• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:58 PM

Sermon Details

12 مايو 2022

قسوة القلوب- أمراض القلوب

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

قسوة القلب

تحدثنا عن بعض الأمراض التي تصيب القلب – نسأل الله تبارك وتعالى الحفظ والسلامة – بإيجاز، ونريد أن نتحدث عن أحدها وأهمها، وهو مرض قسوة القلب، وقسوة القلب مرضٌ يقول فيه الله: ” فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله ” (22الزمر) مرضٌ يجعل صاحبه موضع سخط الله وغضب الله، ولا يواجهه برحمته ولا شفقته ولا حنانته لأن قلبه قاسي.

أسباب قسوة هذا القلب ترجع إلى عدة أمور بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات، قسوة القلب للكافرين واضحةٌ جلية لأن القلب مملوءٌ بالشرك وليس فيه بصيصٌ من الأنوار الإلهية فلا بد أن يكون كما قال الله: ” فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ” (74البقرة) فهو أشد قسوةٌ من الحجارة.

لكن المؤمن الذي استضاء قلبه بنور الله قد يقسو قلبه إذا فعل أشياء نهى عنها الله، وحرَّمها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وقد تكون أشياء مباحة ولكنها إذا أكثر الإنسان منها فوق الطاقة والإمكان، حولت قلبه إلى صخر جلمود، لأنه تجاوز الحدود.

أولاً: كثرة الكلام بغير ذكر الله:

فأول سبب من أسباب هذه القسوة كثرة الكلام في غير ذكر الله، والإنسان في أي زمان ومكان عنده شهوة الكلام، ولكن الإيمان يقتضي عليه أن يقتصر هذه الشهوة في أمورٍ قال فيها الله في قرآنه: ” لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ” (114النساء).

فجعل الله سبحانه وتعالى للسان الإنساني للرجل التقي المسلم مجالاتٌ محدودة، إذا تكلم فيها يكون كلامه في صحيفة حسناته، ويُثاب عليه عند الله في الثواب الجزيل والأجر الكبير، ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم محدثاً في هذا الباب:

{ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي }[1]

والكلام بغير ذكر الله إما لغوٌ، والمؤمنون من أوصافهم: ” وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ” (3المؤمنون) واللغو هو الكلام الذي لا يفيد، وهو الكلام في أي أمر لا يستفيد الإنسان منه في أُخراه بثواب وحسنات عند الله، ولا يستفيد منه في دنياه بفوائد دنيوية تعود عليه بالخير والنفع له ولمن يعول.

فإذا كان الكلام على سبيل التسالي، أو على سبيل الفراغ لقضاء الوقت فهذا من المقت، فإن المؤمن أثمن ما يملك هو أنفاسه التي يتنفسها، ولذا يحاسب نفسه دائماً على أن تكون هذه الأنفاس في طاعة الله، وفي رضا الله سبحانه وتعالى.

يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: (صحبت الصوفية سنتين فاستفدتُ منهم كلمتين، الأولى: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وثانيتهما: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل).

فالنفس إذا لم يشغلها الإنسان بما يحبه الرحمن، وما أوصى به النبي العدنان، دخلت إلى الإنسان فجعلته يشتغل بما فيه حتفه، وبما به هلاكه، أو بما به بُعده من الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلَّم.

حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلَّم نهى عن اجتماع أي قوم وأن يكون الاجتماع ليس فيه ذكرٌ لله، ولو بذكر آية من كتاب الله، أو حديث عن رسول الله، أو شيء نافع من سيرة السلف الصالح، وجعل هذا المجلس قبيحاً، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا كَأَنَّمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً }[2]

وفي رواية أخرى:

{ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ ثُمَّ تَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَصَلاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلا قَامُوا عَنْ أَنْتَنِ مِنْ جِيفَةٍ }[3]

تشنيعاً لهذا العمل السيئ الذي نهانا عنه الله، وقال فيه في كتاب الله: ” فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” (68الأنعام) والظالمين هنا أولاً ظالمين لأنفسهم لأنهم أنفقوا أوقاتهم وهي أثمن ما عندهم في غير ما يحبه الله ويرضاه، وثانياً ظالمين لغيرهم لأنهم جعلوهم يشاركونهم في هذا الإثم وفي هذا الجُرم حتى لو كانوا صامتين، فقد ورد بالأثر: (السامع والمغتاب في الإثم شريكان).

ومن هنا فقد حرَّم الله عز وجل في الكلام بيننا وبين بعضنا الكذب، وقال فيه صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ }[4]

الملائكة الموكلون بتسجيل كلامه يتباعدون عنه إذا كذب.

ويتباعد الإنسان عن الغيبة، والغيبة هي ذكرك أخاك بما تكره، ويتباعد عن النميمة وهي الحديث الذي يفرق الجماعات أو الأفراد بوشاية تحدث بينهم عن طريق اللسان، ناهيك عن السب والشتم واللعن وكل ذلك.

وآفات اللسان جمعها الأئمة الكرام فيما يزيد عن السبعين آفة على المؤمن أن يراجعها جميعاً، وأن يخرجها من قاموس كلماته، وأن يكون مع الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ” (119التوبة).

ثانياً: الحديث مع النساء

الأمر الثاني الذي يسبب قسوة القلب هو المزاح والكلام الهيِّن اللين مع النساء الأجنبيات، وهذا نهى عنه الله في صريح الآيات، فقد أمر زوجات النبي وأمهات المؤمنين ومن على شاكلتهن من نساء المؤمنين والمؤمنات، بأن لا يقلن إلا القول المعروف، ولا يتحدثن إلا بما هو مألوف، وحذَّرهم من الوقوع في ذلك فقال: ” فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ” (32الأحزاب).

فإن المرأة إذا تبسمت لرجل أجنبي، يظن في نفسه الظنون نحوها، فما بالكم إذا كلَّمته كلاماً هيناً لينا؟! فما بالكم إذا أخذت تشكو له من زوجها؟! أمورٌ حرَّمها الشارع الشريف وقاية للإنسان المؤمن وحفظاً لقلبه من قساوة القلب، لأن هذا الداء من أكبر الأدواء التي تُقسِّي القلوب، وتنسيها ذكر حضرة علام الغيوب سبحانه وتعالى.

يضاف إلى ذلك فضول النظر، فإن الله عز وجل قال للمؤمنين: ” قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ” (30النور) وقال للمؤمنات: ” وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ” (31النور).

وغض البصر أي أن لا تقع عين الإنسان مع عين محدثه أو محدثته، فإذا تكلم الإنسان مع إنسانة غريبة عنه ليست من محارمه، فلينظر إلى أعلى، أو ينظر إلى الأرض، أو ينظر إلى ذات اليمين، أو ينظر إلى ذات الشمال، المهم أن يحرص حرصاً بالغاً أن لا تلتقي العينان، فإذا التقت العينان تحرك القلب والجنان فيفسد باطن الإنسان، وهذا ما لا يحبه الرحمن، فهو يحب أن يكون الباطن دائماً كما قال في قرآنه: ” إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ” (89الشعراء).

وفضول النظر في عصرنا هذا ليس قاصراً على مواجهة البشر، ولكنه أصبح في داخل وسائل التواصل الحديثة، كالمواقع الإباحية، والفيس بوك، وغيرها من الأسماء التي زادت في عصرنا هذا، وأصبحت النساء تتباهى أن يظهرن فيها شبه عاريات لتُغري من يراها على هذه الشاشة الصغيرة، وهو يتلذذ بنفسه بالنظر بعينه، وهذا أمر نشر الفحشاء والمنكر في مجتمعنا، ولذلك يجب أن نتنبه إلى ذلك، ونغض أبصارنا حتى عند النظر في هواتفنا، أو في أي وسيلة من وسائل التواصل فيما بيننا، أو في التلفزيون، أو في السينما، أو غيرها، يجب على الإنسان المؤمن بأن يغض بصره عند النظر إلى الأجنبيات، وكذلك المؤمنة يجب أن تغض نظرها عن النظر إلى الأجانب، قال صلى الله عليه وسلَّم محذراً من هذه الفتنة:

{ النَّظْرَةُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ مَسْمُومَةٌ، فَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، أَثَابَهُ جَلَّ وَعَزَّ إِيمَانًا يَجِدُ حَلاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ }[5]

فكأنه إذا نظر يفقد حلاوة طعم الإيمان، وحلاوة الذكر والطاعة لحضرة الرحمن، لأنه ارتكب ما نهى عنه الله، ونظر إلى ما حرَّم الله تبارك وتعالى النظر إليه.

ثالثاً: المطعم الحرام:

كذلك من هذه الآفات التي تطبع على قلب المرء، وتجعله في قسوة بالغة، أن يكون الإنسان مطعمه من حرام، فإذا كان الإنسان مطعمه من حرام، وملبسه من حرام، وغُذي بالحرام، فإن القلب يزداد قسوة على مر الدهر، ولا يُقبل منه عمل ولا دعاء، ولا حتى توبة إلا إذا تاب إلى الله توبة نصوحاً، وعزم على أن أن لايعود إلى أكل الحرام مرة ثانية، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا }[6]

وقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَنِ اشتَرَى ثَوبًا بِعَشَرَةِ دَراهِمَ فِي ثَمَنِهِ دِرهَمُ حَرامٌ لَم يَقبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاةً ما دامَ عَلَيهِ }[7]

فالدرهم الحرام يفسد كل الحلال الذي يمتلكه الإنسان، ولذلك أفضل عبادة كلَّفنا بها الله وأمرنا بها سيدنا رسول الله هي الورع، والورع يعني اتِّقاء المحرمات، قال صلى الله عليه وسلَّم:

{ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ }[8]

فأعبد الناس الوَرِع، والورِع هو الذي يتقي حتى ما فيه شبهات – كما ذكرنا الآن – فإذا كان أمر يشتبه عليه هل فيه حرمة أم كله حلال، يتركه كله خوفاً من الله: ” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ” (46الرحمن).

ويروى في هذا الباب أن هارون الرشيد الحاكم المسلم خليفة المسلمين، حلف على امرأته يمين طلاق أنه لن يقربها إلا إذا تأكد أنه من أهل الجنة، وبعد أن رجع إلى صوابه أتى بالعلماء ليجدوا له مخرج، فقالوا له: ومن الذي يضمن لك الجنة؟!.

فسمع بذلك الليث بن سعد فقيه مصر الذي يقول فيه الشافعي رضي الله عنه: كان الليث أفقه من مالك إلا أن تلاميذه ضيعوه، فلم يحملوا علمه وينشروه بعده.

فذهب الليث إلى الخليفة، وطلب منه أن يُخرج مَن عنده من العلماء، ويختلي به، وبعد أن اختلى به قال: يا أمير المؤمنين ألم تذكر الله تبارك وتعالى مرة ففاضت عيناك بالدمع؟ قال: بلى، ومرات كثيرة، قال: تقسم على ذلك، فأقسم على ذلك، قال الليث: أنا لم أحلفك تهمة، لكن الله تعالى يقول: ” وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ” (46الرحمن) جنتان وليست جنة واحدة.

هاتان الجنتان ومن دونهما جنتان؛ لأهل الورع الذين يتقون الشبهات، والرسول صلى الله عليه وسلَّم يقول:

{ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ }[9]

فاتقاء الشبهات هو الأساس الذي يضمن صفاء القلب ونقاؤه، ويجعل صاحبه يتذوق لذة الطاعات وحلاوة القربات، ويشعر دائماً وأبداً بأنه يأنس بالله عند ذكره تبارك وتعالى.

رابعاً: الشبع:

أما الأمور المباحات ولكنها قد تؤدي إلى قسوة القلب، فمنها الشبع وهو أول داء، كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ((أول بلاء حدث في هذه الأُمَّة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم)).

فلم يكن أصحاب رسول الله يأكلون إلا لماماً، يقول فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:

{ مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ }[10]

لم يقُل أرغفة ولا كسرات، بل قال: لقيمات يقمن صلبه، ولا يزيد عن الثُلث، وقال:

{ نَحْنُ قَومٌ لاَ نَأكُل حَتَّى نَجُوع وإِذَا أَكَلنَا لاَ نَشْبَع }[11]

لا يأكل حتى يجوع، وإذا أكل لا يشبع، لأنه لا بد أن يقوم من الطعام وهو يشتهيه، وهذه سُنَّة الحبيب صلى الله عليه وسلَّم، وهذا هو الرأي المصيب الذي كان عليه الأتباع المقربون من الحبيب صلى الله عليه وسلَّم.

ولذلك سأل قومٌ الإمام الجنيد رضي الله عنه: نحن نصلي فلِمَ لا نجد لذة الخشوع في الصلاة؟ فقال رضي الله عنه: (يعمد أحدكم إلى بطنه فيجعل بينه وبين الله مخلاةٌ من الطعام، ثم يريد أن يجد لذة الخشوع!!).

فإن الإنسان إذا أكل وملأ بطنه يذهب معها الخوف، ويذهب معها لذة العبادة وحلاوة الطاعة، لأن الإنسان في هذه الآنات كما قال الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: (ما ملأتُ بطني قط، إلا هممت بمعصية).

فإن الشبع يملأ الجوارح بالدم، ويجعلها تميل إلى المعاصي ولا تميل إلى الطاعات إلا إذا كانت في حالة خُلو من الطعام الدسم، ومن الشبع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

ورُوي أن سليمان بن داود عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، اشتكى إلى أمه أنه أصبح يتكاسل عن قيام الليل، فقالت: لا بد أنك تأكل وتشبع، وقالت له: إذا أكلت فلا تشبع يتيسر لك قيام الليل، فعمل بوصيتها، فكان بعد ذلك يقوم الليل إلا قليلاً يناجي ربه ويأنس به ويتمتع بمناجاته ويجد لذة ذكره وطاعته تبارك وتعالى.

خامساً: كثرة المنام:

وأيضاً من المباحات التي تؤثر على القلب فتُقسيه كثرة المنام، أي أن الإنسان يتكلف النوم، والنوم بعيدٌ عنه، ويتقلب يميناً وشمالاً حتى ينام، والإنسان المؤمن السوي التقي النقي لا ينام إلا إذا غلبه النوم.

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بعضهم ينام في سجوده، وبعضهم ينام في وقوفه وهو يصلي لله، وبعضهم ينام في ركوعه، وبعضهم صنع لنفسه حبلاً يربط نفسه به في سارية المسجد، أي عامود المسجد، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ }[12]

يعني لا تشقوا على أنفسكم، إذا وجدتم من أنفسكم طاعة فاعبدوا الله تبارك وتعالى، وإذا غلب عليكم المنام فناموا.

هم كانوا كما قال الله: ” كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ” (17الذاريات) لأن الإنسان المؤمن يعد نومه من طاعته ومن عبادته لله سبحانه وتعالى، فيجعل نومه خفيفاً، وينام على ذكر الله حتى يُحسب له نومه كله طاعة لمولاه.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح عوج نفوسنا، وأن يصفي ويطهر لحضرته قلوبنا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] جامع الترمذي والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما

[2] مسند أحمد وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه

[3] شعب الإيمان للبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه

[4] سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما

[5] الحاكم في المستدرك ومسند الشهاب عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

[6] معجم الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما

[7] سنن الدار قطني ومسند أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقيل اللفظ لابن عمر

[8] سنن ابن ماجة والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه

[9] البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه

[10] سنن النسائي وابن ماجة عن المقدام بن معدي رضي الله عنه

[11] زاد المعاد والبداية لابن كثير

[12] البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه

الجميزة – السنطة -الغربية  الخميس 11 من شوال 1443هـ 12/5/2022م 1

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid