الله عزَّ وجلَّ يُكثِّر من العروض في باب المغفرة في العشرة الوسطى من شهر رمضان، فالله عزَّ وجلَّ كما أخبر في القرآن: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (222البقرة) يحب عباده التائبين، حتى أن الله عزَّ وجلَّ قال لعبده داود عليه السلام:
{ يا داود أنين المذنبين أحبُّ إلىَّ من صراخ الصديقين }[1]
وورد فى كثير من الآثار: { أحبُّ إلىَّ من زجل المسبحين }
وقيل: { من تسبيح المدلين }.
عندما يئن المذنبون ويرجعوا ويتوبوا هذا أفضل عند الله عزَّ وجلَّ من التسبيح والتهليل والتكبير لأن الله عزَّ وجلَّ يحبُّ العبد التائب لحضرته. حتى أن أهل المقامات العلية بيَّنوا حال السموات في اللحظة التي يرجع فيها العبد إلى الله، فقالوا كما ورد بالأثر حكاية عن ربِّ العزَّة:
{ إذا تاب العبد المؤمن قال الله تعالى: بشرى يا ملائكتي فقد اصطلح عبدي معي افتحوا أبواب السماوات لقبول توبته، ولدخول أنفاس حضرته، فلنَفس العبد التائب عندي أعز من السماوات والأراضين }
النَّفَسُ الواحد أغلى عند الله من العوالم كلها، لذلك كَثَّر الله عزَّ وجلَّ من عروض المغفرة في هذه الأيام.
فمن صام وأصلح النية، فتحرى في الصيام ترك الرياء، والشهرة والسمعة، ولكن يصوم لله عزَّ وجلَّ، إذا صام بهذه النية يدخل في قول خير البرية صلى الله عليه وسلم:
وحتى نضمن المغفرة التي يريد الله عزَّ وجلَّ أن يعطيها لنا نوَّع عروضها حتى يكون لنا نصيب في أحد هذه العروض.
فمن صلى صلاة التراويح بنية مغفرة الله وأصلح النية، وجعل العمل خالصاً لربِّ البرية عزَّ وجلَّ- وعلامة الإخلاص أن الناس لو رأوني بمفردي أقوم فأعمل العمل، وإذا عملت العمل أمام الخلق ولم أعمله وأنا بمفردي، فهذا العمل للناس وليس لله، وليس فيه إخلاص، وهذا يقول فيه الله تعالى يوم القيامة:
لكن العمل لابد أن يكون كما قال الله عزَّ وجلَّ: (لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) (5البينة)، فمن صلَّى التراويح بنيَّة المغفرة فإن الله عزَّ وجلَّ يعطيه شهادة بالمغفرة.
هذه الشهادات توزع في حفل العيد، لأن المسلمين يجتمعون في صلاة العيد، والملائكة يجعلهم الله عزَّ وجلَّ يقفون على أبواب السكك ينادون:
هذا في يوم الجائزة، توزع فيه الجوائز، جائزة المغفرة وجائزة الرضا: (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) (119المائدة).
جعل الله عزَّ وجلَّ لنا عرضاً آخر غالً وعمله سهل ويسير، لو فطرت صائماً ولو على تمرة أو شربة ماء، أو حتى علبة عصير، فما تكون جائزتي؟ قال صلى الله عليه وسلم:
يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة، والشمس فوق الرؤوس، والأرض من فضة، والناس تتصبب في عرقها، فمنهم من يكون عرقه تحت قدميه، ومنه من يكون عرقه إلى ركبته، ومنهم من يكون عرقه إلى سرَّته، ومنهم من يغرق في عرقه، والألسنة تهبط حتى يدوس المرء على لسانه من شدة اللهث والعطش، من الذي ينجو من هذا؟ الذين يقول الله عزَّ وجلَّ فيهم: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) (21الإنسان).
الذين يشربون من حوض الكوثر، يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
من الذي سيشرب؟ الذي سيفطر صائماً في شهر رمضان، منهم من يسقيه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ويا هناه، ومنهم من يسقيه أحد الخلفاء الراشدين، ومنهم من يسقيه بعض الملائكة، المهم أن من يشرب هذه الشربة لا يظمأ أبداً.
وهناك أناس شربوا هذه الشربة وهم في الدنيا، فحاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة أم أيمن عندما هاجرت من مكة للمدينة هاجرت بمفردها، فوجدت قوم ذاهبون للمدينة فطلبت أن تسير معهم، هؤلاء القوم كانوا من يهود المدينة، وعندما علموا أنها مسلمة قال زعيمهم: لا تأتوها بطعام ولا ماء، ومن شدة عطشها صارت لا تسمع، وأثناء ذلك نزل كوب مملوء بالماء من السماء فشربت منه، وأرادت المزيد فارتفع، لأنها لو شربت مرة واحدة وهي في هذه الحالة ستصاب بالاستسقاء، ثم عاد مرتين، فشربت ووضعت ما تبقى على ملابسها وجسدها، فلما رأى اليهودي ذلك ذهب إلى ما معهم من ماء فوجده كما هو، فذهب إلى أهله فسألهم: فأخبروه أنهم لم يعطوها شيء، فسألوها: فقالت: من الله عزَّ وجلَّ، فلما علموا القصة أسلم هو وأهله.
السيدة أم أيمن بعد هذه الشربة لم تعطش أبداً، مهما اشتد الحر لا تعطش، تقول: كنت أطوف بالبيت في وقت الحر الشديد فلا أعطش، لماذا؟ لأنها شربت من الحوض الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: