الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السؤال الأول:
كيف أُعظِّم هيبة الله في قلبي؟
الجواب:
هيبة الله عز وجل يعني خشية جلاله، والرهبة من جبروته، ودائماً وأبداً يخشى الإنسان في الدنيا إن كان من المقربين من البعد عن حضرته، أو الصدود عن ذكره وطاعته، أو النفور من الإقبال على الأخيار من بريته، أو يتخلى الله عنه فيركن إلى الأشرار، أو يميل إلى الفجار، أو تميل به نفسه فيُعظم نفسه ويرى لنفسه مكانةً في عالم الناس، فيزاحم الخواص ويريد أن يكون له بينهم إختصاص، وغيرها من هذه الأمور التي لا تحدث للعبد إذا كان قلبه مملوءاً بخشية الله والخوف من جلال الله وعظمة الله تبارك وتعالى.
هذه الأمور التي لا تحدث للعبد إذا كان قلبه مملوءاً بالخشية والخوف من جلال وعظمة الله تبارك وتعالى، ولذلك يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه عن الدعاة الذين أثنى عليهم الله وقال فيهم شأنهم:
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ ـ فوصفهم الله بخشيته ـ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللهَ وَكَفَى بِالله حَسِيبًا﴾ (39الأحزاب).
وقد وصف الله تبارك وتعالى هؤلاء الأعلام أهل الخشية بأنهم هم العلماء بالله وبصفات الله وأسمائه حقاً، فقال تبارك وتعالى:
هؤلاء العلماء هم الذين ملكوا ناصية خشية الله تبارك وتعالى.
والعلماء أنواع:
منهم خِزن العلم، وهم الذين يقرأون وقد يحفظون أو يهضمون، ثم يقولون لغيرهم ما حصلوه من الكتب، أو من ألسنة العلماء، فهؤلاء تستطيع أن تسميهم خِزن العلم، لأن العلم مخزونٌ في صدورهم وأخذوه عن غيرهم.
ومن هؤلاء العلماء العلماء بالله، والعلماء بالله هم الذين عرَّفهم الله بصفاته ونعوته وجلاله وكبريائه، وشاهدوا ذلك في عين اليقين:
﴿ كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا ـ إشارة إلى الذات العلية ـ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ (7التكاثر).
فعين اليقين هي التي تتمتع بمشاهدة أسماء الله وصفاته وجلاله وكبريائه، وكلما زاد الإنسان في هذا الباب من العلم، كلما زاد خوفه من الله، وزادت هيبته لجلال وكبرياء الله تبارك وتعالى.
قال صلى الله عليه وسلَّم ملمعاً إلى هذا المقام في ذاته الشريفة:
(أنا أقربكم إلى الله، وأشدكم منه خوفا).
[رواه الإمام البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها].
فكأنما الخوف خوف المقام وهو الهيبة وهو التعظيم وهو شدة المراقبة يأتي من القرب، فكلما قرُب الإنسان من ربه تبارك وتعالى ودنا من عظمة حضرته، كلما زادت خشية الله تبارك وتعالى في قلبه، وزادت هيبة الله تبارك وتعالى عنده.
ولذلك من أراد أن يتعلم علوم الخشية وعلوم الهيبة، فليرجع إلى قَصص الأنبياء في القرآن الكريم، فإن فيها خشية الله تبارك وتعالى، ويكفي لذلك قوله صلى الله عليه وسلَّم:
(شيبتي هودٌ وأخواتها).
[رواه الطبراني عن إبن عباس رضي الله عنهما].
ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان شعر رأسه أسود، ولكنه ذات مرة من المرات لاحظوا أن شعراتٍ قد إبيضت في رأسه فعدُّوها فوجدوها سبعة عشر شعرة، فقالوا: يا رسول الله إنك شبت، قال:
(شيبتني هودٌ وأخواتها ـ وفي روواية ـ وأخواتها تبارك الذي بيده الملك، وإذا الشمس كورت).
بما شاب شعر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، قال بعض العارفين:
إنه إبيض شعره وشاب من كثرة البعاد في سورة هود، فإن الله تارة يقول:
﴿ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ (60هود).
وتارة يقول:
﴿ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾ (68هود).
فذكر البعاد عند حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم خوَّفه، وجعله من شدة الخوف والهيبة من الله يبيض شعر رأسه صلوات ربي وتسليماته عليه.
فخوف البعاد هو الذي بيَّض شعر الحبيب صلى الله عليه وسلَّم.
ورُوي عن أحد العارفين أنه صلى الله عليه وسلَّم زاره في المنام، فسأله: يا رسول الله لم إبيض شعرك؟ قال من قول الله تبارك وتعالى:
فإن هذا الأمر الإلهي جعله يرتجف من خشية الله، وجعل هيبة الله تسيطر على أفياء وأجواء قلبه، خوفاً وهلعاً من أنه لم يكن على الإستقامة الحقة التي يحبها الله، ولذلك قال له:
هذه الهيبة تأتي من الخشية، والخشية تأتي من العلم بالله وصفاته وجلاله وكبريائه ومطالعة أو مشاهدة أحوال الأنبياء والمرسلين في كتاب الله.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل الخشية أجمعين.
ويقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه مشيراً إلى ذلك:
العلم يجعلني أخشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى من الرب أراقب الله بالأعضــــــــــــــــــــــاء والقلب
إن لم أكن أخشى من ربي فمن جهلي وإن علمت علوم الكشف والغيب
وإن تحصـــــــــــــــــــــــــــــــــــلت من علمٍ ومن فقهٍ مثل الجبال الرواســـي لم يزل حجبي
فالعلم هو الذي يجمل القلب بخشية الله وتقوى الله ومراقبة الله، ويرزق العبد الهيبة من مولاه، فيخشى دوماً أن يعصاه طرفة عينٍ أو أقل، أو يغفُل عنه لحظةً أو نفساً، أو يتكاسل فيما أمره به تبارك وتعالى ويُسوِّف الأمر، بل يجعله دائماً وأبداً قائماً بما كلفه وطالبه به مولاه، ناهياً نفسه عن جميع المعاصي التي نهاه عنها حضرة الله، ناظراً بأُفق قلبه إلى قول الله:
بل أنه يخشي أن يجيش في صدره خاطرة سيئة لأحدٍ من المسلمين، أو لمعصية بينه وبين أكرم الأكرمين، فدائماً يرن في آفاق روحه:
﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ (7طه).
فيعلم أن الله يعلم الأسرار، ولا تخفى عليه خافية في أرضه ولا في سمائه، ولا في صدور المؤمنين وغير المؤمنين، فيخشى حتى أن تخطر على قلبه خاطرةً تُغضب رب العالمين تبارك وتعالى، فيجاهد نفسه حتى في الخواطر، أن تكون كلها خواطر خير يرضى عنها الله، ويحبها سيدنا ومولانا ورسول الله.
اللهم جملنا بجمال أهل الخشية والرهبة أجمعين.
وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم