• Sunrise At: 4:54 AM
  • Sunset At: 6:59 PM

Sermon Details

6 نوفمبر 2015

وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ_سورة المائدة 35

إقرأ الموضوع

شارك الموضوع لمن تحب

………………………………………………………………………..

     بسم الله الرحمن الرحيم

إذن يا أحبة: نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون أجمعين من المفلحين، والروشتة التي وضعها لنا ملك الملوك لنصل إلى هذا المقام ها هي: الإيمان المقرون بالعمل، والتقوى التي فيها: (نذكره فلا ننساه، ونطيعه فلا نعصاه، ونشكره على جميع نعماه)[1]، ثم نبتغي الصالحين من عباد الله لنقفوا على آثارهم، ونمشي على دربهم، وننهل من معارفهم، ونفتح قلوبنا لحقائقهم، حتى يكرمنا الفتاح بالفتح كما أكرمهم، وهذا يلزم له: (وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (35المائدة). لابد من الجهاد.

والجهاد عندنا نوعان:

جهاد الكفار: وهذا لمن أعلن الحرب على المسلمين، وكفر بالنبيِّ وبالله ربِّ العالمين، لكن لا يوجد في شرع الله أى مخرجٍ ولو بسيط لإعلان الحرب على من نطق بــ (لا إلله إلا الله محمد رسول الله)، حتى ولو كان متمرغاً في أوحال الذنوب والمعاصي، قال صلى الله عليه وسلَّم: (من قال لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله فقد عصم مني ماله ودمه)[2].

كل من استباح دم من قال (لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله)، اعلم أنه من الخوارج الخارجين عن دين الله عزَّ وجلَّ، لأن هؤلاء هم الطائفة الوحيدة التي استباحت دم المسلمين. قالها بلسانه، فلنا الظاهر والله يتولَّى السرائر، ولم يأمرنا الله أن نشق على القلوب ما دام قد قالها بلسانه فقد عُصم مني ماله ودمه إلا بحقه.

حتى الأعداء الذين كفروا بالله ورسوله أباح الله عزَّ وجلَّ للمسلم ترك قتالهم عند أمرين: الأمر الأول: إذا كنت أنا أريد تأليفهم، وأرغب في دخولهم في الإسلام، فإذا أعلنت عليهم الحرب فيزيدوا كفراً وعناداً ولن يُقبلوا عليَّ – فهنا ماذا أفعل؟ أتألفهم.

أو إذا كنت في حالة ضعفٍ شديد وهم أقوى مني، ولو حاربتهم سيحدث لي ما لا يُحمد عُقباه، هنا قال الله: (إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) (28آل عمران).

فلماذا أهادنهم؟ حتى أستعد وأتجهَّز وأتمكن وأعلم علم اليقين أنني أستطيع أن أرد كيدهم في نحورهم ماداموا قد أعلنوا الحرب على الله ورسوله، لكن: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) (61الأنفال). فقال الرسول: يريدون السلام للخديعة، فقال له عزَّ وجلَّ: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله) (62الأنفال). فهذا العدو الخارجي.

وهناك عدو آخر وهو أشد وأنكد؛ العدو الداخلي!!، حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم ورد أنه عاد من غزوة تبوك لجهاد الروم إلتفت إلى أصحابه وقال: (رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) – وهذا فارق كبير!! فهذا جهاد أصغر والآخر جهاد أكبر، وهذه درجات كبيرة – (قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: جهاد النفس والهوى)[3]. فهذه هي معضلة السالكين وآفة الواصلين، وسبب حرمان العطاء للمقربين، هما هذان الإثنان: النفس والهوى.

فلما سُئل صلى الله عليه وسلَّم عن أعدى الأعداء قال: (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)[4]. وليس جيرانك ولا رفاقك في عملك ولا غيرهم وغيرهم؛ لا، ولكنها النفس، لماذا؟!! (إِنَّ النَّفْسَ لامَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (53يوسف).

دائماً تأمره بالشرِّ والسوء، وليست آمرة، فلو آمرة تأمره مرةً واحدة، ولكنها أمَّارة أى على الدوام، ولذلك عندما سُئل بعض العارفين كيف أُفرِّق بين خاطر النفس وخاطر الشيطان؟ قال: (الخاطر الذي من الشيطان ليس فيه إلحاح، يريد الإنسان أن يعصى الله فيوسوس بالذنب، لم يقترف هذا الذنب يبحث له عن ذنبٍ آخر. لكن النفس لحوحة فتظل تلح على المرء حتى يقع في الذنب:

فجاهد النفس والشيطان واعصهما    وإن هما محضاك النصح فاتهما

وكيف نجاهد الهوى؟، وضع الحبيب خطة سهلة فقال صلى الله عليه وسلَّم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به)[5].

وهذا هو الميزان – كل ما حرَّكك الهوى إلى شئ زنه بميزان الشرع، فالشرع يوافق عليه أو يسمح به؟، فإذا علمت أن الشرع لم يوافق عليه فلماذا تفعله؟ وهي آفة الآفات في زمننا هذا بجهل جهاد النفس، والناس – ولا تآخذوني في العبارة – يتحدون الله عز وجل.

فمثلاً يعرف ويسمع – من العلماء ومن الناس – أن منع البنات من الميراث حرام، ومع ذلك يخُصُّ الأولاد بالتركة ويترك البنات، ولكنه مصر على هذا الأمر!!. كم نسبتهم في بلاد مصر؟!!، خمسون في المائة؟!!، هؤلاء يتحدون الله عزَّ وجلَّ. فإنها أحكام الله وأنت مُصرٌّ على مخالفة أحكام الله، وأنت تعلم علم اليقين أن هذه المخالفة يقول فيها الله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63النور).

فأعرض كل شئ تحدثني به نفسي على شرع الله، فكلما تخلَّص المرء من الهوى فعلى الفور يدخل في معية الصديقين، ولكن إذا كان لا يزال عنده هوى فيميل لهذا عن هذا، ويؤثر هذا على ذاك بهواه أو لمصلحة أو لمنفعة، حتى ولو كان كبيراً في نظر خلق الله إلا أنه يكون صغيراً عند الله عزَّ وجلَّ.

انظر إلى الإمام علىٍّ رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه تولى الخلافة وجاءه أخوه عقيل بن أبي طالب وكان قد كُفَّ بصره فأتي بابنه ليسحبه وجاء طامعا أن يحبوه أخوه بشئٍ من المال وكلمه، فأشار الإمام على لإبن أخيه أن ابعد وأتركني وأخي، ونادي عليه وقال: يا عُقيل خُذ. يقول عُقيل: فمددتُ يدي وأظن أنه سيعطيني صُرة كبيرة مليئة بالدنانير، فإذا بي أجده قطعة حديد محمَّاه بالنار، فصرختُ وخُرتُ كما يخور الثور وقلت: ما هذا؟، فقال الإمام علىٌّ: (إذا كنت لم تتحمَّل هذه الحديدة المحماه بنار الدنيا، فكيف تتحمل نار الآخرة؟!!، ليس لك عندي إلا ما رأيت، ولا أراك بعد ذلك)[6].

ما هؤلاء الرجال؟!!!. فنحن لا نجد رجالاً مثل هؤلاء، فلا يوجد هوى لأخيه ولا لأبيه ولا لأى إنسان نهائياً، لماذا؟ لأنهم رجال يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم. والأمثلة طبعاً كثيرة ويضيق الحصر عن ذكرها.

أما جهاد النفس … فما هي النفس؟ النفس باختصار شديد هي عبارة عن الشهوة والحرص، أي شهوة؟!!، شهوة الجوع وشهوة البطن وشهوة الفروج.

الجهاد الأول: شهوة البطن: هي سبب معظم المعاصي الآدمية، فمن يسكر ومن يتعاطي مخدرات ومن يُنقص الكيل في الميزان ومن يأخذ حقا من يتيم، ومن يأخذ حق إخوته في الميراث، ومن يغش ومن يكذب كل هذه الأشياء سببها شهوة البطن حتى يحصل على مال يشبع البطن. مع أن سكة الولاية هي شهوة البطن!!، (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة). فهذا الجهاد الأول في إطابة الطعام على منهج الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وهذا لا تهاون فيه لهوى، لقوله صلى الله عليه وسلَّم: (إن العبد ليقذف في جوفه باللقمة الحرام لا يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً). باللقمة الواحدة، فكيف به إذا ملأها ـ وأنتم تحفظون الحديث: (كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به)[7]. فلا ينفع معه حركات الذكر، ولا الجلوس مع الصالحين، ولا تلاوة كتاب الله، ولا حتى الحج ولا أى عملٍ من الأعمال التي كلفنا بها الله جلَّ في علاه.

فيكون الأساس المطعم الحلال، فقد قال صلى الله عليه وسلَّم: {إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (51المؤمنون)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (172البقرة)}[8].

من يريد ميراث الأنبياء والمرسلين فها هو الطريق!!، المطعم الحلال!!. والمطعم الحلال إذا حفظه الإنسان فهو بذاته سيحفظ كل فروج الإنسان. والفرج هنا كل الفتحات في الإنسان لتنظر منها حقيقته النورانية في عالم الأكوان، والتي إليها الإشارة في قول الله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (5المؤمنون).

فروج وليس فرجاً واحداً، فالأذن والأنف والفم والذكر، كل هذه فروج، ما الأساس فيها؟ المطعم الحلال، قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (اللقمة الحلال لها نورٌ في القلب تجعل صاحبها يميل إلى الطاعات وينحبس عند ورود الشهوات، واللقمة الحرام لها ظلمة في القلب تجعل صاحبها يتباطىء ويتثاقل عند الطاعات ويسارع عند الحرمات والمعاصي)[9].

فأساس كل هذه الأشياء اللقمة الحلال، وهذا جهاد الصالحين والذين يريدون الدخول في قول ربِّ العالمين: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ) (27المائدة).

الجهاد الثاني: جهاد الطمع.

دائماً ما يُحرِّك الإنسان في أى أمرٍ من أمور دنياه أو أُخراه أطماع، وأبونا آدم نفسه مع أن الله نهاه عن الأكل من الشجرة أكل، لماذا أكل منها؟!! كان طمعاناً في الخلد، ليكون قريباً من الله وليس لشئٍ آخر، (شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) (120طه)، والطمع هنا مذموم لأن فيه مخالفة لأمر الحي القيوم. وهذا الطمع إن لم يكن فيه نهيٌ صريح فلا مانع، لكنه نهيٌ صريح: (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (19البقرة).

ومن يمشي في طريق الله ويكون من الأتقياء ومن الأنقياء فيتبقَّى عنده بعض الدسائس النفسية لا يستطيع أن يتخلَّص منها بالكلية إلا إذا سلَّم بالكلية للعارف الربَّاني الذي آتاه الله عزَّ وجلَّ وراثة النور والعلم عن حضرة النبي: (إنما نرورِّث علماً ونوراً)[10]. وليس العلم فقط، ولكن العلم ومعه النور.

مثال: يريد أن يتقرب إلى الله فيزيد في العبادات، ويجتهد في قيام الليل وصيام النهار معتقداً أنه إذا فعل ذلك يكون أهلاً للدرجات العالية والحُظوة الربانية الدائمة الباقية، فهل هذا يكفي؟!!، لا، لأنه يكون قد أخطأ المراد، لأنها دسيسة نفسية لأنني إذا عبدتُ الله أعبده لذاته، لا لغاية ولا لعلة – حتى ولو كانت الغاية الجنة – فلو عبدتُ الله من أجل الجنة، سأدخل في الجماعة الصالحين الذين عاتبهم رب العالمين وقال لأحدهم: (لو لم أخلق جنة أو ناراً أفلم أكن أستحق العبادة لذاتي؟)، وقال للآخر: (عجباً لمن رآني دون مكوناتي، قال: يا ربِّ سبحانك تنزهَّت ومن الذي يرك دون مكوناتك؟ قال: من اتخذني وسيلة إلى جناتي فقد رآني دون مكوناتي). يعني أنت تعبدني لكي أُدخلك الجنة؟!!، فتكون الجنة غاية، فأنا أريد الجنة لأن الجنة فيها القرب من الله، ولا أعبد الله لكي يدخلني الجنة.

فهذه علل خفية ودسائس نفسية لا يفطن لها العبد إلا سلَّم بالكلية لرجلٍ من العارفين الكُمَّل ليتابعه في هذه المجالات حتى يخلصه من هذه الأوحال والتي نسميها أوحال التوحيد.

قد يفتح الله عزَّ وجلَّ عليه أو يلوح له بريقٌ أو برقٌ من عالم الحقائق، وكل مرحلة من مراحل الطريق لها اختبارات يجريها الله عزَّ وجلَّ على العبد ليختبر صدقه في طلبه عزَّ وجلَّ، حكمة الله هكذا!!، (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ)، أيكم ماذا؟، هل لمن عمل فقط؟ لا، ولكن لمن أحسن عملاً: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (7هود). يختبر من يعملون!!!، يُقبل العبد على الله فيُيسِّر له الدنيا، فيقول: الحمد لله ربنا رضي عني، فيقف عند هذه الحالة، فهنا العبادة كانت من أجل الدنيا.

يعبد الله عزَّ وجلَّ ويخلص في العبادة ويجتهد في الطريق، فيفاجأ بعناية الله فيضعوه في منصب عظيم، فيقول أنا قد وصلت واتصلتُ ورضي الله عني، وأنت هنا في الفاني والداني!!، فهذه كلها اختبارات.

وقد يكرمه الله عزَّ وجلَّ فيحبب فيه بعض الخلق ولا يريدون مفارقته ويريدون مجالسته، فينظر إليه هل سيميل إليهم أو يميل بالكلية مع ربِّ البرية ويُفرِّغ يديه من هؤلاء القوم؟

إذا مال لهم فقد مال عن الحق عزَّ وجلَّ، وهذه من أكبر الآفات التي يتعرض لها أهل الطريق عموماً في زماننا، فكل واحد – حتى الجديد في الطريق – يريد أن يتقرَّب له الناس، ويتمسحون به، ويطلبون منه البركات، وأن يقضي لهم الحاجات، ويأتون له بالزيارات والنفحات ويكون شيخاً رسمياً، وعندما يصل إلى هذه الأشياء يقول بعضهم: هيا ابنوا لي ساحة، وابنوا لي ضريحاً ليزوروه ويعملوا له مولداً، وهذا يقول فيه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه: (آخر داء يخرج من قلوب الصديقين- وليس الناس العاديين – حُبُّ الرئاسة).

يريد أن يكون رئيساً – والرئاسة هنا ما معناها؟ يعني يريد أن يكون دكتاتوراً وكلمته تكون مسموعة ومن يخالف يعلن الحرب عليه، وهذا الكلام يأتيه بالإلهام فكيف يخالفه أحد المريدين؟ ونسي قول الله لأصحاب رسول الله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (38الشورى)، وقوله للحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (159آل عمران). شاورهم وكان أمرهم غير صائب، ولو كان أمرهم غير صائب، وأمره صائب ومع ذلك قال له: وشاورهم، لأن هذا أمر الله عزَّ وجلَّ.

وهل الله يحتاج أن يشاور أحداً؟ ولكنه شاور الملائكة فقال لهم: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) – فما رأيكم؟، ليُقرَّ المبدأ، ولذلك قال أحد الصالحين: (لو شاور آدم الملائكة ما خرج من الجنة). وهذه حقيقة لأنه لو شاورهم كانوا نصحوه ولم يخرج من الجنة، لكن لما ترشَّد برأيه ولم يشاور أهل المعرفة الكرام وهم الملائكة، فكانت النتيجة أنه خرج من الجنة.

فآفة الآفات هو حُبُّ التمشيخ أو حُبُّ الظهور أو الرغبة في الظهور بين يدي الخلق، لأن من يظهروه لا يظهروه إلا بعد أن يجردوه من الأغيار، ويعملوا له وقاية تامة من الشهرة والرياء والسمعة والعجب والإعجاب بالنفس. فإذا كان فيه واحدة منهم فيظل في طور التربية، حتى لا يخرج عن نهج الصادقين، ولا طريق المخلصين، الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ وأشرف على ربايتهم وتربيتهم سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم.

هذه الأمراض الباطنية والتي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلَّم: (الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء)[11]. (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (106يوسف). وها هم مؤمنون، ولكنه شركٌ خفي، والشرك الخفي هو نزوع النفس أو شهوة للنفس في العمل، فيكون العمل لغيره ولا يقبل الله العمل إلا إذا كان خالصاً بالكلية لوجهه.

واسمع إلى الله وهو يقول في اللبن: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) (66النحل). لو اللبن اختلط به شيء من فرث الحيوان لفسد اللبن، ولو أن اللبن اختلط به شئٌ من دم الحيوان فلا يخلص، وكذلك العمل يجب أن يكون خالصاً من شهوات النفس وشهوات الحس ونزغات الشيطان حتى يكون خالصاً لله عزَّ وجلَّ.

وهذه يا إخواني مزالق الرجال ومتاهات السالكين الذين تركوا الإهتداء بالسادة العارفين في هذا الوقت وفي هذا المجال، فظن أنه قد إهتدى ولم يعد يحتاج، لا إنك تحتاج في هذه المتاهات إلى من يأخذ بيدك ويقويك على الدوام، لماذا؟ لأن هذه المتاهات يجب أن تتخطاها حتى تصل إلى النور التام، نور الله عزَّ وجلَّ ونور المصطفى الذي ليس بعده لا ظلام، ولا وساوس نفس، ولا هواجس في الصدر، ولا هوى ولا ميول ولا شهوات، وإنما يسير المرء كما قال الله في شأن حبيبه ومصطفاه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (162، 163الأنعام).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

***************************

 

[1] قال ابن أبي حاتم: عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (اتقوا الله حق تقاته) قال: (أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر)، وقد رواه ابن مردويه عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله حق تقاته”؛ أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى). وكذا رواه الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً.

[2] البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).

[3] روى البيهقي عن جابر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة، فقال صلى الله عليه وسلم: (قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه)، وروى ابن النجار عن عبد الله بن عمرو: (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه).

[4] راه البيهقي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (أَعْدَى عَدُوَّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ).

[5] الطبراني وأبو نعيم والخطيب والبيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما – الأربعين النووية وجامع العلوم والحكم.

[6] ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة.

[7] أخرجه الطبرانى فى المعجم الأوسط والحافظ ابو بكر بن مردويه عن ابن عباس قال: { تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً”، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة. فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: (يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به)}.

[8] رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[9] أخرج أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أيوب رضي الله عنه: (من أكل الحلال أربعين يوماً نوّرَ الله قلبه وأجرى ينابيع الحِكمة من قلبه على لِسانِهِ).

[10] سنن أبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه، حلة الأولياء: (نحنُ معاشرُ الأنبياء لا نوَرِّثُ درهماً ولا ديناراً، وإنما نوَرِّثُ علماً ونورا).

[11] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، كتاب الآداب :باب الرياء والسمعة.

……………………………………………………………………

  الجمعة 6- 11- 2015م الموافق 24 المحرم 1437هـ  نجع الطويل ـ الكرنك ـ الأقصر درس بعد السهرة ـ منزل الحاج أحمد جبر

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid