سؤال: كيف يكون المسلم معتدلاً في أفكاره في ظل الاختلافات الفكرية المعاصرة؟
=======================
يوجد فئة أخذوا بجانب التشدد في الدين، وهناك فئة أخرى منفلتين تركوا الدين وعندما تكلمه يقول لك إن الله غفور رحيم، ولا ينفع هذا ولا ذاك، وإنما يجب علينا أن نأخذ بالمنهج الوسطي الذي قال فيه الله: ﴿َكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[143البقرة]. والمنهج الوسطي هو الذي درسناه ونُدَرسه في الأزهر الشريف.
الفكر المتشدد جاء من الوهابية في السعودية الذين ينتهجون المناهج المتشددة، وقاموا بتصدير هذا الفكر إلينا، من الجائز أن هذا الفكر يناسب السعودية، ولكن لا يلائم بيئتنا المصرية، منذ أكثر من ثلاثين سنة لم يكن يوجد أي خلافات في أي بلد من البلدان، لماذا؟ لأننا كنا جميعاً نستفتي رجال الأزهر، ونرجع إلى الأزهر، وكل فتوانا نأخذها من الأزهر، فكانت الأمور بيننا مستقرة.
الذي يريد أن يتشدد لابد أن يعمل كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان يُشدد على نفسه فقط، ويأمر غيره باليُسْر، كان يقوم الليل كلَّه، ويصوم صيام الوصال، وكان أحياناً يأتي الشباب ليتابعوه – وليس الشيوخ – فيقول: {إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي} (صحيح البخاري وابن حبان ومسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه).
وعن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: {إنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍُ رضي الله عنه، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلاةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ ثَلاثًا، اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا} (البخاري ومسلم وسنن أبي داود رضي الله عنه).
وأصدر النبي صلى الله عليه وسلم المنهج الحكيم فقال: { إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ} (البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه).
لو صليت في البيت فمن حقِّك أن تطيل، لو حتى صليت الليل كله في ركعتين، لكن لا تشدد على غيرك، سواء في الصلاة، أو في الزِّى، أو في الطعام، أو في الأحكام. لابد للمؤمن أن يراعي الوسطية الإسلامية التي أمر بها الله وكان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاذا أردنا النجاة ليس لنا علاقة بهذه التيارات الوافدة، وعلينا بفقه الأزهر، وعلم الأزهر، وعلماء الأزهر، ووسطية الأزهر، وخاصة كلنا يعلم أن طلاب العلم من العالم الإسلامي كله يأتون إلى الأزهر ليتعلموا.
وهناك دول تريد نشر العلوم المتشددة وعلى حسابها الخاص من خلال بعثات، وتغدق الأموال، ولكنهم يتركون هذه البعثات بالرغم من مجانيتها، ويذهبون ليتعلموا على حسابهم في الأزهر، لأنهم لديهم عقيدة في بلادهم أنه لا يعلو علم على علم الأزهر، فيترك الأموال التي تعرض عليه، والبعثة المجانية، ليتعلم على حسابه في الأزهر، ونحن بلد العلم والعلماء، ولا يجب أن نستورد علماء مثلما حدث في هذه الفترة من جلب علماء من دول مجاورة للمحاضرة هنا في مصر، العلماء جيراننا يأتون ليتعلموا في مصر، وهذا طبيعي، لكن يأتوا ليُعَلموا في مصر، هذا أمر شاذ، لأن الناجح منهم هو من تَعَلَّم في مصر، ويكون له الفخر والشرف أنه تَعَلَّم في مصر.
ولذلك يجب علينا أن نسير على المنهج الوسطي الأزهري، حتى نبعد عن كل هذه الخلافات التي تطفو على السطح، ولا نسمع لهؤلاء، ولا إلى هؤلاء.
الحلقة السادسة عشر من برنامج أسئلة حائرة وإجابات شافية لفتاوى فورية
المسجد العتيق – طفنيس – الأقصر 20 من ربيع الأول 1434هـ الموافق 1/2/2013م