• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

9 فبراير 2016م

منازل الرحمه والرضوان_سورة التوبة 18-22

.

شارك الموضوع لمن تحب

***********************************

أهل الرحمة والرضوان

الآيات التي عندنا الليلة سمعناها من أخي الفاضل بارك الله فيه:

غزوة بدر حدثت بين الرسول صلى الله عليه وسلَّم وبين أهل مكة، وخرج فيها أُناسٌ من الوجهاء والعظماء من أهل مكة، ووقع بعضهم في الأسر، ومنهم عم النبي صلى الله عليه وسلَّم سيدنا العباس، صحيح أنه خرج مُكرهاً، لكن لم يصِّح هذا الوضع، فالصحابة البررة الكرام أخذوا يعاتبونه: لماذا تحاربون إبنكم؟ إنه منكم وشرفه شرفٌ لكم، وعزُّه عزٌّ لكم، لماذا تحاربوه؟ وأخذ سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه يلوم العباس ويقول له:

أنت عمه تقطع الرحم وتأتي لتحاربه؟ هل هذه صلة الرحم؟ فأخذ يعاتبه فالعباس ومن معه ملُّوا من كثرة الكلام فقال: تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ قال له: وما هي المحاسن؟ فقال لهم: نحن نشرف على البيت الحرام وسقي الحجيج ونطعمهم ونأويهم وأنتم لا تستطيعون فعل هذا العمل، وظن أنه بذلك إنتصر.

فكان هذا سبب نزول هذه الآيات، لأنه ظنَّ أن عمارة البيت الحرام بإطعام الطعام وإسقاء الماء وماشابه ذلك من العبادات، فربنا قال لا:

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الاخِرِ” (18التوبة).

أول شرط: الإيمان، لأنه لا ينفع مع الكفر عملٌ للخير.

السيدة عائشة رضي الله عنها كانت من قبيلة إسمها ـ بني تيم ـ قبيلة سيدنا أبو بكر، وكان من بينهم رجلٌ من العظماء في الجاهلية، وهذا الرجل بنى مضيفة بجوار الكعبة وكلَّف لها طهاة يطعمون كل من يأتي إلى بيت الله، وعملها داراً للمناسبات لأهل مكة كلهم وداراً للإجتماعات واسمها دار الندوة.

فتقول السيدة عائشة له: يا رسول الله فلان هذا ـ وهو عبد الله بن جُدعان ـ هل ينفعه عمله يوم القيامة؟ قال:

(لو آمن بالله لنفعه عمله).

إذن وضع الحبيب قاعدة أنه لا ينفع مع الكفر عملٌ عند الله عز وجل، قبول العمل عند الله شرطه أن يصدر ممن آمن بالله وآمن باليوم الآخر، فلو آمن بالله واليوم الآخر ولم يقم بالتكاليف الشرعية التي كلفنا بها الله أيضاً يحبط عمله، فشرط قبول العمل عمارة المساجد وعمارة القلوب شرطها أن تُعمَّر بماذا؟

“مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا الله (18التوبة).

هذه الأعمال أوصلته إلى مقام مراقبة الله، فأصبح قلبه يمتلئ بالوجل والخوف خشيةً من جلال الله جل في علاه.

وهذا الذي ربنا قال فيه:

“فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18التوبة).

وكلمة عسى هنا ليست للترجي، ولكن معناها أن هؤلاء إن شاء الله سيكونوا من المهتدين إلى الطريق القويم الذي نزل به الرؤف الرحيم صلى الله عليه وسلَّم، وبعدها كلَّم هؤلاء الجماعة فقال:

“أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله” (19التوبة).

هل هؤلاء كهؤلاء؟ لا ـ وكما سمعنا في القراءة الأخرى العظيمة التي تلاها فضيلة القارئ:

أجعلتم سقاة الحاج وعَمَرَةَ المسجد الحرام، فهذه قراءة توضح المقصود، للجماعة الذين يسقون الحجيج ويعمرون المسجد الحرام بالأكل والشرب ولم يؤمنوا بالله فهل يكونوا كالجماعة الذين آمنوا بالله وآمنوا باليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله وقطع الله الحجة فقال:

“لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ الله” (19التوبة).

هذا غير هذا نهائياً:

وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19التوبة).

وبين بعد ذلك مقام المؤمنين ليفرِّحهم ويُبشرهم ويدخلنا معهم في هذه البشريات الإلهية:

“الَّذِينَ آَمَنُوا” ـ وهذه واحدة.

“وَهَاجَرُوا” ـ وهذا الثانية.

“وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ الله” (20التوبة) ـ وهذه الثالثة.

كم صنف؟ ثلاثة:

جماعة آمنوا وجماعة بعدها هاجروا، وجماعة بعد ذلك جاهدوا في سبيل الله، ماذا لهم يا رب؟ قال:

“يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21التوبة).

الجماعة الذين آمنوا تكون لهم الرحمة من الله عز وجل، وهذه بشراهم، فهي ثلاث بشريات بثلاث فئات، الذين آمنوا لهم رحمة الله عز وجل، والذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم لهم مقام الرضوان، مقام الرضوان أعظم المقامات في الجنان، فالجنة فوقها مقام الرضوان.

ولذلك عندما يدخل أهل هذا المقام الجنة يقول الله تعالى لهم:

(هل رضيتم؟ يقولون: نعم يا رب، فيقول: فإني أُحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعدها أبدا).

والجماعة الذين هاجروا؟ فلهم الجنة ـ فلماذا قدَّمنا وأخرنا؟ لأن من هاجروا في الدنيا، فأجرهم الذي يناسبهم أن يكون لهم في الآخرة جنة النعيم التي أعدها الكريم لكل من هجر المعاصي وكل من ترك دار الشرك وفرَّ إلى الله عز وجل راغباً في جواره وفي داره التي أعدها للمؤمنين والصالحين.

وبعد أن يدخلوا هذه الجنة، لِكَمْ يوم؟ أو لكم شهر؟ يريدون أن يطمئنوا، فقال لا تقلقوا:

“خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا” (22التوبة).

لا خروج منه أبداً، وهل هذا فحسب؟ قال: إن هناك شيئٌ آخر لا يستطيع البشر تحملها:

“إِنَّ الله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22التوبة).

وما الأجر العظيم؟ هذه تجليات وموآنسات ومكاشفات وملاطفات، وهناك أشياء غيبية جعلها الله لأهل هذه المقامات لا تستوعبها العقول، ولا تستطيع أن تصل إلى مداها النفوس، ولكن الله عز وجل قال لحبيه أن يعبِّر عنها بعبارة عامة:

(إن الله أعدَّ لعباده الصالحين في الجنة ما لا عين رأت ولا أًذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر).

ولكي نفوز بهذا الفضل العظيم لابد أن نضع أنفسنا بواحدةٍ من هؤلاء:

الإيمان الحق وهي أول درجة:

إن الذين آمنوا، والإيمان الحق أي الذي ليس فيه شكٌ ولا ارتياب في حضرة القريب الوهاب عز وجل، الإيمان الذي يرضى به الإنسان بما قدره له مولاه، لا يعترض عليه في قضاء، ولا يتمرَّد إذا لحق به شيئٌ في الأرض من الأذى في نظره، وإن كان رفعةً في الدرجات عند الله عز وجل.

الإيمان الصادق الذي صاحبه دائماً يشكر الله على عطاياه، ولا يشكو الله إلى خلق الله، ويقول: ـ إشمعنى أنا اللي عامل كذا وكذا وكذا ـ فهذا ليس إيمان صادق، لكن أصحاب الإيمان الصادق يسألهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ويقول لم:

(أمؤمنون أنتم؟ قالوا: مؤمنون ورب الكعبة، قال: فإن لكل قولٍ حقيقة فما حقيقة إيمانكم؟    قالوا: نشكر عند الرخاء، ونصبر عند البلاء، ونصدق عند اللقاء، فقال صلى الله عليه وسلَّم: مؤمنون ورب الكعبة).

فعلامة الإيمان الصادق لمن يريد أن يفوز بهذه المقامات، مقامات الرحمة والرضوان، والدرجات العُلى في الجنان ـ ما هي؟

الشكر عند الرخاء والرضا بمُرُّ القضاء، وأن يكون الإنسان صادقاً عندما يلاقي مولاه في الصلاة أو في تلاوة كتاب الله أو في أي عملٍ صالحٍ يتوجه به إلى مولاه جل في عُلاه.

لابد للإنسان المؤمن في هذه الحياة التشبة بأصحاب رسول الله فتكون له هجرة، هجرة لمن؟ للعلماء العاملين والأولياء والصالحين، لكي يفتح الله عليه بفتوح العارفين، وربنا ضرب لنا المثل في القرآن الكريم، فقال لموسى ما معك من علم فهذا علم الشريعة، وأنا أريد لك العلم الخاص الذي خصصتُ به أهل الإختصاص، فقال له: تهاجر وتذهب لهذا الرجل الذي معه هذا العلم ـ فكم أمشي؟ قال: سأمشي ولو لثمانين سنة لكي أصل إلى هذا الرجل لكي أصل إلى العلم المكنون الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم:

(إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرِّة بالله تعالى).

والرجل لم يكن له عنوان معروف ولا صيت ولا شُهرة ولا أحد يعرفه، ولا يعرفه أحد إلا من يعرفه ربنا به، هاجر سيدنا موسى ومعه تلميذه ليذهب لسيدنا الخضر، لماذا؟ ليتعلم، فلابد للإنسان أن يهاجر للعبد الرباني الذي أوضح الله صفاته في آيات القرآن فقال في شأنه لكليم الله موسى ولنا ولكل المؤمنين الصادقين:

“آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65الكهف).

نفرض أن هذا الرجل في مكان بعيد، حضرة النبي قال: حتى ولو كان في الصين:

(أطلبوا العلم ولو في الصين).

هذا العلم الذي سيوصلك إلى الله وسيجعلك من العارفين بالله، وسيجعلك في السُلَّة الأولى مع:

“مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ (69النساء).

وسيجعلك تُرزق بجوار رسول الله وهي المنازل العالية التي يحرص عليها كل مؤمن، لأننا كلنا مسافرين وإن لم  يخرج كل واحد منا بمنزلة من هذه المنازل فماذا يفعل هناك؟ هل يقول:

“يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ (56الزمر).

هل تنفع هذه الحسرة هناك؟ لابد للواحد منا ـ من هنا ـ أن يعمل حسابه على ذلك، يهاجر المؤمن ليزور أخاً له في الله، لأنه لو زار أخاً في الله الملائكة تنزل ويمشي معه سبعين ألف ملك يحيطون به، قال صلى الله عليه وسلَّم:

(زُر في الله فإن من زار أخاً في الله شيَّعه سبعون ألف ملك ـ وماذا يقولون له؟ يقولون: طبتَ وطاب ممشاك وطابت لك الجنة).

أمشي في المصالح ـ ما المانع ـ ولكن أعمل حسابي أن يكون لنفسي نصيباً في هذه المصلحة العُظمى، فأذهب إلى واحد من الأحبة في الله، حتى لو كان عندي هموم أو عندي ضيق أو عندي غيره، فلقاء الإخوان يُذهب الأحزان، فبمجرد أن يلتقي الإنسان بأخيه الإنسان ينسى كل همومه، وتذهب كل الغموم ويأتيه فرج الله عز وجل في الوقت والحال ببركة هذه الزيارة في الله عز وجل.

فلابد للإنسان المؤمن أن تكون له هجرة، أو هجرة إلى بيت الله ليؤدي الفريضة التي كلفنا بها الله إذا يسَّر الله عز وجل له الأسباب.

يريد أن يذهب زيارة ليؤدِّي عُمرة ـ والعمرات أصبحت كثيرة في هذه الأيام بالمكاتب السياحية لكي يكتسبوا، فلا مانع ـ ولكن يجب لمن يؤديها أن لا يظن أنه قد أنهى ما عليه، ولما يرجع يقول الناس: الحاج فلان فيظن أنه بذلك قد أكمل كل شيئ، لا ـ لو ذهب لمائة عمرة فلن يسد مقام الفريضة التي فرضها الله عز وجل عليه.

وهذه هي الجزئية التي يجب علينا أن نفهمها لهم، لأنه متصور أنه بأداء العمرة وعند عودته يقولون: الحاج فلان حضر، لا ليست حجِّة ولكنها زيارة، ولا تُغني عن الحج مهما كثُرت ومهما أعددت فيها، لأن الحج فريضة والعُمرة سنة.

لكي أهاجر للحج فلا مانع أو أهاجر للعمرة فلا مانع، أو أهاجر لزيارة الصالحين حتى المنتقلين، وماذا فيها؟

الجماعة الذين لا يعرفون أصول الدين يقولون أن الحديث يقول:

(لا تُشد الرحال إلا لثلاث مساجد ـ وماذا فيها؟ ـ والحديث الآخر وضحها ـ واسمعوه:

(لا ينبغي أن تُشد الرحال إلى مسجدٍ إلا لثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد بيت المقدس).

لكن جميع المساجد سواءٌ بعد ذلك:

(جُعلت لي الأرض مسجداً).

لكن أنا ذاهب الآن ليس للمسجد، ولكن لمن؟ لزيارة الرجل الصالح الذي روحه في روضةٍ من رياض الجنة بجوار أو في داخل هذا المسجد، فليس فيها شيئٌ أبداً ولا تناقض الشريعة بل هي في عين الحقيقة قربةٌ إلى الله عز وجل، لأن الله قال لنا في آل بيت النبي:

“قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (23الشورى).

فنحن اليوم والحمد لله الليلة هي الليلة الكبيرة لسيدنا الحسين سنحتفي بها إن شاء الله بعد أخذ إستراحة قصيرة وبارك الله فيكم أجمعين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثلاثاء 9/2/2016 موافق غرة جمادى الأولي 1437 هـ    ترعة ناصر ـ مسجد الشيخ ناصر ـ مركز إسنا ـ الأقصر

 

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid