الجزء الثاني من درس الظهر ـ القرايا ـ مركز إسنا ـ محافظة الأقصر
منزل الحاج رمضان عنتر
يوم السبت 6/2/216 موافق 27 ربيع الآخر 1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
يسأل سائل: ورد في كتاب حضرتكم: “علامات التوفيق لأهل التحقيق”:
الحيرة هي أخطر عقبة تواجه المريد السالك والواصل، والحيرة أحياناً تنتاب العبد فتجعله شديد الإضطراب والقلق لما ينتابه من خواطر ويعتريه من هواجس، فتارة تغلب عليه الخواطر الرحمانية، فيفرح وينبسط بفضل الله، وآونةً تجتمع عليه الهواجس النفسية فينقبض وتجتمع عليه الهموم وتُسيطر عليه الأحزان والغموم، لأنه ذلَّ عن الطريق، أو ضلَّ السبيل، أو أخطأ فعُوقب أو هفا فعوتب، والمخرج من ذلك أن يزن نفسه ويقيس أحواله بالموازين القرآنية والأحوال السَنيِّة الواردة في كتاب الله والمبثوثة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، والظاهرة في أحواله المُفردة صلى الله عليه وسلَّم والمتواترة في أحوال أصحابه الكرام، ومن تبعهم من أئمة السلف وخيار الخلف.
فماهي الموازين القرآنية والأحوال السنية لتلك الخواطر؟
هذا السؤال: يحتاج إلى طُلاب الدراسات العُليا وليس طلاب المرحلة الإبتدائية ولا الإعدادية.
الإنسان في بدايته ينتابه ـ أي يمر على قلبه ـ خواطر من النفس أو من الشيطان أو من الرحمن عز وجل.
وهذه معاصي ظاهرة الخيانة والسرقة والقتل وما شابه ذلك من هذه الأشياء، كشرب الخمر والزنا وعمل قوم لوط، وكل هذه خواطر من النفس.
أما خواطر الشيطان أحياناً تؤيِّد النفس وأحياناً تكون خاصة بالشيطان كالرغبة في التفريق بين إثنين متاحبين، والمشي بالوقيعة بين إثنين متآلفين، وبالتشنيع على رجلٍ من يحبه الناس لصلاحه وتقواه أو ما شابه ذلك.
أو يحب الإنسان أن يظهر بين الناس بأنه خيرٌ من بني الإنسان فينفخ فيه الشيطان نفخة الكبر، فيمشي ويُهيأ إليه أنه ليس له شبيهٌ بين الناس، فيتكبَّر على الناس.
أو ينفخ فيه الشيطان نفخة الإعجاب بنفسه فيرى نفسه أنه أفضل من هؤلاء وهؤلاء في العمل فيغتَّر ـ كلما كلمه أحد يقول له: من تكون أنت فأنا كذا وكذا وكذا ـ هذا الغرور من الذي يضعه فيه؟ الشيطان والعياذ بالله عز وجل.
وأحياناً تكون الخواطر من الرحمن عز وجل، وهي التي تدعوا الإنسان دائماً إلى فعل الخير وعمل البر والمعروف في كل وقت وآن، أي خاطر يأتيك: قم إلى فلان هذا واعطف عليه، قم فزُر فلان وساعده واذهب لفلان هذا لوجه الله، أي خاطر لعمل البر والخير فهذا يأتي من أين؟
من الله عز وجل.
خواطر أهل البدايات وهي ليس فيها أي إشكالات.
أما أهل النهايات والذين الكلام عنهم في هذا السؤال فهذا يحتاج لوقت آخر، فعندما يصل الإنسان إلى مقامٍ كريم عند المولى العظيم ويُفتح له ويرى بعين بصيرته بصيصاً أو قبساً من قدرة الله جل في عُلاه، فيرى من جبروت الله ومن قدرة الله شيئاً يحيِّر القلوب والعقول فيحدث له ذهول، فيرى أن الأقدار هي التي تجري وتُجرى بأمر الواحد القهار، فينظر فيجد أن الله عز وجل خلق الخلق في الأزل القديم وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أُبالي، فلا يعرف إن كان في هؤلاء أو في هؤلاء.
يسمع قول الحبيب عندما كان في السماوات الأولى في رحلة المعراج ووجد آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ـ ينظر إلى نسِمه ـ ونسِمه يعني أرواح بنيه ـ فينظر تارةً إلى اليمين فيتبسَّم، وينظر تارةً عن اليسار فيتجهَّم، وفي رواية فيبكي ـ فيقول: يا تُرى هل كنتُ مع الجماعة التي عن يمين آدم؟ أم مع الذين على يسار آدم؟ فتكون الأمور هنا خالصة لمن؟ لمن بيده ملكوت كل شيئ، فلا يطمئن إلى عمل حتى ولو كان على أكمل الأعمال التي يعملها كُمَّل الرجال في العبادات للواحد المتعال، لأن العمل الأساس فيه القبول، ومن الذي يضمن القبول، هل يوجد في الدنيا من يضمن القبول على عملٍ عمله؟
وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلَّم:
(إن الله ليرفع لرجالٍ أعمالاً تملأ ما بين السماء والأرض ويقول لملائكته رُدُّوها عليه، فيقولون: لم يا رب؟ فيقول: إنه لم يُرد بذلك وجهي والدار الآخرة).
كان يفعلها للشهرة وللسمعة وللرياء، وهي محطات يقع فيها كثير من المسلمين والمسلمات، فيعمل العمل ولكن ليس فيه روح الإخلاص، وهؤلاء القوم يقول ربنا فيهم:
يخاف أن يكون من أهل هذه الآية، وهذا ما عبَّر عنه الصحابة الكرام، أنظر إلى الذين بشرَّن النبي بالجنة ومشي يوم، ويده اليُمنى على يد أبي بكر، ويده اليُسرى على يد عمر، وقال:
(المحيا هكذا والممات هكذا والمبعث هكذا).
وبشرهم بالجنة ومع ذلك سيدنا أبو بكر كان يقول:
[لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدميَّ في الجنة].
وهذه هي الحيرة التي فيها أهل هذا المقام، يعلم علم اليقين أن الله عز وجل له أحوالٌ يبديها ولا يبتديها ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، يخافون من المكر الإلهي ـ يعني التدبير الإلهي ـ ولا يطلع أحدٌ من الأولين ولا الآخرين على تدبير رب العالمين، لأنه عز وجل أمره بين الكاف والنون: إنما إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
وسيدنا عمر يقول: [ليتني كنتُ كبشاً ذبحني أهلي وأكلوه] ـ مع أنكم تعلمون الأعمال العظيمة التي صنعها عمر بتوفيق الله، لكنه خائف ـ ممن؟ من جناب الله، وقدرة الله وتدبير الله لأن الله عز وجل له أمورٌ يبديها ولا يبتديها ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
وما قوَّاهم على هذه الأمور ما شاهدوه من السابقين، والذي عبد ربنا إثنين وسبعين ألف سنة ـ وليس يوماً أو إثنين، ولكن إثنين وسبعين ألف سنة ـ وقال فيه صلى الله عليه وسلَّم:
(ما في السماوات موضع أربع أصابع إلا ولإبليس له فيه سجدة لله عز وجل).
لكنه أذنب ذنباً واحداً ـ كم ذنب عمله؟ ذنباً واحداً فقط، قال له: أُسجد، فقال:
فانطرد لماذا؟ لذنب واحد، ولم تشفع له عبادة كم سنة؟ إثنين وسبعين ألف سنة بدون معصية لله عز وجل.
فلما يطلعوا على هذه الأحوال ـ وهذا ما يجعلنا نعجب من أحوال الصالحين والعارفين في هذه المواجهات والمنازلات، أنه عندما ينظر إلى قدرة الله الصالحة لكل أمر فيقول: وماذا عملت؟ فالعمل الذي أعمله أعمله بحولٍ منه وطول، فإذا لم يمدني بحولٍ منه وطول، فهل أستطيع أن أقوم بأي عمل؟ إذا لم يتجلى الله عز وجل باسمه الصمد على عبده الصائم فمن منا يستطيع الصوم حتى الظهر، ولكنه يتجلى علينا باسمه الصمد فنصوم حتى المغرب وأحياناً إلى ما بعد العشاء، وأحياناً إلى ماشاء الله ولا نشعر بمشقة ولا تعب، لماذا؟ لمعونة الله:
إذا لم يعنَّا على العبادة فمن منا يستطيع أداء العبادة، وفي أبسط الأمور:
لو تخلى عنك ستر الله في زمن أداء الصلاة ـ أي صلاة ـ فمن منا يستطيع حفظ طهارته، وعدم حتى خروج الريح حتى يخرج من الصلاة، من؟ هل منا يملك ذلك؟ فمن الذي يحفظ ذلك؟ الحفيظ عز وجل.
فيقولون كل هذه العبادات التي نؤديها ـ كلها بمعونة الله وبتوفيق الله وقوة الله ورعاية الله، والقبول فلا نضمنه، فالمهم القبول، إعمل كما تشاء والمهم القبول.
فلو قبل الله من رجلٍ ركعتين في عمره فيا هناه، فيضمن جنة الله، لكن من منا يضمن القبول.
فهؤلاء الرجال هذه حيرتهم التي تنتابهم في هذه الأحوال، فما الذي ينبغي عليهم عمله؟
يقتدون بالحبيب صلى الله عليه وسلَّم ويأخذ الدواء من كتاب الله ومن هديه الكريم.
سيدنا رسول الله الذي ربنا اصطفاه وحباه وأدناه وجعله خير رسل الله كان عقب كل صلاة يقول:
(اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبِّت قلبي على دينك يا ألله).
فعندما يقول ذلك الحبيب ـ فماذا نقول نحن؟ نقول مثله أو حتى على الأقل نردد وراءه، ماذا يا رسول الله؟ قال:
(القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء).
وليس أصبعين كهذان؟ لا ـ القلب إما يواجهه الله بالجلال والقهر والشدة، وإما يواجهه الله بالجمال باللطف والأنس والمودة والرحمة، فدائماً يتقلب بين الجلال والجمال.
إذا ثبت فيكون من أهل الكمال فيواجهه الله عز وجل بكمال ذاته، فهم دائماً خائفين لأنهم في حال المواجهات، أحياناً بجلاله وأحياناً بجماله.
إذا واجهه بالجمال دائماً فنفسه تنبسط ويخرج عن حدود الأدب، وهذه المصيبة ـ إبنك إذا دللته زيادة عن اللازم فماذا يفعل؟ يخرج عن حدود الأدب معك، فلابد كل فترة تُظهر له الشدة حتى يظل ملتزماً بالآداب، ولذلك كانوا يقولون:
[إذا أجلسوك على البساط فإياك والإنبساط].
إحفظ الأدب مع مولاك، وكثير ممن سلك طريق الصلاح وقع في هذا الأمر ـ كيف؟
يظل حتى تظهر على قلبه الإشراقات، ويرى الأنوار البينات ويقول: أنا قد وصلت لأنه لا يرى إلا الجمال، ويقول: أنا غير محتاج إلى الصلاة أو الصيام وغيرها، ويقول: هذه الأشياء ليس لها ضرورة فقد وصلت، فيترك الصلاة ويترك الصيام وشرائع الله عز وجل.
جاءه خاطر ـ ففي هذه الحالة هذا الخاطر هل شيطاني أم رحماني؟ في هذه الحالة يكون هذا الخاطر شيطاني.
لو وزنه بميزان الحبيب لظلَّ صحيح وصائب، وكيف؟ يقول: لو أن لأحدٍ أن يترك الصلاة لكان أولى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لكنه لم يتركها حتى في ساعة المرض وسيدنا العباس يسنده من جهة وسيدنا على يسنده من جهة أخرى، ويربط رأسه ودخل المسجد وآخر كلمات قبل أن يلقى الله:
(الصلاة الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم).
فلو كان لأحدٍ غير رسول الله أن يترك الصلاة كان أولى بذلك الخلفاء الراشدين، والصحابة من الأنصار والمهاجرين، لكن هل سمعنا أن أحدهم ترك الصلاة؟ لا ـ فالميزان هنا صحَّح له أحواله وأطفأ نار الخواطر الإبليسية التي إنتبابته وإرتابت فيه.
ولذلك سيدي عبد القادر الجيلاني كان جالساً في الخلوة فوجد النور من الأرض إلى السماء، وهذا لم يحدث لهؤلاء القوم، ومادام سمع من النور:
عبدي عبد القادر، فقال: لبيك سيدي ـ واعتقد أن من يكلمه رب العزة عز وجل ـ قال: إني أبحتُ لك المحرمات، فقال: إخسأ يا ملعون، فتحول النور إلى دخان، وقال: كيف عرفتني يا عبد القادر، فقال: إن الله لم يحرِّم شيئاً على لسان نبي، ثم يبيحه لولي ـ التحريم والتحليل لمن؟ للأنبياء، وهل هناك بعد الأنبياء تحليل وتحريم؟
لا ـ كيف يحرمه على لسان نبي ويبيحه لولي، وهل هناك تشريع بعد النبي؟ لا ـ فقال له: نجوت مني يا عبد القادر بعلمك وفقهك ـ وانتبه معي ـ قال له: ولقد أخرجتُ قبلك سبعين رجلاً من أهل الطريق بهذه الكيفية.
فلا يرى النور بين السماء والأرض ويقول له: أبحتُ لك المحرمات، فيقول: أنا أخذتُ تصريح وتفويض؟ كيف؟ زن نفسك بميزان الشرع.
الشيطان أو النفس ـ يقول له: أنت أصبحت من عباد الرحمن ولا للنفس ولا للشيطان عليك من سلطان، فلا مانع أنك تجالس واحدة أو تسافر معها وحدك في خلوة، لأنك أصبحت في أمان، وهل حضرة النبي قال هذا؟ بل قال:
(ما اجتمع رجلٌ وإمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).
فلا يصِّح أن تغلق عليكما الباب، ولكن تجلس والباب مفتوح إذا كان أمراً مهماً، والكل يراكما، ولكن يُغلق الباب؟ لا فلم يأمر بذلك النبي الكريم صلى الله عليه وسلَّم.
يقول: أنا مطمئن لنفسي وضامن لنفسي، نقول له: إذا كنت تضمن نفسك فهل تضمنها هي الأخرى؟ نفرض أنك ضامن نفسك أنها لن تتحرك، فهل تضمن للأخرى أن لا تتحرَّك نفسها؟
أنت حالياً وضعت نفسك موضع التُهم، والدين يقول لك: لا تُعرض نفسك لمواقع التُهم، فهذه مواطن الحيرة التي تقع لأكابر الرجال في مثل هذه الأحوال.
فماذا يحتاج ليزن نفسه؟ الشريعة المطهرة، كتاب الله وأحوال رسول الله وأحوال الصحابة البررة الكرام الذين مات صلى الله عليه وسلَّم وهو راضٍ عنهم.
فمن يخالف هؤلاء فيكون ذلك من نفسه أو من شيطانه، لأن ربنا قال:
“أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ” (90الأنعام).
وهل فينا أحدٌ أو في الآخرين يبلغ شعرة في واحد من أصحاب النبي الأمين؟ يكفي أنهم رأوا وجه رسول الله فجالسوه وسمعوه وعايشوه وأشرقت عليهم أنوار حضرته، فمن منا من يبلغ ذلك؟ فمن رآه منا في المنام يقول: ليس مثلي أحد، لكن هؤلاء رأوه في اليقظة وجالسوه وحادثوه وكلموه وعرفهم، وكانوا بين يديه لا يفعلون شيئاً إلا بإذنٍ من حضرته صلوات ربي وتسليماته عليه.
فهؤلاء الرجال الذين نقيس بهم الأحوال حتى ننجوا من هذه الحيرة التي تصحب أصحاب هذه المقامات، لأن إبليس يا أحبة له من الحيل ومن المكر الخفي ما يعجز عنه كُمَّل بني آدم لولا عناية الله عز وجل.
ومع ذلك هؤلاء الذين أخبرهم الرحمن كانوا خائفين من المكر الخفي الذي أشرنا إلى بعضه، ولذلك كان كُمَّل العارفين على هذه الكيفية.
سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه، وكان من كُمَّل الرجال في عصره وأوانه إلى آخر الزمان ـ يقول: رأيت واقعةً إلهية وسمعت الحق عز وجل يقول لي: يا علي لا تأمن مكري ـ ومكري يعني تدبيري وتقديري وهذا اسمه المكر الإلهي:
“وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله” (30الأنفال).
هم يمكرون، لكن مكر الله هنا أي تدبير الله وتصريف الله، وليس مكر بمعني المكر السيئ كمكرنا؟ ولكن تدبير للوقاية من المكر وللحماية من المكر الذي نحن فيه.
فقال له: لا تامن مكري، إياك أن تأمن مكر الله عز وجل.
الأمان في اتباع الشرع:
لسنته فاخضع وكن متادبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً وحاذر فحصن الشرع باب السلامة
على الجمر قف إن أوقفتك توضعـــــــاً يكن لك برداً بل ســـــــــــــــــــــــلاماً برحمةٍ
فنحن كلنا نحتاج لنخرج من الدنيا على خير إلى الشريعة في كل أحوالنا نحكمِّها في كل أمورنا إن كنا مبتدئين أو واصلين.
فشريعة الله لا أجتهد فيها من نفسي، لا ـ فهي تحتاج كما ربنا قال:
“فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ” (43النحل).
فتنة هذا الزمان ما هي؟ أنه يجتهد في شريعة الله، يفتي بنفسه وكثير من الناس حالياً يفتي بنفسه، يعني على سبيل المثال: مسألة الميراث كم في المائة من يعمل بشرع الله فيها؟ أنتم تعلمون في أي بلد ـ كم في المائة؟ خمسين في المائة.
فالرجل يقول لأولاده: يا أولادي أنا سألقى الله وبعد أن ألقاه إذهبوا لعالم عامل يورثكم بشرع الله، وهذا هو الشرع.
لكن النفس وأحياناً الزوجة وأحياناً الأولاد يضحكون عليَّ، ويقولون: أن فلان تركك ولم يسأل عنك فلم تعطيه ميراث؟ لا ـ لا تعطيه واحرمه، أو لماذا تعطي البنات؟ هل أرض فلان يأخذها فلان وفلان؟ هل تخرج الأرض من عائلة فلان ويمتلكها عائلة فلان وفلان؟
لو أن زمام أرضنا هنا في القرايا قلنا له نريد أن تُخبرنا بمن توالى عليك من أول آدم حتى وقتنا هذا؟ هل نستطيع أن نعد، وكم نحتاجه من الأجِّندات والسجِّلات التي نكتب فيها؟
أي فدان من هذه الفدادين التي عندنا، فالأرض كلها لله، فلم أجتهد وأخالف شرع الله؟ فلم لا أنجُ بنفسي وأرجع إلى الله وأُوصي أولادي وأقول لهم: يا أولادي عليكم بشرع الله، وشرع الله لأنه يعرف أننا نحب الأرض والمال والدنيا لم يترك صغيرة ولا كبيرة في هذه القضية إلا وذكرها في القرآن، فلم أُقحم نفسي فيها؟ وهذا مثل من الأمثال.
فعما عليَّ إلا أن ألتزم بشرع الله عز وجل، ولو أننا جميعاً إلتزمنا بشرع الله فلن يكون في مجتمعنا مشاكل ولا خلافات ولا أحقاد ولا أحساد، ولا بُغض ولا كُره ونظل كلنا أُخوة متآلفين على الدوام.
أنا رجل واحد وأنجبت سبع أو ثمان أولاد رجال وكلهم أولادي، فالمفروض أن يكونوا جماعة واحدة، فما الذي يجعلهم أعداء؟ هذه الجزئية، أن فلان أخذ الأرض الخصبة وترك لنا الأرض السبخة، وفلان أخذ كذا وترك لنا كذا وفلان ضحك علينا في كذا، فإذا ظلوا على شرع الله يكونوا عُصبة واحدة ورجلٌ واحد لأن كتاب الله عز وجل كما قال فيه الله:
وهكذا في كل القضايا فيكون ميزان الشريعة الإلهية الموجود في الآيات القرآنية وأحوال الحضرة النبوية وأحوال الصحابة الأجلاء هو الخلاص من كل داء يصيب الإنسان في دنياه أو يتعرض له في أخراه.
نسأل الله عز وجل أن يجعل الشرع الشريف قائدنا وإمامنا إلى جنة النعيم، ويوفقنا للعمل بالقرآن وللإهتداء لسنة النبي العدنان، ويجعل شرع الله عز وجل هو الحاكم لنا وعلينا في كل وقتٍ وآن، ويجعل أولادنا وبناتنا مستمسكين بالقرآن، وعاملين بحقٍ بسنة النبي العدنان حتى يجمعنا وإياهم في أعلى الدرجات العُلى في الجنان.
ويجعلنا من أهل منازل الرضوان ومع النبي العدنان ومع صحابته الحسان بسره صلى الله عليه وسلَّم وبسر القرآن العظيم.