• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

30 يناير 2014

مقام الصديق ابو بكر

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أريد أن أوضح معنيً في القصيدة، أن كثيراً من الأحباب يخطئ في هذا المعني

لم ير الصــــــــديق منه        غير هيكله المبــــــــــــــــــــــــاح

ومعانيـــــــــــــــــــه تعالت          عن عقول ذوي الصلاح

كثير من الأحباب يظن أن هذا البيت قيل في سيدنا أبي بكر الصديق. لا، سيدنا أبو بكر الصديق t صاحبُ أكبر مقام في الأمة كلِّها إلي يوم القيامة بعد سيدنا رسول الله r.

ولذلك تجده ماشياً وراء رسول الله القد بالقد، والقدم علي القدم!! حتى أن سيدنا رسول الله يحكي أنه عندما كان في خلوة (قاب قوسين أو أدنى)، أحسَّ بالوحشة، فسمع صوت سيدنا أبي بكر الصديق فأتنس، وقال فيها: (السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين)، أخذهم معه. لكن هو وراء رسول الله مباشرة.

وإن أعلي ما تفضل به المتفضل علي حبيبه ومصطفاه قال له: )وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى( (5الضحى). وربُّنا ماذا قال في سيدنا أبي بكر؟ ) وَلَسَوْفَ يَرْضَى( (21الليل فألحْقه في المقام مباشرة!! قال r: ( ما صُبَّ في صدري شيءٌ إلاَّ وصببته في صدر أبي بكر)[1].

وسيدنا عمر t كان جالساً يتكلم مع أولاده، فسيدنا عبد الله بن عمر y  ذكر سيدنا أبا بكر فقال له: لَليلةٌ واحدة ويومٌ واحد من أبي بكر خير من عُمَرَ وعُمْرِ عُمَرَ كلِّه في طاعة الله U. قال له: ما هذه الليلة؟ قال: ليلة الغار، دخل مع رسول الله واحسبوا معي – )ثَانِيَ اثْنَيْنِ(، ها هو مع النَّبِيِّ،  )إِذْ هُمَا فِي الْغَار( ، كم واحدة حتى الآن؟ اثنان. ) إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا(  (40التوبة). فهو داخل مع حضرة النَّبِيِّ في كل هذه المقامات، رضوان الله تبارك وتعالى عليه.

 كان حضرة النَّبِيِّ يقول لأصحابه: (لكل رجل عندنا يداً – ويد يعني جميلاً -كافأناهُ بها، إلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه بها الله U يوم القيامة). يدٌ كبيرة لسيدنا أبي بكر t، وتفصيل هذه الليلة كثير لمن أراد أن يعلمه، يرجع لكتب كثيرة منها كتاب: (ثاني اثنين)، الذي ألّفناه في خصوصيات الهجرة المباركة الميمونة لسيدنا رسول الله r

قال: واليوم؟ قال: اليوم؛ يوم وفاة رسول الله r،كلُّ الصحابة حَدَثَ عندهم هَلَعٌ؛ سيدنا عمر أمسك سيفه وقال: (من قال إن محمداً قد مات؛ قطعت عنقه بسيفي  هذا)، وسيدنا عثمان أُقعد ووقع علي الأرض ولم يستطع أن ينهض أو يقوم، وسيدنا عليٌّ أُمْسِكَ لسانه ولم يستطع أن يتحدث،كل واحد من الصحابة حصل له شيء غريب في هذا اليوم!! من الذي ظلَّ في رباطة جأشه، وقوة عزيمته، حتى يُثَبِّتَ هؤلاء الجماعة كلهم؟! هــو سيدنا أبو بكر t، هو الذي ثبَّتهم كلهم.

جاء ووجد الحالة – وكان يسكن بعيداً عن رسول الله r خارج المدينة – لما سمع جاء ودخل عليه r، وقال أدخلوني عليه لأراه، وكشف الغطاء عن رسول الله r وقبَّله وقال: (طِبْتَ حيًّا وميتاً يا رسول الله)، بعد ذلك خرج  لهؤلاء الجماعة كلهم فقال لهم: {من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، )وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ( (144آل عمران)}[2]. انظروا ماذا يقول سيدنا عمر؟ فكأني أسمع هذه الآية – عندما قرأها أبو بكر – لأول مرة!! كأنه لا يعرف أن في القرآن أية كذلك!! من الذي ثبّت الله به هذه القلوب؟  هو سيدنا أبو بكر الصديق!!!

وهذا قدم الصديق، الصديق الذي يثبت القلوب عند النوازل، ويثبت النفوس عند تزلزل الأهواء، ويثبت الأفراد عندما تزل بهم نفوسهم ويميلون إلي الشهوات، وينحطون إلي أسفل الدركات، فيكون هو الذي يثبت هؤلاء القوم!! مَنْ يحدث عنده رجّة، أو يحصل عنده  زلزلة، هؤلاء جبال يثبت الله بها القلوب، كما أن الجبال الظاهرة يثبت الله U بها الأرض.

واليوم الثاني هو يوم الرِّدَّة؛ عندما خرجت العرب كلُّها أو أغلبها ورجعت عن الإسلام ولا تُريد دفع الزكاة! يقولون نحن موافقون أن نصلي لكن لا ندفع  الزكاة!!
وكبار القادة والأصحاب يقولون نتركهم قليلاً؛ حتى نتمكن ونعود فنحاربهم.

وهنا سيدنا أبو بكر t – وكان نحيف الجسم، وكان ضعيفاً – لكن الرُّوح التي بداخله  أكبر من الأرواح الموجودة في الأمة كلها كما قال سيدنا رسول الله r: (لو وزن إيمان هذه  الأمة بإيمان أبي بكر لرجحت كفة أبي بكر)[3]. مثلما قال الإمام الشافعي t – وهو نفس المنهاج – فكان يقول عن نفسه:

عليّ ثياب لو يباع جميعها       بفلس لكان الفلس منهن أكثر

لا تساوي حتى فلساً، والفلس عملة كالمليم وأظنها في الكويت –

عليّ ثياب لو يباع جميعها بفلس       لكان الفلس منهن أكـــــــــــــــــــثر

وبينهما نفس لو  يقاس ببعضها                نفوس الورى كانت أعز وأكبر

المهم النفس الموجودة بداخله!!!

وما ضر نصل السيف إخلاق غمده    إذا كان عضًّا حيث وجهتـه فري

إذا كان جراب السيف مهرياً لا يضره فالمهم في السيف وليس في الجراب!!

والجسم كالجراب يحوي الروح، ولذلك يقول سيدي محي الدين بن العربي t:

(لو بُعِثَتُ رُوحُ أبي بكر الصديق t لهزمت جيشاً بأكمله!!!). روحه هي التي ثبتت هذه الجيوش.

إذن ما معنى كلمة: لَـمْ يَرَ الصِّدِّيقُ؟ صاحب مقام الصديق؛ لأن سيدنا أبا بكر t فَنَي في سيدنا رسول الله r، ولم يستطع أَحَدٌ أن يتمتع بحبيب الله ومصطفاه – ويرى جماله، ويشاهد كماله، ويتلذذ بوصاله – إلا إذا فَنِي بالكلية عن ذاته ونفسه في حبيب الله ومصطفاه. لكن مجرد صدِّيق يعني لا يزال اثنين – هذا واحد، وهذا واحد – إذن لا يزال يأخذ علي قدره، لكن لا ينال القدر الأعظم إلا من فَنَي في الحبيب المصطفى r.

انظروا إلى الإمام أبي العزائم عندما بلغ هذا المقام ماذا يقول t؟

فتارةً أنا مَخمُورٌ أَرَاكَ أَنَا             وتارةً أنا عَبْدٌ ذَاتُهُ مُحِقَتْ

عندما يشرب الخمر الربانية:  )وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً  ((21الإنسانيراه هو، ولذلك واحد من الأحباب كان في مدينة السويس وذهب ليرى الإمام أبا العزائم t، وهو في المنام – في الليلة التى سيسافر فيها – رأى سيدنا رسول الله  rجالساً علي كرسي، وأمامه ستارة، وأمام الستارة الإمام أبو العزائم، إذا فتح سيدنا رسول فمه ونطق بكلمة يعيدها ويرددها مرة أخرى مَن؟ الإمام أبو العزائم!! فاحتار في هذا الأمر!!

ذهب إلي الإمام أبي العزائم، وكان الإمام جالساً في صحن البيت وحوله الأحباب، أول ما دخل صاحبنا، إذا بالإمام أبي العزائم يُملي – والإمام أبو العزائم t لم يكن يؤلف، إنما كان يُملى عليه هواتف الإلهية، وهي القصائد فيرددها، والذين من حوله يكتبونها وبعد أن يكتبوها، يقول لهم أسمعوني ماذا قال؟ بعضها يقول لهم: أحرقوها لأنه لا يستطيع أحدٌ تحمُّلها، وبعضها يقول لهم: اتركوها، وسمَّاها مواجيد. لماذا؟ لأنها عن وَجْدٍ وعن شوق، وعن حبٍّ لرسول الله r.

وعندما دخل الرجل – وكان الإمام أبو العزائم لما يأتيه هذا الحال كأنه يغيب لحظات، ويتكلم ومن معه يكتبون، حتى أنه كان يأتيه الحال ليلاً فكان الأحباب بعضهم يدخل وينام تحت سرير الإمام، عندما يأتي الحال ليلاً يُملي فيكتبون خلفه، ظانين أنه لا يعلم بهم فقال لهم:

أنا لو أغني في الخَفَا لتكلمت       أحجار هذا البيت عن كلماتي

هذه الحجارة ستُبَلِّغ، وأحياناً كان يُملي علي الموجودين ولا أحدٌ فيهم يعرف الكتابة، يقول: يا فلان اكتب؛ وفلان لا يعرف أن يكتب، فيمسك القلم ويكتب!! ويظل يكتب ما شاء الله بعد ذلك علي الدوام!! إكراماً من الله U!! اكتب فيكتب وانتهى الأمر – ولم يلبث الرجل أن دخل وإذا بالإمام أبو العزائم t يقول:

لــولا   ولــولا  ولــولا       عــهـد وثـيــــــــــق لمولى

لكشفت عني ستاري     وبــحـت بالسـر قـولا

لســـــــت المغني بقولي       إلا إذا الـفـرد أمـلـي

أغيب عني وأمـلــــــي        لمن بســـــــــــرِّي تحلَّى

إن كان ما قلت نوراً      فالسرُّ أعلى وأغلى

يُعطي لفرد مــــــــــرادٍ         عن كلِّ غَيْرٍ تسلَّى

باع النفوس ومــــــالاً       حتى به صرت أولى

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

************

 

[1]

[2] رواه أحمد عن عائشة رضي الله عنها.

[3]

1                       درس السهرة – مسجد الطومية بطفنيس 30-1-2014م  

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid