ما أردت أن ألفت نظر الأجباب جميعاً إليه، أنَّ ما علَّمه لنا الله، وما علَّمه لنا سيدنا رسول الله، وما علَّمه لنا بعده كل علماء الله، أن السالك الحقّ الذي يريد فتح الله لا يعمل أيَّ عملٍ – لله أو لخلق الله، لآخرته أو لدنياه – إلا بعد أن يتعلَّم من شرع الله، ومما ورد عن رسول الله، ما ينبغي أن يفعله في هذا العمل.
ومثالنا ما كنا فيه الليلة لقد نوهنا في المسجد على العِلْم، لكن معظم المسلمين يُقْصِرُون العلم في الدِّين على العبادات!! ولذلك إنتشر في السنوات الأخيرة في مصر – وهذه ظاهرة خطيرة حلَّلها علماء المجتمع – كثرة الطلاق بين المتزوجين حديثاً، بصورة فاقت الحدّ. شهرين أو ثلاثة ويُطَلَّقُون. لماذا؟!! لأنه لم يَعْلَمْ الحقوق التي له، ولا الواجبات التي عليه. ولا الفتاة .. لا تعرف الحقوق التي لها، ولا الواجبات التي عليها، ولا يسألون أحداً، ولا أحدٌ يعلِّمهم، وكلُّ ما هم مشغولون به غرفة النوم ما شكلها؟ وغرفة الصالون ما شكلها؟ السفرة شكلها ماذا يكون؟ الثلاجة صنفها من أي نوع؟ البوتاجاز ما شكله؟ الأجهزة ما نوعها وصنفها؟ وكفى!! لكن الإسلام لم يقل ذلك!!
أنا مقبل على مشروع زواج، أو هي أصبحت عُرضة لمشروع زواج، فلابد من أننا – نحن الإثنين – نعرف زواج يعنى إيه؟ يعنى المسؤلية. فما مسؤولية الزوج؟ وما مسؤلية الزوجة؟ زواج يعنى أن إثنين سيكونون مع بعض، كلُّ واحد منهم له حقوق وعليه واجبات، لابد أن يعرف هو ما حقه عندها؟ وواجباتها له؟ وواجباته لها؟ وهى نفس الكيفية، ويعرف واجباته نحو أهلها، وواجباتها نحو أمه وأبيه وإخوته وعائلته، ولابد أن يأخذوا دورة تدريبية كاملة في تربية الجيل الإسلامي، سيأتينا الولد كيف سنربيه التربية الإسلامية؟ فلابد أن يأخذوا دورة كاملة على الزواج.
في عصر السلف الصالح كان الناس لا يشغلهم إلا الله ودين الله، فكلما جلسوا مع بعض يعرِّفون أولادهم ويحكون لهم حقوق الزوج والزوجة، فيسمع الولد من هذا ومن ذاك، وليلة الحنَّة أصلاً هذه كانت أصلها أنهم يجلسون معه ويفهمونه أدق التفاصيل التي ينبغي أن تحدث له بينه وبين زوجه في غرفة النوم حتى تكون على شريعة الله، ما الحرام في هذه العلاقة؟ وما الممنوع فيها؟ والصح فيها؟ ما هو؟ حتى يدخل ويكون عالماً بما سيفعله، ولذلك كانت العلاقات تدوم والعشرة مهما طالت تجد بين الإثنين حنين وشوق ومحبَّة وألفة على الدوام.
وأطالب شبابنا أجمعين، وآباءنا الموجودين، ومن عنده شاب أو بنت وصلت لمرحلة الزواج – كما أنى مسئول أن أوفِّر له المهر والشقة، فقبل كل ذلك المفروض أن أوفر له المعلومات الصحيحة التي بها يكون زوجاً صالحاً، ولابد أن أناقشه حتى أتأكد أن سيكون زوجاً صالحاً. وابنتى نفس الكلام، فإن كانت زوجتى تعرف ذلك فلابد من أن تعلِّمها وأتابع معها، وإن كانت لا تَعْلَم أحضر لها أحداً يعلِّمها حتى تنجح فى حياتها الزوجية، وتبقى الحياة بينهم كما قال ربُّ العزة )@yèy_urNà6uZ÷t/Zo¨uq¨BºpyJômuur((21الروم).
والإسلام حتى أدق الأمور بين الزوجين بيَّنها ووضَّحها!! ما الذي يحدث بين الزوج وزوجته ليلة الدخلة؟ وضَّحه رسول الله r: فقال يأخذها – وبعدما يدخل مكان النوم – أول شيء يعملوه أن يصلي بها لله U – يصلى بها جماعة، وبالتالي لا يكون هناك بركة في زواج نسهر فيه حتى مطلع الفجر، وندخل وما صلينا مغربَ ولا عشاء!! كيف يكون ذلك زواج؟!!! (لا بارك الله في عمل ينهى عن الصلاة). فإذا أحبَّ أن يكون عقدُ العقد مباركاً لابد وأن يذهب وهو على وضوء، حتى يكون العقد مباركاً، وبعد العقد يصلى ركعتين شكراً لله على هذه النعمة التي هيئها له الله.
فقال: يصلى بها ركعتين الأول، أو إذا كان عليهم فريضة يصلي بها الفريضة جماعة، وبعد ذلك يمسك بجبهتها ويقول – وهى تقول: (اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جبلت عليه)[1]. ويأتنس بها لأنها تركت بيت أبيها وذاهبة إلى بيت جديد، ولازم يحسسها بالملاطفة وبالكلام الطيب وبالأنس، حتى تسكن إليه، وتميل إليه، وتسلِّم نفسها إليه. ووضح رسول الله كل صغيرة وكبيرة فى هذه الأمور.
نحن والحمد لله وضَّحنا هذه الأمور التي تخصُّ الزواج والجهاز، وكل ذلك وضَّحناه فى كتاب: (المؤمنات القانتات)، والأمور الخاصة – حتى العلاقات الجنسية على الشريعة الإسلامية – بيَّناها فى كتاب سميناه: (الحبُّ والجنس في الإسلام).
الإسلام لم يترك شيئاً إلا وذكرها ووضَّحها، حتى يكون المسلم على بيِّنة من أمره. لازم علم وأطبق العلم بالعمل، فيكون الاثنان كأنهم فى جنة عالية وإن طال بهم الأمد: )$uZù=è%urãPy$t«¯»tô`ä3ó$#|MRr&y7ã_÷ryursp¨Ypgø:$#( (35البقرة).
أنت وزوجتك لو مشيتم من الأول على هذه التعاليم الإلهية، والسُّنَّة المحمدية، سيكون بَيْتُكُمْ جَنَّةً لكم أنتم الاثنين، لماذا؟ لأننا نسير على هدى الله وعلى سنة رسول الله r، وسيدنا رسول الله علَّم أصحابه أن بداية الزواج، وخط الزواج، لابد وأن يُبنى على الصدق من البداية. لكن بداية الشباب معظمهم كذب وخيالات وأوهام، يجلس معها ويؤلف روايات وحكايات عن نفسه ليس لها أي شيء في الواقع!! أليس هذا ما يحدث؟!! كلها روايات كذب في كذب، وبدأت الحياة بالكذب لن تفلح، فهم بذلك يذكروننا بسيدنا سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
جالس في قبته، وجاء عصفور وعصفوره وأخذ يناجيها وقال لها: ماذا تريدىن أن أفعل لك؟ إن كنت تريدىن منى أن أهدم قبَّة سليمان أهدمها عليه. طبعاً سيدنا سليمان أوتى منطق الطير فعرف!! فقال له سيدنا سليمان: لماذا تقول ذلك؟ فقال: يا نبىَّ الله، أنت تعرف أن أغلب أحاديث المحبين كاذبة!!!
لكن سيدنا رسول الله علَّم أصحابه غير ذلك، جاء سيدنا بلال وأخوه يريدان الزواج، فقالوا نذهب إلى بنت فلان وأختها نخطبهما – البنت وأختها لنا نحن الاثنان. أخوه قال له: أنا الذى سأتحدث، فقال له سيدنا بلال: لا، أنا الذى سوف أتكلم، فذهبوا وطرقوا الباب ودخلوا، فقالوا: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد الزواج من فلانة وفلانة، فقالوا لهم: من أنتم؟ سيدنا بلال قال: كنا كافرين فهدانا الله، وكنا جاهلان فعلَّمنا الله، وكنا عَبْدَيْنِ فأعتقنا الله. أخوه أخذ ينغص فيه ويقول له: ما هذا الذي تقول؟ هذه خطوبة!! فهو يريد أن يقول غير ذلك!! فالجماعة شاوروا أنفسهم وقالوا: نحن زوجناكما بصدقكما إن شاء الله. فعندما خرجوا قال له أخوه: لماذا قلت هذا الكلام؟ فقال له سيدنا بلال: لقد رأيت أنت بنفسك الصدق هو الذى جعلنا نتزوج، فلو كذبنا ما كنا تزوجنا.
طبعا معظم المشاكل التى تحدث بين الأسر يكون سببها ماذا؟ يقول العريس أو من يتبع العريس: نحن سنفعل كذا وكذا وكذا، ويغررون بهم فيوافقون. بعد الموافقة وتمشي الأمور يقولون: لا، عفواً نحن معنا عذر، لأن ظروفنا كذا، وأصلي إحنا عندنا كذا، وزى بعضة الذى لن يأتى النهاردة سيأتى غداً!! أليس هذا ما يحدث يا إخوانى؟
وتأتى البنت تضحك على حماتها وتحاول أن تبيِّن لها أنها حريصة عليها، وستخدمها وتنفذ لها كلَّ طلباتها أحسن من بناتها كلِّهن، إلى أن يتم الزواج الوجه يذهب وتلبس وجهاً آخر!! أليس هذه فلانة التي كانت تفعل لنا كذا عندما كنا نذهب عندهم؟ لا، إنها لبست وجهاً آخر!!!
فهذا الكلام لا يصح يا إخوانى بين المسلمين. المسلمون لهم وجهٌ واحد. وحضرة النبي قال: ) إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ (([2]). أنتِ من الأول لا تريدى حماتك أن تسكني معها قولى له من البداية: شرطنا أن أسكن في بيت وحدي. أفي ذلك شيء؟ الشرط نور، لكن التغرير بالناس سِرُّ المشاكل التي يقع فيها معظم الناس في وقتنا هذا.
كم من الشباب يُغَرِّرُّ بالبنات ويقول لها: سوف أفعل لكِ كذا وكذا وكذا، والنقود التي معه لا تكفي إلا للشبكة، ويظل حتى يكتب الكتاب وبعد ذلك يقولون: هيا يا فلان نريد المهر، وهو يقول: حاضر حاضر، وحاضر هذه تأخذ سنتين أو ثلاثة إلى أن تأتى المشاكل من غير حدٍّ ولا عدّ. هل يجوز ذلك في نطاق الأخوة الإسلامية يا أحباب؟ لماذا لم تقل من الأول أنك لست جاهزاً؟!! لابد من البداية
ستدخل طريق فيجب أن تكون جاهزاً مالياً، وجاهزاً إجتماعياً، وجاهزاً دينياً لهذا الأمر العظيم، حتى يصبح معه دوماً توفيق الله، ورعاية الله، وعناية الله جلَّ في علاه. ليس عيباً أن تدخل بيتاً وأنت فقير، لأن العلىَّ الكبير وَعَدَ مَنْ سيقبل على الزواج لله وهو فقير، سيتولى غناه الغنى الكبير U، ويكون الزواج سبب الغنى!! لكن المهم أن يكون الأمر من البداية إلى النهاية مبنىٌّ على الصدق.
إذن شبابنا محتاج لازم أى مشروع ستعمله، تدرسه وتعلم ما رأى الشرع؟ تريد أن تعمل مشروعاً تجارياً، تدرس التجارة في الإسلام، ما الحلال فيها وما الحرام؟ وأنواع الشركات الحلال، والشركات التي يحرِّمُها ذو الجلال والإكرام؟ حتى تسير كما يرضى الله. كان سيدنا عمر يمتحن الجماعة الذين هم في السوق، ويعمل لهم إمتحاناً، وكان يعمل لهم واحداً واحداً إمتحاناً شفوياً ويقول لهم: (مَنْ لَـمْ يَتَفَقَّه في ديننا ودخل السوق أكل الرِّبَا وهو لا يشعر). ونحن لا نريد أن يأكل أحدٌ الرِّبَا في مجتمعنا.
أيُّ مشروع أريد عمله لابد من دراسته، الدراسة الدينية، وإذا كان له دراسة علمية عصرية آخذ الاثنين مع بعض، الدراسة الدينية والدراسة العصرية، مثلما شرحنا للأحباب في الحُبِّ والجنس، كلَّ هذه الأمور دينياً وعلمياً وعصرياً، لابد من ذلك لأن الإسلام كذلك، حتى يكون الواحد ماشى على النهج القويم، وعلى الهدى المستقيم الذي كان عليه الرؤف الرحيم r.
إذن لابد يا إخوانى أىُّ عمل أياً كان لابد من دراسته أولاً، ويعرف موقف الشرع منه، وموقف العصر والعلم الحديث منه، وبعد ذلك يُقْبِلُ على هذا الأمر. هذا ما علَّمه لنا سادتنا الصالحون، وتعلَّموه من سيِّد الأولين والآخرين، وعلَّمه r ربُّ العالمين U.
العشوائية ليست من الدِّين، والعشوائية يعنى أن تأتى فكرة على بال الواحد يذهب وينفذها!! فهو لم يسأل أحداً سبقه فيها، ولم يسأل أحداً صاحب معرفة فيها، فهو ذهب لينفذ ما في فكره وفقط، هذا ليس في الدين، وعندما تأتى تكلمه يقول لك: البركة. أيّة بركة؟! البركة كيف تأتى في العشوائية؟ البركة أن آخذ بالأسباب كما ينبغي ثم أسأل الله المعونة فيعيننى الله U لأنى أخذت بالأسباب، ومشيت كما ينبغى في هذا الباب.
هذه نصيحة أنصح بها إخواني وأحبابي في كل أمر من الأمور، وأنا بحمد الله جهدى وطاقتى أسير على هذا المنوال، لا يوجد أيُّ أمرٍ دنيوى أو أخروي فيه مصلحة أو منفعة الواحد يدخل فيها إلا ولابد أن أستوفي هذا الموضوع، وأقلِّبُه على كل أبوابه وجهاته، وبعد ذلك أستخير الله وأستعين بالله وأسير فيه وأنا أرجو أن يوفقنى الله U.
نسأل الله أن يجعلنا دائماً من عباده الموفقين، وأن يكرمنا دائماً وأبداً بما أكرم به عباده الصالحين، وأن يجعلنا من الذين يتأسون في كل أحوالهم بإمام الأنبياء والمرسلين، ويقتدون في كل حركاتهم وسكناتهم بالعلماء العاملين والأولياء والصالحين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*************
[1] روى ابن ماجة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بلفظ: (إذا أفاد أحدكم امرأةً أو خادماً أو دابةً فليأخذ بناصيتها وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جُبِلَتْ عليه، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جُبِلَتْ عليه).