Sermon Details

سؤال الحاجة داخل المسجد
السؤال: ما حكم الدين في السائل للصدقة داخل المسجد متعللاً بالمرض؟
———————–
قلنا أن المساجد لا تصلح لهذا، المساجد ليسأل في علم، وليسأل في حكمٍ شرعي، لكن يأتي أحدهم بعد أن صلينا الجمعة ويقف ويقول: يا جماعة أنا عندي كذا وكذا، ومعه بعض الروشتات لا نعلم إن كانت صحيحة أو مزورة، فهذا لا ينبغي في بيت الله عزَّ وجلَّ. أنت تريد شيئاً من ذلك، … فهنا إدارة للمسجد، فيذهب إليهم ويقدم مستنداته ويجرون له بحثاً إجتماعياً ويعملون له المطلوب.
والحمد لله الآن موجود الجمعيات الخيرية التي تعمل في كل المجالات، تملأ كل الجمهورية؛ إن كان في المجالات الطبية، أو في مجالات الزواج أو في غيره أو في غيره، فعندما يأتيني واحد من هؤلاء أوجهه: ماذا تريد؟، يقول: أريد أن أُعالج مثلاً: – لا قدر الله – من السرطان، أقول له: اذهب إلى أحد معاهد السرطان، وكلها فيها جمعيات خيرية تأخذ الناس الفقراء ويُعالجون في المعهد بالمجان.
وبالنسبة لمرضى القلب فهناك معاهد القلب يعالجون الفقراء والمساكين عن طريق – أيضاً الجمعيات الخيرية هناك – بدون أى تكاليف على المريض، وهناك مستشفيات خيرية تعالج بدون أى تكاليف. وكذلك بالنسبة للشباب الذين يريدون الزواج فهناك جمعيات مكلفة بزواج الشباب الفقير على النسق الإسلامي مجانياً، وكل شئ موجود.
وإن كنت تريد أن تقوم بذلك بنفسك فاذهب للمختصين وهم يتولون هذا الأمر وربنا قال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (7النبياء).
لكن هذه مسألة – لمن يُعرِّض نفسه لذلك – فاسمها في الدين المسألة – أى يسأل – والنبي قال فيها: (إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقرٍ مدقع)[1]، أى: واحد ليس عنده أكل اليوم، ولو جاءه طعام اليوم فيحرم عليه أن يسأل لباكر، لأنه لم يعش لغد. سيدنا عمر وجد سائلاً، فسأله ماذا تريد؟، فقال: أريد أن أتعشى، فقال: يا عبد الله خذه وعشِّه، فمشى في المدينة فوجده يسأل مرةً أخرى، فقال: يا عبد الله ألم تعشِّه؟، قال: بل عشَّيته، فنزل عليه بالضرب وقال له: أنت لست بسائل إنك تاجر. لأن المفروض أن يسأل اليوم فقط، وغداً لا يضمن أن يعيش لغدٍ، فيسأل لليوم فقط.
(إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقرٍ مدقع، أو لذي غُرمٍ مُفظع)، .. (غُرمٍ مفظع): يعني واحد قتل وفرضوا عليه الدية، والدية مقدارها ثمن مائة جمل ولا يستطيع أن يأتي بها، فيسأل أهل الخير إذا كان أهله لن يقدروا أن يعينوه، فهذا مَنْ يحق له أن يسأل. وكذلك لو أن أحداً عليه غرامة كبيرة وأفلس وأعلن إفلاسه والمدينون موجودون، فهذه الحالات التي حدَّد النبي صلى الله عليه وسلَّم أن يسأل الإنسان فيها. أما من يسأل وعنده طعام في بيته، وعنده بوتاجاز، وعنده ثلاجة، وعنده شاشة، وعنده تكييف وغيره ويسأل، لماذا تسأل؟!! اعمل.
وأنا أعجب عندما أرى السائل شاباً، فطالما أنت شاب فلتعمل. يقول: لا أجد عملاً، أقول له: لو صدقت الله لأوجد لك عملاً!!. سيدنا داود لما سأل الله بصدقٍ أوجد الله له عملاً وجعله يخترع إختراعاً لم يكن موجوداً في عصره وهو صناعة الدروع، فلما الإنسان يصدق الله: (وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (2،3الطلاق).
لكننا يا حضرات نحن جماعة المسلمين مطالبون الآن أن ننزِّه المساجد – على مستوى مصر – من هؤلاء الصنف من السائلين لأنهم يُسيئون إلى الإسلام.
يأتي الجماعة الأجانب ذوي الأغراض القبيحة ويذهبون عند المساجد الكبيرة – عند سيدنا الحسين، ومسجد السيدة زينب، ويرون الجماعة المستثمرين في التسول، واسمهم مستثمرين في التسول لأنه يجعلها وظيفة، وتجد السائل من هؤلاء عنده عمارتان، أو أموال في البنك أو غيره، لأنها وظيفة سهلة، ويصوروهم ويقولون: هذا هو الإسلام مجموعة من المتسولين. والإسلام ليس كذلك، الإسلام يا إخواني عزِّة النفس: (وَلله الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (8المنافقين).
الإسلام ضرب لنا مثلاً للمهاجرين والأنصار، المهاجرون تركوا كل ما يملكون وجاءوا إلى المدينة وليس معهم شئ، فالأنصار قالوا: نأخذهم ونشركهم معنا. يقول الأنصاري للمهاجر: أَقْسِمُ لك مالي نصفين؛ أنت النصف وأنا النصف، وبيتي نصفين. وهل أنت متزوج؟ يقول: لا، فيقول: أنا متزوج باثنتين، أنظر من تعجبك أطلقها وبعد عدتها تتزوجها أنت. يقول له: لا ـ فلم يعلمنا الإسلام ذلك ـ بارك الله لك في زوجك وبارك الله لك في مالك وبارك الله لك في بيتك، ولكن دُلَّني على السوق.
وهذه هي العزِّة التي بنى الإسلام عليها أمر المسلمين؛ أن المسلم دائماً عزيزٌ، ومتى يكون عزيزاً؟ عندما لا يحتاج إلى الناس، ولا يمد يده إلا إلى ربِّ الناس عزَّ وجلَّ، ومادام هو على هذه الكيفية فهي الكيفية الإسلامية.
فنريد أن نحافظ على مساجدنا أن لا يدخلها هؤلاء، ومن يحاول أن يدخل هنا نحاول منعه ولكن بطريقة لطيفة، وليس بالشدة ولا النهر ولا غيره، ونفهمِّه أن هذا لا يليق ببيت الله، ولا يشجِّعه أحدٌ منا ويخرج فيعطيه شيئاً من المال، فيكون قد أخطأ في حق نفسه وفي حق إخوانه المصلين وحق المسلمين. لأنني لو أعطيته فسيأتيني مرة ثانية، ويأتي بفوج آخر معه، فأكون قد أحرجت نفسي وأحرجت المسلمين الذين معي بالمسجد وعملت عملاً يخالف شرع الله.
إذا أوجِّهه لجهة واحدة .. إلى مجلس الإدارة، ومن معه زيادة، فيكون بعيداً عن المكان المُعدّ لطاعة الله جلَّ في علاه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
*************************
[1] صحيح الترغيب والترهيب عن أنس رضي الله عنه: (إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع). وأبو داود بلفظ: (هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ، مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِع).
……………………………………………………………………….