• Sunrise At: 6:06 AM
  • Sunset At: 6:03 PM

معلومات عن الكتاب

مقدمة المحقق

                  بقلم الشيخ فوزى محمد أبوزيد     

بسم الله الرحمن الرحيم

(ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)

الحمد لله ربِّ العالمين الذى حبَّب لعباده الإيمان وزيَّنه فى قلوبهم …

والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب من عرَّف أهل الإيمان بشعب الإيمان وبيَّنها بالعمل والحال وشرحها بالبيان!.. ثم أفاض صلى الله عليه وسلم على قلوب ورثته وحملة لواء شريعته المزيد من التبيان بما يناسب كل عصر وأوان .. صلى الله عليه وعلى آله الأنجم الزاهرة وأصحابه ذوى القلوب الطاهرة وسلم تسليماً كثيرا … وبعد ..

إن تحقيقى ومراجعتى لهذه الطبعة الثانية من كتاب “شعب الإيمان” لأستاذى وشيخى العارف بالله الشيخ محمد على سلامة؛ تجعلنى أنتهز الفرصة لكى أبين نذراً يسيرا مما يسمح به المقام من أسلوب الدعوة الحكيمة لهذا العالم الجليل، العامل بما علم فورثه الله علم ما لم يعلم! فأفاض علينا بدوره من تلك العلوم ما هيَّم الأرواح وشنَّف الأسماع وحرَّك الأشباح شوقاً إلى حضرة الكريم الفتاح!

ومن ذلك هذا الكتاب القليل أوراقه! العظيم إغداقه من الكلام السهل الممتع وهو كتاب ” شعب الإيمان “، والذى عند قراءته يتبين بيقين أن أسلوب دعوة الشيخ لله كان نسيجاً وحده …. ونمطا فريدا متميزاً فى هذا العصر والأوان! …

وإنه ليجدر بى أن أقول أن أهم ما أخذته من صحبة العارف بالله الشيخ محمد على سلامه فى أسلوب دعوته! هو الحكمة العالية فى الدعوة إلى الله!!!

وقد لا تتضح أبعاد هذه الحكمة إلا بعد أن ضرب الأمثلة على ذلك ..

أمثلة فى فقه دعوة الشيخ محمد على سلامة إلى الله

ومن ذلك [1]: كنت يوما عند فضيلته t فى منزله فى ههيا بمحافظة الشرقية بمصر، وإذا برجل يأتى بمسألة فى الطلاق، وأنا على يقين أن الشيخ رضي الله عنه كان على دراية كاملة بالفقه علي المذاهب الأربعة- لأنه عندما جاء هنا إلى طفنيس مركز إسنا بمحافظة الأقصر بصعيد مصر موفدا من قبل وزارة الأوقاف، ووجد أهل هذه البلاد مالكية ودراسته التي أخذها كانت على المذهب الشافعي، أحضر كتب المالكية ودرسها لكي يفتى أهل البلدة ويؤمهم بمذهبهم- لكن فوجئت به يكتب المسألة! ويطلب من ابنته أن تذهب إلى شيخ الجامع الكبير فى ههيا أى فى المركز! وتأتى بالإجابة!! ولم أدرك سرَّ هذا إلا بعد سنوات! كيف؟ .. فى المنطقة التي أقطنها يأتيني الناس كذلك فى فتاوى الطلاق، ومنذ عامين تقريباً[2] توقفت، ومن يأتيني أقول له عليك بلجنة الإفتاء!، لماذا؟

ذلك لأني وجدت الناس يكذبون ولا يقولون الحقيقة ومبدأهم كما يقول المثل (( ضعها فى رقبة عالم واخرج منها سالم ))، وبالطبع فإن العالم يفتي كما يعرض عليه، وبما أن الناس يكذبون!!، فقد وجدت أنه من الأسلم توجيه الناس إلى لجان الفتوى بالأوقاف، والمساجد الكبرى … فمثلاً مسجد سيدي أحمد البدوي، به لجنة فتوى معقودة باستمرار من ثلاثة علماء، وتعرض المسألة على ثلاثتهم ويفتون فيها، وقد ذكرت هذا الموضوع خصيصاً حتى لا يسارع إخواننا الدعاة بارك الله فيهم فى مسألة الإفتاء!! خاصة فى الطلاق! والميراث!.. فالناس فى هذا الزمان لا يعرضون القضية بأمانة، وكل واحد منهم يعرض مسألته من الزاوية التي يضمـن بها أن تحكم له! وبعدها يقول أن الشيخ فلان حكم لى – والطرف الآخر يعرف القضية بأبعادها .. فيقول أن هذا الشيخ ظالم! أو جاهل! ولا يعرف أن الطرف الأول عرض الحقيقة مبتورة!!

وإذا كنت عالماً وأردت أن تفتى فى قضية طلاق !فلا بد من حضور الطرفين!، والأسلم من ذلك أن توجهم إلى لجنة الفتوى .. قد يقولون عندها أنك غير عـالم!، فليكن! تكون أنت الغانم السالم!! فقد كان سيدنا الإمام مالك t:

{ ربما يسأل عن مائة مسألة فيجيب منها في خمس أو عشر، ويقول في الباقي لا أدري.، وقال له بعضهم إذا قلت أنت يا أبا عبد الله لا أدري فمن يدري؟ قال: ويحك ما عرفتني؟ وما أنا؟ وأي شيء منزلتي حتى أدري ما لا تدرون؟ ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر، يقول لا أدري فمن أنا، وإنما أهلك الناس العجب وطلب الرئاسة.، وقال مصعب: سئل مالك عن مسألة فقال لا أدري.فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة وإنما أردت أن اعلم بها الأمير! وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: ]إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً[،  فالعلم كله ثقيل وبخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة.}[3].

وقال مالك بن أَنس‏ وورد عن عبد الله بن عباس y:‏ { إذا تَرك العالم لا أدري أُصِيبت مَقاتلة }‏.‏، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وقيل عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: ‏{ مَن سُئلَ عما لا يَدري فقال‏:‏ لا أدري؛ فقد أَحرَزَ نِصْفَ العِلم‏.}[4]، وهـذه حكمـة عاليـة قد تعلمناها مـن هؤلاء الدعـاة رضي الله عنهم .

والحمد لله فى بلادنا مجموعة كبيرة من الدعاة، أكثرهم مجتهدون، وبما تعلمته من أسيادنا الصالحين اخترت أن أكون من المقلدين!، ولا شأن لى بالاجتهاد فأنا أحيل هذه الفتاوى إلى لحان الفتوى المتخصصة، وما كان يمشى عليه الشيخ رضي الله عنه فأنا على دربه أمشى لا أغير! ولا أبدل! وذلك لأنى نظرت إلى ما كان عليه الشيخ فوجدته الأتمَّ والأكمل، فبماذا أجئ بعد ذلك؟ … هل فهمتم إذاً لما كان الشيخ محمد على سلامه يرسل فتاوى الطلاق إلى شيخ الجامع الكبير .. لأن االناس تعرض الحقيقة مبتورة لتعلقها فى رقبة العالم!!!

وهاك مثالاً ثانياً فى فقه دعوة الشيخ رضي الله عنه إلى الله:

فقد كان مثلاً يختم المجلس – وكان كل درس فى المسجد يعتبر مجلساً مستقلاً – بقراءة الفاتحة للحاضرين، ومعها دعاء! وبعده يقرأ الفاتحة لأهل البلدة، ثم يقول الفاتحة لرجال الله الصالحين وسكان هذه البلدة ومشايخنا ومشايخكم …وذلك لأن لكل الحاضرين من الصوفية شيخه، بذلك يكونوا كلهم مشتركين فى هذه الفاتحة، وبعد ذلك عندما يخص شيخه وهو مولانا الإمام أبو العزائم لا تتغير نفوس الحاضرين لأننا ذكرنا كل المشايخ.

ثم بعد ذلك يقرأ الفاتحة لوالدينا ووالديكم وأمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين أجمعين! ثم بعد ذلك يقرأ الفاتحة لكل من له حاجة، ثم بعدها الفاتحة الخاتمة لسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم بعد هذا الختام! هل هناك من شئ لم يشمله الشيخ بالدعاء؟ لماذا إذاً لا نمشى على هذا النهج فى كل أحوالناومجالسنا وبلادنا، وأنا كمقلد أتبع هذا المنهج! أما إخوانى المجددون المجتهدون فلهم الخيار، أما المنهج الذى إرتضيناه واخترناه، فهو المنهج الأكمل لأنه من وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أكمل الناس وأعلم الناس بحاجات الناس فى هذه الحياة! وهكذا وفى الحقيقة كل ما كان عليه الشيخ عندما يتفكر فيه الواحد ويتدبر يجد أنه ليس عن هوى ! وإنما كان عن إلهام من الله !! فرسول الله صلى الله عليه وسلم له الوحي ونحن لنا الإلهام من الله عز وجل ..

فالداعى على بصيرة الذى يريد أن يقتدي بأهل الإلهام عليه أن يطرد حظ نفسه وهواه! ويقتدي بهم كما ينبغي ليرزق بالإلهام كما رزقهم الله.

ولذلك فإن إخواننا الذين يجتهدون ويريد الواحد منهم أن يأتى بشيء جديد من نفسه تجد أن الفتح يقف أمامه فلا يأتيه أبداً لأن الفتح ليس بالجهاد ولا بالاجتهاد وإنمـا بالاصطفاءمن الله (الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس ) (75الحج)..مـن الذى يصطفى هـنا؟ .. الله عز وجل ، والصالحـون من عباد الله لهم جانـب عند ربـهم ( لهم ما يشاءون عند ربهم )  (22 الشورى) … ولذلك من يرشحونه.. ويزكونه .. هو من يصدر له قرار الاصطفاء .

وفى الحقيقة فإن كل الخير الذى أنا فيه من بركة شيخى الشيخ محمد على سلامة t وأرضاه عنى، وكل ما أحمد الله عزوجل عليه ولا أستطيع شكره عليه أنه كان يحبني ويعلم الجميع ذلك ( فبحبه فازوا بكل مراد )! فهذه الطريقة الحكيمة إخواني هى التي يجب أن نأخذها من الصالحين وليس من الكتب لأن الكتب تقول وتتركك! أما هؤلاء فإنهم يعلموك كيف تصول وتجول فى المجالس وأنت موصول بأنـوار الرسول! وليس بالفـكر! ولا بخواطـر النفس! فكلها إلهامات من الله عزوجل

ولذلك عندما يمشى الواحد على النهج وعلى الخطى، ربما يتعجب البعض! فهي نفس القاعدة، فالفواتح التى تقرأ كما هى!! لكن الدعاء الذى يجئ هنا .. بخلاف الدعاء الذى يجئ هناك!!  فهل جهزت هذا الدعاء أو حضرته ؟ أبداً ..!! بل إن الدعاء الذى يلهم به الواحد هنا مناسباً لمن هنا، والدعاء الذى يلهم به الواحد هناك مناسباً لمن هناك، وهكذا لأنه إلهام من الله ببركة حبيب الله ومصطفاه، وببركة رضا الرجل الوارث الذى صحبناه رضي الله عنه وأرضاه.

وعندما يأتى ولد من أولادنا طالب بالفرقة الأولى فى الجامعة ويريد أن يزاحم الدكاترة والأساتذة فهل ينفع ذلك؟!!  ألا تنتظر حتى تأخذ الدكتوراه على الأقـل! فانـك مازلت فى الفرقة الأولى ؟ وحتى إذا إنتهي من الجامعـة !ومازال معيداً هـل يصح أن يزاحـم الأسـاتذة ؟ لا إذاً لابد وأن تعرف أن المقام محفوظ وكل من سبقك ولو بيوم صدق فى صحبة الشيخ !! فله فضل السبق عليك .. ولابد أن تراعى ذلك، وهذا فضل الله …

لكنك بهواك تريد أن تمشى ويكون لك كينونة وقد قالوا: { من زاحم ليكون لا يكون، ومن زاحم ليحل فى القلب فذلك فى المحل الأعلى }.

ومثال ثالث:

علمنا الشيخ رضي الله عنه فى درس عال وغال إن الداعى على غير بصيرة عندما يحب أن يأتى بالغريب إلى الناس! يذهب إلى كتب الرقائق الصفراء! ويأتي منها ليبهر الناس كما يظن!! والكثير من إخواننا الدعاة يفعلون ذلك !!– وبالطبع فكثير من الكتب بها أحاديث غير صحيحة وإسرائيليات! وقد قال لنا الشيخ رضي الله عنه  فى ذلك :

{ إذا حدثتم العلماء فحدثوهم بالأحاديث الصحيحة } وإذا كانت نيتـك طيبـة وكنت موصـولاً فسـيأتى لك الإلهام فى المعـانى .. حتى ولـو فى حديـث شـائع .. ومعـروف .. ومتفـق عليـه.. فسيرزقك فيه بمعانى جديدة  … فما الذى يجعلك تتجشم الصعاب وتأتى بالأحاديث الضعيفة والروايات المشكوك فى صحتها وترويها ؟ … لا !! فبعد تحصيل العلم اللازم للداعى فإن علينا ألا نفتش فى كتب السابقين فحسب!! … ولكن:

فلتعلو همتنا … للتلقى من قلوب الصالحين، وهذا هـو الجديد! والبحر المديد!.. لماذا؟

لأن كثيراً مما بكتب السابقون من معلومات .. ربما يكون عفا عليها الزمن! والكثير منها يلزم تغييرها فلم تعد مطابقة للعصر !! لكن ما ينزل على قلوب الصالحين … فهو أحدث تكنولوجيا علمية قرآنية مناسبة لهذا الزمان !! … فالمفروض عليك أن تأخذها من رجالها وتنقلها!

لكن بعض إخواننا الدعاة تغلبه نفسـه! ويقـول هـل أعيـد هذا الكلام مرة أخرى؟ ويستكبر! ويستعظم أن يعيد! ويريد أن يكون دكتوراً ويأتى بالجديد! إذاً فابقى كما أنت حديد! فلن يأتيك مدد جديد من الحميد المجيد أبـداً، لأنه لا يكون هناك دكتور! إلا إذا كان أولاً .. معيد!، فلا بد وأن يعيد! ويرضى عنه الدكتور المشرف الرشيد! لكى يسجل رسالته.. ويصبح له بعد ذلك منهج جديد من الحميد المجيد .

من هدى الشيخ سلامة t فى خطبة الجمعة

ومن هدى شيخنا t في خطبة الجمعة:

  • أنه كان رضي الله عنه يتحرَّى أن تكون خطبة الجمعة ذات موضوع واحد، لا يخرج عنه الخطيب حتى لا يتشتّت السامعون، ويقول لى: { المهم يا بني أن يخرج الناس من المسجد وقد عرفوا موضوعاً محدداً من أمور دينهم واستوعبوه ليعملوا به }.
  • وكان يتحرَّى دائماً أن تكون موضوعاته على المنبر أو في دروس المساجد من الموضوعات العامة التي يحتاجها كل مسلم، ويبتعد عن ذكر الأمور الخلافية أو الإشارة إليها، وكذا ما يثير الفتن والمشاكل بين الناس.
  • وكان يلقى الخطبة بلغة سهلة وواضحة تناسب مستوى الحاضرين لتصل مباشرة إلى قلوبهم قبل أسماعهم، مع الحرص ألا تكون طويلة مملة أو قصيرة مخلّة، وقد كان من غرائب هذا أنّي كنت أتابعه t وأنا ممسك بساعتي فكان لا يزيد على سبع عشرة دقيقة في كل خطبة إلا نادراً جدا،ً ومع ذلك نخرج وقد استوعبنا الموضوع من جميع نواحيه، وكان يقول لنا دائماً في ذلك: { لأن نترك الناس راغبين خير من أن يتركونا زاهدين }.
  • وكان رضي الله عنه عندما يوجَّه أو يكلَّف أحداً من الدعاة للخطابة فى المساجد يختار منهم المناسب للمكان الذى يوجهه إليه بدقة طبقا لمستوى المستمعين بتلك المساجد الدينى والإجتماعى ويوصيهم بما يناسب أهل المكان ويتابعهم! ..
  • كما كان رضي الله عنه يحرص على التبشير في كل خطبه ودروسه، ولا يميل إلى التَشديد و لا التعسير، ويفتح للناس أبواب رحمة الله تعالى الواسعة، ويمزج ذلك بتخويف لا يقنطهم من رحمة الله تعالى.
  • كما كان رضي الله عنه شديد الأدب في الحديث عن العلماء جميعاً، فلا يجرِّح أحداً من المعاصرين! حتى ولو أخطأ بل يلتمس له العذر ويبرر له موقفه ومع ذلك يقرر الصواب بطريقة حكيمة، وقد كان للشيخ رضي الله عنه مواقف مشهودة فى الكثير من القضايا الفكرية التى راجت وقتها وشغلت الناس والعلماء فأصاب من أصاب وأخطأ من أخطاْ وأتى كثيرون للشيخ لينصر رأياً ما على صفحات الجرائد أو يقول فى فلان أو علان؛ ولكن الشيخ رضي الله عنه كان يقول للجميع دائماً: إياكم ولحوم العلماء فإن لحومهم مسمومة! لا تخوضوا فى أعراض العلماء وإن أخطأوا فإنه لكل جواد كبوة! وكثيرا ما كان يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المواضع: { اتَّقُوا زَلَّةَ العالمِ، وانْتَظِرُوا فَيْئَتَهُ }[5]، .. أما العلماء السابقون فيترضى عنهم أجمعين.
  • وكان لا يؤيد من يحفظ الخطب أو يستظهرها ثم يلقيها! ويقول لنا: مفهما وشارحاً: { نحن لا نحب لأحد من إخواننا أن يحفظ الخطب ثم يكررها بالنص، ولكن يفهم المحتوى ثم يعبِّر عنه بأسلوبه } .. فنعم المربي رضي الله عنه كان لنا، فجزاه الله عنَّا خير الجزاء بمغفرة ورضوان وخير في الدنيا والآخرة.
  • وكان رضى الله عنه يخرج لصلاة الجمعة بالمساجد المتعددة أو الزوايا البعيدة بمحافظة بورسعيد وكان إذا حضر المسجد يفسح له خطيب المسجد ليخطب الجمعة بالطبع، ولكنه كان لا يصعد المنبر إلا إذا إستأذن الخطيب، وكانوا يحرجون من استئذانه لهم وهو العالم الجليل قبل المدير! ولكنه يفعل تنفيذا للسنة ورفعة لشأن الخطيب فى مسجده ولو كان زاوية صغيرة.
  • وكانت للشيخ مهابة ووقار، وإذا دخل المساجد فبلا تكلف ولا تصنَّع! وكان يقول يا بنى لا أقدر أن أتصنَّع أو أتقعَّر فى الكلام أو أقلب أنفى مثل بعضهم ولا يسمِّى أحداً! ولكنه كان أشد الناس تأثيرا بما حباه الله! وفى جمعة زار مسجدا وكان محتقن الأنف لا يمكنه الخطابة ورفض شيخ المسجد أن يخطب فى وجوده وقال له لا أرقى المنبر وأنت هنا! مع أنه خطيب متمكن! فطلب الشيخ من أحد الأحباب وكان يرافقه أن يخطب رفقا بالخطيب الذى هاب أن يخطب فى وجود الشيخ.

بذل الجهد الجهيد فى الدعوة مع الرغبة فى عدم الظهور

وقبل أن أختم هذه اللمحات عن ذلك الشيخ العارف الوارث كأنموذج فى طريق الدعوة المباركة، أذكر بأنه من أهم الحكم التي تعلمناها من شيخنا الشيخ محمد على سلامة رضي الله عنه – وما أكثر الحكم التي تعلمناها منه فى هذه الحياة – الأناة والرغبة فى عدم الظهور مع القيام بأعباء دعوة الله جل فى علاه!! بيذل الجهد الجهيد فى الدعوة ويخلص أشد ما يكون الإخلاص مع الرغبة الصادقة فى عدم الظهور … وقد كان يقول لى : { أنا كالجندى المجهول،..أعمل  ولا أريد أن يعرفني أحد  } !! وذلك هو الجزء الأساسي للداعي، فإذا كان الداعي يحب الظهور! فحتى لو كانت له أنوار.. فأنواره فى أفول!!

وعلى الداعي أن يكون عمله خالصاً لوجه الله، ولا يريد أن يعرف عنه شيئاً قليلاً أو كثيراً إلا مولاه جل فى علاه فلا يحدث عن نفسه ولا يتحدث، ولذا كان رضي الله عنه كثيرا ما يقول: { يابنى اعمل ولا يهمك معرفة شيخك أنك تعمل، لأنك تعمل لله! لا لشيخك! } .. ولذا لديـنا علامـة، إذا جـاء الداعى أو المنسوب للدعوة وقـال أنا كـذا وكـذا! نقول له: أنت لا تفلح! مـن قـال أنا فقـد نـأى!

عمـن تتكلـم إذاً ؟ تتكلم عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو الصالحين من عباد الله، أمـا أن أتكلم عـن نفسى فما الذى معى حتى أفـعل ذلك ؟ فإنهم لو عينونى خـادماً على أعتـابهم فيا هـناى وقـد قـال الأمام أبو العزائم رضي الله عنه فى ذلك :

قبلت نعل محمد يا فرحتى .. أنا خادم الأعتاب فافهم مكانتى

وحتى لو تكلم الداعي عن شيخه ! فعليه أن يتكلم عن شيخه وحسب!، لا عن نفسه من خلال كلامه عن شيخه – فهو إن فعل ذلك فإنه يريد الظهور ! وفى هذه الحالة فإنه مسكين !ويريد أن يرجع مرة أخرى للسير والسلوك إلى ملك الملوك عزوجل ، فماذا يجب على الداعي ؟ …. يجب عليه أن يظهر كمال الله وجمال الله للمؤمنين بالله ، وأدب رسول الله وأخلاقه للموحدين بالله، وجمال دين الله لغير المؤمنين بالله! ليدخلوا فى دين الله – وهذه هى وظيفة الداعى: فهو يكلم المؤمنين عن جمال الله ليعشقوا الله، أو عن حبيب الله لكي يتخلقوا بأخلاقه، أو يوضح لهم ما غاب عنهم من شـرع الله، ومع غير المؤمنين يكلمهم عن جمال هذا الدين لكي يدخلوا فيه،  ولذلك قال أبو العزائم رضي الله عنه: { إذا رأيت الرجل يشطح لسانه فى أسرار مزيته! فاعلم أن ذلك من نقصٌ فى مقام عبوديته }

أى ليس له مقام فى مقامات الرجـال ومازال فى التربيـة فـلا يصح الوصـول إلا إذ قلـت ( منه وإليه وبه وله ) فلا يجـوز أن تقـول منى ولا لى ولا عندى ولا بى!!  لأنه بذلك تكون لك ( أنانية ) تشارك بها رب البرية عزوجل.

وقد حذرنا الصالحون ممن قالوا ذلك فى القرآن، فمنهم من قال أَنـَا رَبُّكُـمُ الأَعْـلَى! ومنهم القــائل أَلَيـْسَ لِي مُـلْكُ مِصْرَ!، ومنهم من قال أُوتِيتُـهُ عـَلَى عِـلْمٍ عِنـدِي!، وقد حـذر الصالحون من قول هذه الألفاظ: لا أنا! ولا لى! ولا عندي!، فماذا تقـول إذاً؟ .. تقول (وَلِلّهِ مُـلْكُ السـَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، أو (هـَذَا مِن فَضـْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)، أو (هذا بالله ولله ومن الله وإلى الله وأنا عبد ضعيف أجرى الله عزوجل الخير على يدي للخلق الله! فماذا معي؟ لا حول ولا قوة لأي عبد إلا بمولاه جلّ فى علاه)! أو مثل ذلك !

ومن نماذج بذل الشيخ محمد على سلامه t الجهد الجهيد فى الدعوة فى جميع الأوقات مع رغبته فى عدم الظهور! الكثير مما قصَّه علينا من نثق بهم من إخواننا اللذين كانوا يصحبون الشيخ فى بورسعيد .. ومنها على سبيل المثال:

w أنه كانت فتنة فى نهاية السبعينات وبدايات الثمانينات مع الجماعات المتشددة بخصوص ميعاد الفجر والفجر الصادق، وصاروا يشككون الناس فى بداية صيامهم فى رمضان ويفتعلون المشاكل على أبواب المساجد عند صلاة الصبح، وصارت فتنة أخرى إذ يريدون أن يجبروا الناس والمحال والسيارات على التوقف أثناء أداء صلاة الجماعة الأولى فكانوا يفترشون الشوارع الرئيسية ويمنعون مرور السيارات بحجة إقامة الصلاة ويريدون منع المحلات أن تفتح أثناء أداء الجماعةة الأولى، وكان أغلب المشايخ فى هذا الوقت عندما بدأت هذه الأمور يمتنعون من مواجهة هؤلاء ويتجنبونهم لغلظة ألفاظهم وعدم إحترامهم للعلماء، ولكنه كان رضي الله عنه يقول أنا رجل مسؤول أمام الله! لا أتراجع عن أداء واجبى نحو المجتمع ونحو هؤلاء أنفسهم لأبين لهم وجه الخطأ فيما يفعلون, وعلى أن أعين الناس فلا يتشتتون بتلك الفعال أو بالآراء الشاذة!، وكم جالسهم الشيخ وناقشهم ليبين لهم وجه الصواب إذ تجنب الكثيرون المواجهة، وكان رضي الله عنه مؤيد الحجة بالله حاضرا دائما.

وقد أخبرنى أحدهم إذ صحب الشيخ ليقيم الحجة على هؤلاء ببطلان تشديدهم على المجتمع وتقليدهم الأعمى لغيرهم أنه ذهب مع الشيخ وحده أو مع نفر آخر، للقاءهم بإحدى القاعات وإذا بهم أكثر من عشرة أفراد ومع كل واحد عشرات الكتب والمجلدات والمراجع ليستشهدوا بها والشيخ وحده وليس معه إلا الله، وقد وضعوا المراجع الضخمة أمامهم على طاولة الإجتماعات، وإذا بالشيخ يسألهم ما هذه الكتب؟ فيقالوا هى مراجع التراث لنستشهد بها! وأنت أين مراجعك التى ستستتند إليها؟ فقال لهم برحمة ومحبة تأخذ بالقلوب وتلين الحديد:

يا أبنائى إنَّا والله قد درسنا تلك الكتب والمراجع كلها عبر سنوات عديدة وعرفنا محكمها ومتشابها ومنسوخها! قويها وضعيفها والكثير الكثير من غيرها؛ فلما تعلَّمنا هذا كله واستوعبناه على أيدى علمائنا الأجلاء ومعلمينا الثقة الفضلاء.. وامتحنونا ووثقوا من علمنا وفقهنا للعلم أجازونا! وصارت مراجعنا محفوظة فى عقولنا وقلوبنا! بل وصرنا نحن مراجع للناس تبع أقوالنا من علوم الكتاب والسنة وفقه الأئمة وواقع الأمة! وسار اللقاء وتعددت أمثال تلك اللقاءات! وأثمرت حكمة الشيخ الذى لم يتقاعس ساعة عن بيان الحق! حتى إذا جاءت الإحتفالات بالمحافظة وصارت أوقات التكريم عندما تمكنوا من دحض الكثير من تلك الفتن بهذا الوقت! كان الشيخ ينيب بعض معاونيه لحضور الإحتفالات والأضواء والتكريم.

w ومنها أنهم كانوا قد طبعوا بعض أجزاء من تفسير القرآن (أسرار القرآن للإمام أبى العزائم رضي الله عنه) ثم لم يمكنهم الإستمرار لأن الأجزاء التالية بها الكثير من المواضع زال حبرها إذ كانت كلها مخطوطات باليد قد تآكلت بعض صفحاتها! ولم يجرؤ أحد على التدخل لتصحيح الوضع ليتمكنوا من طبع الأجزاء التالية، فكان أن طلبوا من الشيخ رضي الله عنه أن يقوم بهذه المهمة الشاقة والجسيمة فوافق فوراً وبلا مقابل خدمة لتراث الإمام أبى العزائم وللأمة الإسلامية قاطبة! … فكان أحد إخواننا من بورسعيد يحضر الأجزاء المخطوطة من القاهرة واحداً تلو الآخر إلى بورسعيد، ثم يقرأ أحدهم والشيخ يصحِّح الكلمات أو الجمل المبتورة أو الناقصة! وقد أتوا كثيراً إلى صفحات بها آيات عديدة مفقودة تماماً فكان الشيخ يسألهم: ما آخر المكتوب؟ فيقولون كذا! فيقول: وما أول الكلام التالى الموجود؟ فيقولون كذا! فيطرق برأسه، ثم يقول أكتبوا! ويبدأ الإملاء ويتوقف عند الموضع التالي بالكلمة كما هى على الحقيقة وكأنه يغرف من نفس المعين أو يقرأ من كتاب مفتوح، ولما تعجَّب إخواننا لتكرار ذلك؛ رأى أحدهم الإمام أبا العزائم فى الرؤيا وهو يملى على الشيخ فى أذنه والشيخ يمليهم ما يسمعه من أبى العزائم!. وقد بلغت الأجزاء التى صحَّحها الشيخ قرابة العشرة أو أكثر، وقد كتبها إخواننا بأيديهم ثانية كاملة بعد تصحيح وتحقيق الشيخ لمئات المواضع فيها، ومن العجيب أنه لما طبعت تلك الأجزاء فيما بعد نسى طابعوها أن يذكروا أن من حقَّقها وصحَّحها وأتمها هو الشيخ رضي الله عنه كأن الله يريد أن يبقى أعماله سرا بينه وبينه رضى الله عن أهل الله أجمعين!

w ومن جلى عدم حب الشيخ للظهور أن الشيخ الشعراوى كان يطوف بالمحافظات ليسجل تفسير القرآن بالمساجد للتليفزيون المصرى، فعند حضوره لبورسعيد فى بعض الحلقات والشيخ سلامة كان مديرا للأوقاف وقتها! وأضواء الشهرة مسلطة بقوة على الشيخ الشعراوى، كان الشيخ يحضر لإستقباله والقيام بواجبه وكذا المحافظ والكبار القوم؛ فإذا حان وقت التسجيل ووضع الكاميرات وترتيب الحضور والصفوف وتقاسم الكبار الصفوف الأول الظاهرة! كان الشيخ يتصرف بلباقة ويترك المعاونين والأحباب ليكونوا بالصدارة وتحت أضواء الظهور!

w وكان بعض إخواننا ممن حضروا هذه اللقاءات ببورسعيد للشيخ الشعراوى يتعجب كيف أن الله جمع الناس على الشيخ الشعراوى عليه رحمة الله، بينما الشيخ محمد على سلامه مع علو قدره ليس له هذا الظهور! فنام ليلتها وهو حزين فرأى أنهم فى نفس المسجد وهناك ستارة خلف الشيخ الشعرواى ومولانا الشيخ سلامة خلف الستارة يلقن الشيخ الشعراوى ما يقول، فقام منشرح الصدر وأخبر الشيخ برؤياه؛ فردَّ بأدبه الجم: إنما كلنا نغترف من بحر رسول الله يا بنى!.

w ومنها أن الشيخ كان يقيم بشقة متوسطة بالدور السادس بحى الكويت ببورسعيد[6] وليس بالعمارة مصعد، ولكنه كان يصعد إلي الشقة وينزل أكثر من مرة باليوم ولا يمتنع أبدا عن تلبية طلبات أبسط الناس أو العوام الذين بطلبون منه حضور مناسبة لهم ليتباركوا به فى عقد قران أو عزاء إو إصلاح بين متخاصمين أو زوجين! أو إفتتاح مكان ! وكان هذا يتكرر يوميا ! وبلا إنقطاع على مرِّ السنين! فيصعد للبيت للمرة الأولى أو حتى الثانية! فإذا جلس فإذا بأحد يدعوه للنزول مرة أخرى! فيبتسم إبتسامته الحنونة ويقول ياأخى يعنى لو قلتلى قبل ما أطلع! معلهش! هانزل معاك! وينزل جبراً لخاطره! وكان دائما ما يكرر لنا ويعلمنا ( جبر الخواطر عبادة )! فكان الشيخ يلبى عامة الناس ممن يعرفهم أو لا يعرفهم ويشاركهم مثلما – إن لم يكن أكثر – مما يلبى كبار الداعين بالأماكن الفاخرة والقاعات المعدَّة!

w ثم حدِّث ولا حرج عن مشقة المواصلات والطرقات فى تلك الأيام!!  وغالباً ما كان الشيخ رضي الله عنه يتكبد مشقة الذهاب إلى الناس البسطاء بنفسه ليشاركهم مناسباتهم التى يدعونه إليها! فلم يطالبهم أبداً بوسيلة تقله ليحضر عندهم! ولا يسألهم إلا عن العنوان! ثم يتولى هو الحضور بنفسه مع بعض أحبابه إن توفر أحدهم! وكانوا جميعا فى هذا الوقت لا يملكون السيارات! فكان يذهب بالمواصلات العامة سواءً ببورسعيد أو خارجها! وقد تعلمنا هذا من الشيخ من وقتها وصار هذا حالنا إلى الآن فى جميع مناسباتنا ولقاءاتنا.

w وفوق هذا كله كان الشيخ إذا ذهب بمناسبة لعيادة مريض أو حضور زفاف أو غيرها مما تعوَّد الناس أن يتهادوا فيه! فقد كان يهديهم كما يقتضى الحال ربما ببعض المال أو بمصحف وكان يكتب الإهداء ويؤرخه! ويدعو لأهل المناسبة ويشكرهم كثيرا على حسن استقبالهم وضيافتهم وربما لم يتناول أكثر من الماء أو الشراب عندهم ويشعرهم بأن القليل الذى بذلوه كثيراً، ولا ينسى الشيخ واجباته أبداً ولو كان هؤلاء الناس ليسوا من معارفه أصلا … ولكنه رضي الله عنه كان يرى الواجب العام للداعى إلى الله وأن المجتمع كله أهله وإخوانه وهكذا كل مسلم كما أخبر الحبيبصلى الله عليه وسلم ، فكان رضي الله عنه يعلم الناس ذلك بالتدريب العملى وفى كل المناسبات …

w وذات مرة ذهب الشيخ لعيادة مريض بمستشفى ببورسعيد وكان المستشفى للجميع ولكن كانت إدارته غير مسلمة وكانت هناك صور وصلبان بالغرف، وفوق رأس المريض كان هناك صليبٌ معلقٌ فلم يتحرج الشيخ أن يقول للممرضة ألستم تحرصون على الصحة النفسية لمريضكم؟ فإن كان مريضكم مسلما وجب عليكم أن تراعوا هذا فلا تجعلوا تلك الرموز فوق رأسه لأن هذا يضر بصحته النفسية بل وجب أن تحضروا له قرآنا مثلاً أو شيئا يناسب المريض.

w وسافر الشيخ يوماً من بورسعيد إلى قرية بدمياط لزفاف إبن بعضهم وكان وقته ضيقاً جداً! ومع ذلك تجشَّم صعوبة المواصلات وذهب مع أحد أحبابه لتهنئة العريس فى بيته وأعطاه هديته، ورأى الشيخ ببصيرته النورانية وجود بعض العادات البالية المنكرة لفض البكارة فى هذه البلدة بالأصبع أو بآلة، فلما خلت الغرفة أوصى الشيخ العريس بالطريقة الشرعية للدخلة، وحذَّره صراحة مما هو منتشر ببلدتهم من العادات القبيحة وأن هذا له حسابه، فإن اتبع السنَّة وُفِّق؛ وصار، وأسهم الشيخ فى نبذ هذا المنكر، فكان الشيخ لا يترك فرصة إلا ويعطى حق الدعوة لله فيها! ثم شربوا شرابا ورجعوا ثانية لبورسعيد بالمواصلات ولم يستريحوا.

w وكان إذا سافر بسيارة خاصة مع أحد فلا يتناولوا من الحديث إلا ما يلزم، ثم يأمر أحداً أن يقرأ شيئا من كتب أبى العزائم ويبدأ بتفسيره ، أو من كتاب الله ويشرح ما تيسر منه، أو إن كان لأحدٍ سؤالٌ أو ما شابه ذلك أجابه! وأحدهم يكتب وراءه إذ لم يكن المسجل الصغير قد انتشر بعد ولا الرقمى قد ظهر!، وفى مرة نام الشيخ من التعب وهم يقرِؤن القرآن بصوت خفيض فلحن أحدهم فى القراءة فصحَّحها الشيخ له وهو نائم ولم يستيقظ؛ فكان حتى فى نومه مع الله.

وسأختم كلامى عن الشيخ هنا بأقوال أو مواقف اتخذها الشيخ فى أحوال خاصة أو سريعة لا تلحظ بالعين العابرة! ولكنى أذكرها لتعلموا أن الشيخ كانت كل أوقاته بل وأنفاسه بلا مبالغة! لله وفى الله وفى الدعوة لله بياناً و فعلاً أو نصحاً للخلق وتحبيباً لهم فى ربهم! وإحياءاً لسنة نبيهم r الذى خاطبه مولاه سبحانه وتعالى قائلاً :

( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) (الأنعام)

w الموقف الأول: كان الشيخ قد عُيِّن ببورسعيد نائبا لمديرية الأوقاف، ثم أتته الترقية لمنصب المدير! لكن بعضهم ولإعتقادهم أن الشيخ بتاع ربنا! تمكن إدارياً من تأخير الترقية! وكان الشيخ الأحق بها؛ فقال رضي الله عنه لنا: يا ابنائى لست والله فى حاجة لمنصب دنيوى لأنى كلى لله! ولكن إن تركت حقى استنَّ بى الناس وتركوا حقوقهم فأكون مخالفاً للسنة؛ لكنى أسعى لحقى إحياءاً للسنة لأن أهل الشرِّ زادوا لما تخاذل الناس وتقاعسوا عن طلب حقوقهم! وقد كان، فأيده الله وعاد حقه، وإنِّى والله قد وعيت هذا الدرس جيداً فكم أحذر إخوانى الدعاة كثيراً: إن الناس تنظر لكم وتقتدى بكم وإن لم تشعروا! فلا تفعلوا شيئاً أيها الدعاة إلا بعد أن تتأكدوا من أنكم على السنة أياً ما كان الفعل وإن صغر، فإن لم تتأكدوا جليَّاً من مطابقة الشرع فسلونى! لإن الحبيب عاتب أصحابه لما فعلوا ذلك مرة: { أو أنا بين ظهرانيكم! } أى كيف لا ترجعون لى وتسألونى وأنا بينكم! فاسمعوا واعو!

w الموقف الثانى: قال الشيخ لأحدهم فى موقف رأى فيه رحمته الكبيرة ورقى معاملته لأهل بيته رضي الله عنه فتعجب منها: ” يابنى بيقولوا على لما باعمل كده باسمع كلام مراتى ودى مش أصول! ياإبنى إمشِ زى الرسول! وسيب اللى يقول يقول!”.

w ويوما ما قال الشيخ لأحد إخواننا الذى كان كثير البذل فى السرٍّ لأهله وإخوانه؛ يطيِّب خاطرهم فى كلِّ الأوقات ولا يطالبهم بمثل معاملته لهم فقال له: يابنى لا تظن أن الله يخفى عليه ما تفعل سراً! إن الله يراه ويثيب عليه الخير العميم وفوق ما تظن من النعيم! .. وقد صدق ورأينا ذلك! ..

w وفى موقف آخر قال له أحد الأحباب ياسيدى إن الله أكرم بعض زملائى فجالهم عقد وسافروا للعمل بالسعودية! فقال له على الفورا معلِّما ومنبِّها : وهوه اللى يجيله عقد بالسعودية يبقى ربنا كرمه! فاعتذر الأخ على الفور وقال عفواً ياسيدى هكذا يقول الناس! ولكن الشيخ لم يترك الكلمة العابرة تمر دون أن ينبه أبنائه لحقائق المعانى وبصائر الأمور وإن كانت عابرة!

أسأل الله تعالى ….. أن يجعل هذا الكتاب معينا لأهل الإيمان لمعرفة شعب الإيمان وأن يجعل سير الصالحين نوراً للسالكين وترويحاً للطالبين …

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه المباركين .. وسلم فى كل وقت وحين تسليماً كثيراً إلى يوم الدين ….

[1] طفنيس 20/1/1429هـ 28/1/2008م، (الجزء الأول) والباقى أضيف من مواقف ولقاءات أخرى.

[2] أى حوالى عام 2006 م.

[3] ترتيب المدارك وتقريب المسالك.

[4] الحكمتان وردتا فى العقد الفريد والبيان والتبيين.

[5] سنن الكبرى للبيهقي  عن عبدالله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده y.

[6] وقد أنتقل الشيخ إلى جوار ربه ولم يغير تلك الشقة ومازالت زوجته تقيم بها إلى الآن ببورسعيد.

الفهرست

مقدمة المحقق بقلم الشيخ فوزى محمد أبوزيد 3
أمثلة فى فقه دعوة الشيخ محمد على سلامة إلى الله 4
من هدى الشيخ سلامة فى خطبة الجمعة 9
بذل الجهد الجهيد فى الدعوة مع الرغبة فى عدم الظهور 11
من نماذج البذل فى الدعوة إلى الله مع الخفاء 12
أقوال ومواقف سريعة وثاقبة 17
تقديم الطبعة الأولى 19
مقدمة شعب الإيمان 21

شعب الإيمان

 

رقم شعبة الإيمان إسم الشعبة صفحة
الأولى الإقرار والإعتراف 25
الثانية إقامة الصلاة 27
الثالثة إيتاء الزكاة 29
الرابعة صوم رمضان 30
الخامسة الحَجُّ 31
السادسة العُمْرَةُ 32
السابعة الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ورسوله 33
الثامنة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر 36
التاسعة الإحسان إلى الوالدين 38
العاشرة إعطاء القريب حقه 40
الحادية عشر صلة الأرحام 41
الثانية عشر إكرام الجار 43
رقم شعبة الإيمان إسم الشعبة صفحة
الثالثة عشر رعاية اليتيم والمحافظة على ماله 46
الرابعة عشر حقوق الأزواج على بعضهم 48
الخامسة عشر شهادة الحق 52
السادسة عشر أداء الأمانة إلى أهلها 53
السابعة عشر الوفاء بالعهد والوعد 55
الثامنة عشر الإخلاص 57
التاسعة عشر الصدق 58
العشرون حسن المعاشرة والمعاملة 60
الحادية والعشرون رعاية الآباء لأبنائهم 61
الثانية والعشرون إتقان العمل 63
الثالثة والعشرون توفية الكيل والميزان والمقياس 64
الرابعة والعشرون التفكر في مخلوقات الله تعالى 65
الخامسة والعشرون الذكر 67
السادسة والعشرون الشكر 70
السابعة والعشرون الصبر 71
الثامنة والعشرون الحلم 72
التاسعة والعشرون التواضع 73
الثلاثون الزهد 75
الحادية والثلاثون الإيثار 76
الثانية والثلاثون الرضى 78
الثالثة والثلاثون الحياء 79
الرابعة والثلاثون الإحسان 80
الخامسة والثلاثون الإيقان 84
السادسة والثلاثون الورع 86
رقم شعبة الإيمان إسم الشعبة صفحة
السابعة والثلاثون التوسط في الأمر 88
الثامنة والثلاثون المحاسبة 89
التاسعة والثلاثون المراقبة 90
الأربعون التقوى 91
الحادية والأربعون النصيحة 95
الثانية والأربعون المداراة 96
الثالثة والأربعون حفظ السر 97
الرابعة والأربعون المسارعة إلى الرحمة والمغفرة 99
الخامسة والأربعون الفرح بفضل الله ورحمته 101
السادسة والأربعون الخوف والرجاء 102
السابعة والأربعون الإنتباه واليقظة 104
الثامنة والأربعون الإفتقار إلى الله 105
التاسعة والأربعون المحافظة على الوقت 106
الخمسون عمارة الدنيا 107
الحادية والخمسون الإصلاح بين الناس 109
الثانية والخمسون غض البصر وحفظ الفروج 110
الثالثة والخمسون الاستعفاف 111
الرابعة والخمسون الاستئذان 112
الخامسة والخمسون ظن الخير بالمؤمنين والمؤمنات 114
السادسة والخمسون حب الله ورسوله وأهل بيته 115
السابعة والخمسون القناعة 117
الثامنة والخمسون إكرام الضيف 118
التاسعة والخمسون الإفساح في المجالس 120
الستون الحب في الله والبغض في الله 121
رقم شعبة الإيمان إسم الشعبة صفحة
الحادية والستون التآخى في الله 122
الثانية والستون عيادة المريض 125
الثالثة والستون تشييع الجنازة 127
الرابعة والستون إمهال المعسر 128
الخامسة والستون إكرام العلماء 129
السادسة والستون طلب العلم 130
السابعة والستون قراءة القرآن 131
الثامنة والستون حفظ شئ من كلام النبوة 132
التاسعة والستون قيام الليل 133
السبعون العفو عند المقدرة 134
الحادية والسبعون حسن الإعتذار 135
الثانية والسبعون التوكل على الله 137
الثالثة والسبعون الإستغفار 139
الرابعة والسبعون التوبة 140
الخامسة والسبعون صدقة السر 142
السادسة والسبعون صلاة التطوع 143
السابعة والسبعون المحافظة على فروض الكفاية 145
الثامنة والسبعون زيارة القبور 146
التاسعة والسبعون إماطة الأذى عن الطريق 148
الخاتمة 151
نبذة عن الشيخ محمد على سلامة بقلم المحقق الشيخ فوزى أبوزيد 152
الفهرست 157

تم بحمد الله تعالى وبركة حبيبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

Fawzyabuzeid - Copyright 2023. Designed by Fawzyabuzeid