• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

Sermon Details

14 اكتوبر 2020

يوم القيامة الآيات 69-70 سورة الزمر

ABOUT SERMON:

شارك الموضوع لمن تحب

يوم القيامة

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

” وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ” (67-70الزمر)

أرض القيامة

” وَأَشْرَقَتِ الارْضُ بِنُورِ رَبِّهَا “ الأرض ستشرق بنور الله، ولكن من الذي سيرى نور الله؟ الذي سيكون مبصراً هناك، وهل سنكون كلنا مبصرين؟ لا، فهناك من كان يبصر في الدنيا ولكن هناك سيكون أعمى: ” وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ” (124-126طه).

ولون الإنسان في الآخرة سيكون على حسب العمل الصالح الذي ارتضاه وقبله حضرة الرحمن، فهناك أناس سيأتون ووجوههم مبيضة، وأناس سيأتون ووجوههم مسودة: ” يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ” (106آل عمران).

شبابنا قد يُعجب بجمال الفرنسيين والألمان والإنجليز ويريدون أن يتزوجوا منهم، لكن هؤلاء سيأتون يوم القيامة ولونهم أسود او أزرق: ” وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ” (102طه) أما البياض فسيكون للمؤمنين الصالحين.

وهناك سيعرف كل أهل الموقف تصنيف الإنسان وعمله وحاله عندما يرى لونه على الفور، فمن كان لونه أبيض فهذا رجل عمل عملاً صالحاً، وهناك رجال كالنجوم في سماء الموقف، وكل واحد منهم كالشمس تنير لأهل الموقف، هؤلاء عندما نراهم نعرف أنهم رجال عظام، ومن الجائز أننا كنا نسخر منهم أو نستهزئ بهم في الدنيا، يقول فيهم حضرة النبي صلى الله عليه وسلم:

{ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى عَمُودٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ فِي رَأْسِ الْعَمُودِ سَبْعُونَ أَلْفَ غُرْفَةٍ يُضِيءُ حُسْنُهُمْ أَهْلَ الْجَنَّةَ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ أَهْلَ الدُّنْيَا }[1]

وكذلك الذين سيأخذون الكتب، منهم من يأخذه باليمين، ومنهم من يأخذه بالشمال، ومنهم من يكون مقيد الرجلين مع اليدين مع العنق، فيضعون له الكتاب في عنقه، فيظهر حال كل إنسان.

فعندما تشرق أرض القيامة التي وصفناها بنور الله، من الذي يرى؟ أهل الإيمان والتقى، والآخرين؟ ” وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ” (40النور).

المجرمون كل واحد بمفرده في زنزانه انفرادية وليست زنزانة جماعية: ” وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ” (94الأنعام).

أما نحن: ” يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ” (85مريم) يعني جماعة، ويذهبون للجنة أيضاً مع بعضهم: ” وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ” (73الزمر) زمراً يعني جماعات، فكل جماعة مع بعضهم.

والذي يأتي وحده هم الكافرون، فيروا المؤمنين يمشون وكلهم نور، فينادوا عليهم: ” انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ” (13الحديد) انظروا لنا ولو نظرة حتى نرى ما تحت أقدامنا، لكن كما كانوا يسخرون منهم في الدنيا يسخرون منهم هناك: ” فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ” (38هود)، فيقولون لهم: ” ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ” (13الحديد) يعني ارجعوا إلى الدنيا مرة أُخرى والتمسوا نوراً، ولا أحد يرجع إلى الدنيا مرة أُخرى، لكنهم يردوا إليهم ما ساقوه إليهم في الحياة الدنيا.

إذاً نور الله ينير أرض القيامة، ولكن لا يراه إلا المؤمنين الصالحين، والباقين لا.

” وَوُضِعَ الْكِتَابُ ” كل إنسان يخرج له كتاب، والكتاب عبارة عن فيلم فيديو مسجل بالصوت والصورة والسريرة، فليس عندنا الآن فيديو يستطيع أن يُظهر السريرة التي في القلب، لكن الفيديو هناك بالصوت والصورة والسريرة، ويقولون له: ” اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ” (14الإسراء).

” وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ “ المحكمة ستعقد جلساتها، من الذي يشهد على الناس؟ الأنبياء، والملائكة الذين لا يتركونا طرفة عين، فهم الذين سجلوا كل شيء، ومعهم أيضاً الأرض التي مشينا عليها، فلا يوجد مكان تمشي عليه من الأرض إلا ويأخذ لك صورة ليشهد لك يوم لقاء الله، فهذا المكان الذي نحن فيه الآن يسجل لنا هذه الصورة، ليأتي يوم القيامة ويقول: يا رب فلان وفلان وفلان كانوا جالسين يوم كذا ساعة كذا يسمعون كلام الله، ويسمعون العلم النافع، في جلسة صفاء ونقاء: ” إِذَا زُلْزِلَتِ الارْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الارْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الانْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ” (1-5الزلزلة) تتكلم وتشهد.

فكم شاهد عندك؟ النبيين، والملائكة، والأرض، وكذلك الجوارح التي عملت والتي فعلت، فعندما يأتي الحساب يقال للإنسان: أنت فعلت كذا؟ يقول: لم أفعل، فيأتونه بالشهود، فيُكذِّب، فيقال له: أترضى أن يشهد عليك شاهدٌ من نفسك؟ فيقول: بلى، فتشهد عليه جوارحه: ” الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” (65يس) لا ينطق اللسان، ولكن جوراحه هي التي تنطق، وليس اليدين والرجلين فقط بل كل الجوارح: ” وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ” (21فصلت).

أنت لم تكن تستتر، وهل يوجد شيء يُستتر على القدير تبارك وتعالى؟! وهل تظن أنك عندما تختبئ في مكان لا يراك فيه إنسان لن يراك فيه الرحمن؟! وهل الملائكة يغادرونك طرفة عين ولا أقل؟! وهل ستذهب إلى أرض أخرى غير هذه الأرض؟! فالكل شهود عليك:

” وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ” لا ظلم هناك أبداً، لأن الله تبارك وتعالى أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين تبارك وتعالى.

بشائر كرم الله

ولذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بشرنا بشرى عظيمة من كرم الله وفضل الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم:

{ إِذَا تَابَ الْعَبْدُ مِنْ ذُنُوبِهِ أَنْسَى اللَّهُ حَفَظَتَهُ ذُنُوبَهُ، وَأَنْسَى ذَلِكَ جَوَارِحَهُ وَمَعَالِمَهُ فِي الأَرْضِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ بِذَنْبٍ }[2]

ينسيهم الله ذنوبه، ويمحوها من الملفات التي معهم، فيلقى الله وليس عليه شاهدٌ بذنب!.

ما أكرمك يا رب العباد، ما هذا الكرم؟! عندما يتوب الإنسان يمسح الله الذنوب من عند جميع الشهداء، حتى يلقى الله تبارك وتعالى وليس عليه من يشهد عليه بارتكاب هذا الذنب.

ولذلك قال لنا الله: ” وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (31النور) نتوب كم مرة؟ ذهبوا لحضرة النبي فقال:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ }[3]

ورسول الله ليس عليه ذنوب: ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ” (2الفتح) ولكنه صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا، فإذا كان هو يستغفر في اليوم والليلة مائة مرة، فكم مرة نتوب نحن؟! ليتنا نتذكر ونعمل كما فعل حضرة النبي ونستغفر في اليوم والليلة مائة مرة، لكن كثير من المسلمين غارقين في الغفلة والجهالة ولا أحد منهم يتذكر التوبة ولا الأوبة ويمشي وراء حظه وهواه.

السلاح الذي تنجو به يوم لقاء الله، والذي لا تتركه من يدك أبداً، حافظ على التوبة، وأنت سائر، وفي غدوك ورواحك، وأنت نائم، على كل حال لا تتوقف عن الاستغفار لله.

مع أن الله عز وجل جعل لك في الاستغفار كل ما ترجوه من أوطار، إذا كنت تريد مال سيأتيك بالمال عندما تُكثر من الاستغفار، وإذا كنت تريد الولد سيرزقك بالولد عندما تُكثر من الاستغفار، وإذا لم يكن عندك ماء وتريد أن ينزل الماء من السماء عليك الإكثار من الاستغفار، وإذا كنت في ضيق من العيش وتريد أن تعيش عيشة هنية، أكثر من الاستغفار يحييك الله الحياة الطيبة الهنية: ” اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ” (10نوح) وغفاراً يعني غفر لك وضمنت الآخرة، وفي الدنيا؟ ” يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ” (11-12نوح).

إذا أمدني الله بالبنين فسيكونون بررة وأتقياء ولن يكونوا غيظ يغيظوني كما قال حضرة النبي:

{ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْظًا }[4]

يعني يعارض أباه في كل شيء، لكن عندما يكون الولد مدد من الله يكون باراً وتقياً: ” وَبَرًّا بِوَالِدَتِي ” (32مريم).

وإذا كان المال أيضاً مدد من الله، فسيُنفقه فيما يحبه الله ويرضاه، ولن ينفقه في المخدرات، ولا في المسكرات، ولا على الفاتنات، ولا على المحرمات، لأنه جاء مدداً من الله، لكن ينفقه في حج بيت الله، أو في عمارة مسجد لله، أو في مساعدة فقير لوجه الله، أو في عمل بر أو عمل خير:

وسبحان الله! بكثرة الاستغفار يجعلنا الله نعيش في جنان تحتها أنهار ونحن في الدنيا: ” وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ” (12نوح) ولذلك سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: ((لو نزلت صاعقة من السماء ما أصابت من يستغفر الله تبارك وتعالى)) يعني العذاب لا ينزل على مستغفر لله، لماذا؟ لأن الله قال: ” وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ” (33الأنفال).

نسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا ما ظهر منها وما بطن، ما صغُر منها وما كبر، ما علمنا منها وما لم نعلم، وأن يبدل سيئاتنا بحسنات، وأن يلهمنا دائماً وأبداً التوبة والأوبة، في الدنيا ويحسن عاقبتنا في يوم الميقات، وأن يجعلنا من الذين يقول في شأنهم: ” فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ” (70الفرقان) وأن يرفعنا إلى أعلى مقامات التوبة إلى الله، فيدخلنا في قوله: ” إِنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ” (222البقرة).

وصلى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

[1] اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

[2] التوبة لابن عساكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه

[3] مسند أحمد والنسائي

[4] معجم الطبراني عن عائشة رضي الله عنها

درس السهرة المنيا – مغاغة – آبا البلد 27 من صفر 1442هـ 14/10/2020م

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid