سؤال: ما المقصود بالسير إلى الله؟ وهل الله بمكان حتى نصل إليه؟
——————————–
الله عزَّ وجلَّ لا يُحيّزه زمان ولا يُحيط به مكان، فكل ما خطر ببالك فهو هالك، والله تعالى بخلاف ذلك. فما معنى كلمة السير إلى الله أو الوصول إلى الله؟.
أولاً: الوصول بالنسبة لأهل البدايات هو الوصول إلى توفيق الله، بأن الله يتولاني بتوفيقه، فيُعينني على ذكره، وعلى شكره، وعلى حُسن عبادته، وعلى العمل الذي يُكسبني الرضا من حضرته، والعمل الذي يُوصِّلُني إلى الدرجات العُلى في جنته.
ثانياً: إذا اجتهدتُ ولازمتُ طاعة الله، وأخلصت في الطاعة والقصد إلى الله، ولا أرجو من الطاعات إلا رضا الله جلّ في عُلاه، فسأصل إلى فتح الله، فيفتح علىَّ بعلمٍ إلهامي: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾ [282البقرة]، أو يفتح علىَّ بنورٍ في فؤادي: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[108يوسف]. قال صلى الله عليه وسلم:{اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ}[1]، أو يفتح الله علىَّ ويُعطيني قبساً من الحكمة: ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[269البقرة]. أو يفتح علىَّ ويجعل لي لساناً له طلاوة عند بني الإنسان، فعندما يسمعوه ينجذبوا إلى الله، فيهدي بي الله عزَّ وجلَّ بلساني وبأقوالي من يحبُّه الله. وهذا كله وصولٌ إلى فتح الله جلّ في عُلاه، والفتح في هذا المجال كثير.
ثالثاً: الوصول إلى مقام من مقامات القرب عند الله، فإما أن أكون من المقربين، وإما أن أكون في معية الله عزَّ وجلَّ:﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [128النحل]. وما معنى معية الله؟ أن يكون الله عزَّ وجلَّ معي بتأييده ومساندته وحفظه وصيانته، فكلَّما عملتُ عملاً، أو توجَّهتث وجهةً أجد أن الله عزَّ وجلَّ معي، فيكون هذا دليلاً على أنني واصل إلى فضل الله وإكرام الله جلّ في عُلاه.
رابعاً: الله سبحانه وتعالى يتجلّى علىَّ ويجعلني في مقام يقول فيه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [54- 55القمر]، فيتولاني الله عزَّ وجلَّ بولايته، ويحرسني بعنايته، فيجعلني دوماً مع الصادقين من عباد الله، ويُبعد عني شياطين الإنس والجن، ويجعلني دائماً أقوم بالأعمال التي يعملها الصِّدِّيقُون لكي أفوز بمقام: ﴿فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا﴾ [69النساء].
فيُلهمني في قلبي بالأعمال التي إذا عملتها أستوجب (مقام الصديقية) العُظمى عند الله عزَّوجلَّ، أو يرفعني إلى مقام اسمه (مقام اللدنية)، فعندما أقرأ آيات القرآن تتفجَّر في قلبي أسرار المعاني الآتية من عند حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ، فأكون ممن علَّمهم الرحمن. وماذا يُعلِّمني؟ يُعلِّمني أسرار القرآن، ومعاني القرآن، وخصائص القرآن، فيُعلِّمني هذه المعاني العليَّة بدون مُعلِّم ولا كتاب ولا تفسير ولا مفسّر.
وهذا هو معنى الوصول إلى الله على لغة القوم في أي زمان ومكان، فيكون الوصول هو الوصول إلى فضل الله .. الوصول إلى فتح الله .. الوصول إلى مقامٍ أرضى فيه عن الله فيرضى عنّى الله: ﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. [119 المائدة].
******************
[1] سنن الترمذي والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه