Sermon Details

4 سبتمبر 2015
نرجوا إلقاء الضوء (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)؟
إقرأ الموضوع
…………………………………………………………………….
رفع السماوات بغير عمد
سؤال: ما معنى قوله تعالى: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) (2الرعد)؟
————————
السماء مرفوعةٌ الآن، فكم عموداً يحملها؟! فهل ترى أعمدة تحملها؟! لا، فبأى شيء رفعها الله عزَّ وجلَّ؟، بإسمه الرافع: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا) (7الرحمن) تجلَّى عليها الله عزَّ وجلَّ بإسمه الرافع فرُفعت بغير عمدٍ ترونها.
ولها معنى آخر إشاري: لو لم تعتمد على نفسك، وفنيت في ربك، وأبصرت بالله، ففي هذه الحالة: ترونها بغير عمدٍ. يعني لو نزَّهت نفسك عن الإعتماد، وعن العمل والحول والطول وفنيت في الله ترى السرَّ، والسرُّ لا يُكشف إلا لأهله، فكيف تكشفه لغير أهله؟! لأنهم لم يروه ولن يروه، وهو إشاري في الآية لأهل العناية.
والسماء من السمو يعني الرقي، وكل مقامات الرقي التي يرقى الإنسان فيها إلى الله، ما شكلها؟ وكيف تصل إليها؟ وكيف تسير فيها؟ سيدي أبو الحسن الشاذلي رضِي الله عنه وأرضاه، خادمه تطاول في النقاش قليلاً مع سيدي أبي العباس المرسي، فغضب الشيخ وقال له: كيف تتكلم مع أبي العباس بهذه الكيفية؟! والله لأبو العباس أعلم بطرق السماء منك بطرق الأسكندرية.
المريدون الصغار فهموا أن السماء بها طرق وأبو العباس يعرفها، ولكنها طُرق السُمو إلى الله، والطرق التي يسمو بها المرء إلى مقام الصفاء والنقاء والشفافية، وهي طرقٌ كثيرة: (لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق). فكل واحد له طريق أو أكثر من طريق، الطبيب يجربه في طريق فإن لم يفلح يضعه في آخر وهكذا، فإذا صدق في النهاية لابد أن يصل، وإذا أخذ مرةً واحدة ولم يفلح، وقال: الشيخ لا يصلح، فلا فائدة فيه لأنه غير مؤهل لهذا المقام.
فأبو العباس يعرف طرق السُمو والرقي إلى الله عزَّ وجلَّ أكثر من معرفتك هو بطرق الأسكندرية، وانتبهوا لحديث النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما يقول: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ)[1]. وجبريل هو الروح الأمين، والذي فيه سر الروح، والذي به الفتوح، والذي ينفخ الروح لمن أراد الله عزَّ وجلَّ له وبه الفتوح: (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) (15غافر).
ويُحبه أهل السماء وهم أهل السمُو في المقام في هذه الحياة الدنيا، لأن هؤلاء قومٌ في نظر الله لهم المكانة والوجاهة عند الله عزَّ وجلَّ، وهؤلاء الذين إذا شهدوا للمرء فيا هناءه، لأن هؤلاء أصحاب المقام العالي عند الله عزَّ وجلَّ، والذين قال لهم حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما مرت بهم جنازة فأثنوا عليها خيراً: (وَجَبَتْ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضِي الله عنه: مَا وَجَبَتْ، قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ)[2]. وقال هذا لمن كان حوله وقتها، من أهل الصُفَّة المباركين وليس الكل، وهؤلاء هم أهل المقام العالي، وهؤلاء أهل السُّمو، سَمَوا عن الحظوظ والأهواء والدنيا الدنية والمطامع الفانية، وتعلقت قلوبهم بالله عزَّ وجلَّ وحبيبه ومصطفاه، ومراقي الصالحين الكُمَّل من عباد الله.
فلم تشغلهموا دنيا وأُخرى |
عن الإقبال على الذات العلية |
عبيدٌ أخلصوا لله قلباً |
وقاموا خاضعين بصدق نية |
ومن يد سيد الرسل التهامي |
سُقوا خمر البشائر أحمدية |
صَفُوا لله من ميلٍ وحظٍ |
فكان القرب منه لهم عطية |
فخلِّ الخلق خلفك ثم عامل |
بصدق ذات مولاك العلية |
فهؤلاء هم أهل السُّمُو عن الداني والفاني، والذي كل من فيه يعاني، ولذلك هم في عالم القرب دائماً والتهاني، وهم الذين يقول الرجل فيهم: ((لو يعلم الملوك ما نحن فيه لحاربونا عليه بالسيوف)).
فليس عندهم خدم ولا حشم، لكن ما هم فيه من الهناء والجلاء والصفاء والبهاء والنور والضياء التي يواجههم بها إمام الرسل والأنبياء، والتي يتنزل الله عزَّ وجلَّ لهم بها في حالات الصفاء، تجعل الواحد منهم ليس له شأن بالدنيا. هؤلاء هم أهل السُّمو، يحبه أهل السماء، ويُوضع له القبول في أهل الأرض الذين لم يزالوا محبين وليسوا محبوبين، لأنهم مشغولون بالطوب والطين، فلما ينتقل من مقام مريد إلى مراد، ومن محبٍ إلى محبوب، ومن طالبٍ إلى مطلوب، ومن مُخلِصٍ إلى مُخلَص، وهذا بعد الصفاء، لكنه لا يزال في المقام الأول.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم
*********************
[1] البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضِي الله عنه
[2] البخاري ومسلم عن أنس رضِي الله عنه
…………………………………………………………………….