سؤال: قام أحد الأشخاص بإصدار فتوى تبيح دم من يخرج على الحاكم، أو يعترض عليه؟
—————————–
لو أننا احتكمنا إلى الأزهر في كل ما نراه الآن لم يكن بيننا مشكلة ولا معضلة، لأن الأزهر يمشي على الوسطية الإسلامية، لأن الله يقول: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [143البقرة]، ليس فيه تشدُّد ولا تعنُّت ولا تسيُّب، ولا يخلط السياسة بالدين، وإنما مناهج الأزهر كما تعلمناها ويتعلمها الجميع دائماً للدِّين، لا يخلط فيها مذاهب سياسية ولا مذاهب حزبية، وإنما يتعلمها ليتعلم الأحكام الشرعية التي جاءت من ربِّ البرية وحسب.
وهذه الفتوى طبعاً حقَّقها مشايخ الأزهر بأنها فتوى باطلة، لماذا؟ لأنه لا يجوز لمسلم أن يحكم على من يقول (لا إله إلا الله) بالقتل إلا بحقِّها. وما هو حقها؟ من قتل يُقتل، إذا قتل شخصاً واعترف وثبتت عليه الجريمة، أو ارتّد عن الإسلام، لكن ما دام قد قال: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، قال صلى الله عليه وسلم: {فَمَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلا بِحَقِّهِ}[1].
أصبح دَمُهُ في حفظ الله، ومَالُهُ أيضاً لا يجوز الاعتداء عليه من أهل الإيمان بالله، قال صلى الله عليه وسلم: {كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ}[2]. لا يجوز الخوض في عرض المسلم، لأن له حرمة الإسلام، فما دام ينطق بالشهادتين ويُصلي لله، فكيف أستبيح دمه؟!! هذا أمرٌ يخالف صريح الإسلام. من أصدر هذه الفتوى استند في فتواه إلى الحديث الذي يقول: {مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ}[3].
وهذا الحديث خاص بالذي خرج محارباً، وهل في المعارضة عندنا من خرج محارباً بأسلحته للحاكم القائم؟ لا، إذن لا نهاجمه لرأيه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ}[4]. كلمة الحق لابد وأن نقولها.
وكانوا يقولونها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له رجلٌ: {اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ، وَأَكْثَر عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: اسْكُتْ فَقَدْ أَكْثَرْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: دَعْهُ، لا خَيْرَ فِيهِمْ إِنْ لَمْ يَقُولُوهَا لَنَا، وَلا خَيْرَ فِينَا إِنْ لَمْ نَقْبَلْ}[5]، فلا بأس أن أقول للحاكم: اتق الله، أو أقول له: اعدل. فكانوا يقولون ذلك حتى لحضرة النَّبِيِّ صلى اللهعليه وسلم، فجاءه رجلٌ وقال له: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: {وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟}[6].
وكونه يواجهه برأي فليس هناك حرجٌ، إذن فالقتل لمن؟ لمن أعلن الحرب، إن كانت هناك جماعة قد جهّزوا جيشاً وأعلنوا الحرب على الحاكم فهؤلاء يُعلن عليهم الحرب، وهذه هي الفتوى في هذا الباب. لكن شخص يتكلم على ولي الأمر ولا يعجبه حاله، فلا شيء عليه، وليس فيها شيئاً، فلا نُكمِّم الأفواه. فعلى المسلم أن يُعبِّر برأيه صراحة بشرط أن لا ينتقص ولا يشتم ولا يسُبّ ولا يلعن، فيُعبّر فقط عن وجهة نظره التي أباحها الإسلام، والذي كان عليه الحبيب المصطفى وأصحابه علي الدوام رضي الله عنهم أجمعين.
فهذه فتوى باطلة ولا يؤخذ بها، وهو جاهلٌ بدين الله عزَّ وجلَّ، ولا يجوز له الإفتاء في دين الله سبحانه وتعالى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمّ
******************
[1] الصحيحين البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه
[2] صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه