• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

20 أغسطس 2015م

لمحات إشارية فى الآيات القرآنية لسورة الدهر

هذه الآيات القرآنية معناها الظاهر في قصة الإمام عليٍّ وزوجته البتول السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، عندما مرض نجليهما الحسن والحسين ونذرا لله عزَّ وجلَّ إن شفاهما الله تعالي أن يصوما ثلاثة أيام. والإمام علي رضي الله عنه الذي زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته - ورفض تزويجها لعلية القوم من الوجهاء والأثرياء والأغنياء - كان رجلاً يعمل باليومية، فلو طلبه أحد لعمل ما، يذهب يشتغل معه سواء من المسلمين أو من اليهود ساكني المدينة، فأتت يهودية عندها بئر ماؤها في القاع - أي بعيدة - وتريد أحداً أن يُخرج لها الماء، فاستأجرته واتفقت معه أن الدلو بتمرة، وإخراج الدلو الواحد يحتاج إلى مجهود، فأخرج ثلاثين دلواً، وفي آخر اليوم بعد التعب أخذ ثلاثين تمرة، وكان لا يستطيع أكثر من ذلك، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالجوع تشجيعاً له، وأثنى عليه وأكل من الطعام الذي أحضره.

شارك الموضوع لمن تحب

إشارات في سورة الإنسان

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا. يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا. وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا. إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا. وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا. مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا. وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا. وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا. وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا. عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا. وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا. عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا)

(5: 22 الإنسان)

 

هذه الآيات القرآنية معناها الظاهر في قصة الإمام عليٍّ وزوجته البتول السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، عندما مرض نجليهما الحسن والحسين ونذرا لله عزَّ وجلَّ إن شفاهما الله تعالي أن يصوما ثلاثة أيام.

والإمام علي رضي الله عنه الذي زوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته – ورفض تزويجها لعلية القوم من الوجهاء والأثرياء والأغنياء – كان رجلاً يعمل باليومية، فلو طلبه أحد لعمل ما، يذهب يشتغل معه سواء من المسلمين أو من اليهود ساكني المدينة، فأتت يهودية عندها بئر ماؤها في القاع – أي بعيدة – وتريد أحداً أن يُخرج لها الماء، فاستأجرته واتفقت معه أن الدلو بتمرة، وإخراج الدلو الواحد يحتاج إلى مجهود، فأخرج ثلاثين دلواً، وفي آخر اليوم بعد التعب أخذ ثلاثين تمرة، وكان لا يستطيع أكثر من ذلك، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بالجوع تشجيعاً له، وأثنى عليه وأكل من الطعام الذي أحضره.

فلما نذرا لله شفي الغلامان، وأرادا الصيام، فذهب الإمام علي رضي الله عنه وعمل، وبأجرة العمل جاء بقدر من الشعير لا يكفي إلا لصنع رغيف واحد – لكي تعلموا كيف جاهد هؤلاء القوم في ذات الله؟!! – والسيدة فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم كان لها رحاء تطحن به الحبوب، فطحنت الشعير وعجنته وخبزت به رغيفاً واحداً يفطرا به عند المغرب، وقبل المغرب بدقائق سمع الباب يدق، فقال من؟، قال: مسكين يا آل بيت النبي، بقي لي يومان لم آكل طعاماً، فقال لها: أعط له الرغيف ونفطر بالماء ونصوم اليوم الثاني.

وفي اليوم الثاني ذهب للعمل وهو صائم، وحدث مثل ما حدث في اليوم الأول؛ قبل المغرب بدقائق أتي لهم رجل وقال: يتيم يا آل بيت النبي، بقي لي ثلاثة أيام لم آكل طعاماً. وفي اليوم الثالث أتي أسير!!، فعجبت السماء من صنيعهما وضجت ملائكة السماء من فعلهما، فأنزل الله فيهم الآيات القرآنية: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا. وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (7، 8الإنسان). وهناك رواية – عن طريق أهل العناية – تقول: أن هؤلاء الثلاثة ملائكة، جاءوا لاختبارهم لرفع مكانتهم عند الله عزَّ وجلَّ.

وهذه إشارات في هذه الآية: أن الله فتحها بقوله: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) (5الإنسان)، فأصبحت الآية في الأبرار من وقت نزولها إلى يوم القرار، والأبرار هم الذين بَرُّوا بما عاهدوا الله عليه في يوم الميثاق: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) (172الأعراف)، فلا يسألون إلا الله، ولا يطلبون إلا من الله، ولا يتوجهون إلا إلى الله، وإذا توجهوا لأحد من الخلق أو السؤال أو الطلب يعلمون علم اليقين أنه بيد الله، إذا وجَّهه له بالعطاء فالمعطي هو الله، وإذا امتنع فلحكمة يعلمها الله، لا يرون في الكون فعَّالاً إلا حضرة الله، لأنهم برُّوا فيما عاهدوا الله عليه.

هؤلاء الأبرار: (يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا)، كأس الحقيقة ممزوجة بالشريعة، لأن الإنسان لو شرب شراب الحقيقة صافياً خرج عن الأطوار في هذه الدنيا، ولا يستطيع أحد السيطرة عليه مثل (المجاذيب) لا يحس بالبرد، أو يمشى عارياً أو حافياً، أو لا يأكل أو لا ينام.

ولو شرب الشريعة بدون الحقيقة  – كما يقول الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: ((علم الفقه – وهو أعزُّ العلوم – إذا لم يصاحبه عمل وشيء من الحقيقة لا يزيد قلب صاحبه إلا قسوة!!)). وكما ترون قساة القلوب الذين يقتلون المسلمين!!، يفتون لأنفسهم لأنهم أخذوا الشريعة، بدون عمل ولا شيء من الحقيقة، هل تأخذهم بالمسلمين الذين ينطقون بالشهادتين رحمة؟!! لا يوجد، ومن لا يَرحم لا يُرحم. فيحب على الفرد منا أن يمزج شرابه، فيسقي باطنه من شراب أهل الحقيقة، ويقيم ظاهره على معالم الشريعة. هذا هو الكمال الذي أمرنا به الواحد المتعال، والذي عليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والآل، والصالحين والكُمَّل والأبدال، إلى يوم القرار.

فلابد أن يكون ظاهراً مجمَّلاً بالشريعة، وباطناً يشرب ويكرع من عالم الحقيقة، ولا يدري أحدٌ ما فيه إلا أخاً ذواق له نصيب فيه، لأنه ليس ظاهراً عليه شيء.

(عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) الإنسان آيه 6

فمن أين أشرب هذه الحقيقة؟ من العين التي معي، فكل فرد منا أعطاه الله عين في قلبه، هذه العين بابه إلى علوم الغيب، وإلى عالم الأسرار، وإلى عالم الأنوار، وإلى عالم الحيطات الإلهية التي خصَّ الله بها الأبرار والأخيار:

في القلب عين تراني

في حال قرب التداني

فالعين موجودة لكن تريد أن تُفتح، وكيف تُفتح؟!!، بالديناميت الذي يُفجرها، وما هذا الديناميت؟، هو كبسولات المحبة – التي يحصل عليها من الأحبة – لسيد الأحبة، ولا يوجد شيء يُفجر هذه العين إلا هذا، فما دام الإنسان يكرع من الصالحين، ويشرب منهم رحيق محبة سيد الأولين والآخرين، فيشرب ويشرب حتى يزيد الحب فتنفتح عين القرب، ولذلك لم يقل عيناً يشرب منها، بل قال (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا)، فالشراب يأتي بها. (يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ)، الذين أصبحوا خالصين لله، تخلصوا من عبودية الأشياء، فليس هو عبد الدينار ولا الدرهم، ولا عبد للخميصة، ولا عبد للزوجة، ولا عبد للولد، ولا عبد للوظيفة. تخلَّص من رق الأشياء فأصبح عبداً لله.

فيجب على الإنسان إذا أراد أن يكون عبداً لله فلا يتحكم فيه أحد سواه، وهل يجوز لعبد أن يشترك فيه اثنان؟!!، فهذا يعطي له أمراً وهذا يعطي له أمراً، سيُنفذ كلام مَن؟!!، فالذي يريد أن يكون عبداً لله لابد أن يكون خالصاً لله عزَّ وجلَّ.

فالذي يقول أنا عبد لله، لكن الحكم في المنزل للمرأة، وهي التي تعطي له الأوامر والتعليمات، ولا يستطيع أن يخالف إشارة أو أي شيء، فكيف تكون هذه مع هذه؟!! فمثل هذا حضرة النبي صلى الله عليه وسلم دعا على هؤلاء وقال: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ)[1]، إذا دخلت شوكة في رجله لم يجد ملقاطاً يأخذها به، لماذا؟ لأنه ترك العبودية لله، لكن متى يكون عبداً لله؟ إذا كان حرًّا مما سواه: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) (6 الإنسان).

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)، ما هذا النذر الذي يوفونه هؤلاء القوم؟!!، هم والذين يدخل معهم – نذر أنه وماله وأولاده وزوجته كلهم لله: (إِنَّا لِلّهِ) (156البقرة)، أنا وزوجتي وأولادي ومالي كلي لله؛ أنا لله، وزوجتي تساعدني على طاعة الله، ومالي وسيلة أتقرب بها إلى الله، وإبني يعاونني في طاعة الله وإبلاغ رسالة الله، فنكن جميعاً كلنا لله: (وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (156البقرة) وهو الرجوع المطلوب للجمال والكمال الذي خص به الله عزَّ وجلَّ أهل الوصال.

(وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا)، اليوم الذي يبتعدوا عنه، أو الذي يبعده عنهم، يخافون من البعد، وأخوف ما يخاف منه العارفون أن يبعدهم الله عن مقام قربه ومودته طرفة عين ولا أقل.

ما جهادهم؟!!، وماذا يفعلون؟، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ)، يطعمون الطعام الإلهي الشهي في مائدة القرآن، وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الطعام الحقيقي لأهل الأرواح:

جعنا فأطعمنا الحقائق ربنا

واسق الجميع محبة الغفار

نريد أن نأكل من هذه الحقائق: (آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) (62الكهف)، وهل غذاء الروح أكل وشرب؟!!. يطعموه لمن؟

(مِسْكِينًا): للمسكين الذي سكن قلبه لربه، وأصبح يحس بالإفتقار الدائم إليه، والعبودية الكاملة بين يديه، ويشعر أنه لا ملجأ له ولا منجى له ولا معين له ولا وزير له إلا هو عزَّ وجلَّ.

(وَيَتِيمًا): اليتيم الذي تجرد ظاهراً وباطناً من كل المقتنيات والأحساد والأنساب الظاهرة، ولم يكن له، ولم يعد له إلا الحبيب الأعظم، وجلالة قدر الله جلَّ في علاه، والذي قال له الله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) (6الضحى). هذا هو اليتيم.

وسُمِّى يتيماً لأنه جوهرة يتيمة فريدة ليس لها مثيل في حبَّه لمولاه، وفي قربه من الله، وفي مكانته التي أولاها له الله عزَّ وجلَّ. فاليتيم في هذا الزمان – وغير هذا الزمان – الذي يُقْبِلُ على الله بالكلية، ومهما تُعرض عليه جمالات الدنيا الدنية، أو تلوح له الجمالات الجنانية والأخروية، لا يلفت عن رب البرية طرفة عين ولا أقل، فهذا هل له مثال؟ لا يوجد له مثال.

(وَأَسِيرًا): والأسير الذي أسره حب مولاه، وأسره جمال الله الذي متع به عزَّ وجلَّ عيناه، وأسره جمال الحبيب صلى الله عليه وسلم وخصاله الكريمة التي أشتهى أن يكون على نصيب كبير منها فيتعلق بها وهو في هذه الحياة.

(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ): ليس للجنة، ولا الأجر، ولا الثواب، ولا الدعاء، ولا المقابل، لكن نطعمكم لوجه الله، (لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا)، وهذه علامات كُمَّل الوارثين، وقد قال لنا الله فيهم: (اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ) (21يس). وقال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: ((شيخك الذي يعطيك لا الذي يأخذ منك))، يعطيك الأحول العلية والأنوار الربانية، ولا يطلب منك شيئاً في الدنيا الدنية، ولا تملك له عطاء تستطيع أن تصله في الحياة الأخروية، فكل شيء لله: (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (72يونس)، فهي وراثة.

(إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا): اليوم الذي يكون فيه عبوس، أي صد أو هجر، فيخافون من الصد والهجر من الله. (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا): والنضرة هي جميل النظر إلى وجه الله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة)، وسرور باطني بما لاح لهم من جمال الله البهي، لا يستطيع الإنسان أن يعبر عما يشاهده القلب من جمال، ولا يوجد لسان يستطيع أن يعبر عن ذلك، الإمام أبو حامد الغزالي عندما سُئل قال: ((فكان ما كان مما لست أذكره أظن خيراً ولا تسأل عن الخبر))، أشياء لا يصرح بها.

وقال الله على لسان موسى عليه السلام: (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي) (13الشعراء)، من كثرة ما نزل فيه من الهبات الإلهية والعطاءات الربانية والأنوار القدسية:  (وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي) ( (13الشعراء)، أتكلم مع من؟!!، الإمام عليٌّ رضي الله عنه قال في ذلك موضحاً: ((إن ها هنا لعلوم جمة لمَّا أجد لها حملة))، وقال حفيده علي زين العابدين رضي الله عنه:

يا رُبَّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستباح رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسناً

فهذه علوم لا تتحملها العقول!!، فهي:

أمِن القلوب إلى القلوب شراب

ومن الفؤاد إلى الفؤاد خطاب

العقل ميزان، فكل شيء تسمعها الآذان يريد أن يزنها، ومَن الذي يزن كلام الرحمن؟! أو عطاءات الحنان المنان؟!! هذا العقل لا يستطيع ذلك، فهي تحتاج إلى قلب وجنان، أو العقل النوراني، أو القلب الرباني .. هذه هي الأشياء التي تتحمل ذلك.

(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا): صبروا على أمر الله ومراد الله والجهاد في الله فكان جزاؤهم جنة الرؤيا وجنة الشهود. (وَحَرِيرًا): يعني لباس الحرية، فأصبحوا أحراراً من كل ما تعبّد به لله أهل الدنيا، فأصبحوا لهم الحرية الكاملة مع الله عزَّ وجلَّ.

(مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ): أرائك القرب والشهود في عالم: (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا): الدنيا فيها الشمس وفيها الليل وفيها النهار، وهؤلاء تجاوزوا الأملاك والأفلاك، فهناك لا ليل ولا نهار، ولا صبح يلوح ولا مساء عند العطية، فلا يوجد صباح، وهذه عوالم خفية يدخلهم الله فيها.

(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا. وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا. قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا. وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا. عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا. وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا. عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا) (16: 22 الإنسان)

هذه أنواع من العطاءات لا تنكشف إلا لمرآة القلوب بعد شربها صافي المشروب، وتطهيرها بالكلية من العيوب.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من أهل ذلك، وأن يجمِّلنا بجمال الأبرار، وأن يكمِّلنا بأحوال الأخيار، وأن يرزقنا في الدنيا والآخرة معية النبي المختار

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

**********************

[1] البخاري وابن ماجة عن أبي هريرة رضى الله عنه


1                ندوة دينية الختام بورسعيد – مسجد الغفران – الخميس 20/8/2015م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid