سؤال 6: قدَّر الله لكل شيء قبل بدء الخلق، وكتب علينا الشقاء والسعادة، وهل كل ما يدور بيننا وما ينزل علينا يُعد شقاءً؟ أم للشقاء مفهومٌ آخر؟
————–
ما مفهوم الشقاء؟!!، الله عزَّ وجلَّ قدَّر للإنسان رزقه وأجله وشكله ومكان ميلاده وأبويه وطريقة حياته، لكنه ترك للإنسان الأمر الذي سيحاسبه عليه ـ فما هو؟!!. (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (29الكهف). ترك له هذا الأمر.
ولذلك لا يحاسبنا على الشكل لأنه هو الذي صنعه، ولا على البلد الذي وُلدنا فيه، أو الأبوين لأنه هو الذي اختاره، وما الذي يحاسبنا عليه؟!!. الهداية!!، من يرُد الآن الهداية فمن الذي يمنعه؟ فهذا إختيار للإنسان وهو الذي يختار: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (29الكهف).
مع أن الله عزَّ وجلَّ اختار للخلق جميعاً عندما خلقهم أرواحاً – اختار لهم الهداية، ولكن عندما جاءوا إلى الدنيا، فمنهم من استمر على الهداية، ومنهم من رفض الهداية واستجاب لنفسه وسلك طريق الغواية، لأن ربنا خلق الأرواح كلها جملةً واحدة وأخذ عليهم العهد في يوم اسمه يوم الميثاق، يقول فيه في القرآن: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)، الأرواح كلها مرةً واحدة وكلمهم: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)، كانوا يشاهدون أيضاً فقال لهم: (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (172الأعراف).
وعندما جاء الإنسان في الدنيا، والنفس ظهرت!!، لأنها هناك كانت أرواحاً فقط، فالنفس تميل للشهوات، وتميل للمعاصي، وتميل للغفلة، إذا أرخى لها الإنسان الزمام تجرُّه إلى هذه الأشياء، وإذا كبح الإنسان زمامها بالشريعة والعمل بالسنة فهنا يفوز.
ولذلك يقول القرآن لنا ضارباً لنا المثل لنعلم ذلك: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ)، كتبنا لهم الهداية، (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (17فصلت).
فالموضوع هنا من اختيار من؟!!، من اختيار الإنسان، لأنه كتب لهم الهداية هنا، وهم الذين اختاروا العمى، وحضرة النبي قال لنا: (كل مولودٍ يُولد على الفطرة)، الفطرة النقية فطرة الله، وما الذي يحدث؟ قال: (فأبواه يهودانه أو ينصرناه أو يمجسانه) . يعني يجعلوه يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً – وهذا ما يحدث من الآدميين، لكن هو في الأصل نازل على الفطرة، التي هي فطرة الله، والتي هي صبغة الله، والتي هي الإسلام.
كل هؤلاء الجماعة الذين من حولنا يكابرون، لماذا؟!!، يقولون: كيف نترك دين أباءنا ودين أهلنا وندخل في الإسلام؟، مع أنهم يعرفون الحقيقة.
فخلق الله الناس جميعاً على فطرة الإسلام، لكن النفوس هي التي تحولهم إلى الطريق المعوجّ، ولذلك كان الحساب، فلو كان أمر الدين في الدنيا قدراً من الله فلِمَ يحاسبنا؟، ولو كان الله عزَّ وجلَّ – كما يقول بعض أصحاب النفوس العنادية – هو الذي قدَّر عليَّ هذا الذنب فلم يحاسبني عليه؟ ولماذا يُدخلني جهنم؟ يحاسبني عليه لأن لي الخيار.
كتب الله علينا الصلاة، فهل هناك عند وقت الصلاة من يأخذنا رغماً عنا لنؤدي الصلاة؟ لا ـ ترك لك الحرية، فمن يذهب من نفسه فله الأجر والثواب، ومن يجلس ويكسِّل فمن أين له بذلك؟، هل ربنا الذي كتب عليه؟ أم هو مَنْ اختار ذلك؟ وما الذي أخرَّه؟ نفسه، ولذلك فهو عليه حساب.
جـ2 ـ مركز شباب الرزيقات بحري ـ الأقصر الخميس 12/11/2015م الموافق 30 المحرم 1437هـ