Sermon Details

حظ المريدين من مقام شيخهم
سؤال: أليس للمريدين حظاً من مقام وكرامة شيخهم؟
—————————–
كلهم لهم حظ، ولكن فينا من يتمتع بهذا النصيب وهو في الدنيا، وهذا يكون له تأهيل خاص، وفينا من لا يتمتع بذلك إلا ساعة الفراق وهو خارج من الدنيا: (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (22ق)، وفينا من يتمتع بذلك في البرزخ. المهم في الآخرة سنكون قد اكتملنا في معرفة الله عزَّ وجلَّ، لأنه لا بد أن نكتمل في هذا المقام.
فينا من يُوفق وهو في الدنيا لكشف الغطاء، فيرى أنوار هذا العطاء، ومنا من لا يُكاشف به في الدنيا رحمة به لأنه لو كُشف له في حياته فلا يتحمَّل، فيجوز أن تحدث له حالة وَلَهٌ، أو حالة جنون، أو يحدث له حالة من الحالات التي لا تتحملها قواه البشرية، والله عزَّ وجلَّ يريد لنا أن نكون من أهل الكمال في الوصال لله عزَّ وجلَّ. فلا أحزن إن لم أصل إلى ما وصلوا إليه، لأني سأصل إن شاء الله عزَّ وجلَّ لأنني واثق أنه يختار لي الأفضل.
كان هناك أحد الذاكرين الحاضرين السالكين مع الإمام أبي العزائم رضِي الله عنه ويجلس مع الأحباب ويسمع منهم، فمنهم من يقول: إني رأيت كذا في المنام، ومن يقول: رأيت الليلة كذا، وهو لا يرى شيئاً، ولا ينتبه أن هذا الذي لا يرى صاحب المقام الأكمل: ((إذا كَمُل يقين العبد حُرم الرؤيا))، أما الذي يرى فهو صغير في المقام، إن لم يرى سيغضب ويحزن وقد يرجع فيبشروه ليقربوه، فإذا كمُل فلن يعبأ بالرؤيا لأنه وصل للكمال.
فجاء للشيخ وقال له: أنا لا أرى شيئاً وفلان يقول: أنا رأيت كذا، وفلان يقول: أنا رأيت كذا، فانتظر الشيخ حتى أقاموا حلقة الذكر فوضع الشيخ يده على صدره، فرأى الرجل قلبه يطوف حول العرش، فرفع الشيخ يده فعاد كما كان يرى من حوله، وكلما وضع يده على قلبه يرى قلبه وهو يطوف حول العرش، فإذا رفع الشيخ يده يرى نفسه كما هو، وبعد الذكر قال له: انتهي القلق يا سيدي.
فهذا مقام الحفظ، لأن هذه الأشياء كالرؤيات والمشاهدات قد تكون فتنة للسالك وتُعرِّضه للمهالك، فيقول المريد: أنا أرى رؤيات كذا وكذا فأنا ممنوح وأنا كذا وكذا، فقد يتعالى على إخوانه، وقد يظن أنه خير أهل زمانه، وقد يحدث أنه في يومٍ من الأيام يظن أنه صار في غنىً عن الشيخ، وأنا شيخ ويريد أن يكون له مريدين، وهذا يحدث في كل زمان ومكان، وذلك لأن النفس ما زالت موجودة.
لو ظل في حصن الأمان، وادُّخر له ذلك حتى ميعاد لقاء الرحمن، فما الخديعة التي تأتيه هنا؟ لا شيء لأنه دخل دائرة الأمان الأعظم والمقام الأكرم، وحفظه الله عزَّ وجلَّ من فتن النفس، وفتن النفس في هذا المجال لا حدَّ لها ولا عدَّ لها.
لا يصل أحد في العلم كما وصل الشيطان، فلا يوجد عالم من أول الدنيا إلى آخرها وصل إلى ما وصل إليه إبليس، ومع ذلك وقع في التلبيس وخرج من الجنة، ولذلك فالعلم ليس كل شيء، وبلعام بن باعوراء الذي حكى لنا الله عزَّ وجلَّ قصته: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا) (175الأعراف)، وكان تربَّى على يد سيدنا موسى، ظل في العبادة حتى وصل إلى مقام الكشف، وكان يطَّلع على اللوح المحفوظ وهو في مكانه، وكان يُستشفى بدعائه في الوقت والحال، وطلابه كانوا سبعين ألف طالب.
موسى عليه السلام عبد، ومقام الكمال مقام العبدية، والصالحين الذين تظهر على أيديهم الكرامات والإشارات فهؤلاء لايزالون صغار، لكن الكُمَّل عبيد ولا يظهر عليهم شيئاً نهائياً، وإذا رآهم الناس يرونهم مثلهم: (أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ) (24القمر)، (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ) (7الفرقان).
والناس يريدون من يخالفهم، كرجلٍ يمشي في الطريق ويمسك بسيف، يقولون: هذا رجلٌ من الصالحين، لأن مظهره غير مألوف. لكن رجل يلبس بدلة وأنيق في لبسه، ويركب طائرة، ويركب سيارة فاخرة، فهل هذا من الصالحين؟ يقولون: لا، هو يريد إنسان عاري أو حافي .. المناظر الغير مألوفة، وهؤلاء رجالهم صغار في طريق الله عزَّ وجلَّ، ولا ينفع إلا نفسه، ولا يجوز الإقتداء به، ولا حتى طلب الإنتفاع بدعائه، لأنك ربما تطلب منه الدعاء فيدعو لك بدعوة – ودعاؤه مستجاب – وأنت لا تريدها لأن له حال أنت لست مثله.
فبلعام بن باعوراء عندما رأى نفسه كذلك قال: لماذا يحمل موسى النبوة والرسالة؟! يجب أن يكون لي القُطبانية في الأرض، ومعي كل شيء، فماذا يفعل؟ دعا على سيدنا موسى ليُوسِّع الله له الطريق ليكون الوحيد الفريد، وهذا من مكر النفس، فغضب الله عزَّ وجلَّ وقال: أتدعو على موسى كليمي وصفيي، فسُلب كل ما معه: (فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الأعراف) أصبح الشيطان تابعاً له وليس هو الذي يتبع الشيطان: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) (176الأعراف).
وهذا النموذج يحدث كثيراً، ونراه كثيراً في رحاب الصالحين، لماذا؟ العبد عندما يُعجَّل له بالفتح، ولم يتمكن في تزكية النفس فمن الممكن أن يُمكَر به، ونفسه تلعب به، فيشتط ويبعد عن طريق الله، وعلى الأقل يقع في الوحل فلا يرى لنفسه أنه أهل للسماع أو للتزكية لأنه وصل واتصل، وهي آفة كثيرٍ من الأحباب، كثيرٌ منهم يضع نفسه شيخاً، وشيخ يعني له مريدين، فلا يسمع من شيخه ولا من غيره، وإذا جاء للجلوس يأخذ معه ثلاثة أو أربعة مريدين ليكون هو شيخهم.
فالشيخ سُمي شيخٌ لأنه شاخ في معرفة الحقائق ليوضحها لنا، لكن لا يزال شاباً في الحقائق ولا يعرفها فكيف يوضحها لنا؟! يوضحها إذا أخذ الخبرة، وأخذ الأمر الصريح من يد خير البرية صلى الله عليه وسلَّم: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (23القصص)، يعني مستشار كبير في عالم الحقائق وهذه الرقائق، وليس شيخاً كبيراً في السن، لأن المؤمن لا يشيب، أهل الإيمان يظل إلى أن يلقى الله عزَّ وجلَّ شاباً، لأنه يأخذ صفة أهل الجنة؛ لا يبلى شبابهم، فيبقى قلبه إلى أن يلقى الله عزَّ وجلَّ شاباً.
فالأفضل لي والأحسن لي: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (65النساء)، ما الذي ضيعني؟ لو رجعت لي عجلتي مرةً أُخرى: (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) (11الإسراء) متعجِّل ويقول: لي مع الشيخ سنين ولم أصل إلى شيء، وهذا من النفس تتعجَّل الظهور، وتتعجَّل المشيخة، وتتعجَّل أن يكون لك كيان في المجتمع، وهذا غير مراد الله، وأنت تريد مرادك. لكن المريد الصادق يطلب مراد الله فيه لا مراده، ماذا تريد حتى إذا أوقفك الله بين يديه؟ أريد أن لا أريد:
وكن عبداً لنا والعبد يرضى |
بما تقضي الموالي من مرادٍ |