• Sunrise At: 6:05 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

19 نوفمبر 2014

في رحاب النور_سورة النور 35

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

في رحاب النور

القرآن الكريم مأدبة الله

أنوار الكائنات

منهج الصالحين في تزكية النفس

السياحة في الملكوت

الطريق إلى الله

مقام الكمال

نور الله المكنون

النور الذاتي والنور الصفاتي

فضائل النور

مشاهد الذات العلية

النور في مشاهد الصالحين

المجلس الثاني عشر: في رحاب النور[1]

الحمد لله الذي أهلنا بفضله ومنّه وجوده وكرمه من قبل القبل لتلقى كلام الله وجعلنا من الذين تخشع قلوبهم وترتجّ صدورهم وتهتزّ أعضاؤهم عند سماع كلام الله عزوجل، والصلاة والسلام على من اختاره الله عزوجل لتلقى كلامه، وجعل قلبهصلى الله عليه وسلم  وعاء لهذا الكمال ،وأيده وثبته؛ ليتخلق في ظاهره وباطنه بأطيب هذه الخصال، ثم بيّن للخلق عن إذن من الواحد المتعال؛ سيدنا محمد إمامنا في الدنيا وسيدنا وشفيعنا في الآخرة، عليه من الله عزوجل أذكى الصلوات وأنمى البركات وهاطل الفيوضات وعميم الأنوار النيرات الإلهيات ،وصحبه الكرام وآل بيته الأطهار وكل من تبعه على هذا الهدى إلى يوم الدين وعلينا معهم أجمعين آمين يا رب العالمين .

القرآن الكريم مأدبة الله

الحمد لله يا أحباب الله جلسنا في ضيافة الله وقدم الله عزوجل لنا على لسان أحد الأحبة  طعامًا شهيًا للقلوب محببًا للأرواح؛ تشرب منه كلام المنعم الفتاح فتنسى الدنيا وهمومها ومشاكلها وتتجه إلى الله عزوجل.

والقرآن جعله الله عزوجل أطعِمَةً متعددةً:

  • فمنه (الفرقان) وهي الآيات التي تتحدث عن الأحكام الشرعية التي تفرق بين الحق والباطل.

  • ومنه (الذكر) للتذكرة والتنبيه من الغفلة والسهو والموعظة لكي ينتبه الإنسان إن كان ساهيًا ويقوم لمولاهعزوجل مجتهدًا وساعيًا لأنه يعلم علم اليقين أن الدنيا إلى زوال وأن الآخرة هي دار المآل.

  • ومنه (النور) وهذه الآيات التي استمعنا إليها في هذه الليلة فيها الآيات التي تتحدث عن القرب من الله وكيفية نيل قربه ورضاه وكيفية التعلق بحضرته وكيفية استمطار واستمداد فيوضاته وفتوحاته وتجلياته التي لا منتهى لها.

كل هذا وأكثر في كتاب اللهعزوجل.

قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم:

{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَاقْبَلُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِه ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ ، لا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ ، وَلا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلا يَخْلَقُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، اتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاوَتِهِ كُلَّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ ، أَمَا إِنِّي لا أَقُولُ الم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ وَلامٌ وَمِيمٌ }[2]

المأدبة معناها الوليمة الكبيرة التي عليها جميع الأصناف تأكل ثم تحلي.

والتحلية بكلمات النور في الآيات القرآنية التي سمعناها اليوم.

أنوار الكائنات

}  اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ{ ( النور35)

والعلم الحديث يقول كما قال الله عزوجل :

كل شيء تدخل بداخله تجده نورًا .

كل الكائنات تتكون من ذرات والذرات فيها أصل الكهرباء والكهرباء عبارة عن سريان كالنور وهذا الكلام أثبته العلم؛ لكي نزداد يقينًا في كلام العزيز العليم عزوجل. كل شيء في الكون نور,.

نحن نرى الظاهر لآن هذه العين عين المظاهر:

لكن لو طهرنا الباطن بما أشار علينا الله ومشينا على المنهج الذي بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تظهر عين القلب،عين الظاهر تري الكائنات وعين الباطن ترى نور مكون الكائنات المنبثّ في هذه الكائنات، يرى الكون كله نورًا .

منهج الصالحين في تزكية النفس

سيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه وأرضاه وهو في بدايته كمعظم الصالحين؛ يأخذ الفرد منهم على حسب ما يقدره العزيز العليم سنين في مجاهدة نفسه وتصفية قلبه من كل غير الله (التصفية من الأغيار)كل شيء غير الله لابد أن يخرجه من هذا القلب يصفيه من الأغيار لكي يملأه الله من الأنوار ويتنـزل له بالأسرار ويشرق فيه نور النبي المختار صلى الله عليه وسلم.

كل فرد منهم كان ماشيًا على هذه الشاكلة في البداية يحصّل كلام الله ويحفظه ويجوّده، ثم ويحصّل أحكام شرع الله من العلماء العاملين، ثم ويدرس سيرة سيد الأولين والآخرين وأصحابه المباركين وما تيسر من رجال الله الصالحين ،وبعد هذا يجعل له شيخًا وصل واتصل وأعطاه الله عزوجل إذنًا؛ ليبين المنهاج والطريق لغيره فيسلّم نفسه إليه، يسلم نفسه بعد أن يتعلم القرآن ويتعلم الشرع وعرف سيرة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وصحبه المباركين رضى الله عنهم وما تيسر من سير الصالحين .

إذا ذهب للشيخ ولم يحصل هذه العلوم فيقول له ادخل أولا أكمل هذه العلوم وبعد ذلك أعطيك الورد والعمل والمنهج الذي يوصلك إلى أنوار الحي القيوم عزوجل.

وهذا منهج الصالحين كلهم ونحن لا نعرف إلا هذا.

فالشيخ أبو الحسن الشاذلي على سبيل المثال حفظ القرآن وكان في بلاد المغرب ودرس أحكام الشّرع مثل الفقه والتفسير والسيرة ،وسمع أن هذه الدراسة لهذه العلوم في تونس أعلى وأرقى فسافر من المغرب إلى تونس ليتلقي هذه العلوم وبعد أن أكمل هذه العلوم بدأ يبحث عن الشيخ الذي يوصله لله عزوجل؛ فمشى ومعه العلامات من كتاب الله فبحث عنه في ليبيا ومصر والشام والعراق إلى أن قابل أحد الصالحين وهو سيدي أبو الفتح الواسطي وكان من كبار تلاميذ سيدي أحمد الرفاعيرضى الله عنه فقال له شيخك في بلاد المغرب فذهب إلى شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه فتلقى منه علوم المعرفة وأساليب مجاهدة النفس وكيفية مراقبة الله المراقبة التي ترفع المرء إلى مقامات خشية الله والخوف من جلال الله وكبرياء الله جل في علاه.

وبعد ذلك قال له: اجعل لنفسك مكانًا تجاهد فيه نفسك وتصفيها لحضرة الرحمن عزوجل فبدأ يبحث فرجع إلى تونس فوجد جبلاً تحته عين ماء و به مغارة فقال هذه عين الماء أشربُ وأغتسلُ و أتوضأُ منها وهذا الغار أتعبّدُ فيه، وكان يأكل من حشائش الأرض واستمر سبع سنوات على هذا المنوال.

وفي ذات يوم كان ذاهبًا للجبل فتعلق به رجلٌ من أهل البلد وكان معه على الدوام فقال له ذات يوم يا سيدي إن شفتاي تمزقت من أكل الحشائش فرفع يده في الحال وجاء بتفاحة فقال خذ هذه التفاحة وفارقني أنت لا تصلح معي فقال له إني تبتُ إلى الله، أنا أريد أن أصل.

ومثله سيدي أحمد البدوي، ومثله سيدي أحمد الرفاعي، وكل الأقطاب الذين تسمع عنهم بهذه الكيفية.

سيدي أحمد البدوي حفظ القرآن بالروايات السبع ( القراءات) ثم تعلم علوم الدين؛ ومنها الفقه على مذهب الإمام الشافعي ؛ حتى أنه من إتقانه للفقه ألف كتابًا فيه، ثم ذهب إلى مكة، وذهب إلى المكان الذي كان يتعبد فيه حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو غار حراء، ومكث يعبد الله في هذا الغار سبع سنين، وفي هذه الفترة كانت لا تفوته صلاة جماعة في بيت الله الحرام، وليس معنى أنه في خلوة يترك الصلاة في جماعة ،لا لأنه سيكون إمامًا يُقتدى به، فإذا ترك الجماعة ترك من خلفه الجماعة وإذا قال أنني صليت في الخلوة ؛ فربما ترك من وراءه الصلاة وقال: أنني صليت في الخلوة.

السياحة في الملكوت

نحن حاليا في سياحة ولكنها في طلب العلم ورؤية الأحباب، وهذه أجرها عال وقدرها كبير، وهذه كلها سياحة في الأرض.لكن هناك سياحة في عالم العلو، وهذه لا تحتاج سفرًا أو تحرّكًا من هنا وهناك، فيكون العبد في مكانه وروحه تسرح في ملكوت الله وهو جالس، فإذا سأل سائل من أين هذا الكلام؟ أو ما مصدره؟ نقول له: إن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أغلبهم إذا نام لا يبيت في بيته أو في المدينة، ولكن يبيت في الملكوت الأعلى، أرواحهم سارحة في الملكوت الأعلى:

} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا { (64الفرقان)

ولذلك عندما استشارهم النبي في شيء ينادي به على الصلاة، وقال لهم ما العمل؟ وكان عندما يصلي الفجر يلتفت لهم ويقول: من منكم الليلة رأى رؤيا؟ ليفسرها لهم؟ وهذا مما رأوه في الملكوت، فجاء أحدهم سيدنا عبد الله بن زيدوقال:

{ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ فَقَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْت نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلاةِ قَالَ أَوَلا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْت بَلَى فَقَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الأَذَانِ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلاةِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الإِقَامَةِ فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْت فَقَالَ إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ قُمْ مَعَ بِلالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك فَقُمْت مَعَ بِلالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم فَلِلَّهِ الْحَمْدُ }[3]

فالأذان الذي نسمعه في كل صلاة، تلقاه الأصحاب في الملكوت الأعلى، ولما لم يكن عند سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مجاملة فأمر بلالاً أن يؤذن لأنه أندى صوتاً!، يعلمنا أن الأمانة تقتضى هكذا ، لو كان هناك مجموعة يريدون أن يؤذنوا؛ نختار الأفضل لكي يجمل الأذان بصوته الذي حباه به الله هذا الذي أوجبه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عمر رضى الله عنه فقط من رأى نفس الرؤيا، بل أتى آخرون فقال كل واحد منهم: والله يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى، فكمّ منهم رأى الأذان في الملكوت الأعلى؟ إذاً من الذي تلقى الوحي بالأذان؟ الصحابة، وأقرهم على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

الطريق إلى الله

فكان صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه كل يوم كيف أصبحت ،فسأل حارثه رضى الله عنه ذات يوم فَقَالَ لَهُ : { يَا حَارِثُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ : أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ مَا تَقُولُ، إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَتُكَ؟ قَالَ: أَلَسْتُ قَدْ عَزَفَتِ الدُّنْيَا عَنْ نَفْسِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا (يَصِيحُونَ)، قَالَ صلى الله عليه وسلم : يَا حَارِثُ! عَرَفْتَ ، فَالْزَمْ- ثَلاثَ مَرَّاتٍ- ثم ألتفت إلى أصحابه وقال عبد نوّر الله بالإيمان قلبه }[4].

سألني البارحة أحد الأحباب ما الطريق إلى الله؟ والجواب في الحديث

أول شيء عزفت نفسي عن الدنيا (الزهد) لا يستطيع رجل أن يضع قدمه في طريق الله وهو لم يزهد في الدنيا على منهج حبيب الله ومصطفاه، هذا هو الأساس ،وبعد الزهد يبدأ العمل؛ لأن العمل معه الخشوع والخضوع ومعه دوام الإقبال على الله عزوجل، فيبدأ أسهرت ليلى وأظمأت نهاري، مع العمل يتفضل الله عزوجل عليه بمقام اليقين ومقام الإحسان ومقام القرب من الله عزوجل ويعبد الله كأنه يراه ثم تنكشف الحجب فيطلع على كل شيء بعين قلبه بإذن من الله جل في علاه . 

مقام الكمال

سيدي أبو الحسن الشاذلي وهو في البداية يقول كنت سائرًا في الصحراء فأخذني حصر البول فنظرت فإذا كل ذرات الرمال حولي نور، فاحترت أيتبول على نور؟ فقلت يا رب احجبني عن هذا المشهد فنوديت: لو سألتنا بكل أنبياءنا ورسلنا أن نحجبك ما حجبناك، ولكن سلنا أن نعينك ونقويك، قال: فقواني الله فرأيت بالعينين فهذا المقام الأعظم ،عين الرأس ترى الرمال وعين القلب ترى النور في هذه الرمال، عين الرأس تري الخلق وعين القلب ترى الأرواح الساكنة داخل الخلق عين الرأس تري الظاهر وعين القلب ترى النور الباطن الذي جعله الله في هذه الأشياء،وهذا الذي يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه فيه:

فني من شاهد المجلى

ونال السرّ وارتاح

وغنى بالحقائق من

رأى الأشباح أرواحًا

لا يرى الأشباح  إنه يرى الأنوار التي في الأشباح.

 يقول الأمام أبو العزائم رضى الله عنه في هذه الحقيقة في مشاهده

وإن نظرت عيني إلى أي كائن

تغيب المباني والمعاني سواطع

لا يرى المباني ولكن يرى المعاني التي داخل هذه المباني .

نور الله المكنون

} اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ { (35النور)

ونور الله يا أحباب لا نستطيع أن نبيح فيه إلا بقدر محدود بحسب ما تتحمله أوعية قلوب الحاضرين والسامعين …يوجد نور كوني ونحن كلنا نراه؛ نور الشمس ونور القمر ونور المصابيح، وهذا يراه الكافر والمشرك والحيوانات والحشرات والطيور!!! لكن يوجد نور أخر خصكم به الله وهو نور الهداية ونور الإيمان ونور التقى وحَرَمَ الله عزوجل هؤلاء منه وقال لنا:

} وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ  { (النور40)

أنت وأنا وكل العلماء والحكماء والفلاسفة لو اجتمعوا على أن يغيرِّوا هذا النور لا يستطيعون:

 }  إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ { (القصص56)

متى أخذنا هذا النور ؟ عندما خلق الله عزوجل الخلق جميعًا قبل خلق آدم .

يخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عن هذا الفضل لنا لنشكر الله على عطاياه فيقول صلى الله عليه وسلم :

{ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ وَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ ، فَمَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ النُّورُ اهْتَدَى ، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ فَلِذَلِكَ أَقُولُ : جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ عزوجل }[5]

أي أن هذا النور فضل من الله عزوجل أكرمنا به الله قبل الخلق؛ قبل خلق الدنيا، قبل إيجاد الأرض والسماوات، قبل إيجاد كل الكائنات.

النور الذاتي والنور الصفاتي

أكرمنا الله عزوجل فخلقنا ثم رش علينا من نوره عزوجل نور الله عزوجل منه نور ذاته ونور صفاته؛ نور أوصاف الله الغفار نور الباسط نور اللطيف، هذه تسمي نور الأوصاف الإلهية .

خلق الله عزوجل حبيبه صلى الله عليه وسلم من نوره الذاتي!!! وخلق الملائكة مع علو مقدارهم وارتفاع درجاتهم من نور الصفات الإلهية (نور الملكوت) …!!!

لذلك عندما ذهب أمين الملائكة عليه السلام في عالم الملكوت الذي هو منه عند سدرة المنتهى مع رسول الله فقال له : لا أستطيع أن أتقدم ولو قيد أنملة (إصبع) لماذا؟ قال أنا لو تقدمت قيد أنملة احترقت- لا يتحمل النور الذاتي- وأنت لو تقدمت اخترقت!

فذاتك النور نالت من لطافتها

ما دونه وقفت ذات الملائكة

سيدنا جبريل عليه السلام وقف عند هذا المقام لو مشى أحترق !!!!

أما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نوره ذاتي. وجعلنا الله عزوجل ببركته من نوره صلوات ربي وتسليماته عليه نحن مِن نور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك الله يذكرنا دائما في القرآن

} وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّه{ (7الحجرات)

فيكم الحقائق الباطنية التي هي من نور رسول الله

 } وَفِيكُمْ رَسُولُهُ { (101آل عمران)

فضائل النور

فالنور الذي رش علينا ربنا من نور حبيب الله ومصطفاه وجعله في باطننا وهو النور الذي نقبل به على الله وبه نستجيب لسماع كلامه وبه نسارع إلى تلبية ما يطالبنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نفرح بالعمل الصالح إذا عملناه وبه نحزن إذا قصرنا في طاعة الله ونلوم أنفسنا ونوبخها إذا وقعنا في معصية تغضب الله لماذا؟

 لأن هذا النور فينا :

} إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ{ (201الأعراف)

هذا النور يا أحباب هو الذي ينزل لنا من عند حضرة الله ما نحتاجه إليه في الدنيا والآخرة لنكون في الدنيا من المفلحين وفي الآخرة من السعداء والفائزين!

كيف؟

هو الذي يلهمنا.

ما الذي يجعل الفرد منا إن كان نائمًا أو جالسًا أو ماشيًا يتذكر أنه عليه الصلاة ولم يؤدها لله؟ إنه ذلك النور الذي بداخله يتلقى إلهامًا من الله لكي لا يقع في معصية الله لأن الله يحب عباده التوابين والمتطهرين فيذكّرك.

لو أن أحدًا وقع في ذنب وغفل عن الله واستغرق فترة؛ فالنور الذي بداخله ينبهه: إلى متى ستظل على هذه الحالة؟ فإذا أتي الموت فماذا تقول لله؟

 } وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ { (20إبراهيم)

هيا ارجع وتب إلى الله واندم إلى الله.

أحد الجالسين مع السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها قال لها هل لو تبت لتاب الله عزوجل علي؟ فقالت له بل لو تاب الله عليك لتبت!!

ألم تقرأ قول الله ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { (118التوبة)

من الذي ألهمهم بالتوبة؟ ومن الذي وفقهم لها؟ ومن الذي حببهم للدخول فيها؟ الله عزوجل فكل هذه الإلهامات تأتي من هذا النور ما الذي يجعلك تحن إلى بيت الله الحرام وتريد أن تزوره؟ إنه ذلك النور الذي بداخلك هو الذي يتلقي الإلهام من الله عزوجل } وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) { (الشمس)

فمن الذي يلهمك بالتقوى وعمل الأتقياء والصالحين والسعداء الله عزوجل

مشاهد الذات العلية

} اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ { ( النور35)

نور الله يا أحباب الله ورسوله الذي نستطيع أن ننظر إليه  نستطيع أن نتملى به نستطيع أن نشاهد ضياء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ,,,,!!

لكن نور الله عزوجل في ذاته لا يستطيع أن يراه أحد ولو علا عن جميع كائناته ليس معنا الآلة التي نستطيع أن نرى بها النور الذاتي لله عزوجل !!

لكن نرى النور الذي أظهره الله في ذات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثال من يستطيع أن يرى إرسال التلفزيون بدون شاشة، الإرسال موجود في الفضاء لكن هل أحد يستطيع أن يراه بدون شاشة، والشاشة بها جهاز استقبال فنور اللهعزوجل  والله أعلى وأجل لا يرى في ذاته لأن أنوار الله لا تراها العيون إلا يوم الدين وفي هذه الحالة يجعل لنا كيفيه خاصة من عنده وفضله وجوده فنرى به أنوار ذاته عزوجل، الذي رأي في هذه الدنيا قبسًا من هذا الضياء هو واحد فقط وهو إمام الرسل والأنبياء صلى الله عليه وسلم.

ولذلك سيدنا مالك أبن أنس صاحب المذهب رضى الله عنهم سألوه (كيف رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟  قال: ” مات محمد صلى الله عليه وسلم وأُخِذَ عن حسه ونفسه وبقى بما فيه من نور ربه فرأى ما فيه من الله  حضرة الله في غيبةِ محمدٍ رسول الله “

لكن أنت ماذا معك لكي تري هذا النور أنت ميت هل ميت يرى حيًا؟ لا 

 يقول أحد الصالحين

إذا تجلى حبيبي

بأي عين أراه

بعينه لا بعيني

فما يراه سواه

متى يرى الإنسان؟ إذا دخل في:

{ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ }[6]

بدّل الله أوصافه وصفاته وأعطاه الله منحًا عليا من عنده فيبصر بما تفضل به عليه ربه ما استطاع أن يتحمله من جمال الله عزوجل، لكن نحن نريد أن نرى نور الله فأين نراه؟ في الشاشة التي أظهرها ربنا لنا؛ في شاشة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال الله في الآية

} مَثَلُ نُورِهِ   { (35النور)

ليس حقيقة هذا النور لأن النور ليس كمثله شبيه هذا مثل لتقريب الحقيقة لكن حقيقة أنوار الله

بلا كمٍّ ولا كيف ولكن

بأنوار تعالت معنوية

أنوار ذاتية إلهية لا يدركها أحد من البرية حتى ولو كان من أهل الخصوصية إلا إذا اجتباه مولاه وأعطاه من عنده ما به يتجلى له فيراه فنور الله عزوجل!

أين نراه؟

في نور رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدرنا؛ لأنه الشاشة التي أعطاها لنا الله لكي نرى جمال الله وكمال الله والأخلاق التي يحبها الله والأعمال التي تستوجب رضا الله .

فنحن مطالبون أن نقف عند هذا الرجل ونتملى فيه ثم نعمل كما كان يعمل على قدرنا لندخل في قول الله:

 } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { (21الأحزاب)

لم يقل في محمد لأن محمدًا انتقل إلى جوار الله لكن رسول الله بأوصافه النورانية ورسالته البهية موجود في كل الوجود إلى يوم الدين.

كلنا يا أحباب نلقي عليه السلام في الصلاة نقول: السلام عليك أيها النبي، أيوجد أحد يقول السلام على النبي؟ لا، نقول السلام عليك لابد أن  يكون هو يراني ويسمعني ويرد علي السلام، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم:

{ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ ، إِلا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ }[7]

وأين هي روحه؟

روحه متعلقة بجمال الله وكمال الله فالله يأذن له برد السلام فهو يرد طوال الليل والنهار فهذا ما يسمى بجمع الجمع وفرق الفرق في جمعِ جمعٍ دائم مع حضرة الله وفي فرقِ فرقٍ لأنه يرد التحية على جميع عباد الله في دنيا الله عزوجل، وأهل الخصوصية عندما يلقوا السلام تنكشف الحجب فيرونه ويسمعونه.

سيدي عبد الوهاب الشعراني رضى الله عنه كتب كتابًا يبين فيه المنح، التي تتحملها العقول، من التي أعطاها له الله سماه ( المنن الكبرى )، منن من الله فيقول:

” ومما منّ الله به عليَّ أنى ما جلست مرة في الصلاة وقلت السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته إلا ورأيته أمامي وسمعته وهو يقول وعليك السلام يا عبد الوهاب ” .

فماذا حدث لنا حتى لا نسمع؟ لو أن  الخط موصول؛ نرى ونسمع الرد من حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه وظيفة كونية أمره بها الله عزوجل وجعلها له في هذه الدنيا؛ نسلم عليه ويرد هو السلام صلوات ربى وتسليماته عليه .

النور في مشاهد الصالحين

إذاً نور الله يا أحباب الذي نحن مدعوون للتعلق به في الدنيا هو نور رسول الله ونور كتاب الله لأن كتاب الله نور

} وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا {(52الشورى)

كتاب الله نور وكتاب الله الحي فيما بين الناس الذي ينفذ كتاب الله المسطور من هو يا أحباب ؟هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، القرآن كتاب الله المسطور والحبيب كتاب الله المنظور لأن كتاب الله المسطور نازل رسائل

} وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ { (43البقرة)

كيف نصلى؟ ننظر كتاب الله المنظور صلى الله عليه وسلم يقول:

{ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي }[8]

كتاب الله المسطور يقول:

} وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً { (97آل عمران)

كيف نحجّ ننظر  كتاب الله المنظور يقول:

{ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ ، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ }[9]

كتاب الله المسطور هو القرآن وترجمة القرآن العملية التي ينتفع بها الخلق هي أفعال وسلوكيات وأحوال النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، هذا نور وهذا نور .

ولذلك قال فيهما الله عزوجل:

} نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء { (35النور)

نسأل الله عزوجل:

أن ينوّر قلوبنا وأن ينور أبصارنا وأن ينور أسماعنا …

وأن يجعل لنا نورًا من بين أيدينا ونور من خلفنا ونورًا عن أيماننا ونور عن شمائلنا ونورًا من فوقنا ونورًا من تحتنا وأن يجعلنا كلنا نورًا وأن يجعل لنا نورًا في القبور ويجعلنا نحن نورًا في النشور ويجمعنا مع أهل النور حول الحبيب المصطفى

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[1] مسجد أولاد الشيخ 27 من محرم 1436هـ 19/11/2014م

[2] المستدرك وسنن البيهقي

[3] رواه أَبِو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ

[4] رواه الطبراني والبيهقي

[5] سنن الترمذي- الجامع الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

[6] رواه البخاري ومسلم.

[7] مسند احمد بن حنبل وسنن البيهقي

[8] البخاري ومسلم وغيرهما

[9] رواه مسلم والترمذي

[1] مسجد أولاد الشيخ 27 من محرم 1436هـ 19/11/2014م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid