السؤال الثاني: ما عقاب من يتخلف عن الصلاة لكثرة الأعمال والأشغال في البيت والأطفال؟
——————–
إنها الورقة التي عملناها هنا، والعقاب بالضرب غير موجود في الإسلام، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلَّم عاش حياته وتزوج إحدى عشرة إمرأة، لم يضرب واحدة منهن قطّ في حياته، وقال في ذلك في شأن النساء: (لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم)[1].
وحتى الخدم سيدنا أنس بن مالك يقول: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلَّم عشر سنين فلم يقل لي أُفٍ قطّ، ولا لشيءٍ صنعته لم صنعته؟ ولا لشيءٍ تركته لم تركته؟)[2]. يتركه على حاله وعلى راحته، لأن حضرة النبي كان يؤسس، ويؤسس أن تُبنى الأمور كلها على المحبة.
أحتضن أولادي فيحبوني، فلو إستطاعوا أن يفدوني بأعينهم لفعلوا، ولكن إذا بدأت بالضرب فعلى الفور أصبح الطفل عنده موقفٌ داخلي مني فيسبب له مشاكل نفسية لا عدَّ لها ولا حدَّ لها. يريد أن يعبر عن سخطه عليَّ تارة بالإعتراض، ومرة بالإمتعاض، وثالثة بعدم إطاعة الأوامر، وأخرى بالتظاهر بالطاعة وعدم التنفيذ، كل هذا لماذا؟ لأنه داخلياً عنده شيءٌ من جهتي. لكننا المفروض الولد أو البنت يكون داخلياً ليس عنده بعد الله ورسوله أعزُّ من الأب أو الأم، فيسارع في برِّهم وإرضائهم على الدوام.
كما وضحنا في المنشور الذي معكم، أو هذه المطوية: قلنا أن الضرب آخر العقاب، لو لم ينجح معه أى أسلوب ألجأ إلى الضرب وبالطريقة الإسلامية، لكن الأفضل أن أبني ابني على المحبة أولاً، فإن أساء أنصحه برفق وبلين، فإذا أساء مرةً ثانية أنظر له بعنين فيهما غضب، فيعرف أن عينيَّ غاضبة فيرجع، فلو أساء ثالثاً يكون زجراً خفيفاً ليس فيه تعنيف، فلا يكون فيه سبٌ ولا شتمٌ ولا لعنٌ.
ولا ينفع أن أقول لأحد كرمَّه الله: أنت حمار – كيف يكون حماراً؟ خير مخلوق أقول له حمار!! لا ينبغي أن يُقال لأي آدمي وليس للمسلم فقط هذه العبارة. لكن أدعو عليه؟!! النبي حرَّم ذلك فقال: (لا تدعوا على أنفسكم ولا أبنائكم ولا أولادكم ولا أموالكم فعسى أن تكون ساعة إجابة فتندموا)[3]. فأنا من سيحمل الهمَّ كله بعد ذلك، أشتم وأقول: أنا أشتم نفسي وأقول: يا ابن كذا وكذا، فلِمَ تشتميه وتعوِّديه على هذه الألفاظ؟!!.
الطفل لا يُخرج الأم أو الأب عن الحدود أبداً مهما كان قدر عصيانه وشقاوته، فكل شيءٍ باللين ممكن هدايته إلى المنهج القويم. لم يستجب إلى الزجر أو التعنيف الخفيف، ألجأ إلى شيءٍ آخر: أعرض عنه فلا أكلمه يوماً أو اثنين، فيشعر أنني غاضبة منه فيبحث عني. لم يشعر بهذا الأمر، أقول له: أنا خاصمتك، والخصام في الإصلاح وارد في حديث رسول الله فأقول له: لا تكلمني. كل هذه وسائل تربوية يلجأ إليها المرء المسلم والمرأة المسلمة في تربة الأبناء.
أريده أن يصلي لابد وأن أبدأ بنفسي وأصحبه معي، رجل مسلم كتب رسالة للإمام مسلم في السعودية ويقول له: أريد من الآباء أن يجربوا هذه التجربة التي طبقتها:
فإبني كان رافضاً الصلاة بالكلية، وأحاول أن أقنعه وأفهمه فلا فائدة، فلما وجدتُ الأمر كذلك فقلت له: يا بني ذكرني بوقت الصلاة، عندما يأتي وقت الظهر ذكّرني، وكذلك العصر. ففرح أنني أسندت له وظيفة!!، فكان يحاول أن يُذكِّرني بوقت الصلاة. وبعدها قلت له: أنا تعبان يا بني ولا أستطيع أن أذهب للمسجد وحدي فتعال معي نصلي معاً، وأخذته بهذه الكيفية وأصبح الآن يديم الصلاة. وبدأ لا بالزجر ولا بالشتم ولا بالضرب، ولكن بوسيلة لطيفة!!، قال فيها الله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (132طه).
فالأمر يحتاج إلى صبر طويل، لأنهم في سن الشيطان يلعب بهم، الشيطان يلعب بالصبيان لعباً، فأنا آخذه بالراحة وباللين حتى يتعود أنه يصلي لله ولا يصلي لي أنا. يخاف مني فعندما يراني يصلي، وعندما أذهب يترك الصلاة، وكما سمعنا ونسمع في بعض البيوت: يحاول الأب بالليل أن يُوقظ ابنه لصلاة الفجر، فيقوم يتوضأ فإذا الأب نزل إلى المسجد يتوضأ الولد ويدخل لينام ولا يصلي مع أنه توضأ، وإذا نزل الأب للمسجد بدري يدخل الإبن الحمام ثم يعود للنوم. وإذا ضغط عليه الأب أحياناً يقف في الصلاة بغير وضوء، فلمن يصلي؟!! ليس لله – ولكني أريده أن يصلي لله فيتطهر ويتوضأ ويحرص على أداء الصلاة لإرضاء الله وليس لإرضائي أنا.
فلابد من الإقتناع، ولابد أن أقنعه بالطريقة الطيبة.
بعد ذلك لو بذلتُ معه كل الوسائل ولم يعد – هناك وسيلة غير الضرب، فقبل أن أضربه لابد أن أقنعه أنه يستحق العقوبة حتى يعرف ماذا فعل؟ ولم العقوبة؟ فيتقبل الأمر. العقوبة لابد أن لا تكون في ساعة الغضب، لأن في ساعة الغضب كما يحدث الأم تجد أيَّ شيءٍ أمامها ترمي به الولد حتى ولو كانت قطعة حديد، فتجرحه أو تُحدث فيه شيئاً خطيراً، أو تكون جريمة وهي تقول: كنتُ غاضبة، فلا ينبغي الضرب ساعة الغضب.
نضرب، .. فالإسلام منع الضرب على الرأس وعلى الوجه وعلى الأماكن الحساسة، ومنع الضرب باليد سواء بالكفِّ، أو بحركة الملاكمة، فأحياناً الأب يعمل ملاكماً مع خصم ضعيف وهو ابنه، أو خصم أضعف قليلاً وهي زوجته، يتمرن فيها الملاكمة، فالإسلام نهى عن ذلك، ممنوع الضرب. ووضع العقوبة الشديدة فقال صلى الله عليه وسلَّم: (من لطم عبده – والعبد الذي هو ملكه – فكفارته عتقه)[4]. كفارة ضرب العبد أن يعتقه حتى يمتنع عن الضرب باليد.
فبأى شيءٍ أضربه؟!!. عصا بسيطة لا تزيد عن عشرين سنتيمتراً، لأن النبي عندما أراد أن يضرب، هدَّد بالضرب وأخرج السواك وقال للعبد الذي عنده: (لولا خشية عذاب الله لضربتك بهذا السواك)[5].
والإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه عندما تكلم عن الضرب في كتاب الله، والرجل عندما يريد أن يضرب زوجته، فبِمَ يضربها؟!!، قال: يأتي بمنديل ويربطه ويضربها به، وليس منديلاً ورقياً، ولكن منديل محلاوي – أى قماش – والموضوع كله إظهار أنه غاضب.
كيف أضربه؟!!، في البداية أضرب على شئ حوله، وهذا لأظهر له أنني غاضب، وأنزل العصا على هذه المنضدة أو على هذا الكرسي، وأتفق مع أمه وأقول لها: أنني سأضرب الولد وأنت تحجزيه عني، وإذا أراد الفرار فاتركيه يفرُّ، وكل الموضوع هو إظهار الغضب، وأظهر له أنني غاضب ليرجع عن ما يريد.
ولكن إذا ضربتُ مرة والثانية والثالثة والرابعة بعد قليل الضرب لم ينجح كوسيلة، فقد رأيت في التربية والتعليم ـ كان الولد يفتح يده في المرحلة الإعدادية أو الثانوية – والمدرس معه خيزرانة كبيرة – ويقول له التلميذ: اضرب عشرين، .. ثلاثين، .. أو كما تريد، وكأنه لا يؤلمه نهائياً!!، وأصبح وكأن الضرب لا يؤلمه. فما العقاب بعد ذلك؟ لا يوجد عقاب، وسيتحداني وسيخاصمني ويكون واقفاً نِدَّاً لي على الدوام.
لكن أضرب على ما حوله، وأترك له فرصة للفرار، أو أترك فرصة لمن حولي أن يتدخل. لكن لا أقول لها: لا تمنعيني عنه، وإن منعتيني عنه فإنتِ كذا وكذا وكذا. وماذا فعل هو؟!!، هل ارتكب جريمة من الجرائم؟!!، فكل الموضوع أنني أريد أن أُشعره أنه أذنب في الموضوع الفلاني وأخطأ.
أضرب بعد ذلك، فيكون ضرباً قالوا فيه: (باليد فلا تُرفع فوق مستوى الكتف – فعندها ماذا يكون الضرب؟!!، خفيفاً، ولا تكون اليد مرتفعة لأعلى فيكون ثقيلاً وشديداً كما يفعل سائقي العربات مع الحيوانات – والضرب يؤلم إيلاماً خفيفاً ولا يترك أثراً).
فيكون الضرب على اليدين أو على الرجلين، ولا أضربه أمام إخوته: لأنني أكون قد سببتُ له مشكلة نفسية، أو أمام غيره فأكون قد تسببت له بعقدة نفسية، ولا أعايره في هذا الأمر، ولا أعايره بعد ذلك وأقول له: أنا ضربتك لأجل كذا وكذا أمام أحد، ولا أشكو هذه الواقعة لا من بعيد ولا من قريب لأحد، لأن التعامل مع بشر وليس مع حجر. ولا يزيد الضرب عن عشر، قال صلى الله عليه وسلَّم: (لا ضرب أكثر من عشر ضربات إلا في حدٍ من حدود الله)[6].
واحد شرب خمراً، أو واحد زنا – والعياذ بالله – التي فيها الضرب الشديد، لكن طفل أو ضرب عادي لا يزيد عن عشرة وهو أقصى حد للضرب، وبين الضربة والثانية أنتظر قليلاً، ولا أستمر في الضرب، وبعد أن أُنهي الضرب أقول له: أنت تعرف أنني أحبُّك، ولم أكن أريد أن أجعلك تتألم، ولا أريد ضربك، حتى لا يأخذ موقفاً مني، فقد أضطررت لضربك لكذا وكذا وكذا، ولو أنك عُدت لما تريده فأنت تعرف محبتي ومعزتك عندي ما قدرها. أفهمَّه وأحتويه ليعرف معزته عندي. وهذا باختصار طريقة الضرب في الإسلام إذا وصلنا للضرب، سواء للشاب أو للفتاة أو للمرأة المتزوجة التي لا ينبغي ضربها أبداً.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
***************
[1] رواه ابن عساكر في “تاريخه ” عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا)، وروى الترمذي وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)،
[2]رواه البخاري وعند مسلم: قال أنس : كان رسول الله صلى الله عليهوسلم مِن أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم، فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال:فنظرتُ إليه وهو يضحك فقال: يا أنيس، أذهبتَ حيث أمرتُك؟ قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمتُه قال لشيء صنعتُه لِمَ فعلتَ كذا وكذا، أو لشيء تركتُه هلاَّ فعلتَ كذا وكذا).
[3] روى أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيستجيب لكم).
[4]روى البخاري في الأدب المفرد ومسلم ,أبو داود وأحمد عنعبد الله ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ لَطَمَ عَبْدَهُ أَوْ ضَرَبَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ ، فَكَفَّارَتُهُ عِتْقُهُ) .
[6] أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذيوابن ماجه وأحمد عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله). وضُبط (يجلد) بوجهين: أحدهما: بفتح الياء وبكسر اللام، والثاني: بضم الياء وفتح اللام، وكلاهما صحيح – شرح النووي على مسلم
……………………………………………………………………………..
العوامية ـ الأقصر ـ مركز شباب طيبة – السبت 7/11/2015م الموافق 25 المحرم 1437هـ