سؤال9: ما حكم مجالسة العلماء ومزاحمتهم؟ وكيف نكون في حضرتهم؟ وهل هناك آداب لذلك؟ أرجو توضيحها، لأن بعض المريدين تصدر عنهم تصرفات تسيء للعالم أثناء المجالس،
أو بعد الإنصراف إلى الحياة؟
—————————-
أولاً: مجالسة العلماء تقتضي أن الإنسان يستعد لها قبل المجلس بوقتٍ كافٍ – كيف؟!!، بالطهارة والوضوء والإستغفار وملازمة الأذكار، لكي يدخل ويكون مؤهلاً لتلقِّي العلم، وقلنا آنفاً: (ونور الله لا يُهدى لعاصي).
فلو أنا فعلت ذنباً ودخلت فوراً على العلماء، فالذنب يجعلني أغفل، فلا أستمع لما يقول، أو أسمع ولا يحتفظ ذهني بهذا الكلام، ولذلك كان يقول بعض الصالحين: (زكِّ نفسك قبل السماع، تشرقْ عليك أنوار الكلام)
كيف أُزكِّي نفسي؟، بأن أتطهر وأتوضأ وأستغفر الله عزَّ وجلَّ، وأنشغل بذكر الله حتى أذهب إلى العلماء، وأستمع إلى العلم فيثبت في ذهني بأمر الله عزَّ وجلَّ، وهذا ما علَّمه ربنا لأصحاب النبيِّ، فقال لهم في القرآن: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ)، وماذا يفعلون أولاً؟!!، (فَاسْتَغْفَرُوا الله)، ولِمَ يأتوك؟!!، (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا) (64النساء).
إذا جلسنا في المجلس؛ فننسى كل الشواغل التي بخارج هذا المجلس، فتكون الحاضرة منكنَّ قد نظمَّت – رتبَّت – بيتها بحيث لا تكون مشغولة بشيءٍ هناك، وفي الوقت – كالذي نحن فيه – وتعرف أن الأولاد يعودون من المدرسة ورجوعهم من الدرس، فلابد أن تكون نظمَّت حياتها وقد جهزَّت الطعام لأولادها، فيجدون الطعام جاهزاً. فلا تعود من الدرس وتقول لهم: انتظروا يا أولاد حتى أُجهِّز لكم الطعام!!، فمتى تجهِّزيه؟ والتجهيز بهذه السرعة لا يصلح، لأن الله يُحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، فلابد أن تُجهِّز أولاً قبل أن تأتي إلى هنا كل طلبات المنزل؛ إذا كان مُتسخاً تُنظفه وترتبه، وتجهز الطعام وكل ما ينبغي عليها في المنزل، فتأتي إلى هنا وهي مستريحة البال.
وتكون منظمةً لأمور الأولاد، فنفرض أنها تتأخر قليلاً، فتكون منظمة أن هذا الولد يذهب للمكان الفلاني لحين رجوعها، فتكون غير مشغولة فتجلس متفرغة للعلم.
ومن آداب درس العلم: الصمت وحسن الإستماع لدرس العلم، وعدم النقاش الجانبي، أحيانا يتكلم العالم في موضوع ونحن نميل على بعضنا ونتكلم في الموضوع، لا – ولو أردنا أن نتناقش في الموضوع نؤجله لبعد المحاضرة، أو حتى في كلام خاصٍ بيننا فيكون أيضاً بعد انتهاء المحاضرة. فيكون السكون أساس المجلس، ولذلك كانوا يقولون عن درس رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (كان أصحابه يجلسون في مجلسه كأن على رءوسهم الطير) ، يعني صامتين جداً حتى أن الطيور يُخيَّل لها أنهم جمادات وليسوا أرواحاً من شدة سكونهم فتقف عليهم.
والطيور لا تقف على إنسان، بل تقف على شيء جامد لا يتحرك، فيُهيأ لها أنهم جمادات لا تتحرك فتقف عليهم الطيور من شدة الصمت والسكون والإستماع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
قولوا جميعاً: (تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندما على ما فعلنا، وعلى ما قلنا، وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنبٍ أبداً، وبرئنا من كل شيء يخالف دين الإسلام. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبدُه ورسولُه.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا؛ ما قدَّمنا منها وما أخَّرنا، ما أسررنا منها وما أعلنا، ما أظهرنا وما أبطنَّا، ما علمنا منها وما لم نعلم، وباعد بيننا وبين المعاصى كما باعدت بين المشرق والمغرب، واحفظنا بحفظنك وصيانتك، واجعلنا في الدنيا من خيار أحبتك، ومن خيار المقبلين على حضرتك.
واحفظنا بحفظك من الشر والأشرار، ومن كل شيءٍ يباعد بيننا وبين رضاك يا عزيز يا غفار، وبارك لنا في أسماعنا وفي أبصارنا، وفي قوتنا، وفي أولادنا وفي بناتنا وفي أزواجنا، وفي أموالنا وفي أوقاتنا، وفي كل شيءٍ هو لنا.
واجعلنا مباركين أينما كنا وحيثما وُجدنا، وفقِّهنا في ديننا، وألهمنا رشدنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
وبارك الله فيكنَّ أجمعين
الخميس 12 12/11/2015م الموافق 30 المحرم 1437هـ جـ2 – ندوة النساء – مركز شباب الرزيقات بحري – الأقصر