاة التي يؤديها لله عزَّ وجلَّ، وقد ذكرها ربُّنا في سورة الفاتحة، فعندما نقرأها نقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) – فنصلي هنا لمن؟، لله، ولكن أضيف لها هنا الأوصاف التي ينبغي أن أعلمها عن جلال الله وكبرياء الله جلَّ في علاه. (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (5الفاتحة)، أى أعطني الزينة القلبية يا ربِّ التي أستطيع أن أناجيك بها يا الله، ولا أنشغل في الصلاة عنك بالخلق ولا بالدنيا ولا بالمناظر التي حولي، فتكون الصلاة كما ينبغي، كيف ذلك؟: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (6الفاتحة)، يعني أرني الطريق القويم للجماعة الذين كانوا يؤدون الصلاة وقد رضيت عنهم: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (7الفاتحة)، من هؤلاء؟، هؤلاء من قال لهم في الآية الأخرة: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (69النساء).
فلابد أن نعرف هذه الأِشياء حتى نؤدي معرفتها الصلاة كما ينبغي، ونعرف طبعاً الأحكام الشرعية كلها للصلاة، وشروط الصلاة، وكيفية الطهارة التي تُقبل بها الصلاة، والأشياء التي تبطل الصلاة، وكل هذه الأشياء لابد أن نعرفها لنؤدي الصلاة لله كما ينبغي.
وهكذا كل أركان العبادات الإسلامية، فيكون عندنا العقيدة ففرض علينا تعلُّمها، الصلاة وأحكامها، والطهارة كلها فرض علينا تعلمها، وصيام رمضان فرض علينا كلنا أن نتعلمه لأننا مطالبون بصيامه.
ثالثاً: الزكاة: والزكاة: من كان عنده نصاب – يعني: مال أو زرع أو ضرع – يجب فيه الزكاة، ففي هذا الوقت يجب أن يتعلم أحكام الزكاة، وإن لم يكن عنده فعندها يسامحه الله – وليس شرطاً أن يتعلم الزكاة – في هذه الظروف.
رابعاً: الحج: متي يتعلمه؟ إذا نوى الحج إلى بيت الله وقدَّر الله عز وجل له أداء الفريضة، فقبل أن يسافر يجب أنا يتعلم ـ وهذه مشكلة ومعضلة تواجه المسئولين في الأراضي المقدسة، فعندما يسافر المصريون والمصريات – وهم من بلد الأزهر!!، وبلد العلم!! – هناك لا يعرفون شيئاً عن المناسك، وقبل سفرهم تقول لهم: يا فلان دع أحداً يشرح لك؟، يقول لك: عندما نذهب إلى هناك أصنع كما يفعل الناس.
ونجد الجماعة القادمون من أندونيسيا أو ماليزيا عملوا لهم دورات كاملة عن الحج، حتى أنهم يمثلون لهم أداء مناسك الحج كاملة، فيصنعون لهم رمزاً للكعبة ورمزاً للصفا والمروة، ويجعلوهم يطوفون حوله كالطواف الحقيقي، وكيف يسعى بين الصفا والمروة تماماً ويسعى فعلاً، وكيف يرمي الجمرات، فهناك يعرف ماذا يفعل؟، وأهم شيء أنه يعرف كيفية أداء المناسك ليُؤديها كما ينبغي فينال رضاء الله وثواب الله عزَّ وجلَّ. ومن الذي يتوه هناك؟ هم المصريون!!، فتسأل إحداهم: كم شوطاً طفتِ يا سيدتي؟، تقول لك: لا أذكر، هل ثلاثة أو أربعة؟!!، تقول لها: يا سيدتي لابد أن يكونوا سبع مرات، تقول لك: هذا ما في مقدرتي وانتهى الأمر.
وهذا الكلام كان يحدث معنا مراراً وتكراراً!!، لأنها تعتقد أنها بوصولها للحرم فقد حجَّت، وباقي المناسك لا يهمها معرفتها، وما يهمها في هذا الأمر هو الهَدَايا التي ستشتريها لأهلها عند عودتها!!، وتعطي كل واحد حتى لا يغضب منها، وماذا تؤديه هناك من المناسك؟ لا شيء وتنساه.
ولذلك عند دخولنا للحرم نجد الحجاج غير المصريين يحتلون أماكن محددة، ويلبسون ملابس موحدة، وكل واحدة ترتدي إشارباً وعليه إسمها واسم دولتها، وبجوار بعضهم، وتبحث عن المصريين عند الأذان تجدهم في المحلات!!، فهل جئتم لتؤدوا الأركان في وقتها وتفوزوا بأداء الصلاة في بيت الله، أم جئتم للتجارة؟!!، فالتجارة موجودة هنا في مصر قبل الحج. فينبغي على المسلمة التي تذهب لتحج من هنا أن تعرف ما تفعله تماماً، لتؤدي هناك المناسك كما قال صلى الله عليه وسلَّم: (خذوا عني مناسككم) .
وهكذا في الزواج وفي تربية الأولاد وفي أى أمرٍ من الأمور لنعرف الحكم الشرعي فيها، لنكون سائرين على نور إن شاء الله عزَّ وجلَّ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
الخميس 12/11/2015م الموافق 30 المحرم 1437هـ جـ2 درس النساء ـ مركز شباب الرزيقات بحري ـ الأقصر