• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

7 نوفمبر 2015

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

…………………………………………………………………….

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، سيدنا محمد نبيِّه وعبده، وآله وصحبه وأتباعه، وعلينا معهم أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.

النصيحة التي دائماً أقدمها لأخواتي؛ النصيحة التي تنفعنا في الدنيا، وترفعنا يوم لقاء ربِّ العالمين، حتى إذا التقينا هناك ونتقابل سويا نتذكر ونقول أن هذه هي فعلاً النصائح النافعة التي كنا في أمسِّ الحاجة إليها.

النصيحة التي أريد أن أقدمها إليكن اليوم: أن هناك عادات إجتماعية انتشرت في الأمة الإسلامية، وانسحب عليها عادات سلوكية – في سلوك الناس والأفراد – وظن الناس أن هذه العادات إسلامية وتوافق عليها الشريعة الإلهية وإنها طبيعية ليس فيها أمرٌ مستنكرٌ، ولا عليها وزور ولا ذنب، وهذه العادات في الحقيقة مخالفة تماماً تماماً للشريعة الإسلامية. ليس لي شأنٌ بالعادات المظهرية، الشكلية التي ينشغل بها الناس زيادة عن الحد، لكنني أهتم بالعادات السلوكية والأخلاقية، لأن الهدف من رسالة الإسلام حدَّده نبيُّ الإسلام في قوله صلى الله عليه وسلم – لماذا جاءت هذه الرسالة؟ قال صلى الله عليه وسلَّم: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)[1]. أن يكون الناس على أخلاق جميلة مع بعضها ومع نبيِّها ومع ربِّها عزَّ وجلَّ.

أول عادة أصَّلها رسول الله سلوكياً – في أصحابه وصويحباته – حديث بسيط سنسمعه ويا ليتنا نحفظه، ثم نحاول أن نعمل به قدر ما في وسعنا، الحديث يقول: قال صلى الله عليه وسلَّم – وتصلِّين عليه عندما تسمعن إسمه، لأنه يقول: (البخيل الذي يسمع إسمي ثم لا يصلي عليَّ)[2] – الحديث يقول: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه). نكرر الحديث مرة أخرى حتى نحفظه: (من حُسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه)[3].

والحديث معناه واضح وبسيط وسلسٌ وسهل، معناه: أن الإنسان لا يتدخل في شئون الآخرين، ولا يُقحم نفسه بحثاً عن حلٍّ لأحوال الآخرين، إلا إذا استدعاني أحدهم فلا مانع، فأنا متطوَّع، لكن لا يجوز من نفسي ـ لا.

ولذلك كان السلف الصالح إستبناطاً من هذا الحديث – يقولون في الأدب الواجب مع المسلمين عند دخول بيوتهم، عندما يدخل الواحد منا، أو الواحدة بيتاً ماذا يفعل؟ والإستئذان من الآداب الشرعية ومعلومة لنا جميعاً، لكن أنا أتكلم على الناحية السلوكية في هذا الحديث – قالوا: (يدخل البيت أعمى ويخرج منه أبكم). وأعمى يعني: لا يلتفت لهذا ولا لذاك، ومن أين أتوا بهذا؟ ولا بكم، ومتى جاءت به؟ وما هذا، وما ذاك؟ فما لنا ولهذا الأمر؟!!!. هل ندخل للبيت أم لصاحبة البيت؟ لصاحبة البيت، وصاحبة البيت معنا هنا، فما شأننا بمقتنيات البيت؟ فهذا شئٌ لا ينشغل به أى مسلم. فإذا خرج من البيت وقد دار حديثٌ بيني وبين بعضنا، فهذا الحديث لا يعرفه ولا يسمعه الآخرون – أي: أبكم.

وهذه الأشياء تحتاج إلى الحسم بين المؤمنين والمؤمنات، كيف ذلك؟ يعني لا تحتاج إلى حرج، وربنا قال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (78الحج). تقول لها: يا فلانة ماذا قالت لكِ وماذا قلتِ لها؟، أقول لها: وما شأنك أنت بذلك؟!!، لكننا نتصرف كأن عندنا إيتيكيت زائد عن الحد ونستحي أن نقول لها هذه الكلمة، لا، الإسلام ليس كذلك، الإسلام أوصاني أن أردَّها، وهذه تعتبر هدية مني لها لأنني أعلمها السلوك القويم الذي ينبغي أن تكون عليه.

فأقول لها على الفور: ما شأنك بهذا الأمر؟، لو كان هناك شئٌ خاصٌ بك سأعرفك به، ولكن مادام ليس هناك ما يخُصُّكِ ولا من جهتكِ ولا من طرفكِ، فلماذا تتحسَّسي الأخبار، وتتعرفي على ما دار؟!!، والرسول صلى الله عليه وسلَّم قال: (المجالس بالأمانات)[4].

وهذا جزءٌ آخر نحتاج إليه، وخاصة البنات والسيدات، (المجالس بالأمانات)، يعني: أننا لو جلسنا في مجلس؛ واحدة مع واحدة – أو مع إثنتين أو أكثر – أصبح سرًّا ما دار في المجلس أمانة، لو الإنسان أفشى شيئاً من هذا المجلس تكون خيانة يحاسبه الله عزَّ وجلَّ عليها يوم القيامة، فكل فتن المجتمع أغلبها من إفشاء هذه الأسرار، فكان حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم يُركِّز على كل هذه الأمور السلوكية.

واحدة من الصحابيات الصالحات إسمها: أم سليم رضي الله عنها وأرضاها، وأنتن ربما تعلمن قصتها عندما مات ابنها، وواحد كان من أغنى أغنياء المدينة أراد أن يتزوجها وهي كانت عميقة الإيمان وشديدة الحب للنبي العدنان، فقالت له: تدفع المهر، فقال لها: وما المهر؟ قالت: لا أريد منك غير: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وقد كان مشركاً، ولكنه من أغنى أغنياء المدينة، ومن الفرسان الشجعان، فقال لها: أُفكِّر في الأمر. ذهب وفكَّر، ثم عاد وهداه الله ونطق بالشهادتين، فقالت له: هذا مهري ولا أطلب شيئاً غيره – حتى تعرفن مدى قدر صلتها بالله عزَّ وجلَّ.

رزقها الله عز وجل منه بولد، ومرض الولد، وكان نائماً، وخرج أبوه لعمله فتوفَّى الولد، وجاء أبوه بعد أن أنهى عمله آخر اليوم، فسألها عن الولد، فقالت له: إنه نائم، وتزينت وتهيأت وكأنها عروسٌ في ليلة عُرسها. وفي الصباح قالت له: يا فلان لو أن أحداً أعطانا أمانة نحفظها له وطلب منك الأمانة، فماذا أنت فاعل؟ قال لها: أردَّها له، فقالت: صاحب الأمانة أخذ الأمانة. فغضب الرجل لأنها لم تعرِّفه – لأنه إبنه – وكيف تتركيني في الليل ولم تعرفيني إلا الآن.

ذهب ليشتكي للرسول صلى الله عليه وسلَّم، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (لقد عجبت الملائكة من صنيعها في تلك الليلة – كيف لإنسانة في حالة بشرية تصنع ذلك الأمر؟ – وسيعوِّضكم الله عنه بعشرة من الولد كلهم صالحين)[5]، وقد كان.

هذه المرأة الصالحة كانت قبل أن تتزوج هذا الرجل متزوجة بآخر أنجبت منه ولداً بعد أن أبطأ بها الإنجاب – يعني مكثت فترة دون إنجاب – فلما أبطأ الإنجاب قالت: يا رب، لو أعطيتني ولداً فسأجعله خادماً للكعبة؛ بيت الله الحرام – ولم يكن النبي قد هاجر عندهم ويعرفوه، فرزقها الله بولدٍ أسمته “أنساً”، وهو الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه – وهاجر النبي، وأنس كان عمره عشر سنوات فأتت به وقالت: يا رسول الله، هذا أُنس ابني، وكنت قد نذرتُ لله عز وجل إن رزقني به أن أجعله خادماً للكعبة، والآن أجعله خادماً لك، خادم لمن؟!!، خادم لحضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم، وكان سنه عشر سنوات!!.

انظرن كيف كن يعلمن أولادهن على منهج حضرة النبي، وهذا ما أريد أن أصل إليه من هذه الحكاية كلها: حضرة النبي أرسل أنساً ليقضي له مصلحة، فقابلته أمه في الطريق فسألته: إلى أين أنت ذاهب يا أنس؟، فقال لها: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلَّم في أمرٍ أقضيه له. فقالت: وما هو؟، قال: ما كنت لأُفشي سرَّ النبي – أنظرن إلى التعليم كيف كان؟!! – فاحتضنته وقبلته وقالت له: (هكذا فكُن). فكانوا أول شئ يعلموه للأولاد وللبنات كتمان الأسرار، وعدم إباحة الأحاديث التي يسمعونها.

ويمكن أنا حالياً تأتيني مشاكل من الأسر بين الرجل وزوجته!!، ومَنْ سببها؟، الأولاد!!، فالولد يسمع كلمة من أبيه فيقول لأمه: أبي يقول عنك كذا، وأمه تقول كلمة فيذهب لأبيه: أمي تقول عنك كذا، فنحن من أخطأ في التربية!!، ولم نعلمهم التربية الإسلامية الصحيحة.

فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم – وهذه حالة أُخرى للبنات – عندما هاجر خرج ظهراً، لماذا؟، لأن الظهر في حرِّ مكة لا يكون أحدٌ في الطريق من شدة الحر، فلا يراه أحد، وذهب إلى بيت سيدنا أبي بكر ليعرفه بنبأ الهجرة، ففتح له سيدنا أبو بكر الباب ودخل وجاءت ابنتاه الإثنتان وزوجته، وهما السيدة أسماء وكانت الكبيرة والسيدة عائشة وكانت لا تزال طفلة صغيرة وعمرها تسع سنوات، فقال له: لا أريد أحداً هنا – حتى لا يسمع الخبر. فقال له: لا تخشى يا رسول الله، فهذه زوجتي وهؤلاء بناتي، وقد علمتهنَّ أن لا يكشفن سرِّاً. فالحديث الذي يسمعنه لا يذيعنه أبداً. فلو دربنا أولادنا على هذه الأساس، نكون قد ربيناهم التربية الإيمانية السليمة، وحفظنا المجتمع من كثيرٍ من المشكلات.

فحفظ المجالس والأحاديث، أكَّد عليه النبي صلى الله عليه وسلَّم، وخاصَّة ما يدور بين الرجل وزوجه، يقول لها كلمة، حدَّثها بحديث، أو كان منفعلاً من موقف – ومعذرةً – لم يستطع إن يملك نفسه في حالة الغضب أمامها – فسبَّ فلاناً أو شتم فلاناً، فهل هذا الكلام يُنقل؟!!!. لا.

نفرض أنه حتى إذا حدث موقف بينه وبين أبيها أو بينه وبين أخيها – وهذا الكلام يحدث – وأيضاً في موقف معين وغضب وتجاوز الحدود، المرأة العاقلة ماذا تفعل؟، هل تخبر ما حدث لأبيها؟، أن زوجي قال فيك كذا يا أبتي، أو زوجي قال فيك كذا يا أخي، فتكون سبباً للفتنة!!. ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم ـ واسمعوا الحديث وعوه: (شر منزلة عند الله يوم القيامة – أسوأ أناسٍ في المنزلة، في الفضيحة، يوم القيامة – الرجل يُفضي إلى زوجه وتُفضي إليه، ثم تُصبح فتنشر سرَّه وينشر سرَّها)[6]. كثير من السادة العلماء الأجلاء قصروا الحديث على الحالة الجنسية – والحالة الجنسية صحيحة ولكنها جزءٌ منه، وليست كل شئ في الحياة الزوجية بين الاثنين، والناحية الجنسية كذلك وخاصة في زماننا أننا دائماً نتدخل فيما لا يعنينا.

فمثلاً يسألوهما: ماذا فعلتما في ليلة الزفاف؟، أو ماذا فعل معكِ؟، أو ماذا عملت معها؟، وتريد النساء أن يسمعن التفصيل الممل، وهذا لا يصِّح حتى الأم، حتى الأخت. يريدن أن يطمئنن، لا مانع، فتقول لها: هل الأمر تم يا بنيتي؟ فتقول لها: نعم، وينتهي الموضوع، ولكن تفصيلات – والستَّار سترها – فلا ينبغي أن نُخبر بها أحداً. النبي صلى الله عليه وسلَّم كان مع النساء في درس وحذَّرهن من كشف هذا السرِّ، والحديث في هذا الشأن. فكان هناك بنتٌ جالسة وكانت شجاعة، ونساء الأنصار كنَّ شجاعات في الحق، والنبي صلى الله عليه وسلَّم مدحهنَّ لذلك وقال: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهنَّ الحياء أن يتفقهنَّ في الدين)[7]. وكنَّ يسألن عن كل شيءٍ في دين الله ليعرفن الصحيح.

فقالت: يا رسول الله، إنهنَ ليقلنَ – أى كما تقول أنت ذلك – فقال صلى الله عليه وسلَّم – وانظرنا للمثل: (مثل من يقول ذلك كمثل شيطان أتي شيطانة على قارعة الطريق – يعني في الشارع – والناس ينظرون إليهما)[8]. فيكونا بعملهما هذا كشيطان وشيطانة فعلا في الطريق أمام الناس – كالجماعة الكافرين لعنة الله عليهم أجمعين – وهذا لا ينبغي أن يكون بين المسلمين أبداً.

فالمرأة المسلمة حريصةٌ دائماً على أن لا تتدخل في شئون غيرها – كواحدة بينها وبين زوجها خلافات، ولا تخلوا البيوت من الخلافات الزوجية، فتمر هذه المحن ثم يعودون مرةً أُخرى إلى الحياة الطيبة المطمئنة.

والنبي صلى الله عليه وسلَّم حذَّرنا أن نسأل الرجل، أو نسأل الزوجة – إذا كان بينهما خلافٌ – عن سرِّ ذلك وعن أسباب ذلك، فلا نقول: ما الذي بينك وبين زوجك من خلاف؟ لا، لأنه قد يكون هناك أمورٌ خاصة لا ينبغي علينا معرفتها. والسرُّ دائماً لا يتجاوز اثنين، لأنه لو خرج للثالث شاع، لأنه لن يستطيع كتمه ونجد أن الخبر قد دار على القرية كلها أو المدينة كلها. لا، فالإسلام قال: لا، لا تحكي، ولا هو يحكي، ويحاولان أن يحتويا الخلافات فيما بينهما، والخلافات لا ينبغي أن تظهر أمام الأولاد. هناك خلافات .. فلا مانع، ولكن ليس في داخل البيت والأولاد تشاهد ذلك، لأنهم بذلك ينشأوا معقدين نفسياً، فنؤجل هذه الخلافات حتى ندخل غرفتنا الخاصة، وفي لحظة هدوء وسكينة – وليس في لحظة الغضب، لأنه في لحظة الغضب فلن يسمع أحد – ونُعاتب بعضنا والعتاب أبقى للوداد.

فإذن لا ينبغي أن لا نتدخل في الخلافات الشخصية إلا إذا هم استدعونا أو إنتدبونا، فيقولا: تعالى وتدخلي لتلصحي ما بيننا فلا مانع وانتهى الأمر، وأكون أنا في هذا الوقت حفيظة على الأسرار، فلا أُذيع سرَّهما لغيرهما، حتى أكون على مستوى الأمانة التي وضعاها فيَّ. فما بالكم بالأمور العادية؟

كل ما أريد أن أصل إليه – من هذا كله – للأمر الذي شاع واستشاع، وظن الناس أنه لا مساءلة في الدين!!، مع أنه يُسبب مشاكل لا عدَّ لها، وأنا أكتفي في أمر من أمور هذا الباب والتي تؤدي إلى مشاكل نفسية، بل أحياناً تؤدي إلى عُقد نفسية، لدي الرجال أو النساء أو البنات. ونحن عندنا هنا في مصر نعاني من ارتفاع نسبة الأمراض النفسية بين المصريين، لماذا؟ بسبب هذه المشاكل، وهذه المشاكل من أين تأتي؟!!.

مثال: تجلس مع زميلاتها في العمل، فيقلن لها: لماذا لم تتزوجي بعدُ؟، وما زلت بدون زواج؟!!، ألم يتقدم لكِ أحد؟!!. هذا الكلام يكون لها بمثابة السكين في صدر هذه البنت، ومن تتكلم بهذا الكلام، هل هذا من حقها؟، وهل هذا أسلوبٌ تخاطب به المسلمة مسلمة مثلها؟ وتسبب لها أذىً نفسياً بالغاً؟. والأخرى كذلك، والثالثة كذلك، فتجد البنات في مثل هذا السن لا تريد أن تخرج من البيت أبداً – لماذا؟!!، تقول لها أمها: إذهبي واحضري فرح إبنة عمك أو إبنة خالك، فتقول: لا، لن أذهب. لماذا يا بنيتي؟!، تقول: كل من يراني يقول لي: لماذا لم تتزوجي بعد؟، لماذا لم تبحثي عن زوج لك؟، وكيف تبحث عن زوج؟ هل تذهب لمعرض وتعرض نفسها هناك لتتزوج؟ وهل هذا الأمر هين؟ وهل تستطيع البنت أن تأتي لنفسها بالعريس؟!!، لم نصل لهذا الأمر ولا لهذا المستوى.

بل إن بعضهن قد تسيء أكثر، وقد سمعت شيئاً مؤلماً بهذا الموضوع، بنت تسأل أخرى: أين تعملي؟ قالت لها: في المكان الفلاني، فقالت لها: أفلا يوجد هناك أحدٌ – حتى أعمى – يراك؟ وهذا معناه أنها دميمة وليست جميلة، فهذا الكلام كما يقولون فيه: (وقعُ الكلام أقسى من وقع السهام)، وذلك في العقد النفسية التي يُسببها في المؤمنين والمؤمنات.

 مثال آخر: واحدة تزوجت والبنات دائماً مشاكلهم كثيرة، فقبل أن تتزوج تظل مشاكلها حتى تتزوج، وبعد الزواج تظل مشاكلها حتى يهدأ حالها، وبعد ما يهدأ حالها تظل في المشاكل حتى تُنجب، وبعد الإنجاب وأنجبت بنتاً تظل المشاكل لأنها لم تُنجب ولداً، والمشاكل لا تنتهي، ومن الذي صنع هذه المشاكل كلها؟!!، نحن الذين صنعناها – المصريون!!، لكنها ليست موجودة لا في شرع الله، ولا في دين الله عزَّ وجلَّ.

أُخرى مكثت سنتين أو ثلاثة ولم تُنجب، نحن نعلم طبِّياً – إذا كان الطبيب مسلماً وتقياً – يعلم أن البنت إذا تزوجت لا ينبغي عليها العرض على الطبيب إلا بعد مرور ثلاث سنوات، وقبل ذلك لا تتعاطى علاجاً لأنه يؤدي إلى أعراض جانبية، وهذا وضع طبيعي إلهي أن نتركها في الثلاث سنوات، لكنهن لا يتركنها وشأنها، بل يسألنها: لماذا لا تعرضي نفسك على طبيب حتى تعلمي مانع الإنجاب؟، هل زوجك السبب أم أنت؟. لماذا هذا التدخل؟!!،

وفي هذه الحالة يحدث للبنت توتر زائد؛ فتنام متوترة، وتمشي متوترة، وكل أحوالها متوترة. حتى لو تعاطت علاجاً فلا يفيد مع هذا التوتر، العلاج يحتاج إلى سكينة وطمأنينة، والحمل بالذات يحتاج إلى سكينة وطمأنينة، فلو حملت المرأة وتوترت فيمكن أن يسبب في إنزال الطفل مبكراً، لكن من السبب في توتر الناس؟، نحن!!.

وللأسف الجماعة الكفار – من أهل أوروبا وأمريكا وغيرهم – أحسن منا في هذا الأمر، لا يتدخل أحدٌ في شئون الآخرين، مع أنهم لا أتباع دين ولا مقتدين برسل، يعني أوربا معظمهم حالياً لا هم مسيحيين ولا يهود ولا هم مسلمين – يعني كفار. فلا يدخلون كنائس، ولا يهتمون بهذه الموضوعات، وتاركين أمور التشريع كلها وماشيين كل واحد على هواه، لكن في هذه الجزئية هم أفضل منا، لماذا؟ لأن كل واحد لا يتدخل في شئون الآخرين، ويقول: ليس لي شأنه بهم.

لو ربنا أكرمها وأنجبت بنتين أو ثلاثة، فأمه وإخوته وزوجها ومن حولها يقولون للزوجة: أنت أنجبتي له البنات، أفلا تُنجبي له الولد؟!!. وهل هي التي أنجبت؟ وما لها ولهذا الأمر؟!!، ومن الذي يخلق؟!!، الله عز وجل، وأيضاً بالأسباب، ومن السبب؟ نسأل ربنا، وربنا قال – والعلم قال وأثبت هذا الكلام: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) (39القيامة).

من السبب في أن المولود ذكراً كان أو أنثي؟ الرجل وليست المرأة، فالمرأة ليس لها دخلٌ في ذلك نهائياً، وكذلك العلم قال هذا الكلام، عندما ننظر إلى علم الوراثة نجد في الوراثة أن من يحدد الذكر أو الأنثى هو الأشياء التي تخرج من الرجل والمرأة ليس لها شأنٌ بذلك لا من قليل ولا كثير.

هذه الأمور يا أحبة ينبغي أن تنتهي من مجتمعنا إلى غير رجعة، ننهى أنفسنا وننبِّه من حولنا أن: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، وخاصة في الجيران الذين يجلسون مع بعضهم ويكون عندهم وقتاً فسيحاً، إن كنَّ غير عاملات يتكلمن مع بعضهن، وكانت هذه المواضيع منذ زمن قصير لابد أن نجالس بعضنا، لكن أصبح الكلام حالياً في المحمول، وهي متاحة في أى وقتٍ وفي أى زمان ومكان، والنساء شغالة في البيوت بالساعة والساعتين في المحمول. وكذلك النساء العاملات، لوجودهن مع بعضهن.

أسرار البيوت للرجل والأولاد والمنزل هذا خط أحمر، فلا ينبغي أن يعرف عنها أحدٌ شيئاً قط، لا أبي ولا أمي، ولا أبوه ولا أمه، ولا الأخوة ولا الجيران ولا الصديقات، أى أمر خاص بالأسرة يكون سراً خاصاً بالأسرة ولا ينبغي إذاعته ولا إشاعته. وندرب أولادنا على هذه الأمور لأن التربية الأخلاقية ـ وهي ليست موجودة في المدارس ـ ويجب أن نربيهم عليها.

واحدة تريد أن تعرف سرًّا؛ فترسل إبنها وتقول له: إذهب عند جارتنا فلانة وهات لي كذا، وعندما يعود تسأله: ماذ رأيت؟، فيقول: رأيتُ كذا وكذا وكذا، وسمعتُ كذا وكذا وكذا. لماذا يحدث هذا الكلام؟!!. يذهب زوجها إلى مكانٍ لا ترغب فيه، فتقول له: خذ معك هذا الولد أو هذه البنت – لماذا؟، ليكون جاسوساً صغيراً وينقل لها كل ما يرى، فتسأله: ماذا أكلتم؟، فيقول لها: أكلنا كذا وكذا وكذا. فهذه الأمور يا إخواتي لابد وأن نتوقف عنها لصلاح أولادنا، وصلاح أنفسنا، ولكي نُحد قليلاً من المشاكل النفسية التي زادت عن الحد في مجتمعنا.

معظم المشاكل التي نراها سببها أولاً هو النفس، وبعد قليل يتحول إلى مرض عصبي، وبعده يتحول إلى مرض جسماني. لو عدنا للسبب النفسي من البداية لانتهي الأمر، ولو الإنسان من البداية عوَّد نفسه أنه ليس له شأنٌ بهذا، ولا ينشغل بغيره لاستراح، وسيعيش في طمأنينة إيمانية وفي سكينة نفسية، ويكون عنده سعادة داخلية لا يعلمها كثيرٌ من الناس. لماذا؟ لأنه انتصر على نفسه.

ومن انشغل بالناس فتأتيه الأمراض، سواء انشغل بالجار أو انشغل بالأخ أو إنشغل بالأخت أو إنشغل بأولادهم المتفوقين وأولادي مقصرين – فهذا داء الحسد. وبعدها .. أولادي لا أستطيع علاجهم وأولاده لا يحتاجون إلى شيء – ويبدأ الحقد، وهذه أدواء لو وصلت إلى القلوب تمنع قبول الأعمال الصالحة عند علام الغيوب عز وجل، لأن المؤمنين ربنا يقول فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) (47الحجر).

نكتفي بهذا القدر للإجابة على أسئلتكم، وفي ختام حديثي أضع في أعناقكن العمل بما سمعناه، وإبلاغ هذه الرسالة بالحسنى لمن نتوسم فيه الخير.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

*******************

 

 

[1] رواه البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه، وروى أحمد عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).

[2] رواه أحمد والترمذي  بلفظ: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ).

[3] رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] أخرج أبو ادود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ أَوْ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ).

[5] متفق عليه عن أنس رضي الله عنه قال: {كان ابنُ لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي، فخرج أبو طلحة فقُبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سُليم – وهي أم الصبي: هو أسكن ما كان. فقرَّبت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: وارُوا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ( أعرَّستم الليلة؟)، قال: نعم، قال: (اللهم بارك لهما)؛ فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة: احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث معه بتمرات، قال: ( أَمَعَه شيء؟)، قال: نعم، تمرات، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها، ثم أخذها من فيه فجعلها في فِي الصبي، ثم حنَّكه وسماه عبد الله}. وفي رواية للبخاري: قال ابن عُيينه: فقال رجل من الأنصار: فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن، يعني من أولاد عبد الله المولود. وفي رواية لمسلم: مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سُليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقرَّبت إليه عشاء فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعهم؟ قال: لا، فقالت: فاحتسب ابنك. قال: فغضب، ثم قال: تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني؟!، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله: (بارك الله في ليلتكما)، قال : فحملت، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى. تقول أم سليم: يا أبا طلحة، ما أجد الذي كنت أجد، انطلق، فانطلقا، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً، فقالت لي أمي: يا أنس، لا يُرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر تمام الحديث.

[6] روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يقضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها).

[7] روى البخاري عن عائشة

[8] روى أحمد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: )لعل رجلاً يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها. فأرم القوم – أي سكتوا ولم يجيبوا – فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن قال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك شيطان لقي
شيطانة فغشيها جامعها – والناس ينظرون).

……………………………………………………………………………………..

    درس النساء بمركز شباب الطومية – الأقصر- السبت 7/11/2015م، الموافق 25 المحرم 1437هـ

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid