الإسلام أعطى للمسلم حرية في اتخاذ العقيدة الصحيحة التي يريدها في دنياه، فليس لدى المسلم صلاحيات أن يرغم أحداً غير مسلم – أو يُكرهه – على الدخول في الإسلام، لأن الله عزَّ وجلَّقال: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[256البقرة]. وقال للنبي صلى الله عليه وسلم بذاته: ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾[99يونس].
إن الإيمان لا ينفع إلا إذا كان عن اقتناع ورضا من الإنسان، هذا في البداية، ثم بعد ذلك إذا دخل المؤمن في دائرة الإيمان أصبحت حريته مرتبطة بأسوار شريعة حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ، لأن من ارتضى الإيمان لابد له من مراعاة شرع الرحمن.
فأنت حُرّ ما لم تَضُرّ، ما لم تضر نفسك أو غيرك، أنت حرٌّ في أنواع الطعام التي تأكلها بشرط أن تكون من أبواب حلال، لكن لست حرًّا في أن تأكل ما حرَّم الله وتقول أنا حرّ، وأيضاً لست حرًّا في اختيار طريقة الكسب التي تُحصل بها الأرزاق لأنها لابد أن تكون مطابقة لشرع الله عزَّ وجلَّ.
أنت حرٌّ في أن تشرب ما تشتهي، بشرط ألا تكون من الأصناف التي نَهى عنها الله، تشرب ما شئت من أنواع المياه، تشرب ما شئت من أنواع المشروبات، على ألا تذهب في دائرة المخدرات، لأن هذه دائرة حمراء نَهى عنها الله، وبغَّضها ونَهى عنها سيدنا رسول الله، فلا تقول أنا حرّ وتشرب البانجو، أو الحشيش، أو الهيروين، أو تتناول الحبوب المخدرة.
الإسلام أمرك أن تحافظ على أشياء، أن تحافظ على نفسك وعلى غيرك، وأن تحفظ عقلك، وأن تحفظ نسلك بأن يكون من حلال، وأن تحفظ دينك، وأن تحفظ عرضك، هذه خمسة أشياء قامت عليها الشريعة الغراء في حرية المسلمين.
أنت حرٌّ في شأن إتيان زوجك، على أن يكون ذلك بالطريقة التي وضحها كتاب الله وبيَّنها رسول الله، تأتيها من أي جهة أو على أي هيئة، لكن يَحْرُمُ ذلك في فترة حيضها، لأن النبيَّ نَهى عن الجِمَاع في فترة الحيض، وكذلك يحرم أن تأتيها في دبرها فقد قال صلى الله عليه وسلم: { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا} (سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه).
إذاً ما دمتُ دخلتُ في حظيرة الإيمان أصبحت حريتي مقيدة بشريعة الرحمن عزَّ وجلَّ، لا أقول أنا حرٌّ وفقط، لكن أقول أنا حرٌّ في حدود شريعة الله.
لا تقل أنا حرٌّ في مالي وميراثي أوزِّعه في حياتي كما أحبُّ وكما أريد، إذاً أنت تضرب بتشريع الميراث – في كتاب الله – عرض الحائط. أنت حرٌّ في مالِك في حياتك وتحت الحدود الشرعية الحاكمة للتصرف فى المال، فمثلاً تُجهِّز إحدى بناتك بخمسين ألف جنيه، لأن ظروفها اقتضت ذلك، ثم بعد فترة جهَّزت أختها بسبعين ألف جنيه، لأن ظروفها تقتضى ذلك، هل أعوض الأولى لأن نفقتها كانت أقل؟ لا ..
كذلك أنت تُنفق على ابنك الذي دخل كلية الطب مبالغ كبيرة، وأنفقت على أخيه الذي أخذ معهد متوسط مبالغ أقل، فلا تعوضه بما أنفقته على أخيه، لأن لكل فرد ظروفه.
أنت حرٌّ أن تُعِينَ – عند الزواج – هذا بكذا، وتعين هذا عند البناء بكذا، لأنك حرٌّ في حياتك، لكن لا تقترب من التوريث، إياك أن تكتب ميراثاً لأحد، لأن هذا ينافي شرع الله عزَّ وجلَّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { مَنْ حَرَّمَ وَارِثًا إِرْثَهُ حَرَّمَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ } (قَالَ الْجَدُّ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا، لَكِنْ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ حَدِيثُ أنس رضي الله عنه).
فالمال مال الله، وأنت تتمتع به في الدنيا ثم تتركه للورثة يقسمونه بينهم على شرع الله كي تدوم بينهم المحبة والمودَّة، وتفرح بِهم يوم تلقى الله عزَّ وجلَّ.
هذه هي الحرية في الإسلام.
******************
الحلقة السادسة عشر من برنامج أسئلة حائرة وإجابات شافية لفتاوى فورية
المسجد العتيق – طفنيس – الأقصر 20 من ربيع الأول 1434هـ الموافق 1/2/2013م