• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

30أكتوبر2015

لما إختار رسول الله سيدنا أبو بكر رفيقا فى الهجرة ولم يختار صحابيا أخر؟

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

****************

السؤال: لِمَ إختار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سيدنا أبا بكرٍ الصديق رفيقاً له في الهجرة ولم يختر صحابياً آخر؟

——————-

أولاً: النبي صلى الله عليه وسلَّم ليس له إختيار في أمر، وإنما الذي يختار له هو ربُّه عزَّ وجلَّ: (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (68القصص)، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (68القصص). فالاختيار هنا لله، لم إختاره الله؟، لأنه أصفى قلب وأضوأ روحٍ لله من عباد الله المحيطين بحبيب الله صلى الله عليه وسلَّم، وأصدقهم له، يحبه لذاته لا لمنفعة عاجلة ولا لطلب منصب ولا لمكسب، وإنما يحبه لأن الله عزَّ وجلَّ أمر بحبه صلوات ربي وتسليماته عليه. فلم تكن له أى مآرب ولا مطامع، وجعل نفسه وماله وأولاده وكله لله، كل ما له لله، فما بقي له؟!!.

ماله: اشترى به العبيد الذين آمنوا وآذاهم أقوامهم وهم في مكة، فأبوه يقول له: يا بني اشترى رجالاً أقوياء يحمونك، فيقول له: إنما أشتريهم لله – ويعتقهم لوجه الله عزَّ وجلَّ. وأولاده: مَنْ الذي كان يجهِّز الطعام؟، ومن الذي كان يتسمَّع الأخبار؟، ومن الذي كان يحفظهم في الغدو والرواح – وهم ذاهبون لحضرة النبي؟، ومن الذي اشترى الناقتين اللتين سيركبهما هو وحضرة النبي، وأجَّر الدليل في الصحراء؟

أخذ ماله كله، ولكن بناته كنَّ فقهاء، فالمال كان ذهباً وكانوا واضعينه في طاقة في الحائط – كان أهلنا زمان يعملون طاقة شركة بيننا وبين جيراننا لنضع فيها الأشياء ولم تعد تصنع الآن – فأبو سيدنا أبي بكر لم يكن آمن بعد، فقد آمن في عام الفتح، قال للسيدة أسماء: أظن أنه فجعكم في ماله فأخذه كله؟، فقالت له: المال كما هو، وجاءت ببعض الحجارة ووضعتها في صُرة – وكان أبوه قد كُفَّ بصره – وقالت له: ضع يدك عليه، فوجد الحجارة كذهب، فقال: إن كان قد ترك لكم هذا فقد ترك لكم خيراً كثيراً، وهو لا يرى شيئاً، وقد أخذ كل ماله وهو مع سيدنا رسول الله، وكما يقول في الحديث: (ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله).

هل هناك من وصل لهذا اليقين؟ الرجل الآخر ترك لهم نصف ماله، فقال صلى الله عليه وسلَّم ليوضِّح المكانة: (بينكما ما بين كلمتكما). ما بينكما وبين بعضكما كما بين الكلمتين الاثنتين، لأن الأول أتي بكل ماله لأنه كان عنده يقين، قال فيه سيد الأولين والآخرين: (لو وُزن إيمان هذه الأمة بإيمان أبي بكر، لرجحت كفة أبي بكر)[1].

وصل به الإيمان إلى درجة: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (99الحجر). فكان من أهل اليقين، ولذلك لما إنتقل حضرة النبي للرفيق الأعلى والجزيرة العربية أقامت كلها ثورة، وقالوا: لن نخرج الزكاة ويكفينا الصلاة، فأصحاب سيدنا رسول الله – ومنهم سيدنا عمر – قالوا: أنقاتل قوماً يقولون: (لا إله إلا الله)؟ فقال لهم: لا، والله لأقاتلن من فرَّق بين الزكاة والصلاة، حاولوا معه فلم يفلحوا وأخرج سيفه وقال لهم: إن لم تقاتلوا معي فسأخرج لهم وأقتالهم وحدي – أنظر إلى اليقين خرج بسيفه مفرداً ليُعلن قتال المرتدين – فاضطروا للخروج خلفه.

ولذلك عندما كان سيدنا عبد الله بن عمر يتحدث مع أبيه في سيرة سيدنا أبي بكر، فقال له: ((والله يا بُني ليومٌ وليلة من أبي بكر خيرٌ من عمر وأهل عمر)). ما هذا اليوم؟ يوم الردة، فلولاه هو، لم يحارب أحدٌ كل هؤلاء القوم، فقالوا له: كيف تحاربهم وهنا زوجات النبي؟، فقال: ((والله لو تخطفت الوحوش زوجات النبي لخرجت محارباً)). إصرار وصل إلى اليقين، وتم له ما أراد، وقُضي على الفتنة في وقتها، لو لم يكن هذا الرجل ما قُضي على الفتنة ولا تم القضاء عليها.

ومثلها تماماً يوم انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى، سيدنا عمر أمسك بالسيف وقال: من قال أن محمداً قد مات قطعتُ عنقه، سيدنا عثمان إهتز ووقع مغشياً عليه، وكل واحد من أصحاب سيدنا رسول الله حدثت له حالة، فلما جاء سيدنا أبو بكر وكان ساكناً خارج المدينة، فدخل إلى حجرة الرسول وكشف عن وجهه وقال: ((طبت حياً وميتاً يا رسول الله))، ثم خرج وقال لهم: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت: {(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) (144آل عمران)}. سيدنا عمر قال: كأني أسمع هذه الآية لأول مرة.

  من الذي ثبَّت قلوب هؤلاء الرجال من الزلزلة في هذا الوقت؟ سيدنا أبو بكر، إذن فضل سيدنا أبي بكر لا نستطيع عدَّه ولا حدَّه، ويكفي فيه قول الحبيب صلى الله عليه وسلَّم: (لكل رجلٍ عندنا يداً – يعني نعمة – كافأناه بها، إلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه بها الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة)[2].

نعمه التي قدمها لرسول الله وفي سبيل الله عزَّ وجلَّ لا يستطيع أحدٌ من الأولين ولا الآخرين حصرها ولا عدَّها. يكفي أنه ذُكر مع رسول الله في آيةٍ واحدةٍ خمس مرات: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)، مَنْ الثاني؟، أبو بكر. (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا) (40التوبة). خمس مرات يكون مع حضرة النبي في آية واحدة، ويكفي أن الله عزَّ وجلَّ قال لحبيبه: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (5الضحى). فقال للصدِّيق: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى) (21الليل). فهي نفس الوراثة يا إخواني. والكلام في هذا الأمر واسع المجال لا نستطيع أن نغطيه في هذا الوقت البسيط.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] أَخْرَجَهُ ابنُ عَدِيٍّ  وابنُ عَسَاكِرَ  عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: (لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الأَرْضِ لَرَجَحَ) .ورواه البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً، ولفظه عن عمر: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم)، وأخرجه كذلك الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وإسحاق بن راهويه في مسنده، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة.

[2] رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: (ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة).

******************

الزقازيق بعد صلاة الجمعة 30/10/2015 الموافق 17 المحرم 1437هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid