• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

8 فبراير 2016

منازل المجاهدون الصادقون_سورة الأنفال 45-46

,

شارك الموضوع لمن تحب

•┈••❅♢✿♢❅••┈•

بسم الله الرحمن الرحيم:

الحمد لله الذي أنزل لنا في كتابه الكريم وفي ذكره الحكيم كل ما نحتاج إليه لإصلاح دنيانا وللسعادة في أُخرانا.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي كان خُلقه القرآن، وعمله بالقرآن ونطقه بالقرآن، وحياته كلها بالقرآن، فكان قرآناً يمشي بين الناس.

صلى عليه وعلى آله الذين تابعوه، وأصحابه الذي آووه ونصروه، وعلى كل التابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين، وأمنن علينا يا ربنا واحشرنا في زمرتهم واجعلنا منهم أجمعين.

في الحقيقة يا أحبة كتاب الله عز وجل فيه شفاءٌ لكل المشاكل ودواءٌ لكل المشاغل، وعلاجٌ لكل المصالح وذلك لو اتبعناه لكنا أعلى الأمم شأناً وأسعد الشعوب حياةً وتكون رايتنا مرفوعة على العالم أجمع، لأنه كما قال فيه الله لنا:

“لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا” (49الكهف).

كل ما يحتاجه الإنسان في دنياه علمَّه لنا الله في كتاب الله؟ كيف نتكلم؟ وكيف نمشي؟ وكيف ننام؟ وكيف نأكل؟ وكيف نشرب؟ كل الحركات والسكنات التي نحتاجها في دنيانا وجَّهها إلينا مولانا عز وجل في كتابه القرآن الكريم.

وأوصانا أجمعين بأن الإنسان لو أراد النجاح في أي عمل، وأن يتجنَّب كل خطأٍ وكل ذلل، فأهم شيئ يستمسك به في حياته كلها في كل أمر أن يداوم على ذكر الله، لأن الذكر هو المفتاح لكل نجاح وفلاح.

والعبادات التي فرضها علينا الله إنما كانت إعداداً لنا بالكيفية الصحيحة لذكر الله عز وجل، فربنا أمرنا بالصلاة، لماذا يا رب أمرتنا بالصلاة؟

“إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ” (45العنكبوت).

وهذه فيها أقوال كلها صحيحة تبين وجهة نظر الواحد المتعال عز وجل:

فمن الممكن أن تقول أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكن ذكر الله الذي يداوم عليه المرء أكثر في النهي عن الفحشاء والمنكر ـ من أين؟ من الصلاة، لأن الصلاة لها أوقات محدودة معدودة، لكن ذكر الله على الدوام يجعل الإنسان الله منه على بال، فيراقب الله عز وجل ويخشاه لأنه يذكره جل وعلا في كل لحظاته في صبحه ومساه.

وممكن أن تقول: وهذا عين اليقين ـ ذكر الله لي بعد ذكري له في الصلاة أكبر من ذكري له، لأن الله قال لنا:

“فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ” (152البقرة).

فنحن نذكره في الصلاة فلابد أن يذكرنا، فأيهما أكبر؟ ذكري أم ذكر الله؟ حاشا لله عز وجل، فذكر الله للعبد أكبر من ذكر العبد لربه في الصلاة، لأنه قال في حديثه القدسي:

(من ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأٍ خيرٌ من ملأه).

سيذكرني بين الناس، لكنه سيذكرني بين الملائكة الذين اصطفاهم وحباهم وأدناهم وجعلهم عز وجل لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

فأمرنا الله عز وجل بذكره في الصلاة، ولذلك قال لسيدنا موسى الكليم:

“وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي” (14طه).

فهذا لنذكر الله عز وجل.

الحج: أيضاً كله لذكر الله:

“فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا الله”(200البقرة).

ومرةً أخرى يقول:

“فَاذْكُرُوا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ” (198البقرة).

كل آيات الحج تحُضُ وتحُثُّ على ذكر الله عز وجل.

والصيام:

بعد الإنسان ما يعينه الله عز وجل على أداء فريضة الصيام، أمره الله عز وجل أن يُكبِّر عز وجل  الذي أعانه وقوَّاه على أداء الصيام لله:

“وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ” (185البقرة).

علمنا ربنا من هذه العبادات ومن الآيات المبثوثات في كتاب الله، ومن أحوال حبيبنا سيدنا رسول الله، أن المداومة على ذكر الله جل وعلا فيها الصلاح والفلاح لأي أمرٍ يمشي فيه الإنسان.

فإذا ذهب ليعمل والعمل ثقيل، إذا ذكر الله عز وجل عند عمله يُخفف الله عز وجل عنه عناء العمل حتى يعمل ولا يشعر بكسلٍ ولا خورٍ ولا ضعفٍ ولا ملل، ولذلك كان الصالحين والمتقين دائماً يذكرون الله على الدوام.

حتى في التجارة يشتري والتي كلها مشاغل يشتري ويبيع ويساوم ويفاصل، قال هناك جماعة ربنا يحبهم:

“رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله” (37النور).

حتى السوق كان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يركب بغلته يوم السوق ويدخل السوق يمشي فيه قليلاً ثم يرجع، فلم يشتري ولم يبع، فيسألوه: لماذا جئت للسوق؟ يقول لهم: سمعت النبي يقول:

(من دخل السوق وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيئٍ قدير، كُتب له مائة ألف حسنة، ومُحي عنه مائة ألف سيئة، ورُفع له مائة ألف درجة) ـ فقد جئت من أجل هذا الأجر الكريم، لماذا؟ لأن أهل السوق أحياناً يكونوا غافلين.

فذاكر الله عز وجل بين الغافلين يكون أجره مُضاعفٌ أضعافاً كثيرة، فكان يدخل السوق ليذكر الله عز وجل.

كان الزرَّاع لا يضع نبتة في الأرض إلا ومعها ذكرٌ لله ليُنبتها الله نباتاً حسناً، ولا يمسك آلة أو مُعدة ويرفعها إلا ويذكر الله، ولا يُنزلها إلا ويذكر الله، فيُخفف ذكر الله عنه عناء العمل ويجعل هذا العمل مباركاً، وثماره مباركةً بأمر من يقول للشيئ: كن فيكون.

فالمؤمن لابد أن يكون دائماً ذاكراً لله عز وجل.

لما أراد الله عز وجل إعزاز دينه، وبلوغ الإسلام إلى جهات العالم تولَّى بذاته تدريب المؤمنين المجاهدين الذين سيخرجون مع سيد الأولين والآخرين ناشرين لهذا الدين، معسكر إلهي وضع خطة النصر في أي معركة حربية أو معركة إقتصادي أو معركة سياسية، أو معركة إجتماعية، خطة النصر في أي معركة ماهي يا رب؟

يا أيها الذين آمنوا ـ هذا الكلام لمن؟ للمؤمنين في عصر النبي، والمؤمنين بعد عصر النبي ونحن منهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا نقول: أن هذا كان لأصحاب النبي ومن حوله، ونحن لا شأن لنا بهذا الموضوع؟ ولماذا جعل الله هذا القرآن يُتلى مدى الدهر؟ حتى نعرف هذه التعليمات.

من يُرد النجاح في أي موضوع لابد أن يعمل خُطة وديننا علمنا التخطيط السليم، والخطة تكون جسمانية:

تدريب على القوة وعلى حمل السلاح، وعلى كيفية استخدامه وعلى إجادة التنشين، وكلها قوة بدنية، ولكن لابد أن يكون معها خُطة إستراتيجية وهي الخطة التي يتوقف عليها النجاح في أي مصلحة عاجلة دنيوية أو حربية أو إقتصادية كما قلت:

“إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا” (45الأنفال).

أول شيئ لابد للثبات ـ للثبات على المبدأ، فإذا كان للإنسان مبدأ سيثبت عليه، فلابد للإنسان أن يحارب فيعمل خُطة للإصلاح بين عائلتين، أو يعمل خطة للنهوض بنفسه أو بالمجتع إقتصادياً، فيكون له مبدأ يريده من وراء ذلك، وخير المبادئ ما كان يريد به وجه الله عز وجل.

وضرب الله عز وجل المثل في ذلك لحبيبه الأعظم ونبيه الأكرم صلى الله عليه وسلَّم لما بدأ دعوته، الجماعة في مكة جلسوا مع بعضهم حول الكعبة وقالوا: ما رأيكم نريد أن نعرف نيته، فنعرض عليه إذا كان يريد أن يكون رجلاً غنياً نجمع من كل واحد منا مبلغاً من المال حتى يكون أغنانا ويترك هذه الدعوة، وإذا كان يريد الرئاسة والمنصب ويكون أمير مكة ورئيسناً فنحن موافقون على ذلك، وإذا كان ما يحدث له تعب من مسٍّ من الجن أو تعب روحاني أو تعب جسماني، فنحن مستعدون أن نأتي له بالأطباء والحكماء والكُهَّان ليعالجوه.

من الذي يُعرض عليه الخُطة؟ إختاروا رجلاً من وجهائهم ليعرض عليه الأمر، وبعد أن عرض عليه الأمر قال له: هل انتهيت؟ قال له: نعم، فقال له: استمع لما جئتُ به من عند ربي:

“حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ” (3) (غافر).

فالرجل عندما سمع هذه الآيات خاف أن تتزلزل الأرض أو ينزل صاعقة من السماء وتغيَّر ورجع مسرعاً إلى قومه، فقالوا له: ماذا رأيت؟ قال: أنا أرى أن تتركوا هذا الرجل ولا شأن لكم به، فإذا ظهر والدين الذي معه فهو شرفٌ لكم لأنه إبنكم، وإذا لم يستطع ولم يكن له طاقة بالعرب فيكفوكوا شره وليس لكن علاقة بهذا الموضوع.

فقالوا له: لقد سحرك، فقال لهم: والله إنكم لتعلمون أنني أعلمكم بالشعر وأني أفضلكم إلى السحر، فما سمعته منه ليس بشعر ولا بسحر ولا يقوله بشر، وهذا الكلام ظاهر من عند الله عز وجل، فأنا أرى أن له لطلاوة وإن عليه لحلاوة وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلوا ولا يُعلى عليه، من الذي قال هذا الكلام؟ كافر ولم يؤمن.

قالوا: نذهب إلى عمه أبو طالب ـ وهو الذي كان يدافع عن حضرة النبي وعائلة النبي التي هي بني هاشم كانوا كلهم أربيعين رجلاً ـ لكن مكة كان العدد فيها كبير، فقالوا: إما أن تحجز عنا إبن أخيك، وإما نتجمَّع كلنا عليكم وهذا لا طاقة لكم به.

فذهب أبو طالب لحضرة النبي فقال له: يا بن أخي لا تحملني ما لاطاقة لي به فارحمني وارحم نفسك ولا داعي لهذا الموضوع، فقال له:

(يا عماه والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله عز وجل أو أهلك دونه).

فأول شيئ يحتاجه الإنسان لبلوغ المراد في أي شأنٍ هو صدق النية والثبات على المبدأ، ولذلك أنبأنا الله عز وجل لمن يمشي للصلح بين إثنين أو فريقين أو عائلتين أو طائفتين:

“إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا” (35النساء).

إذا ثبت على المبدأ وكانوا يريدون الصُلح مؤكداً فإن الله يُليِّن لهم حديد القلوب ويجعلهم يلينون في أيديهم ويهتدون بأيديهم ويتقاربون ويصطلحون لأنهم ينوون ذلك.

فأول شيئ هو الثبات على المبدأ، والمبدأ يكون لله ويكون معه نية صالحة لوجه الله عز وجل.

ما هي الخُطوة الثانية في الخُطة الإلهية القرآنية؟ ـ لمن يريد أن يصل لأي أمر، حتى لمن يريد أن يصل إلى الله فلابد من ذلك، أن يكون ثابتاً في المبدأ وليس لتحصيل دنيا أو لمشيخة أو لإظهار كرامات، أو ليجعل الناس يدورون من حوله، أو ليقبلوا يده، فهذا كله ليس لله، فلابد من البداية أن يكون هذا الأمر لله عز وجل، فلا يريد من الله إلا وجه الله، ولا يريد من الله شيئاً سواه، فإذا ثبت على المبدأ:

“وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (45الأنفال).

وربنا يخاطبنا في أكثر من آية في القرآن ويقول فيها كما في آية الأحزاب:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا” (42) (الأحزاب).

فلما ربنا يقول لنا: كثيرا فهل يكون للذكر حدٌ؟ أو له نهاية؟ فالإنسان لو قطع ليله ونهاره وتكون حياته كلها في ذكر الله، فهل يكون قد ذكر الله كثيرا؟ لا ـ لأن كلمة كثيراً من رب العزة معناها أنه بابٌ مفتوحٌ وليس له نهاية أبداً ولا غاية، وكلما زاد الإنسان في ذكر الله زاد في القرب من حضرة مولاه، وكلما رفعه إليه مولاه وحباه وقرَّبه وأدناه، لأن الله عز وجل كما سمعنا وكما قلنا:

فاذكروني أذكركم، فكلما زاد في الذكر كلما زاد في الرُقي، ولذلك كان السادة الصالحون يقولون: ما هي علامة الولاية؟ وما علامة المرء الذي كُتب في ديوان الصالحين؟ قالوا:

[إذا ألهمه الله بمداومة ذكر الله في كل وقتٍ وحين، ويرى نفسه يذكر الله على الدوام قائماً وقاعداً وماشياً وغيره، فيعرف ويعلم علم اليقين أن الله اختاره وكتبه في ديوان لصالحين].

قال في ذلك الإمام عليٌّ رضي الله عنه وكرم الله وجهه:

[إذا أحب الله عبداً ألهمه ذكره].

فيجعله يذكر الله على الدوام، والذكر ليس للإنسان عُذراً في تركه، لأنه لا يحتاج إلى وضوء ولا إتجاه للقبلة ولا الجلوس في مسجد ولا لشيئٍ معين، أذكر الله في أي وقتٍ: قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم في أي وقت.

ولو حتى الإنسان عليه جنابة، فالجنابة لا تمنعه من ذكر الله، ولكنها تنمعه من قراءة كتاب الله والصلاة والصيام والطواف بالبيت، ولكن لا تمنعه من ذكر الله.

فما عُذر المرء الذي يقدمه لمولاه في غفلته عن ذكر الله جل وعلا؟ لا يوجد شيئ أبداً.

ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم: هناك جماعة سيدخلون الجنة سيندمون، ولماذا يندمون؟ قال:

(لا يندم أهل الجنة وهم في الجنة إلا على الساعة التي مرَّت بهم دون ذكر الله عز وجل).

فمن له رأس مال في الجنة يقول: لماذا لم أزيد؟ ومن كان رأس ماله خفيف يقول: لماذا لا أزيد؟ فلم تكن تكلفنا شيئاً، لأن ذكر الله كلامٌ خفيفٌ على اللسان ثقيلٌ في الميزان حبيبٌ للرحمن، فعندما يذكر المرء الله فهل هذا يتعبه يا أحبة؟ ما التعب الذي فيه؟ لا يوجد أبداً، ولذلك جعل الله عز وجل أعظم المقامات التي ذكرها في سورة الأحزاب، ماهو أعلى مقام؟

“وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ” (35الأحزاب).

وهؤلاء سيدنا رسول الله بيَّنهم يوماً لأصحابه، وكان ماشياً في الصحراء وبجواره جبل إسمه جُمدان، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

(هذا جُمدان سيروا فقد سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون ـ وكلمة المستهترين يعني المكثرون ـ المستهترون بذكر الله وضع الذكر عنهم أثقالهم حتى يلقون الله عز وجل يوم القيامة خفافاً).

وأتناول مثالاً واحداً يقول فيه الحبيب:

(إذا قال العبد لا إلا الله ذهبت إلى صحيفته ـ التي يُسجِّل فيها الملائكة ـ فمحت كل سيئة تقابلها حتى تجد حسنةً تجاورها).

عنما يقول: لا إله إلا الله فتعمل كممحاة فتمسح كل السيئات في الصفحة حتى تجد حسنة فتقف بجوار هذه الحسنة.

فالذكر يخفف الذنوب ويستر العيوب، ويستمد صاحبه القوة والمعونة من حضرة علام الغيوب، فيبلغ ما يريد لأنه يذكر الله عز وجل.

وحتى ما هم في ميدان القتال كما رأينا في الآية قال لهم: إياكم أن تتركوا الذكر وأنتم تضربون بالسلاح، وأنتم تضعون الزخيرة، وأنتم تجهِّزوا الخُطة، فأي خطوة من الخطوات عليكم بذكر الله، ويمكن نحن كلنا أو الجماعة الكبار منا عرفنا أنه كان من الأسلحة الفعالة في النصر سنة ثلاثة وسبعين ماهي؟ كلمة الله أكبر، فكان يقول الرجل: الله أكبر فيحدث لليهودي له جزع وينام ويستسلم وليس من السلاح، ولكن من التكبير الذي سمعه من المؤمن في هذا الميدان الكريم، وكان درساً عملياً ربنا أعطاه لنا لنعرف أن ذكر الله عز وجل أهم سلاح يعتمد عليه المرء في هذه الحياة إن كان في دنياه، أو في حياته أو الجهاد في سبيل الله عز وجل.

الأمر الثالث:

“وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ” (13المجادلة).

لابد من طاعة رسول الله، وطاعة رسول الله هي طاعة الله:

“مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله” (80النساء).

لأنه من الجائز أن يُحرم الإنسان من رزقه، أو يُعاقب في جسمه أو نفسه أو ولده أو غيره، لماذا؟ لمخالفة شرعية خالف فيها الحضرة المحمدية.

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حاصروا حصن بابليون في مصر ـ ولم تكن القاهرة قد بُنيت، ولكنه كان حصناً وله سورٌ من حوله، وكان أهل البلد من أتباع المقوقس ومعهم الجماعة الأقباط.

فحاصر المسلمون الحصن وطلبوا نجدة من سيدنا عمر فأرسل لهم نجدة ومكثوا ستة أشهر، فتعجبوا لأن أصحاب رسول الله كانوا يعرفون أنهم وهم في الميادين أن المعركة كانت لا تستغرق أكثر من ساعة مهما كانت قوة العدو، فهي ساعة واحدة حتى يأتي الله بالنصر.

فلما طال الوقت قالوا: ماذا تركنا وخالفنا فيه رسول الله؟ ولم نعمل بالآية: وأطيعوا الله ورسوله لذلك لم يتحقق لنا النصر؟

بحثوا فوجدوا أنهم نسوا إستخدام السواك، وليس بسبب نسيان الصلاة لأنهم كانوا يصلون ومحافظون على الصلاة، ولكن نسوا فضيلة من الفضائل وهي السواك والذي حضرة النبي قال فيه:

(صلاة بسواك خيرٌ من سبعين صلاةً بغير سواك).

فرجعوا للسواك، فالأعداء نظروا من فوق السور فوجدوا كل واحدٍ في فمه قطعة من الخشب ـ أي السواك وهو من خشب ـ فقالوا: يبدوا أن هؤلاء القوم جاءهم مددٌ فيأكلون الخشب، وإذا كنا لم نقدر على هؤلاء القوم، فكيف نحارب من يأكل الخشب؟

فسلموا واستسلموا فوراً، لماذا؟ لأنهم أطاعوا الله ورسوله، ولذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه يُوصي جنده ويقول لهم: إنكم لا تغلبوا لكثرة عدد لأنهم أكثر عدداً منكم، ولا بعُدةٍ لأن عُدتهم أشد من عدتكم، وإنما تغلبونهم بطاعة الله عز وجل.

ويُحذر القائد ويقول له: حذِّر الجُند من معصية الله، لأنهم إذا عصوا الله فيكونوا متساويين مع الأعداء والأعداء أكثر في العدد وأقوى في العُدة فيكون لهم النصر، ما الذي يُرجِّح ميزاننا؟ طاعة الله ورسول الله صلى الله عليه وسلَّم.

وأهم وصية في هذه الآية القرآنية التي ركَّز عليها الله، وركَّز عليها في مواضع لا تُعد في كتاب الله ونحن نحتاجها كلنا في كل أحوالنا في المساجد وفي الشوارع وفي الجوار، وفي العمل وفي أي مجال:

ولا تنازعوا ـ فلا يحدث بيننا وبينه خلاف، ولا يحدث بين بعضنا فُرقة وانقسامات، بعد أن كنا رجلٌ واحد فيكون هذا ضد هذا، وهذا ما يسبب المشاكل التي في عصرنا، لمجتمعنا الذي نحن فيه الآن.

فظهرت الفُرقة وظهرت الخلافات، وظهرت الإنقسامات وكل جماعة يظنون أنهم على الحق والباقي على الباطل، ويقضوا بقتلهم مع أنهم مسلمين وأصبحت الأسلحة موجهة للمسلمين واليهود عايشين آمنين مطمئنين، هل يوجد سلاح الآن يُوجَّه لليهود؟ لا ـ ولكن السلاح موجه للمؤمنين، وهذا أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلَّم ببصيرة نبوته، قال فيه صلى الله عليه وسلَّم:

(إذا كان آخر الزمان خرج من أمتي شبابٌ حُداث الأسنان ـ صغار في السن ـ سفهاء الأحلام ـ العقول ليست ثابتة لأنها لو ثابتة لا تفعل ذلك أبداً ـ يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يتركون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام).

ألم يحدث ذلك الآن وقد حذَّرنا منها رسول الله وحذَّرنا منها كتاب الله:

“وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ” (46الأنفال).

وهذا الحاصل الآن، فشل حاصلٌ في ليبيا وحاصلٌ في سوريا وحاصلٌ في العراق وحاصلٌ في الصومال وحاصلٌ في اليمن، ولولا عناية الله بنا لحدث لنا نحن، ويحاولون بكل وسيلة ليدخلونا مع هؤلاء الجماعة.

من منا يستطيع أن يهاجر بزوجته وأولاده ويمشي كما يمشي الجماعة السوريين في البلاد الأجنبية؟ وأين نذهب؟ لكن ربنا سبحانه وتعالى أكرمنا في هذا الوقت وأخرجنا من هذا المقام، فأوصى الله عز وجل بعدم النزاع.

نحن في بلد كلٌ له رأيه في الدين، وهذا له رأي في الدين، وهذا له رأي في الدين فلا نختلف، وماذا نفعل؟ نرجع للأعلى في العلم، تعالى أنا وأنت نذهب لفلان فهو أعلم منا، ورأيه يمشي عليَّ وعليك.

فإذا إختلفنا في أي فضية، كقضية حدود في أرض أو قضية في بيت، أو في أي أمر، نلجأ للمحكِّمين العقلاء ويعملون لوجه الله، ونرضى بحكمهم وكان هذا الكلام يمشي في الزمن القديم وكانت القُرى في سعادة، لكن الآن إن لم تحكم اللجنة له فلا يوافق على الكلام وتعترض على حكم أعضاء اللجنة.

الإسلام أمرنا باختيار حكماء عقلاء يحكمون في كل المشاكل وكل المشاغل التي تحدث بيننا، وبذلك نظلُّ كما قال الله في الأمر الوحيد وكما قال بعض الصالحين والمسلمين يرفضون تطبيق هذا الأمر:

“وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا” (103آل عمران).

وهذا الأمر الذي لا نستطيع تطبيقه، فكل واحد يعتقد أن رأيه هو الصواب وغيره رأيه خطأ، لماذا؟ فلو كان رأياً شرعياً فعلى العين وعلى الرأس ونقول: سمعنا وأطعنا، لكن هذا رأيك ووجهة نظرك، والآخر له وجهة نظر أُخرى، ونقرِّب وجهات النظر وتسير الأمور ونعمل بقول الله:

“وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ” (38الشورى).

لأنها التي ضيِّعت قوتنا: فتذهب ريحكم ـ أي قوتكم، أين القوة في ليبيا وفي الصومال وفي سوريا وفي العراق والتي كانت تدافع عن هذا المبدأ؟.

هل هناك قوة؟ ما الذي ضيَّع هذه القوات؟ الخلافات، فالعراق كانت من أقوى الدول العالمية في السلاح، وكيف أصبحت الآن؟

ليبيا كان عندها مخازن سلاح تكفي أفريقيا كلها، أخذوها وباعوها والمصيبة أنهم جلبوا منها الكثير وباعوها عندنا، وكان يجلبوها لنا بالأطنان ويعبروا بها من الحدود، وزادوا المشاكل بين المسلمين وذهبت القوة التي كانت في هذه الدول، وما أعاننا في عام 1973 أننا كنا مع سوريا، نحن في هذه الجهة، وسوريا كانت من الجهة الأخرى، فسوريا الآن ضاعت لم يعد إلا نحن ويريدون الإنهاء علينا لتستريح إسرائيل.

لماذا ضاعت القوة؟ نتيجة الفشل ونتيجة التنازع، وماذا نحتاج يا رب؟

“وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ” (46النفال).

نصبر مع بعضنا في التعاون مع بعضنا، ولا نتعجَّل في الغضب، ولا نتعجَّل في الرد إذا سمعنا ما لايعجبنا، ولا نتعجَّل في موضوع إلا بعد التأني والمشورة والصبر يا إخواني.

فمن يمشي فيه يكون معه الله، يعني معه تأييد الله ومع معونة الله ومعه توفيق الله، ومعه عناية الله ولا يتخلى عنه مولاه طرفة عين ولا أقل.

هذه يا أحبة ليست خُطة للقتال فقط، ولكنها خُطة للقتال في سبيل الله، وخُطة لجهاد النفس لمن أراد الوصول إلى رضوان الله جل في علاه، أليس هذا قتال أيضاً؟ وجهاد النفس قتال أيضاً، فيكون خطة لجهاد النفس، لمن أراد أن يصل إلى فضل الله وإكرامات الله وعطاءات الله، وهذا هو المنهج وهذه الخطة الإلهية.

نسأل الله عز وجل أن يُعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمَّنا، وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يغفر لنا ذنوبنا ما قدمنا منها وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أظهرنا وما أبطنا، وما علمنا وما لم نكن نعلم، وأن يجعلنا دوماً من عباده الذاكرين الفاكرين الحاضرين الشاكرين لحضرته في كل وقتٍ وحين، وأن يُلحقنا بالصالحين وأن يُدخلنا في معية سيد النبيين، وأن يجعلنا من أهل شفاعته يوم الدين، ومن أهل جواره في جنة النعيم، وأن يجعلنا ممن يكرع من حوضه الشريف شربةً هنيئة مرئية بيده الشريفة لا نظمأ بعدها أبداً.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

•┈••❅♢✿♢❅••┈•

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid