• Sunrise At: 6:11 AM
  • Sunset At: 5:06 PM

Sermon Details

1 يناير 2001

قبس من تفسير سورة الواقعة

,

شارك الموضوع لمن تحب

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات التي إستمعنا إليها هي جزء من سورة الواقعة.

وهذه السورة تحكي الواقعة أو الموقعة العظيمة التي يحضرها كل واحد ، فما من عبدٍ أوجده الله أو سيوجده الله ألا وله دور في هذه الواقعة سواءٌ كان من الجن أو من الإنس المسلمين أوغيرالمسلمين ، كل إنسان لا بد له من دور فى هذه الواقعة بل إن الأحياء جميعاً لها دور فى هذه الواقعة ، والحيوانات بجميع أنواعها ستحضر هذه الواقعة ، ولن تتحول إلى تراب إلا بعد إنتهاء هذه الواقعة ، وذلك بعد أن تشهد علي أهلها بأنهم استخدموها برحمة وحنان أو إستخدموها بمشقة ٍ وذلٍ وامتهان.

بل إن الجمادات كائناً ماكان كالذي نجلس فيه الآن ، وحتى الجبال والأحجار كلها ستحضر هذا الموقف لكى تشهد ، والبيان واضح فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 ( مامن حجرٍ ولا مضرٍولا شيءٍ يصل إليه صوت المؤذن إلا ويشهد له يوم القيامة ) .

إذاً فهذه الحجارة لماذا تحضر هذه الواقعة ؟

لكى تشهد.. فكل حجر سمع صوت مؤذِن ، فيشهد له.

وكل حجر سمع صوت ذاكرٍلله فيشهد له لأنه ذكر الله تعالى …

وكل جزءٍ من التراب صليت عليه سيشهد لك عند الله عز وجل بأنك عفرت وجهك بهذا التراب وذكرت الله تعالى .

إذاً فكل شيءٍ أوجده الله تعالى من كائنات حية ٍ أو جمادات أو من سواكن فكل هذا سيحضر فى هذا الموقف العظيم أو فى هذه الواقعة ، ولذلك ربنا سماها الواقعة .

وسميت أيضاً الواقعة لأن الذى سيحدث فيها هو الواقع  …، وليس فيها زيغٌ ولا دوران ولا فيها نفاق ولا فيها إبطان ولا إظهار شيئاً آخر ، قال تعالى : â يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ á (9 الطارق ) ، وتبلى أى تنكشف وتظهر، والسرائر هى الأشياء التى تُخفى من الداخل ، فتظهرعلى الوجه فوراً، ولذلك سيظهر عمل الإنسان غير المؤمن ظاهراًعلى وجهه .

فكم لوناً يظهر هناك ؟

ثلاثةُ ألوان .. فجماعةٌ سيكون لونهم أبيض ..

وجماعة سيكون لونهم أزرق …

وجماعة سيكون لونهم أسود ..

فالجماعة المتقون كما قال ربنا عز وجل : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ  )( 106 آل عمران ) ، فمن هم الذين إبيضت وجوههم ؟ ….( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ  )   ( 107 آل عمران ) ، ولمدة كم سنة ؟ .. (  فِيهَا خَالِدُونَ ) ، على الدوام .

أما الجماعة الذين إسودت وجوههم ، فهؤلاء الجماعة الكافرين والمشركين والجاحدين والمنكرين لوجود رب العالمين عز وجل ، قال تعالى :  ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ )  (60 الزمر)  ، هم الآن أجمل الناس فى الوجود ، وهم الذين يلفتون الأنظار ، وهم الذين يفتنون الشباب ، والكل يريد أن يتزوج بواحدة أوروبية ، لأن عينيها خضراء وشعرها أصفر وغير ذلك ، شبابنا يريد ذلك الآن ، لأنهم أخذوا الجمال الظاهر الآن ، ولكنهم يأتون يوم القيامة ووجوههم مسودة لأن الذي يلون الوجه هو القلب  ـ أى أن مافى القلب من إنطباع الأعمال ـ فلون القلب يظهر على الوجه ..

فالذى يلون الوجه الآن الخلايا التى صنعها الله …

ولكن هناك الذى يلون الوجه ، وهو عمل الإنسان ، والذى جعله فى فؤاده وقلبه .

فهؤلاء هم عصاة المؤمنين ، عاهدوا الله عز وجل ولكن لم يوفُّوا ، فهذا عهدُ قول ٍ… فإن قلت لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فما معناها ؟ .. معناها أننى تعاقدت مع الله عز وجل على أننى أحافظ على الأوامر التى فرضها علىَّ ، وأبتعد عن المعاصى والنواهى التى نهانى عنها الله عزّ وجلّ ، وهذا هو العهد الذى علىَ ..

والعقد شركة بين المتعاقدين ، ويكون الذى عليه :

  • ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )( 111 التوبة )

فأنت عليك جزءٌ من العقد ، وهو عليه جزءٌ من العقد ، فأنت تبيع وهو يشترى ، فماذا تبيع له ؟ .. نفسك ومالك .. فما معناه ؟ .. أى أَجعَل نفسى ومالى على حسب أوامر الله عزّ وجلّ ، ولا أتصرف فيهم كيف أشاء ؟

فهل يعنى ذلك أن كلّ واحدٍ فينا يعتقد أن هذا المال ملكٌ له ويتصرف فيه كيف يشاء ؟ .. لا .. إنتبهوا معى .. فلو كان المال ملك لك وتريد أن تنفقه كما تشاء ولا يحاسبك عليه هناك ؟

فلكل قرش ـ اقل العملات حالياً مثلاً ـ  له سؤالين إثنين: مِن أين أتيت به ، وفى أى شيءٍصرفته ، وهذا ليعرِّفك أنه أمانة أعطاها لك الحق ، ولكى يختبرك هل تنفقه على حسب مايريد هو سبحانه وتعالى ، أوتنفقه على حسب هواك …

إذاً فمالك َ لست حراًفيه ، يعنى تبعثره يميناً وشمالاً وتقول أنا حرٌ.. من قال هذا الكلام !! 

لا.. أنت حرٌ مالم تضر.. وهذه هى الحرية فى الإسلام … فمن الذى تضره ؟

 أول من تضره هو أنت ، لأن إنفاقك مالك فيما لايرضى الله فيكون أول من تضره هو أنت ، وهذه هى حريّة الإنسان المسلم.

فأنت حرٌحقاً ولكن مالم تضر ، وهل الذى يضرنفسه يكون إنساناًعاقلاً ؟

لا.. فهذا لايكون لديه عقلٌ نهائياً، ولنفرض إننى أضُّر الذى معى من أسرتى ، فيكون هذا أسوأ ، قال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرءِ إثماً أن يضيع من يعول ) ، وفى روايةٍ أخرى : ( كفى بالمرأ إثماً أن يضيّع من يقود ) .

فأكبرذنبٍ أن يضيّع المرء الجماعة الموكل بهم ، فوكلك أمرهم وأعطاك الرزق لتنفقه عليهم بحساب ، مثلما قال الكريم الوهاب، إذا ضيعتهم فستحاسب على ذلك .

إذاً فأنا نفسى لست حرّاً فيها ، فكيف اسير كما يقول هوَ ؟ وكيف أنام كما أمرنى هوَ ؟ ومتى أقوم من النوم؟ .. فأنا لست حرّاً ، وهل أنام حتى الظهر ؟ .. لا ، فإذا أمرنى أن أقوم ، فيجب أن أقوم ، وإذا أمرنى بالنوم أو المشى ، فأنام أو أمشى ، فكيف أجلس كما يريد ، وكيف آكل كما يريد ، وكيف ألبس كما يريد ؟ وكيف أشرب كما يريد .

إذاً فكلُّ شيءٍ أفعله يكون وفق إرادته هو .. وليس كما أريد أنا .. ووقتى كيف أصرفه ؟ .. هل كما أريد ؟ .. أو كما يريد هو .. فلو تصرفت فيه كما أريد فتكون هى الطّامة الكبرى ، ولكن أصرفه كما يريد وكما حدد هو سبحانه وتعالى ..

فوقت المؤمن كيف يصرفه ؟

المؤمن وقته بين عدة أشياء ، ففى كل نفسٍ من أنفاس الإنسان إما أن يكون فى نعمة نازلة من الله ، وإما فى بلية يختبره بها الله ، فلابد له من هذين الشيئين ، فهل يخلوا وقتٍ منهما ، فالنعمةِ النازلة من الله الواجب علىَّ نحو هذه النعمة أن أشكر الله على هذه النعمة ، وإذا كانت بلية فما الواجب علىَّ نحوها ؟ .. إما أن أصبر ، وإما أن أرضى .. فالذى يصبر يكون من المجتبين البرار ، والذى يرضى يكون من المصطفين الأخيار .

وإن كان عليّ فى هذا الوقت طاعة الله إذاً فيجب أن اقوم وأقضى ماعلى من الطاعة التى كلفنى بها الله :

 ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) ( 103 النساء )

أى مؤقت ، فالذى يؤقت الأوقات هل هو أنا .. أم هو سبحانه وتعالى ؟ .. فهو الذى يؤقت الأوقات ، لأن الموضوع لو كان فيه حريّة ، كان قد قال لهم : صلُّوا الأوقات بجماعة أو متفرقة ، أو كل إثنين معاً .. لا.. ولكن كل وقتٍ موقوت بميعاد ، والذى يؤخره فيا ويْلَهُ منى : â فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ á (5،4 الماعون )

فالذى يسهو بدون عذر يحاسب ، لأن الله فتح أبواب الأعذار فليس على المريض حرجٌ ، وليس على الأعمى حرجٌ :

  ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )  (78 الحج )

لكن الذى ليس له عذرلماذا يسهو وماذا يقول له إذا ذهب إلى هناك ، هل يقول له : أنا كنت أتفرج على الماتش ،          { وماتش إيه الذى يحجبك عن صلاة الفرض فى وقته } ، هل يقول كنت أحكى قصة مع فلان ، وأين فرض الله الذى حدده الله ، فالمؤمن إذا سمع المؤذن لابد أن يترك مافى يده ويسارع إلى الله عز وجل ، لأنه هو الذى حدد وقت الطاعة ، وهذا وقت الطاعة ، أو وقتٌ آخرلقضاء ضرورة من الضروريات . . وهذه علىّ أن أصطحب فيها الأوامر الشرعية المطلوبة منى فى الحياة ..

إذاً فيكون وقت المؤمن بين أربع أمور :

الأمر الأول : النعمة النازلة من الله ، فيقوم بالشكر الواجب عليه لله تعالى ، وكل نعمةٍ لها شكرٌ ، وأكبر نعمة علينا نحن وإخواننا فى غفلة عنها هى نعمة الشباب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيها : ( نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس : الصحّة والفراغ ) ، فنعمة الصحّة والتى أعطاها لنا الله هى أكبر نعمةٌ ، فلابد أن نستغلّ هذه الصحّة حالاً ، لأنى لو كبرت أو عجزت ، سأندم على هذه الأيام ، وأيام الشباب كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إغتنم خمساً قبل خمسٍ .. ومنهم شبابك قبل هرمك ) ، فإذا نظرت إلى الجماعة المسنين الموجودين فى المسجد وأصبحوا عاجزين وغير قادرين على الحركة ، فلابد أن يقدم كل واحد منا لمثل هذا اليوم .

الأمر الثانى : نحن نقول أن هذه الآية تتحدث عن الجماعة المقربين وهؤلاء القوم هم الجماعة الذين لهم مكانة عالية فى الآخرة هناك ، ومن هو أولهم ؟ .. هو الذى يقول فيه الله عزّ وجلّ : ( يا أيها الشاب التارك شهوته من أجلى ، الصارف عمره فى طاعتى ، أنت عندى كبعض ملا ئكتى ) ـ أنت مثل الملائكة شبهاً ، ولكن فى وجود شرطين إثنين ، ترك الشهوة وصرف كل وقته فى طاعة الله عز وجل :

وإصرف الوقتَ فى نوال نفيس ٍ            ذاكراً فاكراً لنيـــــــــــــل رضاهُ

فوقتك تصرفه فى جهادٍ فى رضاء الله فلا تضيَّعه وتجعل نفسك تضحك عليك أو تخدعك ، فالمرء عندما يأتى يوم القيامة بالنسبة لإخواننا الشباب الواقفين أمام المساجد ولا يصلّون ، والله يا إخوانى أبكى عليهم من قلبى ، لأنهم يضيعون وقتهم ، ويسوّدُون صحائفهم بكلامٍ لايُسمن ولا يُغنِى من جوع ، فعندما يأتى يوم القيامة ، ويسأله الله تعالة : كم مرةٍ فتحت كتابى ؟ .. فيتهدّل وجههُ من شدة الخجل ، والرسولُ صلى اللهُ عليه  وسلم يقول : ( الوجه يتهدّل من شدة الحياء ) ، ألم يكن أفضل أن تجعله مثلما تجعل لوقت { الكورة للأهلى أو للزمالك }، وكل ليلهُ ونهارهُ .. ماذا تقول لله ؟ .. وهل سينفق هذه المجالاّ ت فى دنياه أو فى أخراه ، أوفى أىّ شيءٍ ينفعه ؟ ..

أصبحت من خبراء الكرة ، وتتعين فى جريدة الأهرام ، وتتقاضى مرتباً مجزى فلا مانع من هذا كله ، وكلنا نقوّيك عل هذا ونشجعك ، لأنك ستكسب وتتقاضى مرتباً …  لكن المؤمن يصبح خبيراً فى ماذا ؟ .. خبيراً فى العمل الصالح .. الذى يرفعه ويرفع درجته ومقامه عند الله عز وجل ، وخبيراً فى المعاصى التى تؤدى إلى جهنم لكى يجتنبها ، ويحذ ر الناس منها ، أو خبيراً فى العلم ويعلم الناس ما يجهلون ، أو خبيراً فى قضاء الوقت فى إرضاء الله فيعلمهم كيف يقضون أوقاتهم فى رضاه ، ولا يضيعونه فى لهوٍ أو لعبٍ أو غيره .

فهاتين النعمتين يا إخوانى يجب أن نحرص عليهما : نعمة الصحة ونعمة الفراغ .. نعمة الصحة موجودة الآن ، ولكن بعد الأربعين يبدأ الجسم فى الضعف [ أى فى النزول ] ، يبدا السمع يضعف ، والبصر يضعف ، والأسنان تضعف ، والجسم كله يبدأ فى الهبوط .. والزمن الذى نحن فيه ليس فيه أربعين ولا غيره ، فيمكن أن يكون الإنسان صغيراً ، أى طفلاً صغيراً ويمرض مرضاً مزمناً ، وتنتهى صحته ..

فالوقت الذى أعطاه لنا الله ، أعطاه لنا ليحاسبنا عليه ، ففى أى شيءٍ ضيّعته ، وفى أى شيءٍ صرفته ، أفى قيل وقال ؟ .. ألم تسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الله يكره لكم قيل وقال ) .. فربنا لايحب قيل وقال ، وجميع الجالسين فى قيل وقال ، جالسين فى غضب الله والعياذ بالله ، ومجلسهم يخرج منه رائحة نتنة ، وتشمها الملائكة فتبعد عنهم ، وتحوطهم الشياطين ، ويقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( ماقعد قومٌ فى مجلسهم ولم يذكروا الله عز وجل إلا ّوقد قاموا على أنتن رائحةٍ من جيفةِ حِمَارٍ ) .. هل تقعد فى وسط الجيفة لكى ينزل عليك غضبٌ من الله عزّ وجلّ ، ويصير حولك الشياطين ..لا..

فأكرم لك أن تجلس فى مجالس الرحمة ، مجالس العلم ، مجالس الذكر، مجالس القرآن ، مجالس الصُلح ، مجالس الخير ، لأن ربنا سبحانه وتعالى أمر المؤمن بأن يقضى وقته فيها ، وأن يصرف أنفاسه فيها لكى لايندم يوم القيامة .

فأنت الآن تضحك عليّ وعلى الثانى والثالث ، وتظهر غير الذى فى نفسك ، لكن هل تستطيع أن تضحك عليه هناك ؟ .. فالذى بداخلك هو الذى سيكون بظاهرك ويظهر على وجهك ، ولا أحدٌ يستطيع هناك أن يغيّر أو يبدّل ، ولا هناك [ ماكياج ] فيستر به وجهه ، ولا تنفع هناك الضِحكة الخادعة [ الصفراء ] لا ينفع هناك أى شيءٍ من  هذا القبيل ، لأن كل شيءٍ هناك حقائق ، وهى التى ستظهر أمام الخلائق أجمعين .

هل يستطيع أحدٌ هناك أن يقول أنا لست مغتاباً ، فالغيبة تظهر على فمه ، لأن الذى يحتدث بالغيبة والنميمة يحضر وعلى فمه لحماً نتناً أمام الموقف كله ، فيعرفون أن فلاناً هذا كان يتحدث بالغيبة والنميمة :

â  أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ á ( 12 الحجرات ) ، وذلك أمام الجميع

فالمنافق الذى يظهر ويبكى هنا ، فهناك سيكون نفس الشيء ، فيظهر كل وقتٍ بمظهرٍ  . …من هذا ؟ .. فيعرف الناس أنه منافق ، لأنه ليس ثابتاً على حالةٍ واحدةٍ ، فكل مدةٍ يظهر عليه منظراً كالمناظر التى كان يفعلها تماماً ، فتارةً يظهر عليه الدّهاء ٌ، وتارةً يظهر عليه الخُبثُ ، وتارةً يظهر عليه المكرُ، وتارةً يظهر عليه الغِشُّ  ، وكل شيءٍ يظهر علي وجههِ كشاشةِ التليفزيون ، وجميع الخلائق يشهدون هذه الحقائقَ ، لأنه لايستطيع أن يداريها أو يخفيها ، لأنه لايملك هناك التصرف فى نفسه.

هنا الآن يستطيع أن يتصرف فى نفسه ، ويظهر بوجههِ بما يريده ، لكن هناك لا يستطيع ، فهناك يظهر مايريد الله أن يُظِهرَهُ، والذى كان ظاهراً فى الدنيا .

ففى هذا اليوم ياإخوانى الجماعة المقربين الذين سمعناهم الآن :

  • وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ á(11،10 الواقعة )

فهؤلاء القوم ستسطع وجوههم من شدة الأنوار الإلهية ن وكل واحد على حسب عمله .. فالطابور طويل ،  والذين فى أول الطابور الواحد منهم نوره كنور الشمس ، قال صلى الله عليه وسلم :

( إن من الناس من يضيء حسنه لأهل الموقف كما تضيء الشمس لأهل الدنيا ) .  

والذى يوجد فى الصف الثانى ، يكون نوره كنور القمر فى ليلة التمام .

والذى فى الصف الثالث ن يكون نوره كنور النجوم اللامعة فى السماء .

أما الذى فى الصف الرابع ن فيكون نوره كنور المصباح الكهربائىالذى نسميه [ السُريّات ، النجف وخلافه ]..

وهكذا حتى أقل واحد فى الصّف الأخير فيكون نوره كنور الصباح الخافت ـ الذى ضعفت بطاريته أو حجره فيضيء مرةً ويخفت مرة .. قال صلى الله عليه وسلم فى معنى الحديث  : أقل المؤمنين إيماناً من يضيء له إبهام رجليه ويمشى فى نوره تارةً وينتهى فى ظلمته تارةً أخرى ) ، مرة هكذا .. ومرةٍ هكذا ..

فمن الذين قال فيهم النبى هذا ؟

هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخرَ سيئاً .. [ فالذى يقول ساعة لقلبك .. وساعة لربك ، شوية كده .. وشوية كده ] لا يفهم فى تصريف الساعات ، والذى عمله فى ساعةٍ هنا ، يضيّعه فى خمس دقائق هناك ، والحسنات التى يعملها فى خمس ساعات يضيّعها فى كلمة غيبةٍ واحدة .. يعنى يصلح من جهةٍ ويفسد من حهةٍ أخرى:

â خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا فما موقفهم : عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ  á ( 102  التوبة) .

فما هم الجماعة الصادقون ؟

 قال تعالى : â  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا á  ( 30 فصلت)

هم الذين قالوا ليس لنا شأنٌ بطريق المعوجِّين ، ولا سكة العِوَج ، ويعملون بقوله تعالى :

  • فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ á(68 الأنعام )

ليس لنا شأنٌ بالقوم الظالمين ، لأن من يجاور الحداد يكتوى بناره  فإذا جلسنا معهم ، يجلس معنا الشيطان ، وتسود صحائفنا من الكلام الذى نسمعه منهم ، حتى ولو لم نتكلم معهم  .

فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( السامع والمغتاب شريكان فى الإثم ) .. فالذى يسمع كالذى يتكلم ، لأنه جالس معه ، إذا كان الحديث غيبة ، وإذا كانت الذنوب أكبر من ذلك فهو مشترك معه فى جريمته . أما الجماعة الذين إستقاموا ، فهم الجماعة المقربون ، وهؤلاء يوم القيامة يقول فيهم ربنا :

 â لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ á (62 يونس )

ومنهم من يستظل بظل عرش الرحمن يوم لا ظلّ إلا ّ ظلّه ، ومنهم جماعةٌ فى مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ، ومنهم من ينظرون إلى الله: â وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ á (22،21 )

ومنهم جماعة يخرجون من القبور إلى قصورهم فى الجنة ، ويجلسون على شرفاتها:

  • عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ á(23 المطففين) ، اى ينظرون إلى أهل الموقف

وهم فى قصورهم فى الجنّة ، ويجلسون فى راحةٍ وفى نعيم:  â عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ á .

وهذه الأحوال يا إخوانى هى التى قال فيها الله:

 â وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ á (26المطففين ) ، وهذه الأشياء التى يتنافس عليها المتنافسون .

فنتنافس على أننا من هؤلاء الجماعة المقربين ، والذى يريد أن يكون من المقربين ، فالطريق واضح وهو  (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا   (30 فصلت) .

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا أحوال المقربين ، وأعمال المقربين ، ومنازل المقربين ، ويحشرنا فى زمرتهم يوم الدين .

 

                                  وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid